حج هشام بن عبد الملك ومعه نافع مولى عمر بن الخطاب ، فنظر نافع إلى
الإمام الباقر ( عليه السلام ) في ركن البيت وقد اجتمع عليه الخلق ، فقال : يا أمير المؤمنين ! من هذا الذي قد تكافأ عليه الناس ؟
فقال : هذا محمد بن علي بن الحسين .
قال نافع : لآتينَّه ولأسألنَّه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبيّاً أو وصيَّ نبيٍّ .
قال هشام : فاذهب إليه لعلَّك تخجله ، فجاء نافع حتى اتكأ على الناس وأشرف على الإمام ( عليه السلام ) ، فقال :
يا محمد بن علي ، إني قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، وقد عرفت حلالها وحرامها ، وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبيّاً أو وصيَّ نبيٍّ أو ابنَ نبيٍّ .
فرفع الإمام ( عليه السلام ) رأسه ، فقال :
سَلْ عَمَّا بَدا لك !
قال نافع : أخبرني كم بين عيسى ومحمد من سنة ؟
قال ( عليه السلام ) : أجيبك بقولك أم بقولي ؟
قال نافع : أجبني بالقولين .
قال ( عليه السلام ) : أما بقولي فخمسمائة سنة ، وأما بقولك فستمائة سنة .
قال نافع : فأخبرني عن قول الله عزَّ وجلَّ :
(
وَاسْأَلْ مَن أَرسَلْنَا مِنْ قَبلِكَ مِن رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يَعْبُدُونَ )
[ الزخرف : 45 ] .
من الذي سأل محمد وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة ؟
فتلا الإمام ( عليه السلام ) :
(
سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ لِنُريهُ مِن آيَاتِنَا ) [ الإسراء : 1 ] .
كانت من الآيات التي أراها
محمداً ( صلى الله عليه وآله ) - حيث أُسري به إلى بيت المقدس - أنه حشر الله الأولين والآخرين من النَّبيِّينَ والمرسلين ، ثم أمر جبرئيل ( عليه السلام ) ، فأذن شفعاً وأقام شفعاً وقال في أذانه : ( حَيَّ عَلى خَيرِ العَمَلِ ) .
ثم تقدم محمد ( صلى الله عليه وآله ) فَصَلَّى بالقوم ، فلما انصرف قال الله عزَّ وجلَّ :
(
وَاسْأَلْ مَنْ أَرسَلنَا مِن قَبلِكَ مِن رُسُلِنَا أَجَعَلنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يَعبُدُونَ )
[ الزخرف : 45 ] .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : على من تشهدون ؟ وما كنتم تعبدون ؟
قالوا : نشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأنَّك رسول الله ، أخذت على ذلك عهودنا ومواثيقنا .
فقال نافع : صدقت يا أبا جعفر !!
قال نافع : فأخبرني عن قول الله عزَّ وجلَّ :
( يَومَ تُبَدَّلُ الأرضُ غَير الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ ) [ إبراهيم : 48 ] .
أي أرضٍ تُبَدَّل ؟
فقال الإمام ( عليه السلام ) : خبزة بيضاء يأكلونها ، حتى يفرغ الله من حساب الخلائق.
فقال نافع : إنهم عن الأكل لمشغولون .
قال ( عليه السلام ) : إنهم حينئذٍ أَشْغَلُ أَمْ هُم فِي النار ؟
قال نافع : بل هم في النار .
قال ( عليه السلام ) : فقد قال الله عزَّ وجلَّ :
(
وَنَادَى أَصحَابُ النَّارِ أَصحَابَ الجَنَّةِ أَن أَفِيضُوا عَلَينَا مِنَ المَاءِ أَو مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ )
[ الأعراف : 50 ] .
ما أشغلهم إذ دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم ، ودعوا بالشراب فسقوا من الحميم ؟!
فقال نافع : صدقت يا ابن رسول الله ! وبقيت مسألة واحدة .
قال ( عليه السلام ) : وما هي ؟
قال نافع : فأخبرني متى كان الله ؟
قال ( عليه السلام ) : ويلك ! أخبرني متى لم يكن حتى أخبرك متى كان ؟! سبحان من لم يزل ولا يزال ، فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً .
ثم أتى هشام بن عبد الملك فقال : ما صنعتَ ؟
قال نافع : دعني من كلامك ، هو والله أعلم الناس !! وهو ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حقاً .
source : www.tebyan.net