عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

سيرة الإمام الهادي عليه السلام

سيرة الإمام الهادي عليه السلام

في الثاني من رجب من عام 212 هـ ، استقبلت المدينة المنورة ميلاد أول أبناء الإمام الجواد (عليه السلام)، و عمَّ البيت الهاشمي فرح عظيم ، فسمّاه والده علياً باسم جده الرضا وجده الأكبر أمير المؤمنين ، وكناه بأبي الحسن ومشت ألقابه الكريمة تعبر عن محياه الكريم وسيرته الزكيّة ، فكان النجيب والمرتضى والهادي والنقي والعالم والفقيه والأمين والمؤتمن والطيب والمتوكل .
وعندما انتقل إلى مدينة سامراء وسكن محلة كانت تسمى عسكر سمي أيضاً العسكري أو الفقيه العسكري .
وقيل بل كان اسم سامراء العسكر لأنها كانت حاشية الجيش ولذلك سمي الإمام بـ (العسكري) .
أما أمّه فكانت سمانة المغربيّة ، وترعرع الوليد في ظل أبيه يربيه بعلم الإمامة ، ويرفع له من معارف الدين كل يوم علماً ويامره بالاقتداء به ، وفي الثامن والعشرين من محرم عام 220 هـ حيث استقدم المعتصم والده الإمام الجواد (عليه السلام)إلى العراق ، أجلسه في حجره وقال له : ما الذي تحب أن أهدي إليك من طرائق العراق ؟ فقال سيفاً كأنه شعلة نار (1) .
ولكنه لم ير ذلك االسيف ولم يعد يرى والده الكريم لأنه لم يعد من تلك الرحلة أبداً . فلعله كان في يوم 29 / ذي القعدة من عام 220 حيث رأت عائلة الإمام أنه قد رعب ، وكان عمره يومئذ ثمانية أعوام فسألوه ما به فقال : مات أبي والله الساعة ، فقالوا له : لا تقل هذا قال : هو والله كما أقول فكتبوا ذلك اليوم فكان كما قال (2).
وكان قد سبقت وصية أبيه إلى زعماء الطائفة فاجتمعوا وسلموا إليه الأمر .. كما سبق الحديث عن ذلك بتفصيل .
وبقي في مدينة جده بقية خلافة المعتصم وأيام خلافة الواثق ، حيث اشتهرت مكارمه في الآفاق ، فلما ملك المتوكل ، خشي منه القيام ضده فاستقدمه ، ليكون قريباً منه يراقبه ويسهل الضغط عليه .
ويبدو أنه لم يستقدمه إلاّ بعد أن توالت عليه الرسائل من الحجاز تخبره بأن الناس في الحرمين يميلون إليه ، وكانت زوجة المتوكل التي يبدو أنه أرسلها لاستخبار الأمر ممن بعثوا الرسائل .
ويبدو من طريقة استقدام الإمام أن المتوكل كان شديد الحذر في الأمر ، حيث بعث بسرية كاملة من سامراء إلى المدينة لتحقيق هذا الأمر .. كما سبق . وقد كتب المتوكل إلى الإمام رسالة رقيقة جاء فيها :
فقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد الله بن محمد عما كان يتولى من الحرب والصلاة بمدينة الرسول إذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقك ، واستخفافه بقدرك ، وعندما قرنك به ونسبك إليه من الأمر الذي قد علم أمير المؤمنين براءتك منه وصدق نيتك وبرك وقولك وأنك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه (3).
وكان هذا الرجل قد كتب رسالة إلى المتوكل يتهم الإمام فيها بانه ينوي القيام ضده ، وكتب الإمام رسالة إلى المتوكل ينفي تلك التهمة ، ثم أضاف :
وقد ولى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل وامره بإكرامك وبتجليك والانتهاء إلى أمرك ورأيك والتقرب إلى الله وإلى أمير المؤمنين بذلك .
وأمير المؤمنين مشتاق إليك يحب إحداث العهد بك والنظر إلى وجهك (4) .
وعندما نزل الإمام مدينة سامراء أراد المتوكل النيل من شخصيته عند الناس فامر أن يسكن دار الصعاليك لمدة أيام ثلاث ، قبل أن يدخل عليه وهو لا يعلم أن قدر الإمام عند الله ، أو عند عباد الله الصالحين ليس بما يسكنه من دار أو يحوزه من ثروة ، وإنما بزهده في درجات الدنيا ورغبته فيما عند الله ، فلا يزداد بتواضعه وصبره على الأذى في جنب الله إلاّ زلفى من الله .
وهكذا دخل عليه بعض شيعته (صالح بن سعد ) في ذلك المكان المتواضع وقال له : جعلت فداك في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك والتشهير بك حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك ، ولكن الإمام أراه بعض مكرماته ثم قال له : " حيث كنا فهذا لنا عتيد ولسنا في خان الصعاليك " (5) .
وقد فتش الموالون لأهل البيت عن موضع ذلك الخان فاشتروا مكاناً معيناً قريباً من مرقد الإمام الهادي (عليه السلام)وحولوه إلى مركز ديني بأمل أن يكون هو موضع ذلك الخان الذي تشرف بمقام الإمام فيه برهة من الوقت .
ويبدو أن الإمام كان يقود في تلك الفترة من مقامه في سامراء الخط الرسالي وبطرقه الخاصة ، وقد استطاب السكن فيها حتى قال (عليه السلام):" أخرجت إلى سر من رأى كرهاً ولو أخرجت عنها ، أخرجت كرهاً ، قال الراوي : ولِمَ يا سيدي ؟ قال : لطيب هوائها وعذوبة مائها وقلة دائها " (6).
والمتوكل العباسي المعروف بشدَّة بطشه وبغضه لأهل البيت ، وإرهابه ضد الشيعة ، أراد أن يبقى أعظم وأقوى معارضيه قريباً منه حتى يسهل عليه القضاء عليه أنى شاء . إلاّ أن الإمام قد كاد بإذن الله كيداً ، حيث أخذ ينفذ إلى عمق سلطته ، ويمد نفوذه إلى أقرب أنصاره ، وهكذا فعل .
في هذا الوقت كانت أم المتوكل تنذر للإمام ، ولعل القصص التالية تعكس جانباً من تأثير الإمام في بلاطه .
(مرض المتوكل من خراج خرج به ، فأشرف منه على التلف ، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة ، فنذرت أمه إن عوفي أن يحمل إلى أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام)مالاً جليلاً من مالها ) .
وقال له الفتح بن خاقان : لو بعثت إلى هذا الرجل يعني أبا الحسن فسألته فأنه ربما كان عنده صفة شيء يفرج الله به عنك ، قال : ابعثوا إليه فمضى الرسول ورجع ، فقال : خذوا كسب الغنم فديفوه بماء ورد ، وضعوه على الخراج فإنه نافع بإذن الله .
فجعل من بحضرة المتوكل يهزأ من قوله ، فقال لهم الفتح : وما يضر من تجربة ما قال فوالله إني لأرجو الصلاح به ، فأحضر الكسب ، وديف بماء الورد ووضع على الخراج ، ، فانفتح وخرج ما كان فيه ، وبشرت أم المتوكل بعافيته فحملت إلى أبي الحسن (عليه السلام)عشرة آلاف دينار تحت ختمها فاستقل المتوكل في علته (7).
روي عن الصقر بن أبي دلف الكرخي ، قال : لما حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن العسكري (عليه السلام)جئت أسأل عن خبره ، قال : فنظر إلى الزرافي وكان حاجباً للمتوكل ، فأمر أن أدخل إليه فأدخلت إليه ، فقال : يا صقر ما شأنك ؟ فقلت : خير أيها الأستاذ ، فقال : أقعد فاخذني ما تقدم وما تأخر ، وقلت : أخطئت في المجيء .
قال : فوحى الناس عنه ثم قال لي : ما شانك وفيم جئت ؟ قلت : لخبر ما فقال : لعلك تسأل عن خبر مولاك ؟ فقلت له : ومن مولاي ؟ مولاي أمير المؤمنين ، فقال : أسكت ! مولاك هو الحق ، فلا تحتشمني فإني على مذهبك ، فقلت : الحمد لله .
قال : أتحب أن تراه ؟ قلت : نعم ، قال : أجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده .
قال : فجلست فلما خرج قال الغلام له : خذ بيد الصقر وأدخله إلى الحجرة التي فيها العلوي المحبوس ، وخل بينه وبينه ، قال : فأدخلني إلى الحجرة وأومأ إلى بيت فدخلت فإذا هو جالس على صدر حصير وبحذاه قبر محفور ، قال : فسلمت عليه فرد عليّ ثم أمرني بالجلوس ثم قال لي : يا صقر ما أتى بك ؟ قلت : سيدي جئت أتعرف خبرك ؟ قال : ثم نظرت إلى القبر فبكيت فنظر إليّ فقال : يا صقر لا عليك لن يصلوا إلينا بسوء الآن ، فقلت : الحمد لله (8) .
قال أبو عبد الله الزيادي :
لما سمَّ المتوكل ، نذر لله إنّ رزقه الله العافية أن يتصدق بمال كثير ، فلما عوفي اختلف الفقهاء في المال الكثير فقال له الحسن حاجبه : إن أتيتك يا أمير المؤمنين بالصواب فما لي عندك ؟
قال : عشرة آلاف درهم وإلاّ ضربتك مائة مقرعة قال : قد رضيت فأتى أبا الحسن (عليه السلام)فسأله عن ذلك فقال : قل له : يتصدق بثمانين درهماً فأخبر المتوكل فسأله : ما العلة ؟ فأتاه فسأله قال : إن الله تعالى قال لنبيه (صلی الله عليه وآله وسلم): { لَقَدْ نَصَرَكُمُ الله فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ } فعددنا مواطن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)فبلغت ثمانين مواطناً ، فرجع إليه فأخبره ففرح وأعطاه عشرة آلاف درهم (9).
وهكذا كان الإمام (عليه السلام)يحل المعضلات فيزداد الناس إيماناً به ، ومعرفة بمقامه وبمدى جهالة خصمه المتوكل ، فكثيراً ما كان المتوكل يوعز إلى بعض أصحابه بأن يسألوا الإمام أسئلة صعبة لعله يتوقف فيها ، فمثلاً قال المتوكل لابن السكيت : سل ابن الرضا مسألة عوصاء بحضرتي فسأله فقال : لم بعث الله موسى بالعصا وبعث عيسى (عليه السلام)بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ، وبعث محمداً بالقرآن والسيف ؟
فقال أبو الحسن (عليه السلام):
بعث الله موسى (عليه السلام)بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السحر ، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم ، وأثبت الحجة عليهم ، وبعث عيسى (عليه السلام)بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله في زمان الغالب على أهله الطب فأتاهم من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله فقهرهم وبهرهم، وبعث محمداً بالقرآن والسيف في زمان الغالب على أهله السيف والشعر فأتاهم من القرآن الزاهر والسيف القاهر ما بهر به شعرهم وبهر سيفهم وأثبت الحجة به عليهم .
فقال ابن السكيت : فما الحجة الآن ؟ قال :
" العقل يعرف به الكاذب على الله فيكذب " .
وقد كان ابن السكيت هذا عالماً كبيراً في النحو والشعر واللغة وقالوا عن كتابه المنطق أنه أفضل كتاب في اللغة كتبه علماء بغداد ، وكان المتوكل قد عهد إليه بتربية ابنيه المعتز والمؤيد ، فسأله يوماً أيهما أحب إليك ابناي هذان أم الحسن والحسين فقال ابن السكيت والله إن قنبراً خادم الامام علي بن أبي طالب عليه السلام خير منك ومن ابنيك ، فقال المتوكل للأتراك سلوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات (رضوان الله عليه ) .
وفي بعض أيام الربيع حيث كان الجو صحواً وحاراً خرج الناس في مناسبة رسمية صائفين ، وخرج الإمام الهادي (عليه السلام)في ثياب شتوية فلما توسطوا الصحراء خرجت عليهم سحابة ممطرة وفاضت عليهم الوديان ولم يسلم من أذى المطر والطين إلاّ الإمام فاهتدى إليه وإلى علمه الكثير من الناس .
وهكذا تكيف الإمام (عليه السلام)مع الواقع المر لعهد المتوكل حتى استفاد منه إيجابياً لمصحلة الدعوة الإلهية ، وذلك بحكمته الرشيدة وباستقامته وصبره في الله .
ولكن المتوكل عقد العزم على الإيقاع به في أيامه الأخيرة فلم يأذن له الله بذلك بل أطيح به في إنقلاب دموي .
فقد جاء في الجزامة : لمّا حبس المتوكل أبا الحسن (عليه السلام)، ودفعه إلى علي بن كركر قال أبو الحسن : أنا أكرم على الله من ناقة صالح { تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } ، فلما كان من الغد أطلقه واعتقد إليه ، فلما كان في اليوم الثالث وثب عليه ياغز وتاشى ومعطوف فقتلوه واعقدوا المنتصر ولده خليفة (10).
ولعل المتوكل اعتقل الإمام أكثر من مرة ولكن الله أنقذه من شرّه ، ولعله كان يخشى كل مرة من ثورة جماهيرية عارمة ضده بالإضافة إلى أنّه لم يجد مبرراً للقضاء على الإمام مع أنه كان يعرف أن في أصحابه من يتشيع له .
فمثلاً عندما سعى البطحاني إلى المتوكل وكان من أولاد أبي طالب ولكنه يتشيع للبيت العباسي ، وقال له أنّ عنده سلاح وأموال ، فتقدم المتوكل إلى سعيد الحاجب وامره أن يهجم ليلاً عليه ويأخذ ما يجد عنده من الأموال والسلاح ويحمل إليه .
فقال إبراهيم بن محمد : قال لي سعيد الحاجب : صرت إلى دار أبي الحسن (عليه السلام)بالليل ، ومعي سلم، فصعدت منه إلى السطح ، ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة ، فلم أدر كيف أصل إلى الدار فناداني أبو الحسن (عليه السلام)من الدار : " يا سعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة " .
فلم ألبث أن أتوني بشمعة ، فنزلت ووجدت عليه جبة من صوف وقلنسوة منها وسجادته على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة فقال لي : " دونك بالبيوت " .
فدخلتها وفتشتها فلم أجد فيها شيئاً ، ووجدت البدرة مختومة بخاتم أم المتوكل وكيساً مختوماً معها ، فقال أبو الحسن (عليه السلام): دونك المصلى فرفعت فوجدت سيفاً في جفن غير ملبوس ، فأخذت ذلك وصرت إليه .
فلما نظر إلى خاتم أمه على البدرة بعث إليها ، فخرجت إليه ، فسألها عن البدرة ، فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت له : كنت نذرت في علتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه ، وهذا خاتمك على الكيس ما حركها .
وفتح الكيس الآخر وكان فيه أربع مائة دينار ، فامر أن يضم إلى البدرة بدرة أخرى وقال لي : إحمل ذلك إلى أبي الحسن واردد عليه السيف والكيس بما فيه ، فحملت ذلك إليه واستحييت منه ، وقلت : يا سيدي عزَّ علي دخول دارك بغير إذنك ، ولكني مأمور به ، فقال لي : { سيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون } (11).
والواقع أن الشيعة كانوا يحملون إلى الإمام الأموال ولكنهم كانوا قد أتقنوا أساليب الكتمان ، وكانت لديهم عناصرهم في البلاط العباسي مما يجعلهم عارفين بمواقع الخطر وكيفية اجتنابها ، والحديث التالي يكشف لنا جانباً من ذلك .
فعن المنصوري ، عن عم أبيه قال : دخلت يوماً على المتوكل وهو يشرب فدعاني إلى الشرب فقلت : يا سيدي ما شربته قط ، قال : أنت تشرب مع علي بن محمد ، قال : فقلت له : ليس تعرف من في يدك إنما يضرك ولا يضره ولم أعد ذلك عليه .
قال : فلما كان يوماً من الأيام قال لي الفتح بن خاقان : قد ذكر الرجل يعني المتوكل خبر مال يجيء من قم ، وقد أمرني أن أرصده لأخبره له فقل لي من أي طريق يجيء حتى أجتنبه ، فجئت إلى الإمام علي بن محمد فصادفت عنده من أحتشمه فتبسم وقال لي : لا يكون إلاّ خيراً يا أبا موسى لِمْ لمْ تعد الرسالة الأولى ؟ فقلت : اجللتك يا سيدي ، فقال لي: المال يجيء الليلة وليس يصلون إليه فبت عندي (12).

الإمام بعد عهد المتوكل :
بعد أن قتل المتوكل بدعاء الإمام الهادي وبسبب مؤامرات قواته التركية ، انقشعت عن آل أبي طالب والموالين لأهل بيت الرسول سحابة الإرهاب إذ كان المنتصر بن المتوكل يخالف أباه في كل شيء ويظهر الحب والإحترام لآل الرسول وشيعتهم ، حتى أنه عزل والي المدينة الذي نصبه أبوه واسمه صالح بن علي ونصّب مكانه علي بن الحسين ، فدخل عليه يردعه فقال : يا علي إني أوجهك إلى لحمي ودمي ، ومد جلد ساعده وقال : إلى هذا وجهتك فانظر : كيف تكون للقوم ، وكيف تعاملهم - يعني آل ابي طالب (13).
أما الخلفاء العباسيون الذين تعاقبوا بعد المتوكل وابنه المنتصر لم يكونوا في قوة المتوكل ولا في لين المنتصر ، ولم نجد في التاريخ حوادث مهمة تتصل بحياة الإمام الهادي (عليه السلام)، الذي يبدو أنه تفرغ لتربية وقيادة الربانيين من العلماء وإدارة الشؤون العامة لمواليه وشيعته ، كذلك في ملاحقة بعض الغلاة والمشعوذين الذي أرادوا التسلل إلى صفوف الخط الرسالي مثل الذي اغتاله بعض الموالين وربما بعد صدور الفتوى الشرعية بإعدامه !!
والكتاب التالي نموذج لمنهجية إدارة الإمام (عليه السلام)للشيعة ، قال : (نسخة الكتاب مع ابن راشد إلى جماعة الموالي الذين هم ببغداد المقيمين بها والمدائن والسواد وما يليها :
" أحمد الله إليكم ما أنا عليه من عافية وحسن عائدته ، وأصلي على نبيه وآله أفضل صلواته وأكمل رحمته ورأفته ، وإني أقمت أبا علي بن راشد مقام الحسين بن عبد ربه ومن كان قبله من وكلائي وصار في منزلته عندي ، ووليته ما كان يتولاه غيره من وكلائي قبلكم ، ليقبض حقي وأرتضيته لكم ، وقدمته في ذلك وهو أهله وموضعه .
فصيروا رحمكم الله إلى الدفع إليه ذلك وإليَّ ، وأن لا تجعلوا له على أنفسكم علة ، فعليكم بالخروج عن ذلك ، والتسرع إلى طاعة الله وتحليل أموالكم والحقن لدمائكم { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } { وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً } فقد أوجبت في طاعته طاعتي ، والخروج إلى عصيانه الخروج إلى عصياني ، فالزموا الطريق يأجركم الله ويزيدكم من فضله ، فأن الله بما عنده واسع كريم ، متطول على عباده رحيم ، نحن وأنتم في وديعة الله وحفظته وكتبته بخطي والحمد لله كثيراً " .
وفي كتاب آخر : " وأنا آمرك يا أيوب بن نوح أن تقطع الإكثار بينك وبين أبي علي وأن يلزم كل واحد منكما ما وكل به وأمر القيام فيه بامر ناحيته ، فإنكم إن انتهيتم إلى كل ما أمرتم به استغنيتم بذلك عن معاودتي وآمرك يا أبا علي بمثل ما آمرك به أيوب أن لا تقبل من أحد من أهل بغداد والمدائن شيئاً يحملونه ولا تلي لهم استئذاناً عليّ ، ومر من أتاك بشيء من غير أهل ناحيتك أن يصيره إلى الموكل بناحيته ، وآمرك يا أبا علي بمثل ما أمرت به أيوب وليقبل كل واحد منكما ما أمرته به " (14).
وبالتالي وبعد ثلاثة وثلاثين عاماً من الإمامة ، وقيادة طليعة الأمة أحضر الإمام الهادي (عليه السلام)نجله الإمام الحسن العسكري وأوصى إليه وأشهد خيرة الطائفة بذلك واستعد للرحيل .
وفي الثالث من رجب وفي ملك المعتمد بالله فارقت روحه النقية الدنيا ونقل عن العالم الكبير ابن بابويه أن المعتمد قد دس إليه السم فمضى شهيداً !
وقال المسعودي : ولما توفي اجتمع في داره جملة بني هاشم من الطالبيين والعباسيين ، واجتمع خلق كثير من الشيعة ، ثم فتح من صدر الدار باب وخرج خادم أسود ، ثم خرج بعده أبو محمد الحسن العسكري حاسراً مكشوف الرأس ، مشقوق الثياب ، وكان وجهه وجه أبيه لا يخطى منه شيئاً ، وأضاف : وكانت الدار كالسوق بالأحاديث ، فلما خرج وجلس أمسك الناس وكنا لا نسمع إلاّ العطسة والسعلة وقال : وصاحت سر من رأى يوم موته صيحة واحدة (15).
ويظهر من المسعودي أن وفاة الإمام كانت في عهد المعتمد الذي استهل بعام 256 هـ ، وحيث كان أخوه الموفق الغالب على السلطة وهو الذي حضر جنازة الإمام ، ويقول المسعودي في ذلك : ووثب إليه ( الإمام الحسن العسكري ) أبو أحمد الموفق فعانقه ثم قال له : " مرحباً يابن العم " (16).
وهكذا يظهر من الشيخ ابن بابويه الذي يرى أن المعتمد قد سم الإمام ، وعلى هذا فلا بدَّ أن تكون وفاته بعد عام 256 وليس كما قالوا عام (254 ) ، ويظهر ذلك أيضاً من كشف الغمة إذ قال : وفي آخر ملك المعتمد استشهد مسموماً (17).
ولعل هناك اشتباهاً عند النسّاخ بين المهتدي والمعتمد ، إذ أن آخر ملك المعتمد يصادف عام 279 ، ولعل الذي استشهد في أيام المعتمد هو الإمام الحسن العسكري الذي استشهد عام 260 والله العالم.

كراماته ومكرماته
كما اختار ربنا من بني إسرائيل اثني عشر نقيباً ، اختار لهذه الأمة اثني عشر إماماً هادياً إليه بإذنه ، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم .. أوليس الله أعلم حيث يجعل رسالته ؟ بلى . لذلك كان الإمام افضل خلق الله في علم الله ، ولذلك اصطفاه الله لهذا المنصب الإلهي العظيم !
وهكذا كان الإمام عبداً لله قد وقر قلبه الإيمان بالله ومعرفته ، أحب الله ، والتسليم له فأحبه الله ، ورفعه مقاماً علياً ، وكان عند ربه مرضياً وما الكرامات التي ظهرت على يديه إلاّ آية بينة لمدى حب الله له ، وبالتالي لمدى حبه لله ، وتسليمه له ورضاه بما قدر له وقضى .
لقد كان للإمام الهادي (عليه السلام)ذِكراً يبدو أنه كان يكرره ، وقد علَّمهُ لشيعته وقال : دعوت الله أن يستجيب لمن دعا به في مشهدي بعد وفاتي وهذا الذكر هو :
" يا عدتي عند العدد ويا رجائي والمعتمد ويا كهفي والسند ، ويا واحد يا أحد ، يا قل هو الله احد ، وأسألك اللهم بحق من خلقته من خلقك ، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحداً أن تصلي عليهم وتفعل بي (كيت وكيت) (18).
هذا الذكر هو عنوان صفات الإمام ، ومفتاح معرفته فهو عبد أخلص العبودية لله ، فكان مثلاً لما جاء في الحديث القدسي :
" عبدي اطعني تكن مثلي - أو مَثلي - أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون " .
إنه عبد أطاع الله فطوع الله له الأشياء : إنه خاف ربه فأخاف الله منه كل شيء .
ولابد أن نجعل كرامات أهل البيت (عليهم السلام)في هذا الإطار ، وهو الإطار المناسب الذي وضعوا فيه أنفسهم وعلمهم وكرامتهم على الله ، فمثلاً عندما أظهر الله على يد الإمام الهادي (عليه السلام)بعض آياته ولم يتحمله بعض مواليه ، فدخله وسواس الشيطان فبادره الإمام (عليه السلام)برفع اللّبس عنه وقال له :
" وأما الذي أخلج في صدرك فإن شاء العالم أنبئك أن الله لم يظهر على غيبه أحداً إلاّ من ارتضى من رسول ، فكل ما كان عند الرسول كان عند العالم وكل ما أطلع عليه الرسول فقد أطلع أوصياءه عليه ، كيلا تخلو أرضه من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته ، وجواز عدالته .
يا فتح عسى الشيطان أراد اللّبس عليك ، فأوهمك في بعض ما أودعتك ، وشكّك في بعض ما أنبأتك ، حتى اراد إزالتك عن طريق الله ، وصراطه المستقيم ؟ فقلت : " متى أيقنت أنهم كذا فهم أرباب ، معاذ الله إنهم مخلوقون مربوبون ، مطيعون لله داخرون راغبون ، فإذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به .
فقلت له : جعلت فداك ! فرَّجت عني ، وكشفت ما لبس الملعون عليَّ بشرحك فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب ، قال : فسجد أبو الحسن (عليه السلام)وهو يقول في سجوده : راغماً لك يا خالقي داخراً خاضعاً ، قال : فلم يزل كذلك حتى ذهب ليلي " (19) .
وهكذا كانت الكرامات التي نتلوها عليك بفضل هذه الصلة الوثيقة بين الإمام وبين ربه سبحانه ، وكذلك كان الذين اتبعوه مخلصين العبودية لله ، من العلماء الربانيين والمجاهدين الصابرين فإن الله لا يضيع أجر من عمل صالحاً منهم ، وإن الله ينصرهم في الدنيا كما في الآخرة وقد قال سبحانه :
{ وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَويٌ عَزِيزٌ }(20)
وقال : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ }(21)
وهكذا نجد كيف يدعو الإمام للمؤمنين وكيف يتسجيب الله له دعاءه في حقهم .
لقد كان يونس النقاش واحداٌ من الموالين الذين حظي بخدمة الإسلام ، فجاء يوماً يرعد فقال : يا سيدي أوصيك بأهلي خيراً ، قال : وما الخبر ؟ قال : عزمت على الرحيل ، قال : ولم يا يونس ؟ وهو (عليه السلام)مبتسم ، قال : موسى بن بغا وجَّه إليَّ بفص ليس له قيمة أقبلت أنقشه فكسرته بأثنين وموعده غداً وهو موسى بن بغا أمّا ألف سوط أو القتل ، قال : إمض إلى منزلك إلى غد فما يكون إلاّ خيراً .
فلما كان من الغد وافى بكرة يرعد فقال : قد جاء الرسول يلتمس الفصَّ قال : إمض إليه فما ترى إلاّ خيراً ، قال : وما أقول له يا سيدي ؟ قال : فتبسَّم وقال : إمض إليه واسمع ما يخبرك به ، فلن يكون إلاّ خيراً .
قال : فمضى وعاد يضحك قال : قال لي يا سيدي : الجواري اختصمن فيمكنك أن تجعله فصين حتى نغنيك ؟ فقال سيدنا الإمام (عليه السلام): اللهم لك الحمد إذ جعلتنا ممن يحمدك حقاً (أي شيء ) قلت له ؟ قال : قلت له : أمهلني حتى أتأمل أمره كيف أعمله ؟ فقال : أصبت (22) .
وكان محمد بن الفرج واحداً من المجاهدين الصابرين الذين كتب إليه الإمام يحذره من بلاء وشيك يقول :
إن أبا الحسن كتب إليَّ إجمع أمرك ، وخذ حذرك ، قال : فأنا في جمع أمري لست أدري ما الذ ي أراد فيما كتب به إليَّ حتى ورد علي رسول حملني من مصر مقيداً مصفَّداً بالحديد ، وضرب على كل ما أملك .
فمكثت في السجن ثماني سنين ثم ورد علي كتاب من أبي الحسن (عليه السلام)وانا في الحبس " ولا تنزل في ناحية الجانب الغربي " فقرأت الكتاب فقلت في نفسي : يكتب إليّ أبو الحسن (عليه لاسلام ) بهذا وأنا في الحبس إن هذا لعجيب ! فما مكثت إلاّ أياماً يسيرة حتى أفرج عني ، وحلّت قيودي ، وخلي سبيلي .
ولما رجع إلى العراق لم يقف ببغداد لما أمره أبو الحسن (عليه السلام)وخرج إلى سر من رأى (23) .
وكان الإمام يهتم بتأديب شيعته مثلما يهتم بقضاء حوائجهم ، ومن ذلك قصة يرويها لنا أبو هاشم الجعفري ويقول : أصابتني ضيقة شديدة فصرت إلى أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام)فأذن لي فلما جلست قال : يا أبا هاشم أي نعم الله عزّ وجلّ عليك تريد أن تؤدي شكرها ؟ قال أبو هاشم : فوجمت فلم أدر ما أقول له .
فابتدأ (عليه السلام)فقال : رزقك الإيمان فحرم بدنك على النار ، ورزقك العافية فأعانتك على الطاعة ، ورزقك القنوع فصانك عن التبذل ، يا أبا هاشم إنما أبتدأتك بهذا لأني ظننت أنك تريد أن تشكو لي من فعل بك هذا ، وقد أمرت لك بمائة دينار فخذها (24).
ويبدو أن عمله (عليه السلام)كان مشروطاً بالتزامهم بفرائض الدين ، وهكذا يحكي لنا أبو محمد الطبري قصته مع خاتم حصل عليه بفضل الإمام ويقول :
تمنيت أن يكون لي خاتم من عنده (عليه السلام)فجاءني نصر الخادم بدرهمين ، فصغت خاتما فدخلت على قوم يشربون الخمر فتعلقوا بي حتى شربت قدحاً أو قدحين ، فكان الخاتم ضيقاً في إصبعي لا يمكنني إدارته للوضوء ، فأصبحت وقد افتقدته ، فتبت إلى الله (25).
إن ولاء الإنسان لأهل بيت الرسول إذا كان خالصاً لوجه الله ، يكون وسيلة لهدايته وسعادته والقصة التالية تعكس مدى صدق هذه الحقيقة .
حَدث أن جماعة من أهل أصفهان منهم أبو العباس أحمد بن النضير وأبو جعفر محمد بن علوية قالوا : كان بأصفهان رجل يقال له : عبد الرحمان وكان شيعياً قيل له : ما السبب الذي أوجب عليك بإمامة علي النقي دون غيره من أهل الزمان ؟ قال : شاهدت ما أوجب عليَّ ، وذلك لأني كنت رجلاً فقيراً وكان لي لسان وجرأة ، فاخرجني أهل اصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكل متظلمين .
فكنا بباب المتوكل يوماً إذ خرج الأمر بإجضار علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام)، فقلت لبعض من حضر :
من هذا الرجل الذي قد أمر بإحضاره ؟ فقيل : هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته ، ثم قال : ويقدر أن المتوكل يحضره للقتل فقلت : لا أبرح من ههنا حتى أنظر إلى هذا الرجل أي رجل هو ؟
قال : فأقبل راكباً على فرس ، وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرتها صفين ينظرون إليه ، فلما رأيته وقع حبه في قلبي فجعلت أدعو في نفسي بأن يدفع الله عنه شر المتوكل ، فأقبل يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف دابته لا ينظر يمنة ولا يسرة ، وأنا دائم الدعاء ، فلما صار إليَّ أقبل بوجهه إليَّ وقال : استجاب الله دعاءك ، وطَوّل عمرك ، وكثر مالك وولدك قال : فارتعدت ووقعت بين أصحابي فسألوني وهم يقولون : ما شأنك ؟ فقلت : خير ولم أخبر بذلك .
فأنصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان ، ففتح الله عليّ وجوهاً من المال ، حتى أنا اليوم أغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم ، سوى مالي خارج داري ، ورزقت عشرة من الأولاد ، وقد بلغت الآن من عمري نيفاً وسبعين سنة وأنا أقول بإمامة الرجل على الذي علم ما في قلبي ، واستجاب الله دعاءه فيَّ ولي (26).
هكذا استجاب ربنا سبحانه دعاء وليّه الكريم الإمام الهادي في حق واحد من سائر الناس أحبه وأشفق عليه من ظلم السلطان ، وبالرغم من أنه لم يكن من مواليه وشيعته من قبل ، بينما نجد أخاه موسى بن محمد ينوي الإضرار بالدين فيدعو عليه ويستجيب الله دعاءه فيه ، ألا يَدُلَّنا ذلك على أنه (عليه السلام)كسائر الأنبياء والأوصياء والصديقين يعملون لمرضاة ربهم والله يؤيدهم لأنهم ينصرون دينه ، وهكذا كل من نصر دين الله نصره الله سبحانه .
تعالوا نستمع قصة موسى هذا الذي عرف عنه بموسى المبرقع لكي نعرف أن أولياء الله المرضيين لا تأخذهم في دينه لومة لائم .
روي عن يعقوب بن ياسر قال : كان المتوكل يقول : وَيْحكم قد أعياني أمر ابن الرضا وجهدت أن يشرب معي وينادمني فامتنع ، وجهدت أن آخذ فرصة في هذا المعنى ، فلم أجدها ، فقالوا له : فإن لم تجد من ابن الرضا ما تريده في هذه الحالة فهذا أخوه موسى قصاف عزاف يأكل ويشرب ويتعشق قال : ابعثوا إليه وجيئوا به حتى نموِّه به على الناس ، ونقول : ابن الرضا .
فكتب إليه وأشخص مكرماً وتلقاه جميع بني هاشم والقواد والناس على أنه إذا وافى أقطعه قطيعة ، وبنى له فيها وحوّل الخمّارين والقيان إليه ، ووصله وبره وجعل له منزلاً سرِّياً حتى يزوره هو فيه .
فلما وافى موسى تلقاه أبو الحسن في قنطرة وصيف ، وهو موضع يتلقى فيه القادمون فسلم عليه ووفاه حقه ثم قال له : إن هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك ، فلا تقر له أنك شربت نبيذاً قط ، فقال له موسى : فإذا كان دعاني لهذا فما حيلتي ؟ قال : فلا تضع من قدرك ولا تفعل ، فإنما أراد هتكك فأبى عليه ، فكرر عليه القول والوعظ وهو مقيم على خلافه ، فلما رأى أنه لا يجيب قال : أما إن هذا مجلس لا تجتمع أنت وهو عليه أبداً .
فأقام موسى ثلاث سنين يبكر كل يوم فيقال : قد تشاغل اليوم فَرُح فَيرُوح فقال : قد سكر فبكر ! فيبكر فيقال : قد شرب دواء فما زال على هذا ثلاث سنين حتى قتل المتوكل ولم يجتمع معه عليه(27).

علم الإمام :
لقد تحدثنا بإيجاز حول علم الإمام عندما تحدثنا عن حياة الإمام الباقر (عليه السلام)وقلنا أن علم الأئمة (عليه السلام)بالغيب ليس علماً ذاتياً بل بما أعطاهم الله سبحانه وبالقدر الذي شاءت حكمته ، وبطرق شتى أبرزها توارث العلم عن النبي وعبر آباءهم الطاهرين .
وقد جاء في الحديث عن الإمام الهادي (عليه السلام)تأكيد على ذلك حيث قال :
إن الله لم يظهر على غيبه أحداً إلاّ من ارتضى من رسول الله ، لكل ما كان عند الرسول كان عند العالم وكل ما أطلع عليه الرسول فقد اطلّع أوصياؤه عليه كيلا تخلو أرضه من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته (28).
ومن أبعاد علمه (عليه السلام)إلهام الله له حسبما تقتضيه حكمته البالغة ، وقد قال ربنا سبحانه : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } (29)
وهكذا كان الإمام يعلم اللغات المختلفة بإلهام الله وقد استفاضت الروايات التي تهدينا إلى علم الأئمة بذلك .
كذلك روي عن علي بن مهزيار : قال : أرسلت إلى أبي الحسن (عليه السلام)غلامي وكان مقلابياً ، فرجع الغلام إليّ متعجباً فقلت مالك يا بني ؟ قال : كيف لا أتعجب ، مازال يكلمني بالقلابية كأنه واحد منا ، فظننت أنه إنما دار بينهم (30).
وفي ذلك روايات أخرى تدل على علمهم بسائر اللغات الفارسية والتركية وما أشبه . وكان ينبئ الناس بما يحدث في المستقبل بتعليم الله ، كما حدث بالنسبة إلى موت الواثق .
روي عن خيران الأسباطي قال : قدمت المدينة على أبي الحسن (عليه السلام)فقال لي :
ما فعل الواثق ؟ قلت : هو في عافية ، قال : وما يفعل جعفر ؟ قلت تركته أسوأ الناس حالاً في السجن قال : وما يفعل ابن الزيات ؟ قلت : الأمر أمره وانا منذ عشرة أيام خرجت من هناك ، قال : مات الواثق ، وقد قعد المتوكل جعفر ، وقتل ابن الزيات قلت : متى ؟ قال : بعد خروجك بستة أيام وكان كذلك (31).
وكذلك إخباره بموت المتوكل حيث دعا عليه وأخبر المقربين إليه أنه يهلك خلال أيام ثلاثة .
وحينما حمله قائد المتوكل إلى سر من رأى أخذ حذره وأخذ لبابين وبرانس احتياطاً لما كان يتوقعه في الطريق من عواصف ثلجية أيام الصيف ولم تكن متوقعة أبداً ، ولكنها وقعت وقتلت طائفة من الجنود المرافقين له وبقي الإمام سالماً بفضل الله (32).
وتجلى علمه في احتجاجه على يحيى بن أكثم ، الذي كان المقَّدم بين علماء عصره عند الخليفة ، فطلب منه إحضار أسئلة صعبة لإحراجه ، وسوف نذكر القصة في فصل آت .
وقد وعظ شاباً كان يبالغ في الضحك وأخبره بقرب وفاته وكان كذلك :
قالوا : حدث لبعض أولاد الخليفة وليمة فدعا الناس إليها ودعا أبا الحسن ، فدخلنا فلما رأوه انصتوا إجلالاً له ، وجعل شاب في المجلس لا يوقره ، وجعل يلغط ويضحك ، فأقبل عليه وقال له : يا هذا تضحك ملء فيك وتذهل عن ذكر الله وأنت بعد ثلاثة من أهل القبور ؟ قال : فقلنا هذا دليل حتى ننظر ما يكون .
قال : فأمسك الفتى وكفَّ عما هو عليه ، وطعمنا وخرجنا ، فلما كان بعد يوم أعتل الفتى ومات في اليوم الثالث من أول النهار ، ودفن في آخره (33).
وفي خبر مشابه حدَّث به سعيد بن سهل البصري قال : اجتمعنا أيضاً في وليمة لبعض أهل سر من رأى وأبو الحسن (عليه السلام)معنا ، فجعل رجل يعبث ويمزح ، ولا يرى له جلالة فأقبل على جعفر فقال : أما أنه لا يأكل من هذا الطعام ، وسوف يرد عليه من خبر أهله ما ينغص عليه عيشه ، قال : فقدمت المائدة قال جعفر : ليس بعد هذا خبر ، قد بطل قوله ، فوالله لقد غسل الرجل يده وأهوى إلى الطعام فإذا غلامه قد دخل من باب البيت يبكي وقال له : الحق أمك فقد وقعت من فوق البيت ، وهي بالموت ، قال جعفر فقلت والله لا وقفت بعد هذا وقطعت عليه (34).
وآخر مكرمة ننقلها عنه (عليه السلام)تلك التي ينقلها الرواة حول تل المخالي حيث سعى المتوكل لإرهاب معارضيه بما يملك من قوة عسكرية ، فأمر العسكر وهم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكني بسر من رأى أن يملأ كل واحد مخلاة فرسه من ا لطين الأحمر ، ويجعلوا بعضه على بعض في وسط تربة واسعة هناك ، ففعلوا . فلما صار مثل جبل عظيم واسمه تل المخلي صعد فوقه ، واستدعى أبا الحسن واستصعده ، وقال : استحضرتك لنظارة خيولي ، وكان قد أمرهم ان يلبسوا التجافيف ويحملوا الأسلحة وقد عرضوا بأحسن زينة ، وأتم عدة ، وأعظم هيبة ، وكان غرضه أن يكسر قلب كل من يخرج عليه وكان خوفه من أبي الحسن (عليه السلام)أن يأمر أحداً من أهل بيته أن يخرج على الخليفة .
فقال له أبو الحسن (عليه السلام): وهل أعرض عليك عسكري ؟ قال : نعم ، فدعا الله سبحانه فإذا بين السماء
والأرض من المشرق والمغرب ملائكة مدججون فغشي على الخليفة ، فلما أفاق قال أبو الحسن (عليه السلام): نحن لانناقشكم في الدنيا نحن مشتغلون بامر الآخرة فلا عليك شيء مما تظن (35).

كرمه وجوده :
وكان (عليه السلام)من أهل بيت عادتهم الإحسان وسجيتهم الكرم .
جاء في التاريخ : دخل أبو عمرو عثمان بن سعيد وأحمد بن إسحاق الأشعري وعلي بن جعفر الهمداني على أبي الحسن العسكري ، فشكى إليه أحمد بن إسحاق ديناً عليه فقال يا (أبا) عمرو - وكان وكيله - إدفع إليه ثلاثين ألف دينار ، وإلى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار ، وخذ أنت ثلاثين ألف دينار ، فهذه معجزة لا يقدر عليها إلاّ الملوك ، وما سمعنا بمثل هذا العطاء (36).
والقصة التالية تعكس قمة الإيثار عند الإمام (عليه السلام)حيث سعى لقضاء حاجة واحدة من مواليه بطريقة عجيبة دعنا نستمع إلى التاريخ يروي لنا قصته بكل عظمة :
قال محمد بن طلحة : خرج (عليه السلام)يوماً من سر من رأى إلى قرية لِمُهّمٍ عرض له ، فجاء رجل من الأعراب يطلبه فقيل له قد ذهب إلى الموضع الفلاني ، فقصده فلما وصل إليه قال له ما حاجتك ؟ فقال : أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسكين بولاية جدك علي بن أبي طالب (عليه السلام)قد ركبني دين فادح أثقلني حمله ، ولم أر من أقصده لقضاءه سواك .
فقال له أبو الحسن : طب نفساً وقر عيناً ثم أنزله ، فلما أصبح ذلك اليوم قال له أبو الحسن (عليه السلام): أريد منك حاجة . الله الله أن تخالفني فيها ، فقال الأعرابي لا أخالفك ، فكتب أبو الحسن (عليه السلام)ورقة بخطه معترفاً فيها أن عليه للأعرابي مالاً عينه فيها يرجح على دينه ، وقال : خذ هذا الخط فإذا وصلت إلى سر من رأى إحضر إليّ وعندي جماعة ، فطالبني به وأغلظ القول عليَّ في ترك إبقائك إياه الله الله في مخالفتي فقال : أفعل ، وأخذ الخط .
فلما وصل أبو الحسن إلى سر من رأى ، وحضر عنده جماعة كثيرون من أصحاب الخليفة وغيرهم ، حضر ذلك الرجل وأخرج الخط وطالبه وقال كما أوصاه ، فألان أبو الحسن (عليه السلام)له القول ورفقه ، وجعل يعتذر ، ووعده بوفائه وطيبه نفسه ، فنقل ذلك إلى الخليفة المتوكل فأمر أن يحمل إلى أبي الحسن (عليه السلام)ثلاثون ألف درهم .
فلما حملت إليه تركها إلى أن جاء الرجل فقال : خذ هذا المال واقض منه دينك ، وأنفق الباقي على عيالك وأهلك ، واعذرنا ، فقال له الأعرابي : يا ابن رسول الله والله إن أملي كان يقصر عن ثلث هذا ، ولكن الله أعلم حيث يجعل رسالته ، وأخذ المال وانصرف (37).
تعالوا نتعلم من أئمتنا الإيثار والكرم ، فليس الكرم مجرد الإنفاق إنما السعي لقضاء الحاجة بكل وسيلة ممكنة وحتى ولو كانت في ذلك غضاضة على النفس .
وتذكرني قصة الإمام هذه بما روي عن أحد الأنبياء العظام الذي جاءه صاحب حاجة ، وطلب منه مالاً ولم يكن يملك شيئاً ، فقال له خذني وبعني في سوق النخاسين كما لو كنت عبداً لك وخذ الثمن واقض حاجتك به ، وفعل الرجل ولكن الذي اشترى النبي عرفه بالتالي فتركه .. وبهذه الطريقة التي تفيض إيثاراً وكرماً وجوداً علّمنا قادتنا كيف نحسن إلى بعضنا ، وننفق بما نملك ونسعى لامتلاك ما نفقده بهدف قضاء حوائج الناس .

كلماته المضيئة
لقد بلغ مذهب أهل البيت (عليه السلام)مرحلة النضج في عهد الإمام الهادي ، إلاّ أنه كان يهدده خطر التطرف الذي تسرب إلى بعض المسلمين عبر الثقافات المستوردة من الشرق ، كما أنه كان بحاجة إلى مزيد من الدفع الإيماني حتى لا تهبط الروح المعنوية عند البعض بسبب دعايات الأعداء وبالذات الخلفاء العباسيين الذين لم يعرفوا مقام الأئمة فنسبوا إليهم أو إلى شيعتهم الغلو والغنوص ، وهكذا احتياج المذاهب إلى نصوص جامعة تكون بمثابة دروس توجيهية تتضمن أصول العقائد بلا زيادة أو نقصان .
وهكذا جاءت زيارة الجامعة المروية عن الإمام الهادي (عليه السلام)التي تجعل الأئمة في مقامهم الأسمى بعيداً عن الغنوص والغلو .
دعنا نتدبر في بعض كلماتها المضيئة التي تعتبر أفضل وسيلة لتكريس حبهم في النفس ذلك الحب الذي يعتبر امتداداً لحب المؤمن لربّه ، وليس بديلاً عنه .
" السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي ومعدن الرحمة ، وخزّان العلم ومنتهى الحلم ، وأصول الكرم وقادة الأمم ، وأولياء النعم وعناصر الأبرار ودعائم الأخيار ، وساسة العباد وأركان البلاد ، وأبواب الإيمان وأمناء الرحمن ، وسلالة النبيين وصفوة المرسلين وعترة خيرة رب العالمين ورحمة الله وبركاته ، السلام على ائمة الهدى ومصابيح الدجى ، وأعلام التقى وذوي النهى ، وأولي الحجى وكهف الورى ، وورثة الأنبياء والمثل الأعلى ، والدعوة الحسنى وحجج الله على أهل الدنيا والأخرة والأولى ورحمة الله وبركاته ، السلام على محال معرفة الله ، وبساكن بركة الله ، ومعادن حكمة الله ، وحفظة سر الله ، وحملة كتاب الله ، وأوصياء نبي الله ، وذرية رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)ورحمة الله وبركاته ، السلام على الدعاة إلى الله والأدلاّء على مرضاة الله ، والمستقرين " والمستوفرين " في أمر الله ، والتامين في محبة الله ، والمخلصين في توحيد الله ، والمظهرين لأمر الله ونهيه ، وعباده المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون ورحمة الله وبركاته " (38).
وقال (عليه السلام)ينصح بعض مواليه : " يا فتح من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق ، ومن أسخط الخالق فأيقن أن يحل به الخالق سخط المخلوق ، وأن الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه ، وأنى يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه ، والأوهام أن تناله ، والخطرات أن تحده ، والأبصار عن الإحاطة به " .
" جل عما يصفه الواصفون ، وتعالى عما ينعته الناعتون ، نأى في قربه ، وقرب في نأيه ، فهو في نأيه قريب ، وفي قربه بعيد ، كيف الكيف فلا يقال كيف ، وأيّن الأين فلا يقال أين ، إذ هو منقطع الكيفية والآيّنية " (39).
وقال (عليه السلام): " من اتقى الله يُتَّق ، ومن أطاع الله يُطَع ، ومن أطاع الخالق لم يبال سخط المخلوقين ، من أمن مكر الله وأليم أخذه تكبر حتى يحل به قضاؤه ونافذ أمره ، ومن كان على بينة من ربه هانت عليه مصائب الدنيا ولو قرض ونشر ، الشاكر أسعد بالشكر منه بالنعمة التي أوجبت الشكر لأن النعم متاع والشكر نعم وعقبى ، إن الله جعل الدنيا دار بلوى والآخرة دار عقبى وجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سبباً وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً ، إن الظالم الحاكم يكاد أن يعفى على ظلمه بحلمه وأن المحق السفيه يكاد أن يطفئ نور حقه بسفهه ، من جمع لك وده ورأيه فأجمع له طاعتك ، من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره ، الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون " (40).
" المراء يفسد الصداقة القديمة ويحل العقدة الوثيقة وأقل ما فيه أن يكون فيه المغالبة والمغالبة أسباب القطيعة " .
" العتاب مفتاح التقالي والعتاب خير من الحقد " .
وقال لرجل ذم إليه ولداً له : " العقوق ثكل من لم يثكل " .
وقال : السهر ألذ للمنام والجوع يزيد في طيب الطعام ، يريد به الحث على قيام الليل وصيام النهار " .
" أذكر مصرعك بين يدي أهلك ، ولا طبيب يمنعك ولا حبيب ينفعك " .
" الغضب على من تملك لؤم " .
" الحكمة لا تنجح في الطباع الفاسدة " .
" خير من الخير فاعله ، وأجمل من الجميل قائله ، وأرجح من العلم حامله ، وشر من الشر جالبه ، وأهول من الهول راكبه " .
" إياك والحسد فإنه يبين فيك ولا يعمل في عدوك " .
" إذا كان زمان العدل فيه أغلب من الجور فحرام أن يظن احد باحد سوء حتى يعلم ذلك منه ، وإذا كان زمان الجور أغلب فيه من العدل فليس لأحد أن يظن بأحد خيراً ما لم يعلم ذلك منه " (41).
المصادر :
1- تاريخ الإسلام السياسي : ج 3 ، ص 123
2- تاريخ الإسلام السياسي : ج 3 ، ص 176
3- تاريخ الإسلام السياسي : ج 3 ،ص 301
4- تاريخ الإسلام السياسي : ج 3 ، ص 7
5- تاريخ الإسلام السياسي : ج 3 ، ص 133
6- تاريخ الإسلام السياسي : ج 3 ، ص 130
7- تاريخ الإسلام السياسي : ج 3 ، ص 168
8- تاريخ الإسلام السياسي : ج 3 ، ص 194
9- (التوبة/25) تاريخ الإسلام السياسي : ج 3 ، ص 162 - 163
10- (هود/65) تاريخ الإسلام السياسي : ج 3 ص 204
11- تاريخ الإسلام السياسي : ج 3 ، ص 199 - 200
12- المصدر : ص 124 - 125
13- المصدر : ص 210
14- المصدر : ص 223
15- في رحاب أئمة أهل البيت : ج 4 ، ص 183
16- في رحاب أئمة أهل البيت : ج 4 ، ص 183
17- بحار الأنوار : ج 50 ، ص 114
18- بحار الأنوار ج 50: ص 127
19- بحار الأنوار ج 50: ص 179
20- (الحَج/40)
21- (الطَّلاَقِ/3)
22- بحار الأنوار ج 50 : ص 126
23- بحار الأنوار ج 50: ص 140
24- بحار الأنوار ج 50: ص 129
25- بحار الأنوار ج 50: ص 155
26- بحار الأنوار ج 50: ص 141 - 142
27- المصدر : ص 158 - 160
28- المصدر : ص 179
29- (الحِجرِ/75)
30- بحار الأنوار ج 50: ص 130
31- بحار الأنوار ج 50: ص 151
32- بحار الأنوار ج 50: ص 142 - 144
33- المصدر : ص 183
34- المصدر : ص 183
35- المصدر : ص 155 - 156
36- المصدر : ص 173
37- المصدر : ص 175
38- زيارة الجامعة في كتاب الأنوار اللامعة - في شرح زيارة الجامعة (ص 123 ) للسيد عبد الله شبر .
39- بحار الأنوار : ج 50 ، ص 177 - 178
40- في رحاب أئمة أهل البيت : ج 4 ، ص 180
41- المصدر : ص 181

 


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

قراءة جديدة في كتاب نهج البلاغة
كلمات في الإمام الرضا ( ع )
الزهراء بعد الرسول الله صلوات الله عليهما
قم وأهلها فی روایات أهل البیت (علیهم السلام)
النص على إمامته
المسيح.. في كربلاء
معاشرة فاطمة ( عليها السلام ) للإمام علي ( عليه ...
البعثة النبوية المباركة
مرقد الإمام عليّ بن موسى الرضا (ع)
آداب الأخوة عند الإمام علي ( عليه السلام )

 
user comment