عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

سجاد حسین انقلابی

سجاد حسین انقلابی

ولد عام 1960م بمدینة " دیره غازنجان " الباکستانیة(1)، من أسرة تنتمی إلى الفرقة البریلویة الصوفیة(2)، واصل دراسته الأکادیمیة حتى حصل على شهادة اللیسانس فی العلوم الاجتماعیة. تشرّف باعتناق مذهب أهل البیت (علیهم السلام) عام 1985م فی بلاده، على اثر مناقشات ومحاورات جرت بینه وبین والده الذی کان مستبصراً من قبل، ومطالعة عدداً من کتب الشیعیة.

إزالة الرواسب الموروثة:
کانت معرفة الأستاذ سجاد للتشیع معرفة سطحیة، وتعمقت هذه المعرفة على أثر خلاف نشب بین أبیه الذی اعتنق التشیع وجدّه الذی عارضه بشدة!.
ویروی الأستاذ سجاد ذلک قائلاً: " عندما تشیع والدی کان عمری عشرین عاماً وقد حدث من جرّاء ذلک خلاف بینه وبین جدّی، واشتد بینهما النزاع حتى هجره جدیّ رغم الأسالیب والمحاورات الهادئة التی اتبعها أبی معه.
والحقیقة أنّ جدّی لم یکن بوسعه مجاراة أبی الذی سدّ علیه الطرق بالأدلّة والبراهین النقلیة والعقلیة، لکن الموروث الفکری الذی کان یحمله جدّی جعله یقف ذلک الموقف!
ولم یکن موقفی تجاه أبی لضیق آفاق رؤیتی آنذاک أقل من موقف جدّی، فقد قاطعت أبی ولجأت إلى بیت جدّی حتى مضت خمس سنوات، هذا وکان أبی یحاول اختراق جدار الهجران حتى تمکّن من إقناعی وإرجاعی والعیش معه.
بعد عودتی حاولت دراسة الحالة التی یعیشها أبی، فوجدت انتقاله إلى مذهب أهل البیت (علیهم السلام) لم یکن مجرد صدفة أو نزوة، بل کان تحوّله وفق منهجیة مدروسة قائمة على أسس متینة، فإنّه بحث طیلة خمسة عشر عاماً بصورة متواصلة حتى توصّل إلى هذه النتیجة، فإطلع خلالها على مختلف الکتب وتحاور فیها مع العدید من الشخصیات.
وبعد عودة الصلة بینی وبین أبی، دخلت معه مرّة أخرى فی مناظرات عدیدة ولکن باسلوب هادىء، فکان أبی یوصینی بالرؤیة المجردة عن خلفیات الأهواء والأغراض فی البحث عن الحقیقة، وعدم التقلید فی مجال أصول الدین، وشجّعنی على سلوک النهج الموضوعی فی تبنّی المواقف، لأنّ المسؤولیة کبیرة أمام الله سبحانه وتعالى، حتى أنّی أتذکّر یوماً أنّه قال لی: نحن عندما نبادر إلى شراء شئ صغیر، فإنّنا نستفسر عنه بدّقة، فما بالنا نتساهل فی أمر عظیم یتحکّم بعاقبة أمرنا!.
وکان یؤکد لی بقوله: بنیّ سل عن دینک کی تبرء ذمتک!، وکان یرشدنی لقراءة بعض الکتب ویوصینی بالتمعن والتأمل فی مضامینها، وأن أستفسر عما کان غامضاً فیها.
وبالفعل أخذت أقرأ وأبحث، حتى اقتنعت ببعض المسائل، وجعلت أناقش فی الأخرى، وأتذکر أنّی توقفت فی بعض المفاهیم، کالعصمة وآیة التطهیر وسبب عدم شمولها لنساء النبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم)؟! "

عصمة أئمة أهل البیت (علیهم السلام) :
إنّ العصمة فی الحقیقة ضابط یؤدّی إلى حفظ شریعة الله تعالى نظریاً، وصیانتها من العبث تطبیقیاً، وکما قال الإمام الصادق (علیه السلام) فی تبیینه لمعنى المعصوم: " هو الممتنع بالله من جمیع محارم الله، وقال الله تبارک وتعالى: (... وَمَنْ یَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِیَ إِلى صِراط مُسْتَقِیم) (آل عمران: 101) "(3)
فهی حالة معنویة توجد بفضل الله سبحانه وتعالى، وطالما کانت هذه الحالة بفضله ومنّه ولطفه، فلابد من وجود دلیل ـ یکشف عن وجودها فی المعصوم ـ من قبله جلّ وعلا، ولذا لاتقبل دعوى العصمة من أی أحد کان.
ولیست العصمة فکرة إبتدعتها الشیعة، وإنّما هی حقیقه دلّ علیها ـ فی حق العترة الطاهرة ـ القرآن الکریم والسنة النبویة الشریفة، فهی عقیدة إسلامیة صرفة، مؤکدة فی مصادر التشریع.
ولایمکن تصور خلافة الرسول(صلى الله علیه وآله وسلم) بدون العصمة، لأنّ للخلافة دوراً أساسیاً فی حفظ الشریعة من الضیاع، فلو کان المتکفل بهذه المسؤولیة لاترعاه الألطاف الإلهیة، فإنّه سیفشل حتماً فی أداء هذه المهمة ولا یمکنه إیصال الأمانة الإلهیة من دون أی نقص للأمة.
ولهذا نجد نصوص کثیرة أثبتت العصمة التامة لمن یقوم مقام النبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم)ویسدّ الفراغات التی ترکها رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم)، من قبیل تفسیر الکتاب وشرح مقاصده، وکشف أسراره وتبیین أحکام الموضوعات، وصیانة الدین من التحریف.

موقف أبناء العامة من العصمة:
ذهب بعض کبار أبناء العامة إلى تبنی مسألة عصمة أولى الأمر، لکنّهم أنکروا على الشیعة القول بها! ومن هؤلاء:
1 ـ الفخر الرازی، الذی قال فی تفسیره: " إنّ الله تعالى أمر بطاعة أولی الأمر على سبیل الجزم فی هذه الآیة، ومن أمر الله بطاعته على سبیل الجزم والقطع، لابد وأن یکون معصوماً عن الخطأ... فثبت أنّ الله تعالى أمر بطاعته أولی الأمر على سبیل الجزم، وثبت أنّ کل من أمر الله بطاعته على سبیل الجزم وجب أن یکون معصوماً عن الخطأ، فثبت قطعاً أنّ أولی الأمر المذکور فی هذه الآیة لابد وأن یکون معصوماً "(4)
ومما یثیر الاستغراب أنّ الرازی لم یستثمر أی نتیجة من هذه الحقیقة، بل أخذ یتأول ویحمّل الآیة خلاف ما أثبته، بذریعة عجزه عن معرفة الإمام المعصوم والوصول إلیه!.
ویا ترى هل أنّ العجز الذی ذهب إلیه الرازی یختص بزمانه، أم کان شاملا حتى لزمان نزول الآیة!!.
وکان ینبغی له أن یتعرّف على المعصوم فی زمن النبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم) وعصر نزول الآیة، وبالتعرّف علیه یعرف معصوم زمانه والمعصوم الذی یتلوه بعده، إذ لیس من المعقول أن یأمر الوحی الإلهی بطاعة معصوم لاتوجد له مصداقیة فی الواقع الخارجی حین النزول، أو بعد ذلک.
کما لا معنى لتفسیر الفخر الرازی لـ (أولی الأمر) بأهل الحلّ والعقد الذین یجوز علیهم الخطأ، لأنّ الخطأ إذا جاز على الأفراد فإنّه سیجوز على المجموع، لأنّ المجموع لیس إلاّ ضم فرد لفرد آخر.
2 ـ ابن تیمیة، وذلک فی معرض ردّه على الشیعة عندما قالوا کلاماً مفاده: " إنّ وجود المعصوم لابد منه بعد وفاة رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم)، والدلیل هو أنّ الأحکام تتجدد تبعاً للموضوعات، والأحوال تتغیر، وأنّ للقضاء على الاختلاف فی تفاسیر القرآن الکریم وفی فهم الأحادیث وغیر ذلک لابد من وجود معصوم فی کل زمان لحل الخلاف والنزاع وتبیین معانی القرآن وشرح مقاصده لینوب عن رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم) ".
فأجاب ابن تیمیة بکلام طویل ملخصة: " لا یسلّم أهل السنة أن یکون الإمام حافظاً للشرع بعد إنقطاع الوحی، لأنّ ذلک حاصل للمجموع، والشرع إذا نقله أهل التواتر کان ذلک خیراً من نقل الواحد، فالقرّاء معصومون فی حفظ القرآن وتبلیغه، والمحدثون معصومون فی حفظ الأحادیث وتبلیغها، والفقهاء معصومون فی الکلام والاستدلال "(5)
فابن تیمیة یرى العصمة لجماعة من الأمّة لضمان حفظ الشریعة!، فی حین یذهب غیره إلى عصمة جمیع الأمّة مستنداً إلى ما قیل أنّه ورد عن النبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم): " لاتجتمع أمتی على خطأ ".
وإذا کان الأمر کذلک، فلماذا یستکثر ابن تیمیة العصمة على عدد معین من الأمّة؟! وهم أربعة عشر خصهم الله تعالى بفضل دون غیرهم لمّا علم منهم الوفاء بعهده.

مناظرة الإمام الرضا (علیه السلام) والمأمون حول العصمة:
روی أنّه: " حضر الرضا (علیه السلام) مجلس المأمون بمرو، وقد اجتمع فی مجلسه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان، فقال المأمون: أخبرونی عن معنى هذه الآیة: ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنا مِنْ عِبادِنا... ) (فاطر: 32)؟
فقالت العلماء: أراد الله تعالى بذلک الأمة کلّها.
فقال المأمون: ما تقول یا أبا الحسن؟
فقال الرضا (علیه السلام) : لا أقول کما قالوا، ولکنی أقول: أراد الله عزّوجلّ بذلک العترة الطاهرة.
فقال المأمون: وکیف عنی العترة من دون الأمة؟
فقال له الرضا (علیه السلام) : انّه لو أراد الأمّة لکانت أجمعها فی الجنّة، لقول الله تعالى: (... فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَیْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ) (فاطر: 32)، ثم جمعهم کلّهم فی الجنّة، فقال عزّوجلّ: (جَنّاتُ عَدْن یَدْخُلُونَها یُحَلَّوْنَ فِیها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَب...) (فاطر: 33)، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغیرهم.

فقال المأمون: من العترة الطاهرة؟
فقال الرضا (علیه السلام) : الذین وصفهم الله تعالى فی کتابه فقال عزّوجلّ: (إِنَّما یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً) (الاحزاب: 33)، وهم الذین قال رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم): " إنی مخلّف فیکم الثقلین: کتاب الله وعترتی أهل بیتی، ألا وإنّهما لن یفترقا حتى یردا علیّ الحوض، فانظروا کیف تخلفونی فیهما، أیّها الناس: لا تعلموهم فإنّهم أعلم منکم "(6)

عصمة الإمام ولزوم الاعتقاد بها:
قد أجمع الشیعة على اعتبار العصمة فی الإمام، وأکّدوا على تحقّق هذا الشرط الأساسی فی صلاحیة من یحرز منصب الخلافة الحقیقیة للنبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم)، لنصوص دلّت على هذا الأمر وأشارت إلى أنّه تعالى عصم هؤلاء، من أجل أن یکونوا مؤهلین لتولی هذا المقام الخطیر والحسّاس للغایة.
والحقیقة أنّ مسألة العصمة ضرورة عقلیة لاسبیل لإنکارها، لاسیما إذا کنّا نطمح لارتقاء الأمّة إلى أعلى المستویات، وأنّها من میزات العقیدة الشیعیة التی هی العقیدة الإسلامیة الأصیلة المنسجمة مع الفطرة.
وإن دلت هذه العقیدة على شئ فإنّما تدلّ على نضج فکر هذه الطائفة لاستیعاب هذه الحقیقة الإسلامیة، لأن الإسلام نظر لأهمّیة الإمامة فلم یجعلها فی إنسان لا یلیق بها، بل جعلها للمعصوم، فإنّ عدم عصمة الإمام یؤدّی إلى ابتلاء الرسالة بعدة ابتلاءات، منها عدم فهم الناس للرسالة بصورة صحیحة وبالتالی الوقوع فی التأویلات الخاطئة.
وقد أثبتت الروایات أنّ الإمام یولد معصوماً، وأنّ الله تعالى لعلمه بهذا المولود الذی اصطفاه من قبل یصونه ویطهّره منذ ولادته، لأنّ الناس ـ ولاسیما الخصوم منهم ـ لایمکن أن ینسوا الأمور السلبیة لداعیة قد قضى شطراً من حیاته فی الانحراف.

الأدلّة القرآنیة للعصمة:
إنّ من جملة الآیات القرآنیة الکریمة الدالة على عصمة رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم)وأهل بیته المیامین (علیهم السلام) ، ونفی السهو والشک والخطأ عنهم بشکل عام ومطلق، هی:
1 ـ قوله تعالى: (إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللهُ) (آل عمران: 31).
وهی دالّة على وجوب متابعة النبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم) فی أفعاله وأقواله، فلو جاز علیه الخطأ والنسیان، لوجبت متابعته فیه، وهو باطل، لأنّ معنى جواز سهو النبیّ أو خطأهُ، هو أنّه تعالى قد أمر الناس بارتکاب الخطأ المحتمل صدوره من النبیّ، وحاشا لله عزّوجلّ بأن یأمر بمتابعة الخطأ.
2 ـ قوله تعالى: (لَقَدْ کانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ کانَ یَرْجُوا اللهَ وَالْیَوْمَ الاْخِرَ وَذَکَرَ اللهَ کَثِیراً) (الاحزاب: 21).
وقد استدل بعض العلماء بهذه الآیة على وجوب الاقتداء بالنبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم) على الإطلاق، فیکون فعله حجّة على الجواز، وترکه حجّة على نفی الوجوب.
3 ـ قوله تعالى: (وَما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْیٌ یُوحى) (النجم: 3).
وفی هذه الآیة إشارة صریحة ودلالة تامّة على أنّ النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) ینطق عن الوحی الإلهی، ولزوم ذلک استحالة الخطأ علیه مطلقاً، وبالتالی وجوب إتباعه والأخذ عنه فی الأقوال والأفعال، وعلى هذا یکون أمر النبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم)بوجوب إتباع أهل البیت (علیهم السلام) والتمسّک بهم دلیلاً على عصمتهم.
4 ـ قوله تعالى: (وَما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر: 7).
وهی دالّة على وجوب التسلیم والانقیاد لأقواله وأفعاله (صلى الله علیه وآله وسلم) على وجه العموم والإطلاق، فلو جاز السهو علیه (صلى الله علیه وآله وسلم) لاحتمل ذلک فی جمیع أفعاله وأقواله، وبالتالی تسقط حجّیة أقواله وأفعاله، وهذا الأمر مردودٌ من خلال هذه الآیة.
5 ـ قوله تعالى: (إِنَّما یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً)
إنّ دلالة هذه الآیة، وموقف النبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم) من الذین أنزلت فیهم، تبیّن بشکل واضح عصمة العترة الطاهرة (علیهم السلام) .
فقد ورد أنّ المراد من أهل البیت (علیهم السلام) ، هم: رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم)وأمیر المؤمنین علیّ (علیه السلام) ، وسیدة النساء فاطمة (علیها السلام)، وسیدا شباب أهل الجنّة الحسن والحسین(علیهما السلام)، والأئمة المنصوص علیهم صلوات الله علیهم أجمعین.
ووردت من الفریقین روایات صحیحة عن النبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم) تصرّح بذکر أسماء أهل البیت (علیهم السلام)(7)، کما جاء فی الصحیحین عن النبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم): " أنّ الأئمة إثنا عشر کلهم من قریش "(8)
ولو یمعن الباحث النظر فی مفردات هذه الآیة المبارکة، یجد أنّ ما ذهبنا إلیه هو الصحیح فی تفسیرها:
فـ (إِنَّمَا) تفید الحصر والتوکید ; و (لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ) فیها اشارة إلى إذهاب القذر المعنوی بکل أشکاله، وتنزیههم عن النقائص، وکل ما هو منفّر ; وأمّا (أَهْلَ الْبَیْتِ) فهم أصحاب الکساء: رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم) وعلیّ وفاطمة والحسن والحسین (علیهم السلام) ; وأمّا (وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً) فالطهارة: هی النزاهة والنظافة، وقد جاءت هنا تأکیداً لمعنى إذهاب الرجس عنهم (علیهم السلام) ، والطهارة هنا استعارة بدل العصمة، کما کان لفظ الرجس بدل الذنوب.
والمتتبع للسنة المطهرة ـ فی آثار الفریقین ـ یجد أنّ النبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم) لم یدع مجالا لأی قائل یتقوّل فی هذه الآیة الشریفة، انطلاقاً من مسؤولیته العظمى فی بیان ما کان غامضاً على الصحابة من القرآن الکریم، فبیّن النبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم) من هم أهل البیت (علیهم السلام)
فهم الذین بیّنهم الرسول(صلى الله علیه وآله وسلم) فی حدیث الکساء المشهور عند الفریقین(9) والمعترف به عند المخالف والمؤالف.
والجدیر بالذکر أنّ رواة حدیث الکساء من الصحابة هم أکثر من خمسین صحابیاً، ومن التابعین أضعاف هذا العدد، کما أنّ من رواته إثنتین من نساء النبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم)، أم سلمة وعائشة.
وقد ذکر الطبری أربعة عشر طریقاً له فی تفسیره (جامع البیان)، کلّها تؤکّد نزول الآیة فی هؤلاء الخمسة (علیهم السلام) .
فروى بسنده عن (صلى الله علیه وآله وسلم) أنّه کان یمرّ ببیت فاطمة ستة أشهر کلّما خرج للصلاة، فیقول: " الصلاة أهل البیت (إِنَّما یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً) "(10)
وزاد ابن کثیر على طرق الطبری ـ بعد نقل عشرة منها فی تفسیره ـ تسعة طرق کلّها تؤکد ذلک(11)

الأحادیث الدالّة على العصمة:
أمّا النصوص النبویة الدالة على عصمة أهل البیت (علیهم السلام) فکثیرة، أشهرها حدیث الثقلین، وحدیث السفینة، وحدیث الأمان.
فحدیث الثقلین ـ على سبیل المثال ـ متسالم على صحته عند المسلمین، حتى عُدّ من الأحادیث المتواترة المنقولة فی کتب التاریخ والتفسیر والحدیث.
فقول الرسول(صلى الله علیه وآله وسلم): " إنّی تارک فیکم الثقلین، أحدهما أکبر من الآخر، کتاب الله وعترتی، فانظروا کیف تخلفونی فیهما، فإنّهما لن یفترقا حتى یردا على الحوض " علت شهرته الآفاق.
ویقول ابن حجر الهیتمی فی خصوص العلّة التی من أجلها سمّى رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم)القرآن والعترة بالثقلین: " لأنّ الثقل کل نفیس خطیر مصون، وهذان کذلک، إذ کل منهما معدن للعلوم اللّدنّیة والأسرار والحکم العلّیة، والأحکام الشرعیة، ولذا حث (صلى الله علیه وآله وسلم) على الاقتداء والتمسک بهم، والتعلم منهم، وقال: "الحمد لله الذی جعل فینا الحکمة أهل البیت "، وقیل: سمّیا ثقلین لثقل وجوب رعایة حقوقهما "(12)
وقال الزمخشری: " نفی الضلال عن التمسک بهما، دلالة على أنّهما على الحقّ دائماً، وإلاّ لما نُفی: فإنّ (لن) تفید تأبید النفی کما هو واضح لمن تتبّع استعمالات هذه الکلمة فی کلام العرب، وکما صرّح به أهل الخبرة والتتبع منهم"(13)
وعلى هذا نقول: لو حدث أن ضللنا باتباعهما، ولو بمصداق واحد لما کان کلامه (صلى الله علیه وآله وسلم) صحیحاً وصادقاً، لإطلاق الکلام وهو فی مقام الهدایة والبیان.
کما أنّ المفهوم من قوله(صلى الله علیه وآله وسلم): " ما إن تمسکتم به لن تضلوا، کتاب الله وعترتی "، أنّ الضلال یصدق على من لم یتمسک بهما معاً، فلابد لکل مکلّف من الاقتداء بهما، لأنّهما عروة واحدة لایمکن التفکیک بین حلقاتها المتماسکة، خصوصاً وأنّ أهل البیت (علیهم السلام) هم اللسان الناطق والترجمان الحقیقی لکتاب الله، ومن غیر الممکن فهم الکتاب بما فیه من المحکم والمتشابه والناسخ والمنسوخ إلاّ عن طریقهم (علیهم السلام) .
وهم أناس لا یمسّهم الباطل ککتاب الله الذی لایأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه المعصوم بإجماع المسلمین، وهم عدل الکتاب لهم ماللکتاب من صفات ومزایا وأبرزها العصمة، ولهذا کانوا مع القرآن والقرآن معهم، ولذلک کانت المخالفة غیر متحققة منهم فی جمیع أدوار حیاتهم أبداً، لا عمداً ولا سهواً.

المرحلة العصیبة لتحدید المصیر:
یقول الأستاذ سجّاد: " بعد اطلاعی وإلمامی بهذه الأدلة، وبعد أنّ تجلّت لی حقیقة الأمر، لم أجد مایعیقنی عن إعلان استبصاری سوى الصراع النفسی الذین کان یراودنی ویدفعنی عن الخضوع للحقائق العقائدیة التی تجلّت لی بوضوح.
فواجهت مشقة کبیرة فی ترک معتقداتی السابقة التی کنت مغرّراً بها طیلة فترة حیاتی، واستمرت هذه الحالة خمسة أشهر، واصلت فیها البحث والمطالعة علّنی أجد ما أتشبّث به للتخلص من هذه الأزمة النفسیة التی سلبت منی الاستقرار، فلم أجد سوى أدلّة جدیدة أضافت إلى ما توصّلت إلیه قوّة ومتانة!.
وبعد انهیار مرتکزاتی العقائدیة السابقة توجّهت إلى الله سبحانه وتعالى لیفتح لی أبواب الهدایة ویرشدنی لما فیه صلاح أمری، وفعلاً فی یوم من الأیّام حیث کنت متوجهاً إلى ربّی لأشکو إلیه ماألمّ بحالی، إذ دمعت عینای وأصابتنی قشعریرة هزّت کیانی من الأعماق، فهیمنت علیَّ نفحات قدسیّة منحتنی القوّة والعزیمة والرؤیا الواضحة لتحدید المصیر، فاخترت طریق الحقّ، وطوّعت نفسی لکل ما أواجه فی هذا السبیل من تعییر أو استهزاء أو محاربة، فعندها شعرت باستقرار واطمئنان نفسی أحسست به فی أعماقی، وأدرکت أننی أمتلک الأسس والرکائز المتینة التی أتمکّن بها من الحفاظ على ثبات کیانی إزاء التیارات الفکریة المعاکسة ".
ومن ذلک الموقف رکب الأستاذ سجاد سفینة النجاة المتمثلة بمذهب أهل البیت (علیهم السلام) وأعلن استبصاره عام 1985م فی بلده باکستان.
المصادر :
1- باکستان: تقع فی وسط آسیا وتطل على المحیط الهندی، تحیط بها الهند وأفغانستان وایران، یبلغ عدد سکانها أکثر من (156) ملیون نسمة، یشکل المسلمون نسبة 98%، والباقی من الهندوس والمسیح والبوذیین، أغلب المسلمین من أتباع المذهب الحنفی، أمّا الشیعة فیشکلون نسبة الربع تقریباً من السکان
2- البریلویة: فرقة صوفیة معاصرة نشأت فی شبه القارة الهندیة الباکستانیة وفی مدینة بریلی الهندیة بالذات، ومؤسسها أحمد رضا خان تلمیذ المیرزا قادر بیک، وتصنف هذه الفرقة من حیث الأصل ضمن المذهب الحنفی
3- معانی الأخبار للصدوق باب معنى العصمة: 132
4- التفسیر الکبیر: 10 / 144
5- منهاج السنّة لابن تیمیة: 6 / 407 ـ 461
6- عیون أخبار الرضا (علیه السلام) للصدوق: 1 / 207 ـ 208، تحف العقول للحرّانی: 312 ـ 113
7- ینابیع المودة للقندوزی: 3 / 281، فرائد السمطین للجوینی: 2 / 132 (432)، غایة المرام للبحرانی: 3 / 193
8- صحیح البخاری، باب الاستخلاف: 6 / 2640 (6796)، صحیح مسلم: 3 / 1452 (1821)
9- مسند أحمد: 4 / 107، صحیح مسلم: 4 / 1883 (2424)، مجمع الزوائد للهیثمی: 7 / 91 مستدرک الحاکم: 2 / 451 (3558)، الفصول المهمة لابن الصبّاغ: 23، الصواعق المحرقة لابن حجر: 2 / 421 ـ 428، تفسیر القرآن العظیم لابن کثیر: 1 / 379، الدر المنثور للسیوطی: 5 / 198 ـ 199، السنن الکبرى للبیهقی: 2 / 212 (2858)
10- تفسیر الطبری: 22 / 6
11- تفسیر القرآن العظیم لابن کثیر: 3 / 487 وما بعدها
12- الصواعق المحرقة: 2 / 442
13- الأنموذج للزمخشری

 


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

محمد جواد البلاغي
صائب عبد الحميد ( العراق ـ حنفي )- 1
د. احمد حسین یعقوب
أحمد كواسي حنيف ( كندا ـ مسيحي )
السيد علي الموسوي القزويني
السعودية تمتد الى نيجيريا لمحاربة الشيعة !
إبراهیم أحمد باه – کوناکری
الطلاب مستقبل الوطن
أندونيسيا تشهد دورات قرآنية في التعليم والحفظ
محمد التيجاني ( تونس ـ مالكي ) - 2

 
user comment