عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

الظهور المبارك والشرائط الموضوعية

إذا تم لدينا أن الغيبة وقعت لأسباب موضوعية، وحصلت لبعض العوائق الخارجية وعدم وجود الظروف المناسبة، فتلقائياً سوف يتم لدينا أن الظهور أيضاً منوط بالواقع الخارجي، لأنه ما دام أن تلك الموانع والعوائق باقية، وما دامت الظروف غير مناسبة، فسوف تمتد الغيبة، ولكن إذا ارتفعت تلك الموانع، وتحققت الأرضية المناسبة للظهور فسوف يتم الظهور المبارك لصاحب العصر.
الظهور المبارك والشرائط الموضوعية

إذا تم لدينا أن الغيبة وقعت لأسباب موضوعية، وحصلت لبعض العوائق الخارجية وعدم وجود الظروف المناسبة، فتلقائياً سوف يتم لدينا أن الظهور أيضاً منوط بالواقع الخارجي، لأنه ما دام أن تلك الموانع والعوائق باقية، وما دامت الظروف غير مناسبة، فسوف تمتد الغيبة، ولكن إذا ارتفعت تلك الموانع، وتحققت الأرضية المناسبة للظهور فسوف يتم الظهور المبارك لصاحب العصر.

ولنأخذ مثلاً من صدر الإسلام فأمير المؤمنين (ع) حسب ما نعتقد إمام منصوب من قبل الله تعالی ومعدّ لتطبيق الشريعة الإسلامية وتحقيق العدل في المجتمع والسير به نحو الكمال، ولكن بما أن الظروف تغيرت بعد وفاة النبي (ص)، حيث اغتصب منه المنصب، ولم يجد ناصراً وقاعدة صلبة يمكن أن تعينه عی النهوض بالأمر، وعلی حد تعبيره هو في الخطبة الشقشقية أن يده كانت (جذاء) كناية عن قلة الناصر، نراه صبر وظل جليس بيته قرابة خمس وعشرين سنة، وغاب أيضاً كما غاب الإمام المهدي (عج)، لكن غيبته لم تكن غيبة شخص وخفاء عن عيون الناس كما هو حال الإمام المهدي (عج)، ولكن كانت غيبة الدور الذي ينبغي أن يقوم به. وإن كان التعبير الدقيق هو أنه غيّب وليس غاب برغبة منه.

ولكنه بعد طول فترة غياب عن الساحة الإسلامية لما أقبل عليه الناس وبايعه المسلمون بشروطه ووافقوا باستفتاء شعبي عام علی مشروعه التغييري، نهض بالأمر وقاد المسيرة. ولهذا يقول في آخر الخطبة الشقشقية: (فلو لا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر لألقيت حبلها علی غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها).

كذلك الأمر في قضية الإمام المهدي (عج)، فإذا كان قد غاب للموانع التي تمنعه من القيام بدوره، ولعدم توفر الأرضية الكافية للقيام بذلك الدور، فإنه سيظهر عندما ترتفع تلك الموانع وتتحق تلك الأرضية اللازمة.

فإذا ما توفرت له قاعدة شعبية عريضة، قاعدة مؤمنة وواعية وصلبة ومضحية، قاعدة تكون بحجم المشروع الكبير المكلف به وهو تغيير العالم. وإذا ما تطور وعي الناس وثقافتهم واستعدادهم لتطبيق العدل الشامل، وإذا ما يأس الناس من الأنظمة الأرضية الفاسدة وتطلعوا إلی الأطروحة الإلهية، وغير ذلك من الأمور الأخری فإنه سيظهر (ع).

ويمكن استفادة ذلك من النصوص الشريفة إذا ما دققنا فيها جيداً. فروايات التمحيص والإمتحان قبل ظهور القائم (عج)، والتي ذكرت أن القائم لا يقوم حتی يمر بها الناس، عللت بإيجاد قاعدة صلبة وواعية لا تضرها الفتنة كما قرأنا في رواية النعماني عن الإمام الباقر (ع) حيث قال: «وكذلك شيعتنا يميزون ويمحصون حتی تبقی منهم عصابة لا تضرها الفتنة».

أو قوله لجابر عندما سأله متی فرجكم: «هيهات هيهات لا يكون فرجنا حتی تغربلوا، ثم تغربلوا، ثم تغربلوا، يقولها ثلاثاً، حتی يذهب الله تعالی الكدر ويبقی الصفو».

وكذلك ما رواه النعماني عن أبي عبدالله (ع) في تفسير قوله تعالی: {أتی أمر الله فلا تستعجلوه}. قال: «هو أمرنا أمر الله عز وجل، ألا تستعجل به حتی يؤيده الله بثلاثة أجناد: الملائكة، والمؤمنين، والرعب».

فهنا نهی عن الإستعجال بظهوره حتی تكتمل عنده عدة النصر، فلا يظهر إلا بعد أن يؤيد بالثلاثة: الملائكة والمؤمنين والرعب. أما الملائكة فيظهر من الأخبار أنهم حاضرون ومستعدون لنصرة الإمام (ع) في كل لحظة، وأما المؤمنون (الأنصار المؤمنون الكاملون) فالله يعلم متی يتوفرون، وأما الرعب فإن حملناه علی المعنی الإعجازي فهو يمكن أن يحصل في أي لحظه بإذن الله تعالی، وإن حملناه علی المعنی الطبيعي، أي الرعب الناتج من إمكانيات الإمام العسكرية سواء في العدة أو العدد، فالكلام فيه كالكلام في الأنصار.

وأيضاً ما رواه النعماني رحمه الله عن أبي عبدالله (ع) قال: «إن الذي تطلبون وترجون إنما يخرج من مكة، وما يخرج من مكة حتی يری الذي يحب، ولو صار أن يأكل الأغصان أغصان الشجر».

أي أنه سيبقی غائباً وإن تحمل المشاق الكثيرة حتی يری ما يحب. وقوله يری ما يحب الظاهر ما يحب من وجود القاعدة الواعية المضحية، ومن الظروف الموضوعية الملائمة علی تنوعها.

وروی نعيم بن حماد في كتاب الفتن عن رسول الله (ص) قال: «إنا أهل بيت اختار لنا الآخرة علی الدنيا، وإن أهل بيتي هؤلاء سيلقون بعدي بلاء وتطريداً وتشريداً، حتی يأتي قوم من هاهنا، من نحو المشرق، أصحاب رايات سود، يسألون الحق فلا يعطونه، مرتين أو ثلاثاً، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونها حتی يدفعوها إلی رجل من أهل بيتي، فيملأها عدلاً كما ملأوهاظلماً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً علی الثلج، فإنه المهدي».

فإن الرواية تدل علی أن بلاء أهل البيت (عليهم السلام) وتطريدهم وتشريدهم سوف يستمر إلی أن تظهر الرايات الخراسانية فينتهي هذا التطريد والتشريد. ولا يخفی أن الإمام المهدي (عج) هو خاتم أهل البيت (عليهم السلام) وقد لقي تشريداً وتطريداً، بل ورد في الأخبار وصفه بالشريد الطريد، وتشريده سوف يستمر حتی ظهور الرايات الخراسانية المؤطئة له، فإذا ظهرت ظهر وانتهی تشريده.

وكذلك ما رواه النعماني بسنده عن أبي بصير عن أبي عبدالله (ع) قال: «لا يخرج القائم (عج) حتی يكون تكملة الحلقة.

قلت: وكم الحلقة؟

قال: عشرة الآف».

وكذلك ما رواه القمي بسنده عن عبد العظيم الحسني (ره) عن الإمام الجواد (ع) قال: «يجتمع إليه من أصحابه عدد أهل بدر ثلاثمائة وثلاث عشر رجلاً من أقاصي الأرض، وذلك قول الله عز وجل (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إن الله علی شيء قدير)، فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر أمره، فإذا أكمل له العقد وهي عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله».

وهذه الرواية باستخدامها لأداة الشرط (إذا) واضحة في أن ظهوره مشروط باجتماع العدة له من أهل الإخلاص.

وهذه العدة (ثلاثمائة وثلاثة عشر) ليسوا هم كل أنصار الإمام (ع) وقاعدته الشعبية، وإنما هم أركان جبهته المباركة الذين عليهم المعول والإعتماد، وعبرت عنهم الروايات الشريفة بأنهم أصحاب الألوية وحكام الله في الأرض. والعشرة آلاف هم العدد الأولي الذي سيخرج به، وسوف يلتحق به أنصاره بعد خروجه من كل مكان.

وذكر شرط الإخلاص في أتباعه (ع) مهم جداً، إذ المدار ليس علی الحجم الكمي، وإنما علی الوصف الكيفي، فلابد أن يقيض له أتباع مخلصون أوفياء لا يخذلونه ولا يتخلون عنه في ساعات الشدة تكون قلوبهم كزبر الحديد كما ورد في الروايات الشريفة التي تعرضت لصفة جيشه.

فإذاً توفر القاعدة الشعبية المؤمنة والمخلصة، والأتباع الأوفياء المطيعين المضحين شرط في ظهوره (ع)، فإذا توفرت تلك العدة المباركة قام حينذاك بالأمر، لأنه سوف تنتفي أسباب الغيبة وموانع الظهور، فهو سوف لن يخاف القتل علی نفسه فيفشل مشروعه الكبير، لأن لديه جيش مقتدر وقاعدة موالية ومطيعة ومضحية ومخلصة لن تسلمه للقتل، وسوف ينتصر من خلالها علی أعداءه بعون الله تعالی ومدده، ولن يضطر لمهادنة الظالمين ومبايعتهم كما فعل آباؤه، لأنه سوف يكون ذا منعة ولديه القدرة علی مواجهة الظالمين، فلا تكون في عنقة بيعة لظالم.

فإذاً أسباب الغيبة وموانع الظهور سوف تختفي. فإذا ما تحقق الشرط وانتفی المانع ظهر بمشيئة الله تبارك وتعالی وإذنه.

طبعاً توفر القاعدة المثالية ليس هو الشرط الوحيد، وإنما هناك شروط أخری، ونحن لسنا هنا في صدد بيان مجموعة شروط الظهور، وإنما بيان أن ظهور الإمام المهدي (عج) كما هي غيبته ليست أمراً غيبيا مطلقاً، وإنما هو في عين غيبيته يبقی مرتبطاً بالظرف الخارجي وبالشروط الموضوعية.

فلابد أن تدرس شرائط الظهور وظروفه الموضوعية دراسة جيدة طبقاً للنصوص الوادرة لدينا وطبقاً للقواعد العقلية والدينية العامة. فكما استفدنا في باب الشروط أن توفر القاعدة الكاملة شرط في ظهوره، كذلك يمكن أن نستفيد من النصوص في باب الظروف الموضوعية أن من جملة مواصفات الأرضية للازمة للظهور أن تفشل كل الأنظمة السابقة علی الظهور في تحقيق طموح العالم بالعدل والسلام، وتيأس البشرية من التيارات الأرضية البعيدة عن الله تعالی، وتتوجه إلی الأمل الإلهي بكل قناعة واشتياق. ولعل هذا هو ما تهدف إليه الروايات التي تحدثت عن أنه عند ظهوره يصل اليأس البشري إلی أقصی درجاته. جاء في الرواية عن الإمام الباقر (ع)، والتي يتحدث فيها عن الأوضاع العالمية المزرية التي يعيشها الناس قبل الظهور: «فخروجه إذا خرج عند اليأس والقنوط من أن يروا فرجا». وفي نص آخر: «وخروجه إذا خرج عن اليأس والقنوط».

فالعالم قبل ظهوره تصل به الأوضاع المقيتة إلی حد الإختناق، ولا يری أي فرج أو مخرج للخلاص من تلك الأوضاع بعد أن يكون قد جرب كل الحلول الأرضية والمذاهب المادية، فيتطلع إلی الأمل الإلهي ويقبل عليه بكل حرارة.

وسوف يزداد هذا التطلع والإهتمام بالإمام المهدي (عج) بعد اقتراب مؤشرات الظهور وحدوث بعض العلامات المؤذنة به. جاء عن الإمام علي (ع): «إذا نادی مناد من السماء "إن الحق في آل محمد" فعند ذلك يظهر المهدي علی أفواه الناس، ويشربون حبه، فلا يكون لهم ذكر غيره».


source : abna
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات


 
user comment