عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

معرفة الله تعالى أساس إنساني

معرفة الله تعالى أساس إنساني

عن الإمام علي ( عليه السلام ) : ( أول الدين معرفته ) .

لو شبّهنا الدين ببناء يتألّف من جدران وباب وسقف ونوافذ وقواعد ينهض عليها البناء ، فإنّ قواعد جميع الأفكار والعقائد والأخلاق الدينية هي معرفة الله ؛ ولو شبّهنا الدين بكتاب علمي يضم أبواباً وفصولاًَ وقضايا متنوّعة وأفكاراً يقوم عليها أصل الكتاب فإنّ معرفة الله سبحانه هي الأساس الأوّل في ذلك .

إذا أردنا مثلاً أن نخزن مقداراً من مواد البناء فليس مهمّاً ترتيب خزنها ، أو أردنا أن نؤلّف كتاباً متنوّعاً يضم مقالات مختلفة فليس مهم ترتيب مقالاته أو تسلسلها ، ذلك أنّه كتاب متنوّع في مواضيعه .

وحتّى مطالعة مثل هكذا كتاب لا يلزمنا أن نبدأ بالموضوع الأوّل أو بالصفحة الأولى ، إذ يمكننا أن نبدأ من منتصف الكتاب أو من آخره ، أمّا إذا أردنا أن نقيم بناءً معيّناً فإنّ الأمر هنا يختلف تماماً ، فالتسلسل والدقّة والحساب أمر مطلوب ، وكذلك لو أردنا أن نؤلّف كتاباً علمياً ، أو أردنا مطالعته ، فإنّ أوّل شيء نفعله هو مواكبة الكتاب من بدايته ، وحسب ترتيب مواضيعه .

فالتديّن المنطقي والسليم يلزم المرء أن يشرع من البداية من الأسس ، ألا وهي التوحيد ومعرفة الله ، فإذا لم يثبت هذان الأصلان في أعماق الروح وطيّات القلب ، فإنّ سائر الأجزاء ستبقى دونما أساس متين .

فعندما صدع الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) بدعوته وبشّر برسالته ، هل قال : صلّوا أو صوموا ؟ وهل قال : صَلوا أرحامكم ، ولا يظلم بعضكم بعضاًَ ، وهل دعا إلى الإلتزام ببعض الآداب المستحبّة في المشي أو الجلوس أو تناول الطعام ؟

إنّه لم يقل أو يذكر من ذلك شيئاً ، بل هتف ( عليه السلام ) : ( قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا ) .

لقد بدأ الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) دعوته إلى الدين الحنيف بهذه العبارة ، فاحتلّ بها قلوب العالمين ، ومن ثمّ بنى أمّته العظيمة انطلاقاً من ذلك الأساس المتين .

إنّ معرفة الله لا تقتصر على الدين فحسب ، بل إنّها جوهر الوجود الإنساني ، ذلك أنّ بناء الإنسان لا يتم إلاّ على أسس التوحيد .

إنّنا نطلق على كثير من الأمور والشؤون وننعتها بالإنسانية ، فنقول : إنّ الإنسانية تقتضي الرحمة والمروءة والإحسان ، وإنّ الإنسانية تنشد السلام وتنفر من الحرب ، وتجعلنا متعاطفين مع المرضى والجرحى والمنكوبين ، وتدفعنا إلى مساعدة المحتاجين ، وتطلب منّا التضحية بالنفس ، واحترام حقوق الآخرين ، وإلى غير ذلك من المواقف والسلوك ، وكلّ ذلك صحيح لا يعترض عليه أحد ، بل إنّ على كل إنسان أن يحقّق إنسانيته من خلال ذلك ، ولكنّا لو تسائلنا عن الأسس المنطقية التي تستند إليها تلك الوصايا والأخلاق التي تدفعنا إلى التضحية بمصالحنا من أجلها ، فإنّنا سنكون حينها عاجزين عن إقناع أنفسنا والآخرين بالفلسفة الكامنة وراء تلك الأخلاق والمواقف ، إذا لم نأخذ بنظر الإعتبار معرفة الله تعالى .

لا يمكننا أبداً إكتساب القيم الأخلاقية الرفيعة ، أو الانتهال من الفيض الروحي بعيداً عن نبعه الإلهي ، فحتّى أكثر المؤسّسات مادّية في العالم تجد نفسها مضطرة إلى أن تبني نظمها الإجتماعية على أسس أخلاقية .

لا يمكن إقصاء الإنسانية بعيداً عن معرفة الله ؛ فأمّا الإيمان أو السقوط في حضيض الحيوانية ، وعبادة الذات والمصلحة الشخصية ، وما تضج به من انقياد إلى الشهوة والوقوع في أسرها ؛ فأمّا عبادة الله أو عبادة البطن والجاه والمناصب والمال ، إذ ليس هناك من طريق ثالث .

ومن يدّعي الشرف والخلق والتقوى والعفّة ، وهو بعيد عن الله الذي هو نبع كل تلك الصفات ، فإنّ ذلك مجرّد أوهام لا غير .

يعبّر القرآن الكريم عن هذه الحقيقة بقوله عز وجل : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ) إبراهيم : 24 ـ 25 .

الإيمان شجرة تمد جذورها في أعماق الروح ، فتتفرّع منها أغصان الإعتقاد بالنبوّة والولاية والأديان ، وكذلك الإعتقاد بأنّ هذا العالم قائم على العدالة والحق ، وأنّه لا يضيع أجر المحسنين ، وسيلقى المسيئون جزاء أعمالهم .

أمّا ثمار هذه الشجرة الطيّبة ، فهي الشرف والكرامة والعفّة والتقوى والإحسان والتسامح والفداء والقناعة والطمأنينة والسلام .

وفي مقابل ذلك يضرب القرآن مثلاً آخر ، يقول تعالى : ( وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ) إبراهيم : 26 .

وهذه حقيقة تتجلّى أحياناً في أفراد نراهم يتحمّسون دفاعاً عن عرق أو قومية ، أو يقعون تحت تأثير بعض العقائد ، فتشتعل في نفوسهم المشاعر الكاذبة التي قد تدفعهم إلى التضحية بأرواحهم من أجلها ، ولو سمحت الفرصة لأحدهم أو راجع نفسه قليلاً لعجز عن إيجاد أساس منطقي لموقفه وسلوكه ، فقليل من التأمّل والإرشاد سوف يقشع تلك السحب عن سماء روحه .

أجل ، إنّ الإيمان هو وحده الذي يمتلك أساسه الإنساني المتين ، وإنّ قواعد البناء الإنساني إنّما تنهض على التقوى والاستقامة والطهر ، وعلى الشجاعة والشهامة والفداء ، وهي الخصال التي يمتاز بها الإنسان عن الحيوان .

قال الله تعالى : ( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ) البقرة : 257 .

 


source : www.tebyan.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

محكمة الآخرة
ائمة أهل البيت (عليهم السلام) اعلم من جميع ...
أصل الكون
العقـائــد الإسـلاميــة في القــرآن الكريــم
تجسم الأعمال
أسطورة العبوسة
بقاء الروح دليل على البعث
المسيح.. في كربلاء
التجسيم عند ابن تيمية وأتباعه ق (7)
الشفاعة عند الشيعة الإمامية

 
user comment