عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

أحادیث أهل البیت علیهم السلام فی التقیة

أحادیث أهل البیت علیهم السلام فی التقیة

إن الأحادیث المرویة عن أهل البیت علیهم السلام فی التقیة کثیرة وقد بلغ رواتها الثقات عددا یزید على الحد المطلوب فی التواتر ، وفی تلک الأحادیث تفصیلات کثیرة تضمنت فوائد التقیة ، وأهمیتها ، وکیفیاتها ، وموارد حرمتها ، مع الکثیر من أحکامها فیما یزید على أکثر من ثلاثمائة حدیث تجدها مجموعة فی کتب الحدیث المتأخرة کوسائل الشیعة ومستدرکه ، وجامع أحادیث الشیعة وذلک فی أبواب کتاب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر .
ومن هنا أصبحت دراستها فی بحث مختصر کهذا متعذرة ، بل حتى الاکتفاء بعرض نصوصها کذلک أیضا ، ولما لم نجد بدا من التعرض السریع إلیها ارتأینا جمع ما اشترک منها فی معنى واحد تحت عنوان واحد ، ومن ثم الاستدلال على ذلک العنوان ببعض أحادیثه لا کلها سیما وأن القدر المشترک فی أحادیث کل عنوان یبلغ حد التواتر المعنوی ، وقد اکتفینا ببعض العناوین المهمة وترکنا الکثیر منها ، إذ لم یکن الهدف سوى وضع صورة مصغرة عن التقیة فی الأحادیث المرویة عن أهل البیت علیهم السلام ، وبالنحو الآتی :

أولا : الأحادیث المستنبطة جواز التقیة من القرآن الکریم
:هناک جملة وافرة من الأحادیث التی فسرت بعض الآیات القرآنیة بالتقیة ، نذکر منها :
1- عن هشام بن سالم ، عن الإمام الصادق علیه السلام ، فی قول الله تعالى : ( أولئک یؤتون أجرهم مرتین بما صبروا ) قال : بما صبروا على التقیة ( ویدرؤن بالحسنة السیئة ) ( 1 ) قال : الحسنة : التقیة ، والسیئة : الإذاعة (2)
2- وعنه علیه السلام فی قوله تعالى : ( ولا تستوی الحسنة ولا السیئة ) قال : الحسنة : التقیة ، والسیئة : الإذاعة . وقوله عز وجل : ( إدفع بالتی هی أحسن ) .. قال : التی هی أحسن : التقیة - ثم قرأ علیه السلام - : ( فإذا الذی بینک وبینه عداوة کأنه ولی حمیم ) (3)
ولا یخفى : أن تفسیر الحسنة بالتقیة ، والسیئة بالإذاعة ، هو من باب تفسیر الشئ ببعض مصادیقه ، وهذا مما لا ینکر ، فلو توقف مثلا صون دم مسلم على التقیة فلا شک فی کونها حسنة ، بل من أعظم القربات ، وأما لو ترتب على الإذاعة سفک دم حرام ، فلا ریب بعد الإذاعة سیئة بل من أعظم الموبقات .هذا ، وقد تجد فی هذا النمط من الروایات ما یدل على عمق تاریخ التقیة فی الحیاة البشریة ، باعتبارها المنفذ الوحید المؤدی إلى سلامة الإنسان أزاء ما یعرضه للفناء ، أو یقف حجرا فی طریق المصالح المشروعة ، کما حصل ذلک لبعض الأنبیاء علیهم السلام ، ومن تلک الروایات : عن أبی بصیر ، قال : ( قال أبو عبد الله علیه السلام : التقیة من دین الله ، قلت : من دین الله ؟ قال : إی والله من دین الله ، ولقد قال یوسف : ( أیتها العیر إنکم لسارقون ) ( 4 ) والله ما کانوا سرقوا شیئا .
ولقد قال إبراهیم علیه السلام : ( إنی سقیم ) ( 5 ) والله ما کان سقیما (6)
ومما یجب التنبیه علیه هنا ، هو أن تقیة یوسف علیه السلام إنما هی من جهة قول المؤذن الآتی ، الذی صحت نسبته إلى یوسف علیه السلام باعتبار علمه به مع تهیئة مقدماته .فانظر إلى قوله تعالى : ( ولما دخلوا على یوسف آوى إلیه أخاه قال إنی أنا أخوک فلا تبتئس بما کانوا یعملون / فلما جهزهم بجهازهم جعل السقایة فی رحل أخیه ثم أذن مؤذن أیتها العیر إنکم لسارقون ) (7)
ستعلم أن قول المؤذن کان بتدبیر یوسف علیه السلام وعلمه ، وهو لم یکذب علیه السلام ، لأن أصحاب العیر کانوا قد سرقوه من أبیه وألقوه فی غیابات الجب حسدا منهم وبغیا .ومما یدل على صدق یوسف علیه السلام أن إخوته لما قالوا له بعد ذلک : ( یا أیها العزیز إن له أبا شیخا کبیرا فخذ أحدنا مکانه ) ( 8 ) . لم یقل علیه السلام لهم بأنا لا نأخذ إلا من سرق متاعنا ، بل قال لهم : ( معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده . . )(9)
وبالجملة فإن تقیة النبی یوسف علیه السلام إنما هی من جهة ظهوره بمظهر من لا یعرف حال إخوته مع إخفاء الحقیقة عنهم مستخدما التوریة فی حبس أخیه .
وعلیه تکون تقیته هنا لیست من باب الأحکام وتبلیغ الرسالة حتى یزعم عدم جوازها علیه ، بل کانت لأجل تحقیق بعض المصالح العاجلة کاحتفاظه بأخیه بنیامین ، والآجلة کما یکشف عنها قوله لهم بعد إن جاءوا من البدو : ( أدخلوا مصر إن شاء الله آمنین )(10)
وجدیر بالذکر أن البخاری قد أخرج فی صحیحه بسنده عن أبی هریرة عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم - من طریقین - أنه قال : . . ولو لبثت فی السجن ما لبث یوسف لأجبت الداعی ( 11 ) ! ! ولا أعلم فریة تجوز على أشرف الأنبیاء والرسل صلى الله علیه وآله وسلم التقیة فی ارتکاب ما أبى عنه یوسف علیه السلام واستعصم فیما لو جعل صلى الله علیه وآله وسلم مکانه علیه السلام من هذه الفریة التی لیس بها مریة .
هذا ، وأما عن تقیة إبراهیم علیه السلام ، فهی نظیر تقیة یوسف علیه السلام ، وذلک باعتبار أنه أخفى حاله وأظهر غیره بهدف تحقیق بعض المصالح العالیة التی تصب فی خدمة دعوة أبی الأنبیاء علیه السلام إلى التوحید ونبذ الشرک ، مثل تکسیر الأصنام وتحطیمها ، ولیس فی قوله : ( إنی سقیم ) أدنى کذب ، لأنه ورى عما سیؤول إلیه حاله مستقبلا ، بمعنى أنه سیسقم بالموت ، فتکون تقیته علیه السلام فی موضوع لا فی حکم حتى یتأمل فیها .
ومن هنا کانت کلمة أهل البیت علیهم السلام قاطعة فی صدق إبراهیم علیه السلام فی تقیته . ولکن أبى البخاری إلا أن یکذب إبراهیم علیه السلام ، فقد أخرج فی صحیحه من طریقین عن أبی هریرة نفسه عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم أنه قال : لم یکذب إبراهیم إلا ثلاثا وفی لفظ آخر : لم یکذب إبراهیم علیه السلام إلا ثلاث کذبات (12)
ولم یکتف البخاری بهذا ، بل أخرج بسنده عن أبی هریرة نفسه عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم أنه قال : ( . . إن الله یجمع یوم القیامة الأولین والآخرین فی صعید واحد . . . فیأتون إبراهیم فیقولون : أنت نبی الله وخلیله من الأرض إشفع لنا إلى ربک ، فیقول - فذکر کذباته - : نفسی ، نفسی ، اذهبوا إلى موسى ) .
ثم قال البخاری : ( تابعه أنس عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم )(13)
أقول : معاذ الله أن نصدق بهذه الأکاذیب وإن قالوا بوثاقة رواتها ! ، وکیف لا نکذبهم وقد رموا من قد رفع الله محله ، وأرسله من خلقه رحمة للعالمین وحجة للمجتهدین ؟ وفی هذا الصدد قال الفخر الرازی فی تفسیره عن خبر أبی هریرة :
( ما کذب إبراهیم إلا ثلاث کذبات ) قال : ( قلت لبعضهم : هذا الحدیث لا ینبغی أن یقبل ، لأن نسبة الکذب إلى إبراهیم علیه السلام لا تجوز ، وقال ذلک الرجل : فکیف یحکم بکذب الرواة العدول ؟ فقلت : لما وقع التعارض بین نسبة الکذب إلى الراوی وبین نسبته إلى الخلیل علیه السلام ، کان من المعلوم بالضرورة أن نسبته إلى الراوی أولى )(14)

ثانیا : الأحادیث الدالة على أن التقیة من الدین :

دلت جملة من الأحادیث المرویة عن أهل البیت علیهم السلام بأن التقیة من دین الله عز وجل ومن الإیمان وأن من یترکها فی موارد وجوبها فهو غیر مکتمل التفقه فی الدین ، من ذلک :
1- عن أبی عمر الأعجمی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : یا أبا عمر ، إن تسعة أعشار الدین فی التقیة ، ولا دین لمن لا تقیة له (15)
وهذا الحدیث لا شک فیه ، فهو ناظر من جهة إلى کثرة ما یبتلى به المؤمن فی دینه ولا یخرج من ذلک إلا بالتقیة خصوصا إذا کان فی مجتمع یسود أهله الباطل .ومن جهة أخرى إلى قلة أنصار الحق وکثرة أدعیاء الباطل حتى لکأن الحق عشر ، والباطل تسعة أعشار ، وعلیه فلا بد لأهل الحق من مماشاة أهل الباطل فی حال ظهور دولتهم لیسلموا من بطشهم .
على أن وصف الحق بالقلة والباطل بالکثرة وکذلک أهلهما صرح به القرآن الکریم فی أکثر من آیة ، کقوله تعالى : ( وما أکثر الناس ولو حرصت بمؤمنین ) ( 16 ) وقوله تعالى : ( إلا الذین آمنوا وعملوا الصالحات وقلیل ما هم )(17)
کما أن الحدیث لا یدل على نفی الدین عمن لا یتقی بل یدل بقرینة أحادیث أخر أنه غیر مکتمل التفقه ، بل لیس فقیها فی دینه ، وهکذا فی فهم نظائره الآخر . ومما یدل علیه ما رواه عبد الله بن عطاء قال : قلت لأبی جعفر الباقر علیه السلام : رجلان من أهل الکوفة أخذا ، فقیل لأحدهما : ابرأ من أمیر المؤمنین ، فبرئ واحد منهما وأبى الآخر ، فخلی سبیل الذی برئ وقتل الآخر ؟ فقال علیه السلام : أما الذی برئ فرجل فقیه فی دینه ، وأما الذی لم یبرأ فرجل تعجل إلى الجنة (18)
هذا ، ولا یمنع أن یکون الحدیث دالا أیضا على سلب الإیمان والدین حقیقة ممن لا یتقی فی موارد وجوب التقیة علیه ، کما لو أکره مثلا على أن یعطی مبلغا زهیدا ، وإلا عرض نفسه إلى القتل ، فامتنع حتى قتل ، فهذا لا شک أنه من إلقاء النفس بالتهلکة ، وقد مر تصریح علماء العامة بأن مصیر مثل هذا یکون فی جهنم ، ومن غیر المعقول أن تکون جهنم مأوى المؤمن المتدین ، بل هی مأوى الکافرین والمنافقین وأمثالهم ونظیر هذا الحدیث :
2- عن معمر بن خلاد ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : قال أبو جعفر علیه السلام : التقیة من دینی ودین آبائی ، ولا إیمان لمن لا تقیة له(19)
3- عن أبان بن عثمان عن الإمام الصادق علیه السلام قال : لا دین لمن لا تقیة له ، ولا إیمان لمن لا ورع له(20)
عن عبد الله بن أبی یعفور ، عن الإمام الصادق علیه السلام قال : اتقوا على دینکم فاحجبوه بالتقیة ، فإنه لا إیمان لمن لا تقیة له (21)

ثالثا : الأحادیث الواردة فی بیان أهمیة التقیة :

وصفت التقیة فی جملة من الأحادیث بأنها ترس المؤمن ، وحرزه ، وجنته ، وإنها حصنه الحصین ونحو هذه العبارات الکاشفة عن أهمیة التقیة .وربما قد یستفاد من ذلک الوصف والتشبیه وجوبها فی موارد الخوف أحیانا ، فکما أن استتار المؤمن - فی سوح الوغى - بالترس من ضرب السیوف وطعن الرماح قد یکون واجبا أحیانا ، فکذلک استتاره بالتقیة فی موارد الخوف لحفظ النفس من التلف ، ومن هذه الأحادیث :
1- عن عبد الله بن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : التقیة ترس المؤمن ، والتقیة حرز المؤمن(22)
2- عن محمد بن مروان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : کان أبی علیه السلام
یقول : وأی شئ أقر لعینی من التقیة ؟ إن التقیة جنة المؤمن(23)
3- وعن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال للمفضل : إذا عملت بالتقیة لم یقدروا فی ذلک على حیلة ، وهو الحصن الحصین وصار بینک وبین أعداء الله سدا لا یستطیعون له نقبا (24)

رابعا : الأحادیث الدالة على عدم جواز ترک التقیة عند وجوبها :

1- من مسائل داود الصرمی للإمام الجواد علیه السلام قال : قال لی : یا داود ، لو قلت إن تارک التقیة کتارک الصلاة لکنت صادقا (25)
2- أورد الشیخ الطوسی فی أمالیه بسنده عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال : لیس منا من لم یلزم التقیة ویصوننا عن سفلة الرعیة(26)
3- وعن أمیر المؤمنین علیه السلام : التقیة من أفضل أعمال المؤمن یصون بها نفسه وإخوانه عن الفاجرین (27)

خامسا : الأحادیث الدالة على أن التقیة فی کل ضرورة ، وأنها تقدر بقدرها وتحرم مع عدمها ، مع بعض مستثنیاتها :

1- ما رواه زرارة عن الإمام الباقر علیه السلام قال : التقیة فی کل ضرورة وصاحبها أعلم بها حین تنزل به (28)
2- وعن إسماعیل الجعفی ، ومعمر بن یحیى بن سام ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة کلهم قالوا : ( سمعنا أبا جعفر علیه السلام یقول : التقیة فی کل شئ یضطر إلیه ابن آدم فقد أحله الله له )(29)
3- وعن أبی عمر الأعجمی ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : . . . والتقیة فی کل شئ إلا فی النبیذ والمسح على الخفین (30)
4- وفی مضمر زرارة ، قال : ( قلت له : فی مسح الخفین تقیة ؟ فقال : ثلاثة لا أتقی فیهن أحدا : شرب المسکر ، ومسح الخفین ، ومتعة الحج )(31)
وأورده الصدوق بلفظ : ( وقال العالم علیه السلام ) ( 32 ) ولا أثر لهذا الإضمار والوصف فی تحدید اسم القائل على حجیة الخبر ، لأن قرینة ( علیه السلام ) کافیة فی تعیین کونه من الأئمة الاثنی عشر علیهم السلام ، وهو فی المورد المذکور مردد بین الإمامین الباقر والصادق علیهما السلام .
هذا ، وقد حمل زرارة المنع عن استخدام التقیة فی المسکر ، ومسح الخفین ، ومتعة الحج على شخص الإمام علیه السلام ، لأنه قال فی ذیل الحدیث بروایة الکافی : ( ولم یقل الواجب علیکم أن لا تتقوا فیهن أحدا ) ، فلاحظ .
وقد یکون السبب أن هذه الأمور الثلاثة مما هی معلومة جدا من مذهبه علیه السلام ، وإن التقیة فیها لا تجدی نفعا لأن کل من عاصر الإمام الصادق علیه السلام یعلم رأیه فی هذه الثلاثة ، فلا حاجة لأن یتقی فیهن أحدا .
5- وفی حدیث آخر بالغ الأهمیة مع علو إسناده وصحته ، عن مسعدة ابن صدقة قال : ( سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول وسئل عن إیمان من یلزمنا حقه وإخوته کیف هو وبما یثبت وبما یبطل ؟ فقال علیه السلام : إن الإیمان قد یتخذ على
وجهین : أما أحدهما : فهو الذی یظهر لک من صاحبک ، فإذا ظهر لک منه مثل الذی تقول به أنت ، حقت ولایته وأخوته إلا أن یجئ منه نقض للذی وصف من نفسه وأظهره لک ، فإن جاء منه ما تستدل به على نقض الذی أظهر لک ، خرج عندک مما وصف لک وأظهر ، وکان لما أظهر لک ناقضا إلا أن یدعی أنه إنما عمل ذلک تقیة ، ومع ذلک ینظر فیه : فإن کان لیس مما یمکن أن تکون التقیة فی مثله ، لم یقبل منه ذلک ، لأن للتقیة مواضع ، من أزالها عن مواضعها لم تستقم له . وتفسیر ما یتقى مثل أن یکون قوم سوء ظاهر حکمهم وفعلهم على غیر حکم الحق وفعله ، فکل شئ یعمل المؤمن بینهم لمکان التقیة مما لا یؤدی إلى الفساد فی الدین فإنه جائز (33)

سادسا : الأحادیث الدالة على حرمة استخدام التقیة فی الدماء :

1- عن محمد بن مسلم ، عن الإمام الباقر علیه السلام قال : إنما جعلت التقیة لیحقن بها الدم ، فإذا بلغ الدم فلیس تقیة(34)
2- وعن أبی حمزة الثمالی ، عن الإمام الصادق علیه السلام : . . . إنما جعلت التقیة لیحقن بها الدم ، فإذا بلغت التقیة الدم فلا تقیة (35) وجدیر بالذکر ، إن بعض فقهاء العامة جوز التقیة فی الدماء وهتک الأعراض کما سیوافیک مفصلا فی محله من هذا الکتاب إن شاء الله تعالى .

سابعا : الأحادیث المبینة لحکم التقیة فی بعض الموارد : ونذکر من هذه الموارد ما یأتی :

1- ما دل على مخالطة أهل الباطل ومداراتهم بالتقیة :
أ - عن إسماعیل بن جابر ، وإسماعیل بن مخلد السراج ، کلاهما عن الإمام الصادق علیه السلام ، فی رسالته إلى أصحابه : وعلیکم بمجاملة أهل الباطل ، تحملوا الضیم منهم ، وإیاکم ومماظتهم ، دینوا فیما بینکم وبینهم إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الکلام ، فإنه لا بد لکم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم الکلام بالتقیة التی أمرکم الله أن تأخذوا بها فیما بینکم وبینهم . .(36)
ب - وعن هشام الکندی ، عن الإمام الصادق علیه السلام ، قال : إیاکم أن تعملوا عملا یعیرونا به ، فإن ولد السوء یعیر والده بعمله ، کونوا لمن انقطعتم إلیه زینا ولا تکونوا علیه شینا ، صلوا فی عشائرهم ، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، ولا یسبقونکم إلى شئ من الخیر فأنتم أولى به منهم ، والله ما عبد الله بشئ أحب إلیه من الخب ء .
قلت : وما الخب ء ؟ قال : التقیة(37)
ج - وعن أبی بصیر قال : قال أبو جعفر علیه السلام : خالطوهم بالبرانیة ، وخالفوهم بالجوانیة إذا کانت الإمرة صبیانیة (38)
وقد مر هذا المعنى أیضا فی روایة الشیخ المفید فی أمالیه بسنده عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال : خالطوا الناس بألسنتکم وأجسادکم ، وزایلوهم بقلوبکم وأعمالکم . کما مر أیضا ما روی عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فی کتب العامة ، أنه صلى الله علیه وآله وسلم قال : کیف أنتم فی قوم مرجت عهودهم وأماناتهم وصاروا حثالة ؟ وشبک بین أصابعه ، قالوا : کیف نصنع ؟ قال : اصبروا وخالطوا الناس بأخلاقهم ، وخالفوهم فی أعمالهم (39)
وقد مر فی حدیث مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق علیه السلام ما یدل علیه . وبالجملة ، فإن مخالطة أهل الباطل عند غلبتهم ضرورة لا بد منها وقد نهجها من قبل مؤمن آل فرعون وأصحاب الکهف کما مر فی الأدلة القرآنیة ، فراجع .
2- ما دل على عدم الحنث والکفارة على من حلف تقیة : ویدل علیه ما رواه الأعمش ، عن الإمام الصادق علیه السلام قال : . . . واستعمال التقیة فی دار التقیة واجب ، ولا حنث ولا کفارة على من حلف تقیة یدفع بذلک ظلما عن نفسه (40)
أقول : سیأتی إن شاء الله تعالى جواز الحلف تقیة عند العامة ولا أثر یترتب علیه عندهم .
3- ما دل على حکم التقیة فی شرب الخمر : عن درست بن منصور ، قال : ( کنت عند أبی الحسن موسى علیه السلام ، وعنده الکمیت بن زید ، فقال للکمیت : أنت الذی تقول : فالآن صرت إلى أمیة / والأمور لها مصائر ؟ قال : قلت ذاک ، والله ما رجعت عن إیمانی ، وإنی لکم لموال ، ولعدوکم لقال ، ولکنی قلته على التقیة . قال : أما لئن قلت ذلک ، إن التقیة تجوز فی شرب الخمر(41)
وقد فسر هذا الحدیث عند بعضهم بعدم جواز التقیة فی شرب الخمر ، بتقریب : إن الإمام علیه السلام لم یقتنع بعذر الکمیت ، وأجابه : بأن باب التقیة لو کان واسعا بهذه السعة لجازت التقیة حتى فی شرب الخمر ! ومعنى هذا أنه لا تجوز التقیة فیه (42)
ولکن فی هذا التفسیر تأمل ، لأن اللام فی قوله علیه السلام ( لئن قلت هذا . . . ) هی اللام الموطئة للقسم و ( إن ) شرطیة ، وجواب الشرط محذوف یمکن تقدیره بالإباحة أی : والله لئن قلت ذلک فهو مباح لک أن تقول مثل هذا القول الباطل المحرم کما أبیح شرب الخمر تقیة على عظمة حرمته .
وبهذا تکون جملة : ( إن التقیة تجوز فی شرب الخمر ) جملة ابتدائیة لا صلة لها بجواب الشرط ، ویدل علیه عدم اقترانها بالرابط . وأما لو وجد الرابط ، لکان جواب القسم الذی سد مسد جواب الشرط هو ( فأن التقیة تجوز فی شرب الخمر ) وعندها سیکون المعنى على طبق التفسیر المتقدم .
والحق : إن مسألة تحریم التقیة فی شرب الخمر وإن لم تثبت بهذه الروایة ، لإمکان الخدش فی دلالتها ، إلا أنه یمکن الاستدلال بروایات أخر على التحریم . کروایة الصدوق فی ( الخصال ) فی حدیث الأربعمائة ، بسنده عن أمیر المؤمنین علیه السلام ، قال : لیس فی شرب المسکر والمسح على الخفین تقیة .
وروایة ( دعائم الإسلام ) عن الإمام الصادق علیه السلام قال : التقیة دینی ودین آبائی إلا فی ثلاث : فی شرب المسکر ، والمسح على الخفین ، وترک الجهر ببسم الله الرحمن الرحیم . وفی ( فقه الإمام الرضا علیه السلام ) ، عن العالم علیه السلام : ولا تقیة فی شرب الخمر ، ولا المسح على الخفین ، ولا تمسح على جوربک إلا من عدو أو ثلج تخاف على رجلیک وفی ( الهدایة ) للصدوق : ولا تقیة فی ثلاث أشیاء : شرب المسکر ، والمسح على الخفین ، ومتعة الحج ( 43) ، والمعروف أن فتاوى الصدوق فی سائر کتبه منتزعة من نصوص الأخبار . ومن کل ما تقدم یعلم عدم صحة تأویل زرارة المتقدم ، لعدم تقیید النهی فی هذه الأخبار بشخص المعصوم علیه السلام . هذا فیما إذا کان الإکراه على شرب الخمر بما دون القتل ، وأما مع القتل فلا شک فی جوازه عندهم .
4- ما دل على جواز إظهار کلمة الکفر تقیة : وقد مر ما یدل علیها فی الدلیل القرآنی ، وأما من الحدیث فیدل علیه ما رواه مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق علیه السلام فی حدیث طویل ذکر فیه قصة عمار بن یاسر وقول النبی صلى الله علیه وآله وسلم لعمار : یا عمار ، إن عادوا فعد(44)
5- ما دل على جواز التقیة فی الوضوء البدعی : ویدل علیه ما أخرجه العیاشی بسنده عن صفوان ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام فی غسل الیدین ، قال : ( قلت له : یرد الشعر ؟ فقال علیه السلام : إن کان عنده آخر فعل وإلا فلا ) (45)
والمراد ب ( الآخر ) هو من یتقى شره ، وأما رد الشعر ، فهو کنایة لطیفة عن الوضوء البدعی المنکوس ، لأن رد الشعر من لوازمه .
أقول : لا یخفى على الفطن ما فی هذا الحدیث من دلالة واضحة على إنشائه تقیة فضلا عن کونه فی التقیة ، إذ کان السائل فیه لبقا وحذرا فجاء بالکنایة المعبرة عن مراده ، کما کان الإمام علیه السلام حذرا فی جوابه إذ جاء تجویز الوضوء المنکوس تقیة بلفظ متسق مع طبیعة السؤال من غیر تصریح ، وهذا یکشف عن کون السؤال والجواب کانا فی محضر من یتقى شره .
المصادر :
1- سورة القصص : 28 / 54
2- أصول الکافی 2 : 217 / 1 ، کتاب الإیمان والکفر ، باب التقیة
3- أصول الکافی 2 : 218 / 6 باب التقیة . ومثله فی المحاسن / البرقی : 257 / 297 . والآیة من سورة فصلت : 41 / 34
4- سورة یوسف : 12 / 70
5- سورة الصافات : 37 / 89
6- أصول الکافی 2 : 217 / 3 باب التقیة . / المحاسن للبرقی 258 / 203 . وعلل الشرائع / الصدوق : 51 / 1
7- سورة یوسف : 12 / 69 - 70
8- سورة یوسف : 12 / 78
9- سورة یوسف : 12 / 79
10- سورة یوسف : 12 / 99
11- صحیح البخاری 6 : 97 باب سورة یوسف ، من کتاب التفسیر
12- صحیح البخاری 4 : 171 باب قول الله تعالى : ( واتخذ الله إبراهیم خلیلا ) من کتاب بدء الخلق
13- صحیح البخاری 4 : 172 باب یزفون النسلان فی المشی من کتاب بدء الخلق
14- التفسیر الکبیر / الفخر الرازی 16 : 148
15- أصول الکافی 2 : 172 / 2 . والمحاسن / البرقی : 359 / 309 . والخصال / الصدوق : 22 / 79
16- سورة یوسف : 12 / 103
17- سورة ص : 38 / 24
18- أصول الکافی 2 : 175 / 21 ، باب التقیة
19- أصول الکافی 2 : 219 / 12 ، باب التقیة
20- صفات الشیعة / الشیخ الصدوق : 3 / 3
21- أصول الکافی 2 : 218 / 5 ، باب التقیة
22- أصول الکافی 2 : 221 / 23 ، باب التقیة
23- أصول الکافی 2 : 220 / 14 ، باب التقیة
24- تفسیر العیاشی 2 : 351 / 86 . / الوسائل 16 : 213 / 21389 باب 24
25- وسائل الشیعة 16 : 211 / 21382 / الفقیه 2 : 80 / 6 باب صوم یوم الشک
26- أمالی الشیخ الطوسی 1 : 287
27- تفسیر الإمام العسکری علیه السلام : 320 / 163
28- أصول الکافی 2 : 219 / 13 ، باب التقیة
29- أصول الکافی 2 : 220 / 18 ، باب التقیة . ومثله فی المحاسن للبرقی : 259 / 308
30- أصول الکافی 2 : 217 / 2 ، باب التقیة . ومثله فی المحاسن : 259 / 309 . والخصال / الصدوق : 22 / 79
31- فروع الکافی 3 : 32 / 2 باب مسح الخفین من کتاب الطهارة
32- من لا یحضره الفقیه 1 : 30 / 95 باب حد الوضوء وترتیب ثوابه
33- أصول الکافی 2 : 168 / 1 باب فیما یوجب الحق لمن انتحل الإیمان وینقضه ، من کتاب الإیمان والکفر
34- أصول الکافی 2 : 220 / 16 . والمحاسن : 259 / 310
35- تهذیب الأحکام / الشیخ الطوسی 6 : 172 / 335 باب النوادر ، من کتاب الجهاد وسیرة الإمام علیه السلام
36- روضة الکافی 8 : 2 / 1
37- أصول الکافی 2 : 219 / 11 باب التقیة
38- أصول الکافی 2 : 220 / 20 باب التقیة
39- أنظر ما ذکرناه حول الحدیث الثانی فی هذا الفصل
40- الخصال / الصدوق : 607 / 9
41- رجال الکشی 2 : 465 / 364
42- القواعد الفقهیة / ناصر مکارم الشیرازی 3 : 417
43- أنظر هذه الموارد فی جامع أحادیث الشیعة 2 : 391 - 392 / 22 - 25 باب 26 من أبواب الوضوء
44- أصول الکافی 2 : 219 / 10 باب التقیة ، وقد تضمن هذا المعنى الحدیث رقم 15 و 21 من الباب المذکور
45- تفسیر العیاشی 1 : 300 / 54

 


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أبعاد ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)
وصاياه وجهازه
وحدة الامة الإسلامية في سنة الرسول الاعظم
عصر الامام الباقر عليه السلام
البناء الفني والفكري
الإمام الحسين (عليه السلام) عبرة ً واعتباراً
الإمام السجاد باعث الإسلام من جديد
الحسين: الرمز..
مضامين القصيدة الكوثرية
الإمام الرضا عليه السلام ودعواته المستجابة

 
user comment