عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

الْمُجَاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ

الْمُجَاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ

للکلام عن المجاهدین والشهداء قد یحتاج المرء إلى عمر بأکمله حتى یبلغ مدحتهم, ولعله لا یبلغ المرام، فالکلمة لها أفق محدود قد لا ترقى لمستوى أن تحاکی مقام الجهاد والشهادة، فإن المداد وإن کان صانعا للشهداء إلا أنه لن یفی المدیح بحقهم, ولذا یعجز البیان وتقصر العبارة وتشح المعانی أمام من کتب بالدماء حقیقة الولاء، وروعة الإباء، وقصة الفداء، الا اننا سنحاول بیان بعض من فضائل من سلک طریق ذات الشوکة وطلب اللقاء من الله تعالى فمنّ الله علیه بالکرامة السابغة وقربه إلیه زلفى وجعل فی مماته الحیاة...
وقد قال الله تعالى: ﴿لا یَسْتَوِی الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ غَیْرُ أُولِی الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ...﴾(1).
ففضل المجاهدین على القاعدین ورفع من شأنهم وعظم أجرهم، فإن بلغوا مقام الشهادة جعل الحیاة الخالدة لهم فکانوا الأحیاء الحقیقیین.
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْیَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ﴾(2).
عرف أمیر المؤمنین علیه السلام الجهاد بأروع تعریف حیث قال فی نهج البلاغة: (فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أولیائه وهو درع الله الحصینة وجنته الوثیقة، فمن ترکه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل وشمله البلاء)(3).
فالجهاد أمان أهل الإسلام عند هجوم المستکبرین علیهم, ولذا عبر الإمام علیه السلام بأن من ترکه ألبسه الله ثوب الذل, وهو فریضة أوجبها الله علینا لما تتضمنه من منافع وآثار, فی الدنیا والآخرة واختبار لإرادة الإنسان ولما تحتویه من معانی الصبر والإیثار والفداء والتضحیة التی لا یضاهیها شی ء.

1 - طوبی لهم
لقد خصَّت الشریعة الغراء المجاهد بأرفع الأوسمة فقد وردت الروایات من کل باب منها تذکر المجاهد وترفعه إلى المقامات العلیة وفیما یلی نستعرض بعض الروایات التی باهت بالمجاهد وعلقت على صدره المدائح وساما محفورا على مدى التاریخ.
عن الإمام علی علیه السلام: (فطوبى للمجاهدین فی سبیله والمقتولین فی طاعته)(4).
أراد أمیر المؤمنین علیه السلام أن یقول أن المجاهدین أن (طوبى) هو مکان خصصّه اللّه تعالى للمجاهدین ثواباً منه وتقدیراً على ما قدّموا من تضحیات،یقول سبحانه:﴿طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ (الرعد:29) وقد یکون المقصود من طوبى لهم معنى هنیئا لهم فیکون بذلک قد هنأهم بهذا التوفیق الإلهی وأی من المعنیین عنى علیه السلام فهو وسام لهم على کل حال.

2- خیر الناس :
أن تکون من خیر الناس، أو یقول عنک أهل البیت علیهم السلام أنک من خیر الناس لیس بالأمر السهل أو البسیط بل ذلک إنما یکون لمن قدم فی سبیل ذلک أغلى شی ء وأثمن مقابل وبالجهاد استحق المجاهد هذا التقدیر من أهل البیت علیهم السلام .
فعن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: (خیر الناس رجل حبس نفسه فی سبیل الله یجاهد أعدائه یلتمس الموت أو القتل فی مصافّه)(5).

3- یغضب الله لغضبه ویستجیب دعائه :
عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: (اتقوا أذى المجاهدین فإن الله یغضب لهم کما یغضب للرسل ویستجیب لهم کما یستجیب لهم)(6).
وهو إن دل على شی ء فإنه یدل على مقام القرب منه سبحانه وتعالى ومقدار الاهتمام والرعایة منه تعالى لشأنهم عنده...
وفی الحدیث الآخر عن الإمام الصادق علیه السلام: (ثلاثة دعوتهم مستجابة...الغازی فی سبیل الله فانظروا کیف تخلفونه)(7).

4- باب للمجاهدین فی الجنة:
کما فضّل تعالى المجاهدین فی الدنیا على القاعدین، کذلک فقد خصّهم فی الآخرة بمیزة یتمایزون عن سائر الناس فیها وهو أن یدخلوا الجنة من باب قد أعد خصیصاً لهم.
ففی الحدیث الشریف: (للجنة باب یقال له باب المجاهدین یمضون إلیه فإذا هو مفتوح وهم متقلدون سیوفهم والجمع فی الموقف والملائکة ترحب بهم)(8).
ویمکنک أن تتصور بعقلک صورة ذلک وقد أقبل الناس فیه للحساب یتدافعون فی زحمة فزعین خائفین والعرق یتصبب منهم فی حلة من الرعب والفزع وقد اصطفوا للحساب وبینما هم کذلک وإذ بباب المجاهدین قد فتح فیدخل منه المجاهدون والملائکة على بابه مصطفة ترحب بهم فأی کرامة بعد هذا؟

5- الأقرب من درجة النبوة ویباهی الله بهم الملائکة:
ورد فی الحدیث الشریف: (اقرب الناس من منزلة النبوة أهل العلم والجهاد)(9).
وفی الحدیث الآخر عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: (إن الله یباهی بالمتقلد سیفه ملائکته)(10).
وما تلک المباهاة إلا لأن عملهم لا یقاس بأعمال العباد ففی الحدیث الآخر: (ما أعمال العباد کلهم عند المجاهدین فی سبیل الله إلا کمثل خطاف أخذ بمنقاره من ماء البحر)(11).
وکم یستطیع طیر الخطاف أن یأخذ من ماء البحر؟ نقطة أو بضع نقاط وما قدر ذلک أمام البحر...؟

6- مضاعفة أجره وثوابه :
إن المجاهد غالبا ما یکون فی طاعة الله فهو إن کان حارسا مراقبا فعمله لله, وإن کان مرابطا فعمله لله, وإن کان مقاتلا فقتاله فی سبیل اللّ ّ أیضا وقد ضاعف الله ثوابه.
ورد فی الحدیث الشریف عن الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم: (صلاة الرجل متقلدا بسیفه تفضل على صلاته غیر متقلد بسبعمائة ضعف)(12).
وعنه صلى الله علیه وآله وسلم: (إن صلاة المرابط تعدل خمسمائة صلاة)(13).
أجر المرابطة فی سبیل الله
بعد أن استعرضنا بشکل عام بعض الأوسمة التی علقها الله على صدور المجاهدین المؤمنین نذکر الأجر الذی کتبه الله عزَّ وجلّ للمرابط، فبمجرد أن یکون الإنسان مرابطا لله بنیة مخلصة استحق الأجر الذی ذکرته الروایات الشریفة.
فعن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: (رباط یوم فی سبیل الله خیر من الدنیا وما فیها)(14).
فعلى مستوى الدنیا هو خیر من الدنیا کلها وما فیها.
وعنه صلى الله علیه وآله وسلم: (رباط یوم خیر من صیام شهر وقیامه)(15).
وعلى مستوى العبادات هو خیر من شهر کامل من الصیام والقیام والطاعة.
وعنه صلى الله علیه وآله وسلم: ( کل عمل منقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط فی سبیل الله فإنه ینمى له عمله ویجری علیه رزقه إلى یوم القیامة)(16).
فمن برکة المرابطة أنها لا تموت بل یبقى رزقها جاریا إلى یوم القیامة.
أجر الحراسة فی سبیل الله
تعرضت روایات أهل البیت علیهم السلام لمسألة الحراسة وأشارت إلى أهمیتها وثوابها والأجر المترتب علیها عند الله حیث عدتها إحدى الروایات أفضل من ألف لیلة.
فعن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: (حرس لیلة فی سبیل الله عزَّ وجلّ أفضل من ألف لیلة یقام لیلها ویصام نهارها)(17).
وفی روایة أخرى عن الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم: (لأن أحرس ثلاث لیال مرابطا من وراء بیضة المسلمین أحب إلی من أن تصیبنی لیلة القدر فی أحد المسجدین المدینة أو بیت المقدس)(18).
حتى أن عین الحارس التی لاقت عتمة اللیل طمعاً فی طاعة الله جزاها الله أن لا تمسها النار یوم القیامة.
فعن النبی الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم: (عینان لا تمسهما النار: عین بکت من خشیة الله وعین باتت تحرس فی سبیل الله)(19).
فهنیئا لتلک العیون التی أتعبها السهر على أمن عباد الله وفی سبیل الله عزَّ وجلّ.
حق المجاهدین
للمجاهدین الذین یذرون عیالهم وأموالهم ویهاجرون إلى الله حقوقا علینا لا بد لنا من أن نؤدیها إلیهم.
وقد ورد الکثیر من الروایات الشریفة التی تدّل على حقوقهم نذکر بعضا منها:

1- معاونتهم وتجهیزهم :
قد لا یقدر کل شخص على الجهاد فهناک النساء وهناک المعذورون من الرجال, وهناک العجزة، وقد فتح الله لهم طریقا یجعلهم شرکاء للمجاهدین فی جهادهم فینالون أجر الجهاد رغم عدم حملهم للسلاح, وذلک من خلال تجهیز المجاهد ومعاونته, فمعاونة المجاهد فی سبیل الله ذات أجر کبیر وقد حثت الروایات علیها بشکل أکبر.
ورد فی الحدیث الشریف: (من جهز غازیا بسلک أو إبرة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)(20).
فحتى الإبرة الصغیرة جعل الله بتجهیز المجاهد بها غفران الذنوب فما بالک بما هو أکبر...؟
وفی الروایة عن أمیر المؤمنین علیه السلام: (من جبن عن الجهاد فلیجهز بالجهاد رجلا یجاهد فی سبیل الله، والمجاهد فی سبیل الله إن جهز بمال غیره فله فضل الجهاد ولمن جهزه فضل النفقة فی سبیل الله وکلاهما فضل، والجود بالنفس أفضل فی سبیل الله من الجود بالمال)(21).
ولا ینبغی أن یقول الإنسان أنی غیر قادر على دعم المجاهدین, فإن الدعم ولو بالقلیل له الأثر فی الدنیا والآخرة.

2- حفظهم فی غیبتهم :
إن المجاهد یتوجه إلى الجهاد تارکا خلفه ماله وعیاله فما هو تکلیفنا اتجاهه فی غیبته؟
إن حفظ أمانته من أقل الحقوق التی ینبغی الإلتفات إلیها, فعلینا أن نخلفه فی أهله وماله خیرا بأن نحفظهم ونرعاهم وکذلک نحفظه معنویا بین الناس فلا نغتابه أو نؤذیه, وقد وردت الروایات فی هذا المعنى.
فعن الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم: (من اغتاب غازیا أو آذاه أو خلفه فی أهله بخلافة سوء نصب الله له یوم القیامة علم فیستفرغ بحسناته ویرکس فی النار)(22).
وعلى کل حال فإن أذیة المؤمن من الکبائر التی نهانا الله عنه.
فعن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: (قال الله تعالى: من أهان لی ولیا فقد أرصد لمحاربتی)(23).
وروی عنه صلى الله علیه وآله وسلم: (من أحزن مؤمنا ثم أعطاه الدنیا لم یکن ذلک کفارته ولم یؤجر علیه)(24).
فکیف إذا کان هذا المؤمن مجاهدا فی سبیل الله؟

3- إبلاغ رسالتهم :

للجهاد رسالة کما أن لکل التضحیات رسالة وهدف, ولکی لا یکون المجتمع بعیدا عن فهم عطاءات المجاهدین، لذا فأنه یتوجب علینا أن نبلّغ ونحفظ رسالتهم التی فدوها بأنفسهم وقدموا دماءهم فی سبیلها وحملوا أرواحهم على أکفهم لأجلها حتى یکتب لنا أجر مثلهم فی الجهاد ویتعلم الناس معنى العطاء فیستلهمونه نموذجا یحتذى به وتستکمل المسیرة سیرها نحو أهدافها المرجوة.
آثار الحقوق
قد تقدم معنا من خلال الروایات ما أعده الله عزَّ وجلّ من الثواب الجزیل لمن یؤدی حق المجاهد کغفران الذنوب لمن جهز مجاهدا ولو بسلک أو إبرة, وأجر المجاهد لمن حمل هم إبلاغ رسالته وکذا خطورة وحرمة أذیته وخلافته بالسوء وأن الله قد وعد علیها النار،فبعد أن عرفناها فلیکن کل جهدنا فی أن نتقِ الله فی هؤلاء الثلة القلیلة التی رهنت نفسها لاستنقاذنا من الظلم فباعت أرواحها لله فی تجارة لن تبور.
قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾(25).


المصادر :
1- النساء:95.
2- آل عمران:169.
3- نهج البلاغة ج 1، الخطبة 27.
4- میزان الحکمة، ح 2681.
5- میزان الحکمة، ح 2682.
6- میزان الحکمة، ح 2695.
7- وسائل الشیعة، ج 11، ص 1213.
8- میزان الحکمة، ح 2679.
9- المحجة البیضاء، ج 1، ص 14.
10- میزان الحکمة، ج 1، ص 448.
11- میزان الحکمة، ج 1، ص 445.
12- میزان الحکمة، ج 1، ص 448.
13- میزان الحکمة، ح 2715.
14- میزان الحکمة، ح 2712.
15- میزان الحکمة، ح 2713.
16- میزان الحکمة، ح 2714.
17- میزان الحکمة، ح 2716.
18- میزان الحکمة، ح 2717.
19- میزان الحکمة، ح 2719.
20- میزان الحکمة، ح 2691.
21- میزان الحکمة، ح 2692.
22- میزان الحکمة، ح 2690.
23- بحار الأنوار ج 19، ص 54.
24- میزان الحکمة، ح 459.
25- البقرة:207.

 


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الخوارق و تأثير النفوس
حول قرآن علي (عليه السلام)
عاشوراء في وعْيِ الجمهور ووَعْيِ النُخبة
مواقف في کربلاء
مظاهر من شخصيّة الإمام الرضا (علیه السلام)
الاجتماع في الدعاء و التأمين على دعاء الغير
أحداث سنة الظهور حسب التسلسل الزمني
شبهات حول المتشابه في القرآن، وتفنيدها
الإستراتيجية العسكرية في معارك الإمام علي (عليه ...
النجاة في العقل

 
user comment