عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

محاولة إرغام الإمام (عليه السلام) على البيعة

محاولة إرغام الإمام (عليه السلام) على البيعة

محاولة إرغام الإمام (عليه السلام) على البيعة :

كان لامتناع الإمام عن البيعة وقيام عدد من الصحابة الأجلاّء بالاحتجاج العلني ومطالبة السلطة بالتنحّي عنها وتسليمها الى صاحبها الشرعي الأثر الفعّال في تحريك مشاعر المسلمين وتعبئتهم في صف أمير المؤمنين (عليه السلام)، هذا بالإضافة الى وجود بعض العشائر المؤمنة المحيطة بالمدينة مثل أسد وفزارة[8]وبني حنيفة وغيرهم ممن شاهد بيعة يوم الغدير (غدير خم) التي عقدها النبيّ (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام) بإمرة المؤمنين من بعده الذين رفضوا بيعة أبي بكر، وامتنعوا عن أداء الزكاة للحكومة الجديدة باعتبارها غير شرعية، وكانوا يقيمون الصلاة ويؤدّون جميع الشعائر ، كلّ هذا كان يشكّل خطراً على الحكم القائم، فرأت السلطة الحاكمة أن تضع حدّاً لهذا الخطر، وذلك بإجبار رأس المعارضة وهو عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) على بيعة أبي بكر.

وذكر بعض المؤرّخين أنّ عمر أتى أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة؟ يا هذا لم تصنع شيئاً ما لم يبايعك عليّ! فابعث إليه حتى يبايعك.

فأجمعوا آراءَهم على إرغام الإمام (عليه السلام) وقسره على البيعة لأبي بكر، فأرسلوا قوة عسكرية فأحاطت بداره فدخلوا داره بعنف[9]، وأخرجوه منها بصورة لا تليق بمكانة شخص قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنـّه لا نبيّ بعدي.

وجيء به إلى أبي بكر، فصاحوا به بعنف: بايع أبا بكر، فأجابهم الإمام بمنطق الواثق الجريء الشجاع: أنا أحقّ بهذا الأمر منكم، لا اُبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ (صلى الله عليه وآله) وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً! ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لمّا كان محمّد (صلى الله عليه وآله) منكم فأعطوكم المقادة، وسلّموا إليكم الإمارة؟ وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، نحن أولى برسول الله(صلى الله عليه وآله) حيّاً وميّتاً، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون وإلاّ فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون[10].

وبهذا الموقف الصريح أوضح الإمام الحقيقة من الحجّة السياسية التي اتّخذوها ذريعة للوصول الى الحكم، فلم يكن لهم بدّ من التسليم أو الردّ بما تحويه أفكارهم وتضمره نفوسهم، فثار ابن الخطّاب بعد أن أعوزته الحجّة في الردّ على الإمام، فسلك طريق العنف قائلاً له: إنّك لست متروكاً حتى تبايع، فزجره الإمام قائلاً: إحلب حلباً لك شطره، واشدد له اليوم يردده عليك غداً، والله يا عمر لا أقبل قولك ولا اُبايعه[11].

هنا كشف الإمام (عليه السلام) عن سرّ اندفاعات عمر وحماسه من أجل البيعة، فإنّ موقفه هذا من أجل أن ترجع اليه الخلافة وشؤون الملك بعد أبي بكر.

وخاف أبو بكر من تطوّر الأحداث في غير ما يحب، وخشي من عواقب غضب الإمام فقال له: إن لم تبايع فلا اُكرهك، ثمّ تكلّم أبو عبيدة بن الجرّاح محاولاً تهدئة الإمام عليّ (عليه السلام) وكسب ودّه، فقال:

يا ابن عم! إنّك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالاُمور، ولا أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الأمر منك وأشد احتمالاً واضطلاعاً به، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر، فإنّك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق من فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك[12].

إنّ هذه التصريحات السياسية غايتها تضليل الآراء وتسويف المواقف، وهي لم تكن لتنطلي على وعي الإمام (عليه السلام) بل أثارت في نفسه الألم والاستياء من بوادر الانحراف، فاندفع يخاطب القوم في محاولة لتنبيههم بخطئهم، فقال: الله الله يا معشر المهاجرين! لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحقّ الناس به، لأنّا أهل البيت، ونحن أحقّ بهذا الأمر منكم، ما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المضطلع بأمر الرعيّة، الدافع عنهم الاُمور السيّئة، القاسم بينهم بالسويّة، والله إنّه لفينا، فلا تتّبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقّ بُعداً[13].

وروي: أنّ الزهراء (عليها السلام) خرجت خلف أمير المؤمنين من أجل الدفاع عن الإمام (عليه السلام) لأنّها خشيت أن يكون القوم قد أعدّوا السوء لإيقاعه بالإمام، وقد أخذت بيد ولديها الحسن والحسين (عليهما السلام) وما بقيت هاشمية إلاّ وخرجت معها، فوصلت مسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله) وهدّدت القوم بالدعاء عليهم إن لم يتركوا الإمام فقالت (عليها السلام): خلّوا عن ابن عمّي، خلّوا عن بعلي، والله لأنشرنّ شعري ولأضعنّ قميص أبي على رأسي ولأدعونّ عليكم، فما ناقة صالح بأكرم على الله منّي، ولا فصيلها بأكرم على الله من ولدي[14].

______________________________________
[8] تأريخ الطبري: 2 / 476 ط مؤسسة الأعلمي.
[9] الإمامة والسياسة : 30، وتأريخ الطبري: 2 / 443.
[10] الإمامة والسياسة: 28.
[11] أنساب الاشراف : 1 / 587 ، وشرح نهج البلاغة : 2 / 2 ـ 5 .
[12] شرح نهج البلاغة : 2 / 2 ـ 5 و 1 / 134 .
[13] الإمامة والسياسة: 28.
[14] الإحتجاج للطبرسي: 1 / 222.

 


source : www.sibtayn.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ملامح عصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )
ابتکار نظرية الصحابة
غزوة بدر الكبرى أسبابها وأهميتها
مناظرة أمير المؤمنين(ع) مع رجل من أهل الشام في ...
احتجاج الإمام علي(ع) بحديث الغدير
الاسرة والحقوق الزوجية
الملهوف على قَتلى الطفوف
نساء يأكلن من خبز النفايات لإشباع بطونهن ، في ...
بعث الإسلام مجدداً وتعميم نوره على العالم:
خروج الحسين: سؤال الحرية؟

 
user comment