عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

أهل البيت كسفينة نوح

أهل البيت كسفينة نوح

قال أبو ذرّ وهو آخذ بباب الكعبة : أيّها الناس من عرفني فأنا من عرفتم، ومن أنكرني فانا أبو ذرّ، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلَّف عنها غرق »([363]).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « إنّ الله أمرني بحبّ أربعة من أصحابي وأخبرني أنّه يحبّهم » .

قيل يارسول الله، سمّهم لنا .

قال(صلى الله عليه وآله وسلم) : «علي منهم ـ يقول ذلك ثلاثاً ـ وأبو ذرّ والمقداد وسلمان، أمرني بحبّهم وأخبرني أنّه يحبّهم»([364]).

وفى رواية كان  أبو ذرّ قاعداً مع جماعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكنت يومئذ فيهم، إذ طلع علينا علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فرماه أبو ذرّ بنظره، ثمّ أقبل على القوم بوجهه فقال: من لكم برجل، محبّته تساقط الذنوب عن محبّيه كما يساقط الريح العاصف الهشيم من الورق عن الشجر، سمعت نبيّكم (صلى الله عليه وآله) يقول ذلك له([365])؟!

قال النبي (صلى الله عليه وآله) : حبّ علي يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب([366]).

ولم يقتصر عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ذكر حديثي الثقلين وأسماء الأئمة الإثني عشر وولاية الامام على (عليه السلام) بل أمر الناس بالتسليم بإمرة المؤمنين على علي (عليه السلام)في حجة الوداع.

إذ قال أبو ذر: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قد أمرهم قبل وبعد حجة الوداع بالتسليم بإمرة المؤمنين على علي بن أبي طالب (عليه السلام)([367]).

ولكن أهل السقيفة قد صمموا على سلب الخلافة من أهل البيت : في حجة الوداع([368]).

أي أنّهم واجهوا مشروع النبي (صلى الله عليه وآله) السياسي بمشروعهم القرشي في تناوب الخلافة.

أبو ذر يذم اليهود المنحرفين المتلبسين بالإسلام

وقد ذمّ أبو ذر، الغفاري كعب الأحبار وعبدالرحمن بن عوف([369]).

روى ابن الأثير أنّ أبا ذر قال: لا ترضوا من الأغنياء حتى يبذلوا المعروف، ويحسنوا إلى الجيران والإخوان ويصلوا الأقرباء.

فقال كعب الأحبار ـ وكان حاضراً ـ من أدّى الفريضة فقد قضى ما عليه .

فضربه أبو ذر فشجَّه، وقال له: يا ابن اليهودية، ما أنت، وما هاهنا؟

فاستوهب عثمان كعباً شجّته، فوهبه([370]).

وقال عثمان يوماً (والناس حوله): أيجوز للإمام أن يأخذ من المال شيئاً قرضاً، فإذا أيسر قضى؟

فقال كعب الأحبار: لا بأس بذلك.

فقال أبو ذر: يا ابن اليهوديين، أتعلّمنا ديننا؟

فقال عثمان: قد كثر أذاك لي، وتولّعك بأصحابي، إلحق بالشام، فأخرجه إليها([371]).

فظهر من خلال النصوص عمق العلاقة بين عثمان وبين شيطان اليهود كعب الأحبار إلى درجة إقدام عثمان على نفي أبي ذر وقتله في هذا السبيل! وقرَّب عثمان زيد بن ثابت اليهودي وجعله وزيراً له وقرَّب عبد اللّه بن سلام وقرّب محمّد بن مسلمة. وكان عثمان نسخة لنعثل اليهودي كما قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).

فقال ابن أبي الحديد([372]): واعلم أنّ الذي عليه أكثر أرباب السيرة وعلماء الأخبار والنقل أنّ عثمان نفى أبا ذر أوّلا إلى الشام ثمّ استقدمه إلى المدينة لمّا شكا منه معاوية، ثمّ نفاه من المدينة إلى الربذة لمّا عمل بالمدينة نظير ما كان يعمل بالشام.

أصل هذه الواقعة: أنّ عثمان لمّا أعطى مروان بن الحكم وغيره بيوت الأموال واختصّ زيد بن ثابت بشيء منها، جعل أبو ذر يقول بين الناس وفي الطرقات والشوارع: بشّر الكانزين([373]) بعذاب أليم، ويرفع بذلك صوته ويتلو قوله تعالى:

( وَالَّذينَ يَكْنِزُوْنَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَها فِي سَبيلِ اللهِ فَبَشّرْهُم بِعَذاب ألِيم )([374]).

فرفع ذلك إلى عثمان مراراً وهو ساكت. ثمّ إنّه أرسل إليه مولى من مواليه أن انتهِ عمّا بلغني عنك.

فقال أبو ذر: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله تعالى، وعيب من ترك أمر الله تعالى؟ فوالله لأن أُرضي الله بسخط عثمان أحبّ إليّ وخير لي من أن أُسخط الله برضا عثمان، فأغضب عثمان ذلك وأحفظه فتصابر وتماسك، إلى أن قال عثمان يوماً والناس حوله: أيجوز للإمام أن يأخذ من المال شيئاً قرضاً فإذا أيسر قضى؟

فقال كعب الأحبار: لا بأس بذلك.

فقال أبو ذر: يابن اليهوديين أتعلّمنا ديننا؟

فقال عثمان: قد كثر أذاك لي وتولّعك بأصحابي، إلحق بالشام، فأخرجه إليها، فكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها فبعث إليه معاوية يوماً ثلاثمائمة دينار، فقال أبو ذر لرسوله: إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا أقبلها، وإن كانت صلة فلا حاجة لي فيها، وردّها عليه .

ثمّ بنى معاوية الخضراء بدمشق فقال أبو ذر: يا معاوية إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهي الإسراف.

وكان أبو ذر يقول بالشام: والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله ولا سنّة نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، والله إنّي لأرى حقّاً يُطفاً، وباطلا يُحيا، وصادقاً مكذّباً، وأثرةً بغير تقى، وصالحاً مستأثراً عليه .

فقال حبيب بن مسلمة الفهري لمعاوية: إنّ أبا ذر لمفسد عليكم الشام فتدارك أهله إن كان لك فيه حاجة.

وروى شيخنا أبو عثمان الجاحظ في كتاب السفيانيّة عن جلام بن جندل الغفاري قال: كنت غلاماً لمعاوية على قنسرين والعواصم في خلافة عثمان، فجئت إليه يوماً أسأله عن حال عملي إذ سمعت صارخاً على باب داره يقول:

أتتكم القطار تحمل النار، اللهمّ العن الآمرين بالمعروف التاركين له، اللهمّ العن الناهين عن المنكر المرتكبين له.

فازبأرّ([375]) معاوية وتغيّر لونه وقال: يا جلام أتعرف الصارخ؟

فقلت: اللهمّ لا.

قال: من عَذيري من جندب بن جنادة يأتينا كلّ يوم فيصرخ على باب قصرنا  بما سمعت، ثمّ قال: ادخلوه عليَّ، فجيء بأبي ذر بين قوم يقودونه حتى وقف بين يديه.

فقال له معاوية: يا عدوّ الله وعدوّ رسوله تأتينا في كلّ يوم فتصنع ما تصنع، أما إنّي لو كنت قاتل رجل من أصحاب محمد من غير إذن أمير المؤمنين عثمان لقتلتك ولكنّي أستأذن فيك.

قال جلام: وكنت أُحبُّ أن أرى أبا ذر لأنّه رجل من قومي، فالتفتّ إليه فإذا رجل أسمر ضرب([376]) من الرجال خفيف العارضين في ظهره حناء([377])، فأقبل على معاوية وقال:

ما أنا بعدوّ الله ولا لرسوله، بل أنت وأبوك عدوّان لله ولرسوله، أظهرتما الإسلام وأبطنتما الكفر، ولقد لعنك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ودعا عليه مرّات أن لا تشبع، سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «إذا ولي الأُمة الأَعيَن([378]) الواسع البلعوم الذي يأكل ولا يشبع فلتأخذ الأمّة حذرها منه»([379]).

وقال أبو ذرّ لعثمان : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : إذا بلغت بنو أمية أربعين اتّخذوا عباد الله خولاً، ومال الله نحلاً، وكتاب الله دغلاً([380]) .

وعن أبي برزة الأسلمي، قال : كان أبغض الأحياء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف، قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين . وذكره الهيثمي في مجمعه قال : رواه أبو يعلى([381]) .

وعن عمر بن الخطاب، في قوله تعالى :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً)([382]) .

قال : هما الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية([383]) .

وقال الفخر الرازي في تفسيره الكبير في ذيل تفسير الآية :

(وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ)([384]) .

والآية تقصد بني أُميّة وفيهم عثمان بن عفّان ومعاوية بن أبي سفيان والحكم بن أبي العاص ومروان وأولاده، وفعلا كانت أفعالهم سيّئة طبقاً للآية القرآنية .

ولقد اغتال عثمان بن عفّان الأموي أبا ذرّ العبد الزاهد الصالح بنفيه إلى صحراء الربذة لا ماء فيها ولا زرع ولا ناس .

فبالكاد حصل فيها على كفن ستر جثمانه الشريف أعطاه إيّاه أحد المارين في تلك الصحراء المعدومة الحياة وهو مالك الأشتر([385]).

عائشة تحمد علياً (عليه السلام) وتذكر مناقبه

عن عائشة بنت أبي بكر: قال النبي(صلى الله عليه وآله): «أنا سيّد ولد آدم وعلي سيّد العرب»([386]).

وعن عائشة أيضاً قال النبي (صلى الله عليه وآله) : « ذكر علي عبادة »([387]).

وقالت عائشة قال النبي (صلى الله عليه وآله) : « أعلم الناس بالسنّة علي »([388]).

وقالت عائشة عن قتل الخوارج بيد علي (عليه السلام) سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : «  يقتلهم خيار أُمّتي وهم شرار أُمّتي »([389]).

وقالت عائشة : سالت نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يد علي فمسح بها وجهه واختلفوا في دفنه فقال : « إنّ أحبّ البقاع إلى الله مكان قبض فيه نبيّه  »([390]).

لكنّها فرحت عند مقتل الإمام (عليه السلام) وقالت :

لتصنع العرب ما شاءت فليس أحد ينهاها([391]).

أي تعرف عائشة كون الإمام على (عليه السلام) صمّاماً للأمان في المحافظة على الشريعة الإسلامية ومع ذلك سعت لقتله في الجمل ثمّ فرحت بقتله على يد ابن ملجم .فعائشة تريد للعرب أن يفعلوا ما شاءوا من مظالم ومثالب دون خوف بعد مقتل علي(عليه السلام) مثلما فعل معاوية ويزيد ذلك .

معاوية يحمد الإمام علياً (عليه السلام)

ومدح معاوية بن أبي سفيان علياً (عليه السلام) مرّات عديدة، وأقرّ مدح المعجبين به من الصحابة .

فمعاوية أعطى أموالا كثيرة لأروى بنت الحارث بن عبدالمطّلب أكثر ممّا أعطى الفقراء والمساكين، ثمّ أقرّ لها بفعله الخارج عن العدالة والمخالف لسيرة علي(عليه السلام).ثمّ قال معاوية : أما والله لو كان علي (عليه السلام) ما أمر لك بها([392]).

وقال معاوية:كان علي(عليه السلام) في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والصحابة كالنجم في الثريا.وأقرّ معاوية لابن العاص بشجاعة علي(عليه السلام) الذي لا يقوى على مبارزته أحد .وقال معاوية لعبدالله بن الزبير المدّعي وقوفه في معركة الجمل بازاء الإمام علي (عليه السلام) قائلا :إذن لقتلك بيده اليسرى وطلب بيده اليمنى من يبارز .

وقال معاوية عند مقتل علي (عليه السلام) : ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب فقال له أخوه عتبة : لا يسمع هذا منك أهل الشام .

فقال معاوية : دعني عنك([393]).

وقال أيضاً : ماذا فقدوا من العلم والحلم والفضل والفقه([394]).

ورغم ذكر هؤلاء لمناقب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقد حاربوه بكل الصور الممكنة وبلا هوادة، فهم يعرفون قدراته العلمية والإدارية والنفسية والحربية والعقلية ومع هذا لم يسمحوا له بالوصول إلى الحكم .

بل قدّم عمر كعب الأحبار اليهودي عليه في الوعظ في المسجد النبوي فكان  يذكر للناس ترهات اليهود وأكاذيبهم على أنّها أحاديث نبوية ومناهج سماوية .

فخرّب كعب الثقافة الإسلامية وأحدث فتناً ما زالت تؤثّر في المجتمع الإسلامي .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

المتعة ؛ سنة في زمن الرسول(ص) و أبي بکر ـ (الحلقة ...
الفاطميون بين حقائق التاريخ وظلم المؤرخين
رد الشمس لعلي عليه السلام
الإمام (عليه السلام) والسلطة العباسيّة
بيع الأصنام
هل صحّ حديث (لعن الله من تخلّف عن جيش أسامة) من طرق ...
افتتح البخاري صحيحه بالطعن في النبي صلى الله ...
فاطمة بنت أسد عليها السّلام
في رحاب نهج البلاغة (الإمام علي عليه السلام ...
المأساة والتأسي

 
user comment