عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

روءى الإمام الخميني(قدس سره) في الحج الإبراهيمي

وإذ قال إبراهيمُ ربِّ اجْعلْ هذا البلدَ آمناً واجْنُبْني وبنِيَّ أَنْ نعْبُدَاْلأَصْنام )1.

   قد جرى الحديث مراراً عن الحج الإبراهيمي في الخطب التي تلقى والمقابلات التي تجرى بخصوص الحج ، ولكن قلّما وضع تحديد دقيق لهذا الحج، وأُجيب على السؤال التالي :

ما هو الحجُّ الإبراهيمي ؟

وما اختلافه عن الحجِّ غير الإبراهيمي ؟

إذن، فما أنسب أن يكون هذا الموضوع المهم محور حديثنا في ندوة الحج هذه التي تقعد في جوار مزار إمامنا العزيز، فكل مالدى الشعب وكل ما حققته له الثورة الإسلاميّة هو من بركات هذا الوجود الطاهر.

   وبالطبع فانّني لا أعتقد بأنّ هذا البحث الواسع سأتممه في هذه الكلمة، لكنني أرجو أن أتحدّث عنه بشكل مستفيض في مناسبات أخرى.

   ما هو الحجُّ الإبراهيمي ؟

الحج الإبراهيمي  : هو الحج الذي شرّعه الله تبارك وتعالى ، وأمر بأن يوءَذن به إبراهيم الخليل(عليه السلام)، (وَ أَذّن في الناسِ بالحجّ... ).

   وقد جدّد رسول الله(صلى الله عليه وآله) في عصره روح الحياة في هذا الحج ، غير أنه لم تمر مدة قصيرة على وفاته(صلى الله عليه وآله) حتى طواه النسيان ـ وللأسف ـ ، ولم يستطع مسلمو الصدر الأوّل أن يواصلوه في المجتمع الإسلامي، حتى جدّده بعد مضي أربعة عشر قرناً في مجتمعنا الإيراني رجل من السلالة الطيبة لإبراهيم(عليه السلام)ومحمّد(صلى الله عليه وآله)، وإننا نسأل الله تعالى أن يوفقنا لأداء الحج بالشكل الذي رسم لنا معالمه; الإمامُ العزيز.

   عبّر الامام عن الحجِّ الحقيقي بالحجِّ الإبراهيمي تارة، وبالحج الإبراهيمي المحمدى تارةً أُخرى ، في قابل الحج غير الإبراهيمي.

   وأنسب ما يمكن أن نصف به هذا النوع الثاني من الحج في هذه البرهة من تاريخ الإسلام هو الحج الأمريكي، ذلك أنّ أنصار الإسلام الأمريكي هم الذين يحثّون عليه، إذ لا يتضمن إلاّ شكلاً ظاهرياً للمناسك، دون أن ينطوي على محتوى مفيد، بل إنه يضرّ الإسلام والمجتمع الاسلامي لأنه يوجّه في خدمة أهداف أعداء الإسلام وأعداء الحج الإبراهيمي.

يعتقد الإمام الراحل أن الحجَّ الابراهيمي يختلف جذرياً عن الحج الامريكي، من الناحية الفلسفية ومن ناحية المحتوى ، ومن ناحية الحجاج والقائمين على أُمور الحج أيضاً.

   فما هي فلسفة الحج عند الإمام ؟ وماذا يجب أن يكون عليه محتوى الحج ؟ وكيف يجب أن يكون عليه تفكير القائمين على شؤون الحج وسلوكهم العملي ؟ وكيف يجب أن يعمل الحجاج ببيت الله الحرام لو أرادوا أداء الحج بصورته الحقيقية الإبراهيمية ؟

   استخلصتُ رؤية الإمام في هذه المواضيع من نداءاته وخطبه وبياناته التي كان يصدرها في هذه المناسبة ، سأبيّنها لحضراتكم ، وأوصي جميع الحجاج ، ولا سيما الاخوة علماء الدين بمطالعة نداءات الإمام وبياناته بهذا الخصوص ،والتي طبعت في مجلدين.

فلسفة الحج الأمريكي  :

   تتلخص فلسفة الحج الامريكي في كونه زيارة ترفيهية سياحية ليس إلاّ، وعلى حدّ تعبير الإمام ; فإن الحج الامريكي لا يخرج عن كونه سفراً ترفيهياً لمشاهدة القبلة والمدينة وتكرار سلسلة من الألفاظ المفرغة من معناها، وأداء سلسلة من الحركات الخالية من المضمون ، والحاج لا يعلم لِمَ يطوف حول الكعبة ، ولِمَ يسعى بين الصفا والمروة ؟

لا يعي لِمَ يُحرمُ ؟ وما هي فلسفة رمي الجمرات وتقديم الأُضحية ؟

وليست هناك أية علاقة بين الحج الأمريكي وبين البحث عن جواب للأسئلة  : آ«كيف تكون الحياة ، وما هي طريقة الجهاد ، وكيف يمكن الوقوف بوجه العالم الرأسمالي ؟ آ»2.

   ولا علاقة في منظار الحج الأمريكي بين الحج وبين كيفية استيفاء مسلمي العالم ومحروميه لحقوقهم وسحبها من الظالمين والقراصنة3.

   ولا علاقة بين الحج وبين وجوب أن يُطرح المسلمون في العالم كقوة عظيمة4.

   ولا علاقة بين الحج وبين طريقة تعامل المسلمين مع الأنظمة العميلة5.

هذا هو تفسير الإمام للحج الأمريكي.

   كما أنّه لا علاقة بين الحج الامريكي وبين أن يتابع الحاج معاناة المسلمين الفلسطينين على يد الكيان الغاصب للقدس.

   ولا علاقة بين الحج الامريكي وبين أهم قضية يشهدها العالم الإسلامي حاضراً في التحركات المشبوهة لقادة الدول الإسلاميّة الرامية إلى إقامة العلاقات مع الكيان المحتل للقدس وتسويغ ما تسمى بمؤتمرات السلام، حيث يتعرض المسلمون الفلسطينيون واللبنانيون هذه الأيام لأشدّ الضغوط.

   وأيضاً لا علاقة بين الحج وبين ما يعانيه المسلمون والمحرومون في أفريقيا وأفغانستان، هذا هو الحج الامريكي.

فلسفة الحج الإبراهيمي  :

   بيّن الإمام العزيز فلسفة الحج الابراهيمي بشكل جميل جذاب ، وهذه مقتبسات من عبارات هذا الرجل الجليل في تبيين فلسفة الحج الابراهيمي  :   فالحج من وجهة نظر الإمام آ«تَجَلّ وتكرار لجميع مشاهد إبداع الحب في حياة الإنسان والجتمع المتكامل في الدنياآ»6. وهذه أجمع جملة وأفضل تعبير يمكن أن نوضح فيه فلسفة الحج الإبراهيمي، ذلك أنّ الحج هو تجلّ لكل مشهد من مشاهد هذا الإبداع ، تجلّ للجهاد والايثار والتضحية والشجاعة والشهامة والوحدة والذكر والارتباط بالله ولقاءالله و...

   والهدف من الحج بنظر الإمام هو اقتراب الانسان من صاحب البيت والاتصال به، وليس الحج مجرد حركات وأعمال وألفا1 وليس مجرد النظر إلى بعض الأحجار ومشاهدة البيت. دققوا في عبارات الإمام حينما يقول  : آ«إنّ فلسفة الحج هي رؤية صاحب البيت، ولابُدّ من أن توجّه الحركات والأعمال التي تؤدى هناك في هذا السبيلآ».

   آ«إنّ مناسك الحج هي مناسك الحياة ، وعلى الأُمّة الإسلاميّة بمختلف قومياتها أن تصبح إبراهيمية لتلتحق بركب أُمّة محمّد(صلى الله عليه وآله) وتكون واحدة ويداً واحدةآ»7.

فالحجّ تنظيم وتمرين وبلورة للحياة التوحيدية.

يرى الإمام أن آ«الحج يمثل مركز المعارف والإلهية الذي ينبغي أن يؤخذ منه محتوى السياسة الإسلاميّة في جميع الأبعاد الحياتيةآ». لهذا يمكن أن تُستخرج سياسة الإسلام بجميع أبعادها من الحج كما يقول الامام.

   ولقائد الثورة العزيز الذي يواصل بحق نهج الإمام قولاً مماثلاً في حُكمه لي إذ يقول  : آ«إنّ فريضة حج بيت الله هي من جملة الفرائض النادرة التي أدرجت فيها أبعاد متعددة ومتنوعة ترتبط بالحياة الفردية والسلوك الجمعي بشكل عظيم وذات تأثير عميق في الجسم والنفس والفكر وفي السلوك الآدمي ونهجه ، لو أدّاها بالشكل الصحيح ، توفيقات كبيرة في جميع الميادين المادية والمعنويةآ».

   ومن مهمّات فلسفة الحج أيضاً في روءى الإمام بُعده السياسي ، حيث يقول  : آ« البعد السياسي للحج لا يقلّ أهمية عن بعده العبادي ، ففي البعد السياسي عبادة فضلاً عن الجانب السياسي آ»8.

   إنّ من فلسفة الحج أن يلبي صرخات الظلامة المنطلقة من فلسطين وأفريقيا وأفغانستان، بل يستجيب لكل المظلومين والمستضعفين في العالم، لأنّ الحج آ«قيامآ» : (جَعَلَ اللهُ الكَعبةَ البيتَ الحَرامَ قياماً لِلنّاس...)9.

   فـ آ« البيت الذي أُسس للقيام. وهذا القيام للناس لا بُدّ من الاجتماع فيه لهذا الهدف الكبير، وتعيين منافع الناس في تلك المواقف الشريفةآ»10. هذا هو تقييم الإمام ونظرته إلى الحج، وليست منافع الناس أن يذهبوا هناك ويجلبوا البضائع ، ويبتاعوا السلع الأمريكية التي حرّمها الإمام ، وفي توضيحه للآية الكريمة  : (ليشهدوا منافع لهم ) التي يبين فيها القرآن فلسفة الحج، يقول الإمام  :

آ«أيّ نفع أعلى وأسمى من أن تقطع أيدي جبابرة العالم والجائرين من التسلط على البلدان المظلومة، وتصبح ثرواتها العظيمة بأيدي أبنائهاآ»11.

   أجل، هذا هو النفع الأكبر، وعلى حجاج بيت الله أن يأخذوا العبر من هذه الآية في معرفة فلسفة الحج.

   ويقول الإمام عن الآية  : (وَ طَهِّر بَيْتيَ للطّائِفينَ والقائِمينَ)12. ليس المقصود التطهير من النجاسات الظاهرية وحسب، فبيت الله يجب أن يطهر ليس فقط من النجاسات الظاهرية، وإنما من الأرجاس المعنوية أيضاً التي يفوق ضررها وخطرها على المجتمع ضرر وخطر أي شيء آخر. الحج الابراهيمي هو ذلك الحج الذي يقام لتطهير بيت الله من النجاسات الظاهرية والباطنية، يقول الامام  : آ«المراد التطهير من جميع الأرجاس، وعلى رأسها الشرك، الأمر الذي بيّنه صدر الآية الكريمة آ»13. (وَاِذْ بَوَّأْنا لإبراهيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بي شَيْئاً وَطَهّر بَيْتيَ... ).

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

فضل شهر رمضان المبارك
الإقطاع في الإسلام
الخوارق و تأثير النفوس
حول قرآن علي (عليه السلام)
عاشوراء في وعْيِ الجمهور ووَعْيِ النُخبة
مواقف في کربلاء
مظاهر من شخصيّة الإمام الرضا (علیه السلام)
الاجتماع في الدعاء و التأمين على دعاء الغير
أحداث سنة الظهور حسب التسلسل الزمني
شبهات حول المتشابه في القرآن، وتفنيدها

 
user comment