عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

الماتریدیة

الماتریدیة

إحدى الفرق الإسلامیة التی ظهرت فی أوائل القرن الرابع الهجری فی سمرقند من بلاد ماوراء النهر. دعت إلى مذهب أهل الحدیث والسنة بتعدیل فیه یجمع بین الحدیث والبرهان،وسمیت بـ (الماتریدیة) نسبة إلى مؤسسها محمد بن محمد السمرقندی الماتریدی. اقتفت منهج المذهب الحنفی فقهاً وکلاماً.

عوامل الظهور :
ـ الصراع الکلامی فی بغداد عاصمة الخلافة العباسیة وتشعب الآراء والمذاهب فیها، واحتدام الجدل بین رؤساء المذاهب امتد إلى بقیة بقاع العالم الإسلامی ومنها سمرقند فأدى إلى ولادة الطائفة الماتریدیة.
ـ انتشار العقائد والمذاهب المعتمدة على المناهج العقلیة والفکریة آنذاک ساعد على نشوء فکرة الماتریدیة الداعیة للجمع بین الشرع والعقل وتوسیع دائرة التفکیر والاستنتاج.
ـ الوقوف بوجه المعتزلة کان یتطلب التغییر والتصدی فی مواجهة افکارها وآرائها وعرض البدیل المناسب وقد انبرى فی بلاد ما وراء النهر أبو منصور محمد الماتریدی فی الوقت الذی تصدى أبو الحسن علی بن اسماعیل الاشعری لهم فی البصرة لمناقشة نظریاتهم وآرائهم وتزعمه للمذهب الأشعری.
ـ ازدهار الحرکة العلمیة فی عصر الملوک السامانیین الذین حکموا بلاد ما وراء النهر واهتمامهم ببناء المدارس والمکتبات الدینیة مما مهد الطریق أمام الماتریدی فی إبداء آرائه واقصاء المعتزلة عن الساحة فی بلاد سمرقند وتثبیت مرتکزات فرقته العقائدیة .

النشأة والتطور :
ـ تعتمد أسس الفرقة الماتریدیة على المذهب الحنفی فی العقائد والفقه و الکلام حیث تلقَّى مؤسس الفرقة أبو منصور محمد بن محمد الماتریدی السمرقندی العلم والحدیث على ید نصیر بن یحیى البلخی وابی نصر أحمد بن العیاضی ومحمد بن مقاتل الرازی وجمیعهم من کبار علماء المذهب الحنفی، ومن هنا فقد قرر الکثیر من علماء الحنفیة ان النتائج التی وصل إلیها الماتریدی تتفق تمام الاتفاق مع ما قرره أبو حنیفة فی العقائد فکانت آراء أبی حنیفة هی الأصل الذی تفرعت منه آراء الماتریدی.
ـ کان أبو منصور محمد الماتریدی معاصراً لأبی الحسن الأشعری هذا فی سمرقند وذاک فی البصرة وکان عصرهما ملیئا بالحرکات الدینیة، کالصوفیة ورجال التصوف الکبار أمثال : أبی یزید البسطامی والجنید والحلاج، کما نشطت فیه الحرکات الشیعیة، وکانت حرکة الاعتزال فی آخر أیامها، وکان لکل مذهب علماء یؤیدونه ویأخذون بمناصرته، وقد اتفق الماتریدی والأشعری على کثیر من المسائل الأساسیة واُلفت کتب فی حصر المسائل التی اختلف فیها الماتریدی والأشعری ربما أوصلها بعضهم إلى أربعین مسألة.
ـ کان لأنصار أبی منصور الماتریدی الدور المهم فی انضاج المذهب ونصرته ونشره وإشاعته، فقد کافحوا الحشویة والوهابیة على مر التأریخ وخصوصاً فی عصر الشیخ محمد زاهد بن الحسن الکوثری، وکان على رأسهم فی تحمل تلک المسؤولیة الجسیمة کبار علمائهم ومفکریهم أمثال : أبی الیسر محمد بن محمد البزدوی وأبی المعین محمد بن محمد النسفی ونجم الدین عمر بن محمد الحنفی النسفی وغیرهم من العلماء.
ـ قیل ان الماتریدیة انبثقت من الکلاّبیة [ عبد الله بن سعید الکلابی ]، والدلیل على هذا ان اهم ماتتمیز به الماتریدیة هو القول بأزلیة التکوین وهذا ما قالت به الکلاّبیة من قبل ظهور الماتریدیة، کما ان المذهب الکلابی کان منتشرا فی بلاد ماوراء النهر وهی بلاد الماتریدی.

الأفکار والمعتقدات :
ـ قالوا : ان معرفة الله تعالى ومعرفة وحدانیته واتصافه بما یلیق بهِ واجبة بالعقل وان لم یرسل الرسل، واحتجوا بقوله تعالى ( أن أنذر قومک من قبل ان یأتیهم عذاب ألیم ).
ـ فسروا حقیقة الایمان بانه الاقرار والتصدیق ـ أی ان الاقرار شطر منه ورکن من ارکانه ـ فیکون کل من التصدیق القلبی والتصدیق اللسانی رکنان فی مفهوم الایمان.
ـ قالوا : ان الذکورة شرط فی النبوة وخالفهم الاشاعرة بقولهم انها لیست شرطاً بل تصح نبوة النساء.
ـ اعتقدوا ان القبح والحسن من اللوازم الذاتیة للاشیاء وان العقل یستطیع ان یدرک حسن الاشیاء وقبحها.
ـ وقالوا فی الافعال : ان الله تعالى خالق الاشیاء کلها فلا شیء فی هذا الوجود الا وهو مخلوق لله تعالى، واثبات الخلق لغیره اثبات للشریک، وان العبد له الکسب وهو مختار فیه وبهذا الکسب یکون الثواب والعقاب، ومعنى الکسب ان الله سبحانه اودع فی العبد قدرة یستطیع العبد ان یکسب الفعل بقدرة مخلوقة فیه ویستطیع ان لایکسبه بهذه القدرة فهو حرّ مختار.
ـ قالوا : بحدوث القرآن وان کلام الله هو المعنى القائم بذاته سبحانه وتعالى القدیم بقدم الذات العلیة واما الحروف والکلمات الدالة على هذا المعنى فهی حادثة.
ـ وقالوا : ان التکلیف لایجوز بما لایطاق لعدم القدرة او الشرط اذ ان تکلیف من منع من الطاقة فاسد فی العقل، واما من ضیع القوة فهو حق ان یکلف مثله ولو کان لا یکلف مثله، لکان لایکلف الا من یطیع.
ـ قالوا فی رؤیة الله تعالى : انها ثابتة بالنصوص وهی من احوال یوم القیامة وقد اختص علم الله تعالى بتکییفها واحوالها.
ـ قالوا : بلزوم الحکمة فی افعال الله تعالى وانه لایجوز ان تنفک عنها مطلقا وان افعاله تعالى معللة بالاغراض.
ـ وفی مرتکب الکبیرة قالوا : ان الانسان المرتکب للذنوب کبیرها وصغیرها لایخرج عن دائرة الایمان وان کان علیه حساب وعقاب، لایخلّد بالنار ولو مات من غیر توبة، وذلک لمقتضى عدل الله وحکمته بالجزاء بالمثل لا بالزیادة الا فی الثواب.
ـ خالفوا الاشاعرة فی الصفات واثبتوا ان الصفات ذاتیة لله سبحانه مثل العلم والقدرة والحیاة وانها لیست زائدة على ذاته بل هی عین الذات فقالوا : ان الله عالم بذاته حی بذاته قادر بذاته.
ـ قالوا : ان الامام اذا جار او فسق لاینعزل، لان القول بانعزال الائمة بالفسق ایقاع الفساد فی العالم واثبات المنازعات وقتل الانفس فانه اذا انعزل یجب على الناس تقلید غیره وفیه فساد کثیر.

أبرز الشخصیات :
1 ـ محمد بن محمد بن محمود السمرقندی الماتریدی ابو منصور
2 ـ محمد بن محمد بن الحسین البزدوی ابو الیسر
3 ـ محمد بن محمد النسفی ابو المعین
4 ـ نجم الدین عمر بن محمد بن احمد الحنفی النسفی السمرقندی ابو حفص
5 ـ نور الدین احمد بن ابی بکر الصابونی البخاری ابو محمد
6 ـ علی بن سلطان محمد الهروی الحنفی ابو الحسن

الانتشار ومواقع النفوذ :
اشتهر المذهب الماتریدی فی سمرقند وبخارى من بلاد ماوراء النهر.والسبب فی قلة انتشاره هو کثرة الدعایة فی عصر ظهوره ضد اهل التعقل والتفکر وصار الاستمرار على النقل المحض أولاً، لموافقته منهاج المعتزلة فی عدة من الاصول ثانیاً.

احداث ووقائع :
کثر الخلاف بین الماتریدیة والمعتزلة ونجد الماتریدی فی کتبه یرکز کثیرا فی الرد على المعتزلة وهذا مانجده فی معظم مؤلفاته، وکذلک الحال بالنسبة لاتباعه، ولکن هذا لایمنع من القول ان الماتریدیة قد تأثرت بالمعتزلة اذ ان المتکلمین جمیعا انطلقوا فی مناهجهم من اصول واحدة، کما تعتبر المعتزلة هی المؤسسة لعلم الکلام والمناهج الکلامیة وهذا التوافق والتشابه بینهما دفع بعض الباحثین الى القول بالتوافق بین الماتریدیة والمعتزلة وان الخلاف بینهما لفظی ولکن عند استعراض اهم المسائل الخلافیة والوفاقیة بینهما یتبین ضعف هذا القول وان الماتریدیة اقرب للاشعریة منها للمعتزلة.

من ذاکرة التاریخ :
ـ بعد انتشار کل من المذهب الماتریدی والمذهب الاشعری وذیوعهما التقى اتباع کلا المذهبین فحدث فی اول الامر بینهما نزاع وتنافر ثم لما تبین لهما حقیقة الخلاف بینهما آل النزاع الى الاغضاء. وهذا مما دفع کلاً من الطرفین فیما بعد الى حصر مسائل الخلاف حتى تقترب وجهة النظر ویزول النزاع. قال تاج الدین السبکی فی الطبقات : تفحصت کتب الحنفیة فوجدت جمیع المسائل التی بیننا وبین الحنفیة خلاف فیها ثلاثَ عشرةَ مسألة، منها ست مسائل معنویة والباقی لفظیة وتلک الست المعنویة لاتقتضی مخالفتهم لنا ولا مخالفتنا لهم تکفیرا.

خلاصة البحث :
ـ هی احدى الفرق الاسلامیة التی ظهرت فی اوائل القرن الرابع فی سمرقند، ودعت إلى مذهب اهل الحدیث والسنّة وجمعت بین النقل والعقل، اسسها ابو منصور محمد بن محمد السمرقندی الماتریدی.
ـ ساعد على نشوئها الصراع الکلامی بین الاسلامیین ومقدرة الماتریدی على طرح آرائِهِ وافکاره فی منهج یقتفی اثر المذهب الحنفی فقها وکلاما.
ـ انتشار المذاهب العقلیة الکلامیة فی البلاد الاسلامیة مهد الطریق امام فکرة الماتریدی الداعیة للجمع بین الحدیث والعقل.
ـ نشاط الحرکة العلمیة فی عصر الملوک السامانیین، وبناؤهم المدراس العلمیة والمکتبات کان له الدور الفعّال فی ان یبرز الماتریدی لمناقشة معتقدات المعتزلة وإقصائها عن الساحة فی بلاد ما وراء النهر.
ـ اعتمدت الفرقة الماتریدیة فی اسسها على المذهب الحنفی فقهاً وکلاما حتى کانت آراء ابی حنیفة هی الاصل الذی تفرعت منه آراء الماتریدی.
ـ طرحت الفرقة الماتریدیة افکاراً ومعتقداتٍ میزتها عن غیرها من الفرق الاسلامیة کان من ابرزها انهم قالوا ان مصدر التلقی فی الالهیات والنبوات هو العقل، وان المعرفة واجبة بالعقل قبل ورود السمع، وفسروا الایمان بأنه عبارة عن الاقرار والتصدیق، واعتبروا الذکورة شرطاً فی النبوة. وقالوا بإمکان الرؤیة الا انهم جهلوا کیفیتها. وعدّوا الحسن والقبح من اللوازم الذاتیة للأشیاء، واعتقدوا بحدوث القرآن، وقالوا بعدم جواز التکلیف بما لایطاق. وغیرها من الافکار.
ـ انتشر المذهب الماتریدی فی بخارى وسمرقند.
ـ تصدى کبار علمائهم ومفکریهم لنشر آراء هذه الفرقة ونظریاتها امثال : محمد بن محمد البزدوی ومحمد بن محمد النسفی أبی المعین ونجم الدین عمر بن محمد بن احمد الحنفی أبی حفص وغیرهم.
المصدر : تحقیق راسخون 2014

 


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الليلة الوحيدة في التأريخ
الحكومة البويهية والتشيع .
تاريخٌ يلازم الناشئة العراقية
ما المقصود بليلة الهرير؟
عید الاضحی المبارك
المحاولات اليهودية لعرقلة انتشار الإسلام
في رحاب نهج البلاغة (الإمام علي عليه السلام ...
لماذا هاجر الحسين (ع) من المدينة ؟
مکاتبات علي عليه السلام ومعاوية
نقش الخواتيم لدى الأئمة (عليهم السلام)

 
user comment