عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

الاعتیاد على المعصیة

إن من الأشیاء التی توجب سلب العنایة الإلهیة من الشخص، ومن الدار بشکل إجمالی: المعصیة، والمعاصی تقسم إلى قسمین على أحد الاعتبارات، معاصی کبیرة وأخرى صغیرة، وهو ما لا نعنیه فی بحثنا هذا. أما الذی نعنی
الاعتیاد على المعصیة

إن من الأشیاء التی توجب سلب العنایة الإلهیة من الشخص، ومن الدار بشکل إجمالی: المعصیة، والمعاصی تقسم إلى قسمین على أحد الاعتبارات، معاصی کبیرة وأخرى صغیرة، وهو ما لا نعنیه فی بحثنا هذا.
أما الذی نعنیه وباعتبارٍ ثانٍ هو: الاستمرار على المعصیة، وعدم الاستمرار علیها.
ففی بعض الأحیان تبدر من أحدهم معصیة من مثل الکذب ـ والعیاذ بالله ـ وبسبب هذا العمل السیء یجب أن یتوب المسیء ویستغفر ربّه، ولکن نرى البعض یستمر على هذه الحالة فهو یکذب کل یوم، ویغتاب کلّ یوم، ویبث الشائعات کل یوم، ویظلم کلّ یوم، وهذا خطرٌ جداً، ولخطورته الشدیدة تعرض له القرآن الکریم بشکل جلیّ حیث قال فیه:
(ثُمَّ کَانَ عَاقِبَةَ الَّذِینَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن کَذَّبُوا بِآیَاتِ اللَّهِ وَکَانُوا بِهَا یَسْتَهْزِئُونَ) (1).
فالأفراد المداومون على المعاصی، یرتفع عنهم الاعتقاد بکلّ شیء، بل ویکذبون کل شیء، ویعتبرونه خرافة.
قال الإمام الصادق جعفر بن محمد سلام الله علیه فی عدّة روایات:
"إذا أذنب لارجل خرج فی قلبه نکتةٌ سوداء، فإن تاب إنمحت وإنْ زاد زادت حتى تغلب على قلبه، فلا یفلح أبداً"(2).
لذا أطلب منکم أن تسعوا جهد إمکانکم أن لا تنقادوا إلى فعل المعاصی، وإذا ما بدر منکم ذلک، علیکم أن تستغفروا الله بسرعة، وتتوبوا إلیه توبةً نصوحاً، وحالوا أن لا تکونوا من المداومین على المعاصی والآثام.وهناک تقسیم ثالث للمعاصی وهو: قد یکون للمعصیة هیبة فی القلب، أی قد یشع الفرد بتلاطم باطنی بعد نظرةٍ شهوانیة إلى ما حرّم الله تعالى النظر إلیه ـ على سبیل المثال ـ، أو بعد أن یمارس الفرد اغتیاب أحد الخیّرین، أو یکذب.
أما فی بعض الأحیان تراه لا یشعر بشیء أبداً، لا تلاطم روحی، ولا امتعاض من عمل المعصیة، وهذا ما تجلبه المداومة على المعاصی، حیث ینعدم الإحساس بجلال وهیبة الذنب.
وإذا ما حدث ذلک، وارتفعت هیبة وجلال المعصیة من القلب کان ذلک أسوأ من الاستمرار فی المعصیة، لأن المستمرّ فی المعاصی یمکن أن یوفق للتوبة فی حال وجود تلک الهیبة والجلال من المعصیة فی القلب، لکنّ ارتفاع الهیبة والجلال لن یجعل الفرد یوفق إلى التوبة، وإذا تمکن من ذلک فالأمر لا یخلو من صعوبة بالغة.

التبرّج، إشاعة الفحشاء
إن البعض من النساء وفی حال الأعراس یستهترن بالحجاب ویبدین زینتهن بالرغم من أنهن یعلمن أنّ ذلک العمل لا خیر فیه، وأنه عمل سیء، وعندما ینتهی العرس، یتبن إلى الله ویستغفرنه، ویبکین على فعلهن ذاک، وهذا ما أسمیناه بالتلاطم الروحی.
ولکن قد یضحی ذلک الاستهتار بالحجاب عادة، من دون أن تدیر ظهرها لعفّتها، لکنها على سبیل الفرض تستاء من لفظة الزنا، وتحتقر من یمارسه وتعتبر ذلک العمل سیئاً جداً، بالرغم من أنها ـ والعیاذ بالله ـ تمارس أکثر من ذلک العمل الوضیع من خلال عدم اهتمامها بظهور شعرها ورقبتها، وتزیَّنها بشتى أنواع المکیاج، وبلبسها لقمیص نصف کُمّ، وجوارب شفافة، وتتحدث بإزار مفتوح إلى صاحب المحلّ التجاری الذی ترید منه الشراء، بل وتضحک معه وتتلطف له فی الحدیث. وهذا أسوأ من الزنا، لأنه بنظر القرآن المجید إشاعة للفحشاء، وإشاعة الفحشاء أعظم معصیةً من ممارسة الفواحش نفسها:
(إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَن تَشِیعَ الْفَاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ فِی الدُّنْیَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ یَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (3). فالمرأة التی توزّع الابتسامات هنا وهناک، وتمزح مع شباب المحلة أسوأ من تلک الزانیة، کونها تشیع الفحشاء وتشجع علیها وستلقى جزاءها فی الدنیا قبل الجزاء الذی ینتظرها فی الآخرة، وکذا الأمر بالنسبة للشاب الذی یحاول أن یمزح مع الفتیات أو النساء المتهورات سیُعدّ هو الآخر أحد المروّجین للفحشاء، وبالرغم من أن القرآن الکریم قال فی الزنا:
(وَالَّذِینَ لَا یَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا یَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا یَزْنُونَ وَمَن یَفْعَلْ ذَٰلِکَ یَلْقَ أَثَامًا) (4).
یکون الترویج للفحشاء أعظم معصیة من الزنا الذی یلقى فیه المرء أثاماً، کونه یُعلِّم البقیّة من الحمقى على هذه السبیل المنحرفة مما یجرّ المجتمع إلى ویلات ومصائب فی الدنیا والآخرة.
إن بعض النساء تتعود على تلک الحالة من عدم الالتزام بالحجاب الکامل، لأن هیبة المعصیة على ما یبدو ذهبت من قلبها وأضحى الأمر عادیاًّ جداًّ بالنسبة لها، فهی تجلس عند شقیق زوجها وتتحدث إلیه بدون حرج، وتمزح معه، وتریه زینتها، وتکشف له عن ساقها وعضدها، وکأن الأمر طبیعی؛ وهنا یکمن الخطر الذی یجرّ المجتمعات إلى أسفل السافلین.
لذا، فالإنسان المخطیء أو المسیء علیه أن یستغفر ویتوب، ویعد ربّه بعدم الإتیان بذلک الخطأ مرّة أخرى، فإذا لم یر نفسه على هذه الصورة فلیعلم بأن هیبة المعصیة ذهبت من قلبه، وأضحى الأمر طبیعیاً بالنسبة له لامتلاء قلبه بالندب السوداء التی تأتی بها تلک المعاصی والمساوئ.
وبناء على ذلک أوصی النساء، کل النساء بعدم ارتداء الجوارب الشفّافة فی هذا الصیف الآتی، وأطلب من الرجال أن یمنعوا نساءهم من ارتداء هکذا جوارب تتیح للناظر رؤیة ما تحتها.
إن أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب"علیه السلام" کان فی أیامه یقول للأصبغ بن نباته ما مضمونه: "سیأتی زمان على أمّة محمّد(صلی الله علیه وآله وسلم) تکون فیها النساء کاسیات عاریات" بعد ذلک یضیف: "وذلک زمان الفتن وإن تلک النساء سیذهبن إلى جهنم لیخلدن فیها".لذا أقول للسیدات! لا بأس من لبس جورابین ـ زوج من الجوارب ـ کیلا یتبین الناظر أرجلکن، واحذرن لبس الملابس التی تکون أکمامها قصیرة، وإذا أردتن إعطاء الکاسب ثمن ما تشترین منه، فما علیکن إلا أن تفعلن ذلک بکل عفّة، وأکثر من هذا أطلب منکن وأقول: إذا تأتى لأحدهم أن یتحدث إلیکن، ویترقق بالحدیث فما علیکن إلا أن تکن جدیات غیر ممازحات، وکذا أود القول للرجال الذین إذا اتفق أن یتحدث إلیهم النساء، فما علیهم إلا أن یکونوا ملتزمین بالشرع الإسلامی مبتعدین عما یمکن أن یعتبر مزاحاً، أو ملاطفة.
إن إحدى الصفات التی یجب أن تمتاز بها السیدات والتی اعتبرها الإسلام من الصفات الحمیدة بالنسبة للمرأة هی التکبر مقابل الأجنبی، وإن إحدى علامات المرأة المؤمنة عدم التبسم والجدیّة أثناء الحدیث مع غیر المحارم، لإدراکها بأن المزاح والتبسم وما إلى ذلک حرام إلا مع من أحلّ الله لها.
نقل المرحوم ثقة الإسلام الکلینی رضوان الله تعالى علیه روایة فی کتابه "الکافی" جاء فیها عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد"علیه السلام" ما مضمونه: "لو حرّکت امرأة بمزاح شهوة رجل کان على الله أن یُبقیها فی جهنم مائة عام".
على أیة حال ینبغی على الکسبة أن یحذروا التمادی فی القول! ولیعلموا بأن الأموال التی تستحصل من هکذا طرق، وتصرف فی البیت، ستکون وبالاً على ذلک البیت، ومانعة لنزول البرکات.

تبریر المعصیة
للمعصیة تقسیم ثالث غیر تلک التی ذکرنا سابقاً وهو: قد یرتکب أحدهم معصیة ثم یعترف بذلک، وقد یرتکب فرد معصیة ثم یبرّر معصیته، وهو ما یعدّ أکبر الأخطار، کأن یقول على سبیل المثال أنه متمدن أو متحضر ولذا یراه الناس یمزح کثیراً مع النساء، ویسعى کلما سنحت له الفرصة للتحدث إلیهن، أو أن بعض الفتیات یبدین زینتهن، وأعناقهن ویرتدین لباس الشهرة مبررات ذلک على أنه تمدّن، أو قد تتحدث إحداهن إلى بعض الشباب وتمزح مع هذا، وتضحک مع ذاک معتبرةً ذلک ثقافةً وحضارةً ـ والعیاذ بالله ـ.
وقد یغتاب البعض عدّة من الأفراد ویبرر ذلک على أنه غیبة ثوریة، أو غیبة حزب اللهیه، ویتهم فلاناً من الناس تحت طائلة الثوریة لا تحت طائلة المعصیة، بل قد یقول إن ما أفعلّه عین الصواب وإن فیه الأجر والثواب.
إن البعض من الجهلة یشیعون الکثیر من الافتراءات تحت عنوان السیاسة، ونسمع بین الفینة والأخرى أحدهم یقول: ینبغی أن یکون سیاسیاً، لذا یجب أن أشیع بعض المسائل التی تسهم فی دخولی إلى ساحة الأوضاع السیاسیة، وإذا ما قیل له بأن ما یفعله حرام، وغیر جائز؟ یجیب وبکل صلافة: بأن ذلک من ضمن السیاسة، فهو یغتاب، ویتّهم ویکذب، ویرّوج الإشاعات تحت طائلة السیاسة، أو بعنوان الثوریة.
إن أمثال هذا الذی ذکرنا خطرٌ جدّی على المجتمع، وأخطر من کلّ شیءٍ سواه، لذا أطلب منکم الامتناع عن ممارسة المعاصی الکبیرة والصغیرة کونها تبعث على السقوط والانحطاط، ولی طلب آخر أکبر من الأول قلیلاً وهو: أن تحذروا خروج جلال المعصیة من قلوبکم، والذی یتأتى من المداومة على ممارسة المعاصی، فإذا ما ذهب الجلال من القلب بدأ صاحبه بتبریر معاصیه وآثامه، وهذا هو عین الانحطاط، وفیه یکمن الخطر لأنه یمنع الإنسان من التوبة، ویمنعه أیضاً من نیل شفاعة الرسول الأکرم(صلی الله علیه وآله وسلم) وأهل بیته الأطهار سلام الله علیهم.إن الذی یجب أن أذکره هنا ـ للأسف ـ والذی هو موجود فی جمیع البیوت: المعصیة، بل المعاصی التی ذهب جلالها من قلوب أصحابها فأصبحوا یبررون ما یفعلون على هواهم، وهذا لا یقتصر على شریحة معینة من الشعب بل یشمل التاجر، الموظف، العالم، الفاسد، الثوری، وغیر الثوری.
إن هذه القضیة یمکن أن نعتبرها مصیبةً وبلیّةً، ولو نزفت عیوننا دماً علیها لکان قلیلاً، والجدیر بالذکر أن تلک المعاصی کثیرة ومتنوعة فمنها الغیبة والنمیمة، ومنها التهمة، والشائعة، وما إلى ذلک من المعاصی الکبیرة والصغیرة التی هی أساس تأخر المجتمع الإسلامی.
إن البعض من البیوت تحتوی على مسائل متدنیّة ووضیعة تسهم کثیراً فی إتلاف نفسیة الطفل الذی یعیش فی ذلک البیت من قبیل أشرطة الموسیقى المبتذلة، والأغانی ناهیک عن اقتناء البعض لأجهزة الفیدیو التی یستخدمها الکثیر فی عرض الأفلام المثیرة للشهوة.
إن بحثنا الحالی لا یرتبط بهذه المسائل، ولا نرید التعرض لها، لکننا نقول مثلما قال الإمام الصادق جعفر بن محمد"ع" لمثل هؤلاء إذ قال لهم: "یالله".
قال أحدهم للإمام الصادق جعفر بن محمد"ع": "إن لی جیراناً لهم جوارٍ یتغنین ویضربن بالعود، فربّما دخلت المخرج فأطیل الجلوس استماعاً منی لهنّ، فقال الإمام الصادق علیه السلام: لا تفعل، فقال: والله ما هو شیء آتیة برجلی، إنّما هو سماعٌ أسمعه بأذنی؟ فقال علیه السلام: یالله! أنت أما سمعت الله عز وجل یقول: (إن السمع والبصر والفؤاد کلّ أولئک کان عنه مسؤولا؟!) فقال الرجل: کأننی لم أسمع هذه الآیة من کتاب الله عز وجل من عربیّ ولا عجمیّ! لا جرم أنی قد ترکتها وأنا أستغفر الله تعالى..."(5).
إنهم لیسوا من أهل الغناء، ولا من أهل الموسیقی، ولا من أهل أجهزة الفیدیو، والمناظر المثیرة للشهوات، لأنهم یعلمون جیداً بأن هذه المسائل تذهب ببرکة المنزل، وأنها محرّمة، وأن الطفل الذی یکبر فی مثل هذه البیوت لا یؤمل منه خیراً أبداً.إن علماء النفس یؤکدون على أن الطفل الذی ینشأ فی مثل هذه المجتمعات لا یمکن أن یکون إلا وضعیاً، ضعیف النفس، وإن الإسلام العظیم ینظر إلى هذه البیوت على أنها أوکار الشیاطین التی خلت ـ على حدّ قول الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم) ـ من البرکة والرحمة الإلهیة، وأن الملائکة لا تمرّ على تلک البیوت الفاسدة.

الغیبة ـ التهمة
قلیلاً ما نرى بعض البیوت ـ للأسف ـ غیر مبتلاة بالغیبة، التهمة، الشائعة، والکذب، وقلیلاً ما نرى افراداً یمتنعون عن التوغل فی هکذا معاصی خطیرة، وخصوصاً معصیة الهمز واللمز السائدة هذه الأیام، أو معصیة التجریح والاستهزاء.
فعلى سبیل المثال: یسخر الرجل من زوجته حین تطبخ غذاءً لا یستهویه، أو لا یتلائم مع طبیعة شهیّته، أو تسخر المرأة من زوجها حینما تراه وقد اشترى حاجة من السوق لا تنسجم وطبیعة ذوقها "ویل لکل همزة لمزة".
أیتها السیدة! اعلمی بأن سخریتک تلک ستدخلک إلى إحدى زنزانات جهنم الحامیة لتحترقی ولا تستطیعی فعل شیء، بل تُکرهین على القبول بتلک الحیاة الأبدیة. واعلمی بأن تلک النیران لن تحرق الجلد فقط بل تتعدّاه إلى العظم.
فالنار التی تصل إلى العظم على حد قول القرآن الکریم، حالها حال الغیبة التی تعتبر أکلاً للحم المؤمن الغائب، فلا تغتابوا أحداً، ولا تطعموا المیتة، ولا تجعلوا من بیوتهم مطاعم للجیف فتذهبوا ببرکتها، کمثل البیوت التی تذهب برکتها جرّاء لعب ساکنیها مع الکلاب والقردة.
إن تلک البیوت خالیة من البرکة، وخالیة من اللطف الإلهی، ولا ینظر الله إلیها، ولا یمکن أن نعتبر إلا نجسةً وقذرة.
جاء فی کتاب تحف العقول عن الإمام الهمام علیّ بن الحسین السجاد أنه قال: "کُفَّ عن الغیبة فإنَّها إدامُ کلاب النار".إن الذی لا یکفّ عن الغیبة سیرى نفسه بعد مدّة معتاداً علیها، أی أنها ستضحى ملکة لو لم یمتنع عن الاستمرار، وهذه الملکة هی التی ستحدد هویته، هذا بالإضافة إلى أن الغیبة ستحوّل الإنسان المغتاب إلى کلب یوم القیامة، وسیرمى فی جهنم لیکون غذاؤه تلک الغیبة التی تتجسد على شکل جیفة، ولحم میتة، وللأسف أقول: أیّ البیوت تخلو من الغیبة؟ وأیّ البیوت تخلو من الاستهزاء والسخریة؟.
أیها السید! لا تسخر من ابنک، وأنت أیتها السیدة! لا تستهزئی بابنتک ولا تحاولی تحقیرها، واسعی دائماً للحفاظ على حالة الاحترام فی داخل بیتک، ولا تجرحی کبریاء زوجک، وإذا ما حدث ذلک فستبرز الغیبة بینکما، عندها تلتهب النار فی بیتکم الذی طغت علیه الهویة الحیوانیة بدل الهویة الإنسانیة.
والأنکى من الغیبة والأسوأ هی التهمة، والفرق بینها وبین الغیبة هو: التهمة یعنی الافتراء وإلصاق ما لیس فیه به، أما الغیبة فهی کشف العیب المستور، وتشتر التهمة والغیبة بأنهما تحدثان فی غیاب الشخص فی بعض الأحیان، وتفترق التهمة عن الغیبة فی أحیان أخرى کونها قد تحدث بحضور المتهم.
أما بالنسبة للتجریح فقد أسماه القرآن المجید باللمزة.
إن الحدیث الذی قد یتبجّح به العوام من الناس، وهو شائع بینهم قول أحدهم لصاحبه لا تغتب فلاناً، فیجیب أن ما أقوله موجود فیه! وهو جواب شیطانی، لأنّ کشف العیب المستور یسمى غیبة، ومن اغتاب الناس سیضحى کلباً فی یومٍ من الأیام، أما إذا لم یکن فیه ذلک العیب فسیعتبر المتحدث من المفترین، فهل تعرف ماذا یقول الله على المفترین. إنه یقول:
(إِنَّمَا یَفْتَرِی الْکَذِبَ الَّذِینَ لَا یُؤْمِنُونَ بِآیَاتِ اللَّهِ وَأُولَٰئِکَ هُمُ الْکَاذِبُونَ )(6).
قال الإمام الصادق جعفر بن محمّد"ع":
"إذا أتّهم المؤمن أخاه انماث الإیمان من قلبه، کما ینماث الملح فی الماء"(7).وکما یتعرض الإمام الصادق"علیه السلام" فی مکان آخر ویصف هذا الذی یتهم أخاه، بالوقوف على تلٍ من قیح ودمٍ، فإن استغفر زال ذلک التل، وإن لم یستغفر بقی علیه لمدة 50 عاماً عن کلًّ اتهام، أو عن کل شائعة أشاعها فی زمن الحیاة الدنیا.
هل یمکن أن یقول أحدکم أنه لم یمارس بثّ الشائعات؟ إن المقدسین والمتدینین فی زماننا هذا لا یتأتى لهم ادعاء ذلک، فوالله ینبغی لنا أن نبکی بدل الدموع دماً على مثل هذه المصائب والبلایا، فنحن السبب فی وجودها.

قال تعالىفی محکم کتابه بصدد الشائعات:
(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِکُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِکُم مَّا لَیْسَ لَکُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَیِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِیمٌ) (8).
أی أن ما تقولونه تعوّدتم علیه، لذا تحسبونه هیّناً، ولکنه عند الله عظیم، وقال أیضاً جلّت أسماؤه:
(وَلَا تَقْفُ مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ کُلُّ أُولَٰئِکَ کَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (9).
أی علیک بالابتعاد عن الشکوک والظنون، وإذا ما سمعت شیئاً فلا ترضاه إلا بدلیل، وإذا أردت أن تقول شیئاً یجب أن یکون مسنداً، وإلاّ فإن سمعک وبصرک وفؤادک مسؤول یوم القیامة:
(الْیَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُکَلِّمُنَا أَیْدِیهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ )(10).
وفی یوم القیامة یختم الباری تعالى على الأفواه یکمّها لتشهد علیه یداه، ورجلاه، وجلده، وقلبه، وتراهم یقولون له: إنک أنت الذی کنت تغتاب، وأنت الذی کنت تستمع إلى الغیبة، وتتهم هذا وتقبل التهمة من ذاک، وتشیع الکذب هنا وهناک.
لذا ینبغی للجمیع أن یبتعدوا عن هکذا مسائل تؤدی بهم ـ لا سمح الله ـ إلى جهنم الحامیة، وعلیهم أن یفکروا بالخروج من هذه الأزمات الخطیرة.
فالزوج یجب أن یکون صادقاً مع زوجه، وکذا الزوجة یجب علیها أن تبتعد عن الکذب والدجل ما استطاعت إلى ذلک سبیلاً کی یعمّ الصدق والمحبّة والود جوَّ البیت، وکی یعم الخیر والبرکة، ویضحى ذلک البیت ممراً لعبور الملائکة.فالبیت الذی یملأه الکذب، بیت ملعون، ورائحته کریهة تعجّ منها الملائکة فی السموات العلى، فلا تعدوا أبناءکم بما لا تریدون تنفیذه، ولا یکذب بعضکم على بعض. واتخذوا من الحقیقة والإسلام منهجاً لکم، فمن الوضاعة أن یکون الإنسان الذی کرّمه الله الباری تعالى ذا وجهین.
إنّ الذی نراه الیوم فی السوق، وفی البیت، وفی الشارع، وفی کل مکان ـ وللأسف ـ هو الکذب، وکلّما زاد الکذب فی مدینة علت رائحةٌ نتنةٌ منها إلى عنان المساء فتضجّ الملائکة حینها، وتبدأ باللعن على الذی کان السبب فی تلک الرائحة الکریهة.
على أیّة حال، علینا مثلما علیکم أن نلتزم جمیعاً بقول الصدق، والإخلاص فی الحدیث، والأمانة قی نقله علّنا نحظى بریح الجنَّة التی لا یشمّها إلاّ من کان صدوقاً.
المصادر :
1- الروم/ 10
2- بحار الأنوار/ ج73، ص327.
3- النور/19
4- الفرقان/68
5- من لا یحضره الفقیه/ ج1، ص45.
6- النحل/ 105
7- الکافی/ ج2، ص361.
8- النور/ 15
9- الإسراء/36
10- یس/ 65


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الوهابية ومجزرة الحرم الشريف
السيد أبو الحسن جلوة الزواري
الاسرة والغزو الثقافي
هل يمكن أن نكون سعداء في حياتنا؟
الإمام الصادق عليه السلام والتفسير العرفاني
تكوين الأسرة المسلمة
ماذا يحب الرجل في المرأه ..
كلامه عليه السلام في النساء – الثاني
الغناء والرقص زمن الدولة الاموية
قصة مريم في القرآن

 
user comment