عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

قبول الخلافة

قبول الخلافة

وتحذلق بعض المترفهين بالنقد، فرأى من «التسرع» قبول الحسن للخلافة، في مثل الظرف الذي بايعه فيه الناس، بما كان يؤذن به هذا الظرف من زعازع ونتائج، بعضها ألم، وبعضها خسران.
ولكي نتبين مبلغ الاصابة في التسرع الى هذا النقد. نقول:
اما اولاً:
فلما كان الواجب على الناس ديناً، الانقياد الى بيعة الامام المنصوص عليه، كان الواجب على الامام - مع قيام الحجة بوجود الناصر - قبول البيعة من الناس.
اما قيام الحجة - فيما نحن فيه - فقد كان من انثيال الناس طواعية الى البيعة في مختلف بلاد الاسلام، ما يكفي - بظاهر الحال - دليلاً عليه. ولا مجال للتخلف عن الواجب مع وجود شرطه.
واما ثانياً:
فان مبعث هذا الانعكاس البدائي، عن قضية الحسن عليه السلام هوالنظر اليها من ناحيتها الدنيوية فحسب. بينما الانسب بقضية «امام» ان يستنطقها الباحث من ناحيتها الدينية على الاكثر. وكثير هو الفرق بين الدنيا والدين في نظر امام. والقضية من هذه الناحية ظفر لا خسارة - كما سنأتي على توضيحه في محله المناسب - وهي وان تكن معرض آلام، ولكنها آلام في سبيل الاسلام، ومن أولى من الحسن بالاسلام وتحمّل آلامه. وانما هو نبت بيته.
واما ثالثاً:
فلم يكن الحسن في رفعة مكانه من زعماء المسلمين، وفي نسبه الممتاز ومركزه من العلم، بالذي يستطيع الفراغ وان أراده عن عمد، ولا بالذي يتركه الناس وان أراد هو ان يتركهم، وكان لابد للرجات العنيفة في المجتمع الاسلامي، أن تتدافع اليه، تستدعيه للوثوب احقاقاً للحق وانكاراً للمنكر - كما وقع لاخيه الحسين عليه السلام في ظرفه.
وأيضاً. فلو ترك الناس وتجافى عن بيعتهم، أو تركه الناس وأعفوه خلافتهم، فلن يتركه المتغلبون على الناس. وانهم لينظرون اليه - دائماً - كشبح مخيف، بما يدور حوله من الدعوة الى الاصلاح، او النقمة الصارخة على الوضع، التي كان يتطوع لها مختلف الطبقات، من الساخطين والمعارضين والدعاة للّه، ولن يجد هؤلاء يومئذ ملجأ يفيئون اليه، خيراً من ابن رسول اللّه الامام المحبوب. وهل كانت الوفود التي عرضت عليه استعدادها لمناوأة الحكام الامويين واعادة الكرة(1) لاسترجاع الحق المغصوب، الا ظاهرة هذه النقمة الصارخة التي كان يعج بها المجتمع الاسلامي يوم ذاك. وأنى لسلطان المتغلبين أن يستقر ما دام هذا المنار قائماً يفيء اليه الناس.
ولنتذكر أنه قتل مسموماً. ولماذا يقتلونه وقد صالحهم وترك لهم الدنيا برمتها، لولا أنهم خافوه على سلطانهم، ورأوا من وجوده حاجزاً يمنعهم من النفوذ الى قلوب الناس ؟ وهل ذلك الا دليل انقياد الناس - في عقيدتهم - اليه دونهم ؟
وهذا كله بعد الصلح، وبعد ظهور جماعات من شيعته وغير شيعته ينكرون عليه موقفه من الصلح.
ترى فكيف كانت قوته في الناس لو انه أبى الخلافة من أول الامر، وبقي شغف المسلمين الى بيعته على حدّته، فهل كان من المحتمل، أن يظل محور الامل ومفزع الناقمين والمعارضين، ثم تنام عنه العيون الحذرة على دنياها، فلا تعاجله بما ختمت به حياته المقدسة اخيراً ؟ وهل كان الا طعمة الاغتيالات الكافرة في سنته الاولى بعد ابيه - على اغلب الظن - ؟.
فأيّ منطق هذا الذي يرى من قبول الحسن للخلافة تسرّعاً !
والخلافة - في أصلها - مقام ابيه وميراثه وميراث أخيه - على حد تعبير الامام علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام.
واما الزعازع التي لوّح بها هذا النقد، فما كانت الا خطط المناوئين في الكوفة، وليس شيء منها بالذي يضير الحسن ابان نشاط الناس معه - كما هو في ابان بيعته - وأي خليفة أو زعيم ليس له مناوئون ؟
فلم لا يكون قبول البيعة هو الارجح على مختلف الوجوه ؟.
بل هو الواجب لضرورة الوقت وللمصلحة العامة ولاحقاق الحق.
______________________________
(1) الامامة والسياسة (ص 151).


source : www.sibtayn.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ملامح عصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )
ابتکار نظرية الصحابة
غزوة بدر الكبرى أسبابها وأهميتها
مناظرة أمير المؤمنين(ع) مع رجل من أهل الشام في ...
احتجاج الإمام علي(ع) بحديث الغدير
الاسرة والحقوق الزوجية
الملهوف على قَتلى الطفوف
نساء يأكلن من خبز النفايات لإشباع بطونهن ، في ...
بعث الإسلام مجدداً وتعميم نوره على العالم:
خروج الحسين: سؤال الحرية؟

 
user comment