عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

شد الرحال إلى زیارة قبر النبی ( صلى الله علیه وآله وسلم )

شد الرحال إلى زیارة قبر النبی ( صلى الله علیه وآله وسلم )

کثر الکلام فی استحباب زیارة النبی (صلى الله علیه وآله وسلم ) للحاضر فی المدینة ، وأما استحباب السفر للغائب عنها فیدل علیه أمور :
الأول : ما ورد فی الأحادیث من الحث على زیارة النبی صلى الله علیه وآله وسلم ، فإنها بین صریح فی الغائب أو مطلق یعم المقیم والمسافر والحاضر والغائب .
فمن القسم الأول ما رواه عبد الله بن عمر ، عن النبی ( صلى الله علیه وآله وسلم ) أنه قال : من جاءنی زائرا لا تحمله إلا زیارتی کان حقا علی أن أکون له شفیعا یوم القیامة . فهذا صریح فی الغائب وغیره .
الثانی : سیرة النبی صلى الله علیه وآله وسلم فإنه کان یشد الرحال إلى زیارة قبور شهداء أحد .
أخرج أبو داود عن ربیعة - یعنی ابن الهدیر - عن طلحة بن عبید الله ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم یرید قبور الشهداء حتى إذا أشرفنا على حرة وأقم فلما تدلینا منها وإذا بقبور بمحنیة ، قال : قلنا یا رسول الله : أقبور إخواننا هذه . قال : قبور أصحابنا ، فلما جئنا قبور الشهداء ، قال : هذه قبور إخواننا . ( 1 )
الثالث : إطباق السلف والخلف على شد الرحال إلى زیارة النبی " صلى الله علیه وآله وسلم " ، لأن الناس لم یزالوا فی کل عام إذا قضوا الحج یتوجهون إلى زیارته ومنهم من یفعل ذلک قبل الحج .
قال السبکی : هکذا شاهدناه وشاهده من قبلنا وحکاه العلماء عن الأعصار القدیمة . . . وکلهم یقصدون ذلک ویعرجون إلیه وإن لم یکن طریقهم ، ویقطعون فیه مسافة بعیدة وینفقون فیه الأموال ، ویبذلون فیه المهج ، معتقدین أن ذلک قربة وطاعة ، وإطباق هذا الجمع العظیم من مشارق الأرض ومغاربها على مر السنین وفیهم العلماء والصلحاء وغیرهم یستحیل أن یکون خطأ وکلهم یفعلون ذلک على وجه التقرب به إلى الله عز وجل ، ومن تأخر عنه من المسلمین فإنما یتأخر بعجز أو تعویق المقادیر مع تأسفه علیه ووده لو تیسر له ، ومن ادعى أن هذا الجمع العظیم مجمعون على خطأ فهو المخطئ .
وربما یقال من أن سفرهم إلى المدینة لأجل قصد عبادة أخرى وهو الصلاة فی المسجد ، باطل جدا ، فإن المنازعة فیما یقصده الناس مکابرة فی أمر البدیهة ، فمن عرف الناس ، عرف أنهم یقصدون بسفرهم الزیارة من حین یعرجون إلى طریق المدینة ، ولا یخطر غیر الزیارة من القربات إلا ببال قلیل منهم ، ولهذا قل القاصدون إلى البیت المقدس مع تیسر إتیانه ، وإن کان فی الصلاة فیه من الفضل ما قد عرف ، فالمقصود الأعظم فی المدینة ، الزیارة کما أن المقصود الأعظم فی مکة ، الحج أو العمرة وهو المقصود ، وصاحب هذا السؤال إن شک فی نفسه فلیسأل کل من توجه إلى المدینة ما قصد بذلک ؟ (2)
الرابع : إنه إذا کانت الزیارة قربة وأمرا مستحبا على الوجه العام أو الخاص ، فالسفر وسیلة القربة ، والوسائل معتبرة بالمقاصد فیجوز قطعا .

الخامس : ما نقله المؤرخون عن بعض الصحابة والتابعین فی هذا المجال .
1 . قال ابن عساکر : إن بلالا رأى فی منامه النبی ( صلى الله علیه وآله وسلم ) وهو یقول له : ما هذه الجفوة یا بلال ، أما آن لک أن تزورنی یا بلال ؟ فانتبه حزینا ، وجلا خائفا ، فرکب راحلته وقصد المدینة فأتى قبر النبی صلى الله علیه وآله وسلم ، فجعل یبکی عنده ویمرغ وجهه علیه ، وأقبل الحسن والحسین - رضی الله عنهما - فجعل یضمهما ویقبلهما فقالا له یا بلال : نشتهی نسمع أذانک الذی کنت تؤذن به لرسول الله " صلى الله علیه وآله وسلم " ، فی السحر ففعل ، فعلا سطح المسجد ، فوقف موقفه الذی کان یقف فیه ، فلما أن قال : " الله أکبر - الله أکبر " ارتجت المدینة ، فلما أن قال : " أشهد أن لا إله إلا الله " ازدادت رجتها ، فلما أن قال : " أشهد أن محمدا رسول الله " خرجت العواتق من خدورهن فقالوا : أبعث رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ؟ ! فما رئی یوم أکثر باکیا ولا باکیة بعد رسول الله من ذلک الیوم . ( 3 )
2 . أن عمر بن عبد العزیز کان یبعث بالرسول قاصدا من الشام إلى المدینة لیقرئ النبی السلام ثم یرجع . ( 4 ) قال السبکی : فسفر بلال فی زمن صدر الصحابة ، ورسول عمر بن عبد العزیز فی زمن صدر التابعین من الشام إلى المدینة ، لم یکن إلا للزیارة والسلام على النبی ولم یکن الباعث على السفر غیر ذلک لا من أمر الدنیا ولا من أمر الدین ، لا من قصد المسجد ولا من غیره . ( 5 )
3 . إن عمر لما صالح أهل بیت المقدس وقدم علیه کعب الأحبار وأسلم وفرح عمر بإسلامه ، قال عمر له : هل لک أن تسیرمعی إلى المدینة وتزور قبر النبی وتتمتع بزیارته ؟ فقال لعمر : أنا أفعل ذلک ، ولما قدم عمر المدینة أول عندما بدأ بالمسجد وسلم على رسول الله . ( 6 )
4 . ذکر ابن عساکر فی تاریخه ، وابن الجوزی فی " مثیر الغرام الساکن " ، بأسانیدهم إلى محمد بن حرب الهلالی قال : دخلت المدینة ، فأتیت قبر النبی " صلى الله علیه وآله وسلم " وزرته وسلمت بحذائه ، فجاءه أعرابی فزاره ، ثم قال : یا خیر الرسل إن الله أنزل علیک کتابا صادقا ، قال فیه : * ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوکَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِیمًا ) * . ( 7 ) وإنی جئتک مستغفرا ربک ذنوبی ، مستشفعا بک إلى الله ثم بکى وأنشأ یقول :
یا خیر من دفنت بالقاع أعظمه * فطاب من طیبهن القاع والاکم
نفسی الفداء لقبر أنت ساکنه * فیه العفاف وفیه الجود والکرم
وقد ذیله أبو الطیب أحمد بن عبد العزیز بأبیات وقال :
وفیه شمس التقى والدین قد غربت * من بعد ما أشرقت من نورها الظلم
حاشا لوجهک أن یبلى وقد هدیت * فی الشرق والغرب من أنواره الأمم ( 8 )
وثمة سؤال وهو أنه إذا کان شد الرحال إلى زیارة القبور وبالأخص زیارة قبر النبی " صلى الله علیه وآله وسلم " جائزا ، فما معنى هذا الحدیث الذی أخرجه مسلم فی صحیحه ، وهو لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجدی هذا ، والمسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ؟
والجواب
أولا : إن هذا الحدیث وإن أخرجه مسلم ، لکنه معارض بفعل النبی " صلى الله علیه وآله وسلم " حیث إنه کان یشد الرحال إلى مساجد غیر هذه الثلاثة . فقد أخرج الشیخان فی صحیحهما أن النبی " صلى الله علیه وآله وسلم " کان یأتی مسجد قبا راکبا وماشیا فیصلی فیه . ( 9 ) فکیف یجتمع هذا الحدیث مع حدیث النهی الذی لسانه آب عن التخصیص ، وهذا یدل على أن الحدیث الأول إما غیر صحیح وعلى فرض صحته نقل محرفا . والدلیل على التحریف أنه نقل بوجه آخر أیضا ، وهو إنما یسافر إلى ثلاثة مساجد : مسجد الکعبة ، ومسجدی ، ومسجد إیلیاء . وأیضا بصورة ثالثة تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد . (10 )
فعلى هذین الصورتین لیس هناک نهی عن شد الرحال إلى غیر الثلاثة خصوصا الصورة الثالثة ، وأقصى ما فیها الدعوة إلى السفر إلى هذه الثلاثة .
وثانیا : نفترض أن الصحیح هو الصورة الأولى لکن المستثنى منه بقرینة المستثنى محذوف وهو لفظ المسجد ، فیکون معناه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد إلا إلى هذه المساجد الثلاثة ، فلو دل فإنما یدل على النهی على شد الرحال إلى مسجد سوى المساجد الثلاثة ، وأما السفر إلى الأماکن الأخرى فالحدیث ساکت عنه غیر متعرض لشئ من أحکامه ، فإن النفی والإثبات یتوجهان إلى السفر إلى المسجد لا إلى الأمکنة الأخرى ، کزیارة النبی ومشاهد الشهداء ومراقد الأولیاء .
وثالثا : إن الحدیث لا یدل - حتى - على حرمة السفر إلى مسجد غیر هذه الثلاثة ، وإنما هو إرشاد إلى عدم الجدوى فی السفر إلى غیرها ، وذلک کما قاله الإمام الغزالی : لأن سائر المساجد متماثلة فی الفضیلة بعد هذه المساجد فلا وجه لشد الرحال إلى غیرها وإنما یشد الرحال إذا کان هناک تفاوت فی الفضیلة . (11 ) وأما شد الرحال إلى زیارة أئمة أهل البیت " علیهم السلام " أو الشهداء فیعلم ذلک مما قد أوردناه من الأحادیث ، فإذا خرج النبی صلى الله علیه وآله وسلم من المدینة لزیارة قبور الشهداء فأئمة أهل البیت أئمة الشهداء تجوز زیارتهم بطریق أولى ، إن الإمام أمیر المؤمنین من أفضل الشهداء ، والحسین بن علی أبو الشهداء . فسلام الله علیهم یوم ولدوا ویوم استشهدوا ویوم یبعثون أحیاء .
وعلى کل حال فشد الرحال ، مسألة فقهیة لا صلة لها بالمسائل العقائدیة ولا بالشرک ولکل مجتهد دلیله .
المصادر :
1- سنن أبی داود : 2 / 218 برقم 2043 ، آخر کتاب الحج
2- شفاء السقام فی زیارة خیر الأنام لتقی الدین السبکی : 85 - 86 ، ط بولاق مصر
3- تاریخ ابن عساکر : 7 / 137 فی ترجمة إبراهیم بن محمد ، برقم 493 .
4- شفاء السقام ، ص 142 . أخرجه البیهقی فی شعب الإیمان کما نقله فی الصارم المنکی : 246 ، لاحظ تعلیقة شفاء السقام
5- شفاء السقام : 143 ، ط الرابعة .
6- فتوح الشام ، ج 1 ، " صلى الله علیه وآله وسلم " 148 ، باب فتح القدس .
7- النساء / 64 .
8- شفاء السقام : 151 - 152 .
9- صحیح مسلم : 4 / 127 ، صحیح البخاری : 2 / 176 .
10- أورد مسلم هذه الأحادیث فی صحیحه : 4 / 126 ، باب لا تشد الرحال من کتاب الحج وکذلک النسائی فی سننه المطبوع مع شرح السیوطی : 2 / 37 - 38 ، وقد ذکر السبکی صورا أخرى للحدیث هی أضعف دلالة على مقصود المستدل لاحظ شفاء السقام : 98 .
11- إحیاء علوم الدین للإمام الغزالی : 2 / 247 .


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أحداث ليلة ضرب الرأس الشريف لأمير المؤمنين
أهل البيت القدوة الصالحة والنموذج الأمثل
القدسية والعظمة
فلسفة تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام
ذِكر عليٍّ عبادة
الإمام الحسين عليه‌السلام والسلفية
أهل البيت^ الحبل المتصل بين الخالق والمخلوق
السیده رقیه بنت الحسین علیها السلام
شروط الإمام
فاطمة هي فاطمة.. وما أدراك ما فاطمة

 
user comment