عربي
Wednesday 24th of April 2024
0
نفر 0

السجود على الخُمُر والحُصر

السجود على الخُمُر والحُصر

ما مرّ من الأحاديث والمأثورات المبثوثة في الصحاح والمسانيد وسائر كتب الحديث تعرب عن التزام النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وأصحابه بالسجود على الأرض بأنواعها، وأنّهم كانوا لا يعدلون عنها، وإن صعب الأمر واشتدّ الحرّ، لكنّ هناك نصوصاً تعرب عن ترخيص النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ـ بإيحاء من اللّه سبحانه إليه ـ السجود على ما أنبتت الأرض، فسهُل لهم بذلك أمر السجود، ورُفع عنهم الاصر والمشقّة في الحرّ والبرد، وفيما إذا كانت الأرض مبتلّة، وإليك تلك النصوص:
1. عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يصلّـي على الخمرة.(1)
2. عن ابن عباس: كان رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يصلّي على الخمرة، وفي لفظ: وكان النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يصلّي على الخمرة.(2)
3. عـن عائشة: كـان النبـيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يصلّي على الخمرة.(3)
4.عن أُمّ سلمة: كان رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يصلّي على الخمرة.(4)
5. عن ميمونة: ورسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يصلّي على الخمرة فيسجد.(5)
6. عن أُمّ سليم قالت: كان [رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ] يصلّي على الخمرة.(6)
7. عن عبد اللّه بن عمر: كان رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يصلّي على الخُمر.(7)
وقد اعترض عليّ بعض المرشدين في المسجد الحرام لمّا رأى التزامي بالسجود على الحصير، وسألني عن وجهه فقلت له: إنّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ كان يصلّي على الحصير، فقال: إنّ صلاة النبي على الحصر والبواري لا يلازم السجود عليهما إذ يمكن أن يصلّـي على الحصير ويسجد على شيء آخر.
فقلت له: إنّ التفريق بين الأمرين لا يقبله الذوق السليم فانّ قوله: يصلّـي على الحصير بمعنى انّه يصلّي عليه في عامة حالات الصلاة من القيام والركوع والسجود لا انّه يضع قدميه على الحصير أو ركبتيه ويديه عليه ويضع جبهته على شيء آخر.
على أنّ في لفيف من الروايات تصريحاً بسجوده على الحصير.
1. روى أبو سعيد الخدري أنّه دخل على النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، قال: فرأيته يصلّي على حصير يسجد عليه.(8)
2. وعن أنس بن مالك قال:
«كان رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يصلّي على الخمرة ويسجد عليها».(9)
وفي ضوء الأحاديث المذكورة يتبين جواز السجود على الأرض والتراب وبعض ما ينبت من الأرض مثل الحصير المصنوع من خوص جريد النخل.

السجود على الثياب لعذر
قد عرفت المرحلتين الماضيتين، ولو كانت هناك مرحلة ثالثة فإنّما هي مرحلة جواز السجود على غير الأرض وما ينبت منها لعذر وضرورة. ويبدو أنّ هذا الترخيص جاء متأخّراً عن المرحلتين لما عرفت أنّ النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ لم يُجب شكوى الأصحاب من شدّة الحرّ والرمضاء، وراح هو وأصحابه يسجدون على الأرض متحمّلين الحرّ والأذى، ولكنّ الباري عزّ اسمه رخّص لرفع حرج السجود على الثياب لعذر وضرورة، وإليك ما ورد في هذا المقام:
1.عن أنس بن مالك: كنّا إذا صلّينا مع النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فلم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض، طرح ثوبه ثم سجد عليه.
2. وفي لفظ آخر: كنّا نصلّي مع النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فيضع أحدنا طرف الثوب من شدّة الحرّ. فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض، بسط ثوبه.
3. وفي لفظ ثالث: كنّا إذا صلّينا مع النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فيضع أحدنا طرف الثوب من شدّة الحرّ مكان السجود.(10)
وهذه الرواية التي نقلها أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد تكشف عن حقيقة بعض ما روي في ذلك المجال الظاهر في جواز السجود على الثياب في حالة الاختيار أيضاً. وذلك لأنّ رواية أنس نصّ في اختصاص الجواز بحالة الضرورة، فتكون قرينة على المراد من هذه المطلقات، وإليك بعض ما روي في هذا المجال:
1. عبد اللّه بن محرز عن أبي هريرة: كان رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يصلّي على كور عمامته.(11)
إنّ هذه الرواية مع أنّها معارضة لما مرّ من نهي النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ عن السجود عليه(12)، محمولة على العذر والضرورة، وقد صرّح بذلك الشيخ البيهقي في سننه، حيث قال: قال الشيخ: وأمّا ما روي في ذلك عن النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ من السجود على كور العمامة فلا يثبت شيء من ذلك، وأصحّ ما روي في ذلك قول الحسن البصري حكاية عن أصحاب النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ .(13)
وقد روي عن ابن راشد قال: رأيت مكحولاً يسجد على عمامته فقلت: لم تسجد عليها؟ قال أتّقي البرد على أسناني.(14)
2.ما روي عن أنس: كنّا نصلّي مع النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فيسجد أحدنا على ثوبه.(15)
والرواية محمولة على صورة العذر بقرينة ما رويناه عنه، وبما رواه عنه البخاري: كنّا نصلّي مع النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في شدّة الحرّ، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكّن وجهه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه(16).
ويؤيّده ما رواه النسائي أيضاً: كنّا إذا صلّينا خلف النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بالظهائرسجدنا على ثيابنا اتّقاء الحرّ(17).
وهناك روايات قاصرة الدلالة حيث لا تدلّ إلاّ على أنّ النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ صلّى على الفرو. وأمّا أنّه سجد عليه فلا دلالة لها عليه.
3. عن المغيرة بن شعبة: كان رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يصلّي على الحصير والفرو المدبوغة(18).
والرواية مع كونها ضعيفة بيونس بن الحرث، ليست ظاهرة في السجود عليه. ولا ملازمة بين الصلاة على الفرو والسجدة عليه، لأنّه شيء كالجبّة يبطّن من جلود بعض الحيوانات كالأرانب والسمّور فلا يسع بدن المصلّي لصغره فيحتمل انّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وضع جبهته على الأرض أو ما ينبت منها. وعلى فرض الملازمة لا تقاوم هي وما في معناها ما سردناه من الروايات في المرحلتين الماضيتين.
إنّ المتأمّل في الروايات يجد بوضوح أنّ قضيّة السجود في الصلاة مرت بمرحلتين أو ثلاث مراحل، ففي المرحلة الأُولى كان الفرض السجود على الأرض ولم يرخّص للمسلمين السجود على غيرها، وفي الثانية جاء الترخيص فيما تنبته الأرض، وليست وراء هاتين المرحلتين مرحلة أُخرى إلاّ مرحلة جواز السجود على الثياب لعذر وضرورة، فما يظهر من بعض الروايات من جواز السجود على الفرو وأمثاله مطلقاً فمحمولة على الضرورة، أو لا دلالة لها على السجود عليه لصغره، بل غايتها الصلاة عليه.
ومن هنا يظهر بوضوح أنّ ما التزمت به الشيعة من السجود على الأرض أو ما أنبتته الأرض هو عين ما جاءت به السنّة النبويّة، ولم تنحرف عنه قيد أنملة، ونحن ندعو إلى قليل من التأمّل لإحقاق الحقّ وتجاوز البدع.
فالسجدة على الفراش والسجاد والبُسُط المنسوجة من الصوف والوبر والحرير وأمثالها والثوب المتّصل فلا دليل يسوِّغها قطُّ، ولم يرد في السنّة أيُّ مستند لجوازها وهذه الصحاح الستُّ وهي تتكفّل بيان أحكام الدين ولا سيّما الصلاة الّتي هي عماده لم يوجد فيها ولا حديث واحد، ولا كلمة إيماء وإيعاز إلى جواز ذلك.
فالقول بجواز السجود على الفرش والسجاد والالتزام بذلك، وافتراش المساجد بها للسجود عليها كما تداول عند الناس بدعة محضة، وأمر محدث غير مشروع، يخالف سنّة اللّه وسنّة رسوله، ولن تجد لسنّة اللّه تحويلاً.(19)

ما هو السرّ في اتّخاذ تربة طاهرة؟
بقي هنا سؤال يطرحه كثيراً إخواننا أهل السنّة حول سبب اتّخاذ الشيعة تربة طاهرة في السفر والحضر والسجود عليها دون غيرها. وربّما يتخيّل البسطاء ـ كما ذكرنا سابقاً ـ أنّ الشيعة يسجدون لها لا عليها، ويعبدون الحجر والتربة، وذلك لأنّ هؤلاء المساكين لا يفرّقون بين السجود على التربة، والسجود لها.
وعلى أيّ تقدير فالإجابة عنها واضحة، فإنّ المستحسن عند الشيعة هو اتّخاذ تربة طاهرة طيّبة ليتيقن من طهارتها، من أيّ أرض أُخذت، ومن أيّ صقع من أرجاء العالم كانت، وهي كلّها في ذلك سواء.
وليس هذا الالتزام إلاّ مثل التزام المصلّي بطهارة جسده وملبسه ومصلاّه، وأمّا سرّ الالتزام في اتّخاذ التربة هو أنّ الثقة بطهارة كلّ أرض يحلّ بها، ويتّخذها مسجداً، لا تتأتّى له في كلّ موضع من المواضع التي يرتادها المسلم في حلّه وترحاله، بل وأنّى له ذلك وهذه الأماكن ترتادها أصناف مختلفة من البشر، مسلمين كانوا أم غيرهم، ملتزمين بأُصول الطهارة أم غير ذلك، وفي ذلك محنة كبيرة تواجه المسلم في صلاته فلا يجد مناصاً من أن يتخذ لنفسه تربة طاهرة يطمئنّ بها وبطهارتها، يسجد عليها لدى صلاته حذراً من السجدة على الرجاسة والنجاسة، والأوساخ التي لا يتقرّب بها إلى اللّه قط ولا تجوّز السنّةُ السجودَ عليها ولا يقبله العقل السليم، خصوصاً بعد ورود التأكيد التام البالغ في طهارة أعضاء المصلّي ولباسه والنهي عن الصلاة في مواطن منها:
المزبلة، والمجزرة، وقارعة الطريق، والحمام، ومواطن الإبل، بل والأمر بتطهير المساجد وتطييبها.(20)
وهذه القاعدة كانت ثابتة عند السلف الصالح وإن غفل التاريخ عن نقلها، فقد روي: أنّ التابعي الفقيه مسروق بن الأجدع (المتوفّـى عام 62هـ) كان يصحب في أسفاره لبنة من المدينة يسجد عليها. كما أخرجه ابن أبي شيبة في كتابه المصنف، باب من كان حمل في السفينة شيئاً يسجد عليه. فأخرج بإسنادين أنّ مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها.(21)
إلى هنا تبيّن أنّ التزام الشيعة باتّخاذ التربة مسجداً ليس إلاّ لتسهيل الأمر للمصلّي في سفره وحضره خوفاً من أن لا يجد أرضاً طاهرةً أو حصيراً طاهراً فيصعب الأمر عليه، وهذا كادّخار المسلم تربة طاهرة لغاية التيمّم عليها.
وأمّا السرّ في التزام الشيعة استحباباً بالسجود على التربة الحسينية، فإنّ من الأغراض العالية والمقاصد السامية منها، أن يتذكّر المصلّي ـ حين يضع جبهته على تلك التربة ـ تضحية ذلك الإمام ـ عليه السَّلام ـ بنفسه وأهل بيته والصفوة من أصحابه في سبيل العقيدة والمبدأ ومقارعة الجور والفساد.
ولمّا كان السجود أعظم أركان الصلاة، وفي الحديث: «أقرب ما يكون العبد إلى ربّه حال سجوده» فيناسب أن يتذكّر بوضع جبهته على تلك التربة الزاكية، أُولئك الذين جعلوا أجسامهم ضحايا للحقّ، وارتفعت أرواحهم إلى الملأ الأعلى، ليخشع ويخضع ويتلازم الوضع والرفع، وتحتقر هذه الدنيا الزائفة، وزخارفها الزائلة، ولعلّ هذا هو المقصود من أنّ السجود عليها يُخرق الحجب السبع كما في الخبر، فيكون حينئذ في السجود سر الصعود والعروج من التراب إلى ربّ الأرباب.(22)
وقال العلاّمة الأميني: نحن نتّخذ من تربة كربلاء قِطَعاً لمعاً، وأقراصاً نسجد عليها كما كان فقيه السلف مسروق بن الأجدع، يحمل معه لبنة من تربة المدينة المنوّرة يسجد عليها، والرجل تلميذ الخلافة الراشدة، فقيه المدينة، ومعلّم السنّة بها، وحاشاه من البدعة. فليس في ذلك أيّ حزازة وتعسّف أو شيء يضاد نداء القرآن الكريم أو يخالف سنّة اللّه وسنّة رسوله ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أو خروج من حكم العقل والاعتبار.
وليس اتّخاذ تربة كربلاء مسجداً لدى الشيعة من الفرض المحتّم، ولا من واجب الشرع والدين، ولا ممّا ألزمه المذهب، ولا يفرّق أيّ أحد منهم منذ أوّل يومها بينها وبين غيرها من تراب جميع الأرض في جواز السجود عليها خلاف ما يزعمه الجاهل بهم وبآرائهم، وإن هو عندهم إلاّ استحسان عقلي ليس إلاّ، واختيار لما هو الأولى بالسجود لدى العقل والمنطق والاعتبار فحسب كما سمعت، وكثير من رجال المذهب يتّخذون معهم في أسفارهم غير تربة كربلاء ممّا يصحّ السجود عليه كحصير طاهر نظيف يوثق بطهارته أو خمرة مثله ويسجدون عليه في صلواتهم(23).
هذا إلمام إجمالي بهذه المسألة الفقهية والتفصيل موكول إلى محلّه، وقد أغنانا عن ذلك ما سطّره أعلام العصر وأكابره، وأخص بالذكر منهم:
1.المصلح الكبير الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (1295ـ1373هـ) في كتابه «الأرض والتربة الحسينية».
2. العلاّمة الكبير الشيخ عبد الحسين الأميني مؤلّف الغدير (1320ـ 1390هـ ) فقد دوّن رسالة في هذا الموضـوع طبعت في آخر كتابه «سيرتنا وسنّتنا».
3. «السجود على الأرض» للعلاّمة الشيخ علي الأحمدي قدَّس سرَّه فقد أجاد في التتبّع والتحقيق.
فما ذكرنا في هذه المسألة اقتباس من أنوار علومهم. رحم اللّه الماضين من علمائنا وحفظ اللّه الباقين منهم.
هذا ما وقفنا عليه من الروايات والتي أوردناها في هذا المختصر.نذكر فيها أمرين:

1. فرض العقيدة والفقه على الزائر
إنّ من غرائب الدهر و «ما عشت أراك الدهر عجباً» أن تُصادر الحريات في الحرمين الشريفين فتُفرض على الزائر، العقيدةُ والفقهُ الخاص، مع أنّ السيرة عبْـر القرون كانت جارية على حرية الزائر في الحرمين الشريفين في عقيدته وعمله.
إنّ التوسل والتبرّك بالنبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وأئمة أهل البيتعليهم السَّلام كانت سنّة رائجة في القرون الغابرة، ولم يكن هناك أي منع وقد وردت فيه صحاح الروايات ومسانيدها، وكان الحرمان الشريفان أمناً للزائر كما شاء سبحانه أن يكونا كذلك، قال تعالى: (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبراهيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)(24) وقال تعالى حاكياً دعاءَ إبراهيم : (وَإِذْ قالَ إِبراهيم رَبّ اجعَل هذا الْبَلد آمناً)(25) ولكن أصبح اليوم من تلك الناحية على خلاف ما دعا إليه إبراهيم، فالزائر الشيعي المقتدي بفقه أئمة أهل البيت لا يُسمح له أن يمارس طقوسه بحرية تامة، ولا أن يتكلم بشيء ممّا يعتقد به، ومن مظاهر ذلك فرض السجود على الفرش المنسوجة والمنع من السجدة على الصعيد والتربة.
ونحن بدورنا نقترح على الحكومة الراشدة في أراضي الوحي أن يمنحوا حريات مشروعة لعامّة الحجاج كي يمارسوا طقوسهم بحرية، فانّ ذلك يعزِّز أواصرَ الوحدة والتعاون بين المسلمين على اختلاف طوائفهم.

2. صيرورة السنّة بدعة
قد وقفت على أنّ السجود على الأرض أو على الحصر والبواري وأشباهها هو السنّة، وأنّ السجود على الفرش والسجاجيد وأشباهها هو البدعة، وأنّه ما أنزل اللّه به من سلطان، ولكن ياللأسف صارت السنّة بدعة والبدعة سنّة. فلو عمل الرجل بالسنّة في المساجد والمشاهد، وسجد على التراب والأحجار يوصف عمله بالبدعة، والرجل بالمبدع. ولكن ليس هذا فريداً في بابه فقد نرى في فقه المذاهب الأربعة نظائر . نذكر الموارد التالية:
1.قال الشيـخ محمـد بن عبـد الرحمـان الدمشقـي: السنّة في القبر، التسطيح. وهو أولى على الراجح من مذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة ومالك: التسنيم أولى، لأنّ التسطيح صار شعاراً للشيعة.(26)
وقال الرافعي: إنّ النبي سطّح قبر ابنه إبراهيم، وعن القاسم بن محمد قال: رأيت قبر النبي وأبي بكر وعمر مسطَّحة.
وقال ابن أبي هريرة : إنّ الأفضل الآن العدول من التسطيح إلى التسنيم، لأنّ التسطيح صار شعاراً للروافض، فالأولى مخالفتهم، وصيانة الميت وأهله عن الاتّهام بالبدعة، ومثله ما حكي عنه: أنّ الجهر بالتسمية إذا صار في موضع شعاراً لهم فالمستحب الإسرار بها مخالفة لهم، واحتج له بما روي انّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ :«كان يقوم إذا بدت جنازة، فأخبر انّ اليهود تفعل ذلك، فترك القيام بعد ذلك مخالفة لهم».
وهذا الوجه هو الذي أجاب به في الكتاب ومال إليه الشيخ أبو محمد وتابعه القاضي الروباني لكن الجمهور على أنّ المذهب الأوّل.
قالوا: ولو تركنا ما ثبت في السنّة لإطباق بعض المبتدعة عليه لجرّنا ذلك إلى ترك سنن كثيرة، وإذا اطَّرد جريْنا على الشيء خرج عن أن يعد شعاراً للمبتدعة.(27)
2.قال الإمام الرازي: روى البيهقي عن أبي هريرة قال: كان رسول اللّه يُجهر في الصلاة بـ«بسم اللّه الرحمن الرحيم» وكان عليٌّ ـ رضي اللّه عنه ـ يُجهر بالتسمية وقد ثبت بالتواتر، وكان علي بن أبي طالب يقول: يا من ذكره شرف للذاكرين، ومثل هذا كيف يليق بالعاقل أن يسعى في إخفائه.
وقالت الشيعة: السنّة، هي الجهر بالتسمية، سواء أكانت في الصلاة الجهرية أو السرية، وجمهور الفقهاء يُخالفونهم ـ إلى أن قال ـ: إنّ عليّاً كان يُبالغ في الجهر بالتسمية، فلمّـا وصلت الدولة إلى بني أُميّة بالغوا في المنع من الجهر، سعياً في إبطال آثار عليّ علیه السلام (28).

3. قال الزمخشري في تفسير قوله سبحانه:(إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكته يُصَلُّونَ عَلى النَّبِي).
فإن قلت: فما تقول في الصلاة على غيره؟
قلت: القياس جواز الصلاة على كلّ مؤمن لقوله تعالى:(هُوَ الَّذي يُصلّي علَيْكُم) وقوله تعالى:(وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) وقوله : اللّهم صَل على آل أبي أوفى، ولكن للعلماء تفصيلاً في ذلك وهو أنّها إن كانت على سبيل التبع كقولك: صلى اللّه على النبي وآله فلا كلام فيها، وأمّا إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه، لأنّ ذلك صار شعاراً لذكر رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، ولأنّه يؤدي إلى الاتّهام بالرفض.(29)

4. وفي «فتح الباري»: اختلف في السلام على غيـر الأنبياء بعد الاتّفاق على مشروعيته في الحيّ، فقيل يشـرع مطلقاً، وقيل بل تبعاً ولا يفـرّد لواحـد لكونـه صار شعـاراً للروافضة، ونقله النووي عن الشيخ أبي محمـد الجـويني.(30)
ومعنى ذلك انّه لم يجد مبرّراً لترك ما شرّعه الإسلام، إلاّ عمل الرافضة بسنّة الإسلام، ولو صحّ ذلك، كان على القائل أن يترك عامة الفرائض والسنن التي يعمل بها الروافض.
(قُلْ كُلٌّ مُتَربِّصٌ فَتَربَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصحابُ الصِّراطِ السَّويِّ وَ مَـنِ اهْتَـدى).(31)
منبع مقاله :
المصادر :
1- أخبار اصبهان: 2/141.
2- مسند أحمد: 1/269، 303 ، 309 و358.
3- المصدر نفسه: 6/179 وفيه أيضاً قال للجارية وهو في المسجد: ناوليني الخمرة.
4- المصدر نفسه: 302.
5- مسند أحمد: 6/ 331 و 335.
6- المصدر نفسه: 377.
7- المصدر نفسه : 2/92 و 98.
8- صحيح مسلم:2/62، دارالفكر، بيروت.
9- صحيح ابن خزيمة:2/105، المكتب الإسلامي، ط 2 ـ1412هـ; المعجم الأوسط:8/348; المعجم الكبير:12/292.
10- صحيح البخاري: 1/101; صحيح مسلم: 2/109; مسند أحمد: 1/100; السنن الكبرى: 2/106.
11- كنز العمال: 8/130 برقم 22238.
12- لاحظ ص252.
13- السنن الكبرى: 2/106.
14- المصنف لعبد الرزاق: 1/400، كما في سيرتنا وسنّتنا، والسجدة على التربة :93.
15- السنن الكبرى: 2/106، باب من بسط ثوباً فسجد عليه.
16- صحيح البخاري: 2/64، كتاب الصلاة، باب بسط الثوب في الصلاة للسجود.
17- جامع الأُصول: 5/468 برقم 3660.
18- سنن أبي داود: باب ما جاء في الصلاة على الخمرة برقم 331.
19- سيرتنا وسنّتنا:133ـ134.
20- سيرتنا وسنّتنا: 158 ـ 159.
21- مصنف ابن أبي شيبة: 2/172، دارالفكرـ 1409هـ.
22- الأرض والتربة الحسينية: 24.
23- سيرتنا وسنّتنا:142.
24- آل عمران:97.
25- البقرة:126.
26- رحمة الأُمّة في اختلاف الأئمّة:1/88; ونقله أيضاً العلاّمة الأميني في الغدير:10/209.
27- العزيز شرح الوجيز:2/453.
28- مفاتيح الغيب: 1/205ـ 206.
29- الكشاف:2/549.
30- فتح الباري:11/14.
31- طه:135.

 


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

بعض اقوال علماء اهل السنة والجماعة في يزيد ابن ...
مساءلة منكر ونكير
أصحاب الخمس هم أصحاب الفيء
اسلوب التفسير بالرأي
الشهادة الثالثة وجوب ام استحباب
هذا هو الرِّفْق في الإسلام
الحياة البرزخية
الخروج من القبر
هل أن التوسل مشروع ؟
نظرة قرآنية حول مفهوم الموت

 
user comment