عربي
Thursday 18th of April 2024
0
نفر 0

آداب المجلس

قال اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾ (المجادلة:11)

لكل شي ء في الإسلام مستحبات وآداب ينبغي الالتفات إليها والالتزام بها، وللمجلس آدابه أيضاً التي لو التزم بها الإنسان لعرف الخير في الدنيا قبل الآخرة.

ونشير هنا إلى بعض هذه الآداب

1- أين تجلس؟
هناك العديد من الروايات التي تتحدث عن المكان الذي ينبغي أن يجلس فيه الإنسان وتحددها ضمن أطر ثلاثة:

أ- المكان الذي دعيت إليه
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"إذا أخذ القوم مجالسهم فإن دعا رجل أخاه وأوسع له في مجلسه فليأته فإنما هي كرامة أكرمه بها أخوه..."1.

فإذا أوسع لك أي شخص في المجلس ودعاك للجلوس بجانبه فهذه كرامة لك أكرمك بها هذا الإنسان وعليك أن تمتثل لهذا الطلب وتقبل هذه الكرامة. فليس من الأدب أن يعتني بك أحدهم فتقابل عنايته بعدم الاهتمام واللامبالاة.

ب- المكان الأوسع
ففي تتمة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"... وإن لم يوسع له أحد فلينظر أوسع مكان يجده فيجلس".

ففي الحالات العادية التي لا يوسع لك أحدهم و يدعوك إلى جانبه عليك أن تختار أوسع مكان تجده في المجلس حتى لا يكون جلوسك فيه تضييقاً أو أذية لأحد من الجالسين.

ج- ما انتهى بك المجلس
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"إذا أتى أحدكم مجلسا فليجلس حيث ما انتهى به مجلسه"2.

وفي هذا تعليم منه صلى الله عليه وآله وسلم لنا أن لا نسعى لمواقع الرئاسة ولا للمناصب و الوجاهة والظهور، بل حثا منه على أن نشعر أنفسنا بالتواضع وأننا كالآخرين ولسنا ارفع منهم جاها بل التفاضل بالتقوى فقط..

﴿... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ...﴾(الحجرات:13).

د- لا تسرع إلى صدر المجلس
قد يتساءل البعض لما التشدد في هذا الأمر؟ فإذا كان المكان فارغا فليجلس الشخص حيثما يريد... ولكن الأمر ليس لأجل المكان الفارغ أو عدمه بل هذا دفعا عن المؤمن كي لا يتعرض للمقت أو الإهانة، لأن أصحاب المجالس قد يخصصون مجلسا خاصا لأحد ما قد يكون عزيزا عليهم ولا يرضون بجلوس آخر مكانه فيطلبون منه التنحي وقد يعتبرها الشخص إهانة له فيلزم للمؤمن أن لا يسرع لصدر المجلس الذي قد يكون مخصصا لشخص آخر غيره.

وقد ذكر هذا المعنى على لسان الإمام علي عليه السلام حينما قال:"لا تسرعن إلى أرفع موضع في المجلس فإن الموضع الذي ترفع إليه خير من الموضع الذي تحط عنه"3.

هـ- لمن صدر المجالس؟
خصصت الروايات صدر المجالس بأناس محددين، ولصدر المجلس علاقة بموقعهم الريادي في المجتمع كالعالم والناصح والمحدث.

فعن الإمام علي عليه السلام:لا يجلس في صدر المجلس إلا رجل فيه ثلاث خصال: يجيب إذا سئل، وينطق إذا عجز القوم، ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله فمن لم يكن فيه شي ء منهن فجلس
فهو أحمق"4.

لأنه إن جلس وظنوه عالما فسيسألونه ويستهزؤون به لجلوسه مجلس العلماء...

2- عدم مضايقة الجالسين
وهو ما يسمى بالفحش في المجلس ومثاله أن يجلس شخص ما موسعا ما بين قدميه بحيث يأخذ مكان شخصين بدل شخص واحد ولا سيما مع ضيق المكان، ولربما لا يعترض الجالسون عليه ولكنهم بلا شك سيمتعضون منه ومن أخلاقه وقد حذرنا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من هذا التصرف الشائن.

فقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم:"لا تفحش في مجلسك لكي يحذروك بسوء خلقك ولا تناج مع رجل وأنت مع آخر"5.

وهذا التصرف عادة ما ينشأ من الأنانية وحب الذات وعدم الالتفات لحقوق الآخرين، فينبغي للمؤمن أن يؤدب نفسه على الالتفات لراحة إخوانه المؤمنين.

3- إفساح المجال
وإذا ضاق المكان وجاء من يريد المشاركة في المجلس، فينبغي افساح المجال له ليتمكن من الجلوس.

قال تعالى في كتابه العزيز:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا...﴾(المجادلة:11).

4- التزحزح
والتزحزح من اللياقات العرفية المشهورة والمعروفة وهو دال على الاحترام والتوقير للآخر وقد كان التزحزح من خلق رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فقد روي أنه دخل على رسول الله شخص وهو في المسجد جالساً لوحده فتزحزح له الرسول. فقال له: في المكان سعة يا رسول الله.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:"إن حق المسلم على المسلم إذا رآه يريد الجلوس إليه أن يتزحزح له"6.

5- عدم مد الرجلين
ومد الرجلين من الأمور الدالة بحسب العرف على احتقار الآخر وعدم احترامه وهي بالتالي منافية للأخلاق.

وقد روى الإمام علي عليه السلام في أوصاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"وما رؤي مقدما رجله بين يدي جليس له قط"7.

فعلينا التأسي بأوصافه تلك وأخلاقه الحميدة.

6- التبسم في وجه الآخرين
قد يتصور بعض البعيدين عن الروايات والمفاهيم الإسلامية الصحيحة أن من صفات المؤمن أن يكون عبوس الوجه شارد الفكر لا يُقبِل على الآخر إلا بالدعوة له وغير ذلك من الصفات... إلا أن الواقع وما ذكرته الروايات من صفات المؤمن عكس ذلك تماماً، فالروايات تؤكد أن المؤمن يلاقي الآخرين بوجه بشوش مبتسم.

فعن إسحاق بن عمار قال: قال الصادق عليه السلام:"يا إسحاق: صانع المنافق بلسانك واخلص ودك للمؤمن، فإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته"8.

وروي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:"ثلاث يضفين ود المرء لأخيه المسلم يلقاه بالبشر إذا لقيه، ويوسع له في المجلس إذا جلس إليه، ويدعوه بأحب الأسماء إليه"9.

7- الصمت
بمعنى عدم الاستعجال في الحديث والانجرار وراء اللسان.

فعن علي أمير المؤمنين عليه السلام: "لا تحدث الناس بكل ما تسمع فكفى بذلك خرقاً"10.

فينبغي أن يكون اللسان تابعاً للعقل لا العكس، وإلا فالصمت أفضل، كما تشير الكثير من الروايات.

فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "صمت يكسوك الكرامة خير من قول يكسبك الندامة"11.

ولا يعني ذلك أن يبقى الإنسان في كل المجالس صامتا بل المراد أن يتكلم بما ينفع إذا اقتضت طبيعة المجلس الكلام.

ومن ثمار الصمت أن الإنسان الصامت عن ما لا يعنيه يورثه الله الحكمة.

فعن الإمام الرضا عليه السلام: "إن الصمت باب من أبواب الحكمة، إن الصمت يكسب المحبة، إنه دليل على كل خير"12.

8- عدم مقاطعة المتكلمين
إن مقاطعة المتكلمين من العادات السيئة المنافية للآداب والتي كثيراً ما يسهو الإنسان فيقع فيها، ولا سيما في مجالس الحوار والنقاش، حيث يكون أحد الجالسين متكلماً فيقطع كلامه ويأتي آخر لقطع كلام الثاني وهكذا إلى أن يصبح المجلس مجلساً للهرج والمرج لا تفهم من أحدهم كلمة، ناسين قول سيد الكائنات صلى الله عليه وآله وسلم:"من عرض لأخيه المسلم المتكلم في حديثه فكأنما خدش وجهه"13.

9- عدم التناجي بالسر
ومن أدب المجالس عدم التناجي، وهو أن يهمس أحد الجالسين في أذن الآخر بحديث خاص به دون الجالسين، فإن ذلك مما يؤذيهم فإذا كان هناك ثلاثة، فلا يتناج منهم اثنان دون الثالث فإن ذلك مما يؤذيه ويسي ء إليه وقد نهت عن ذلك الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام.

فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام:"إذا كان القوم ثلاثة فلا يتناجى فيهم اثنان دون صاحبهما، فإن في ذلك ما يحزنه ويؤذيه"14.

حفظ السر
عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:"المجالس بالأمانة، وإفشاء سر أخيك خيانة فاجتنب ذلك"15.

إن ميل الإنسان نحو المباهاة وإظهار المعرفة وامتلاك الأسرار قد يدفعه لإفشاء كل أمر يعرفه والتحديث فيه وإشاعته سواء كان مهماً أو وضيعاً خطيراً أو ضئيلاً... فيصبح كثير الكلام لا يمكن ائتمانه على سر أو حديث أو مجلس...

في هذه الرواية يؤكد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على خطورة إفشاء الأسرار وإذاعة كل ما يحصل في المجالس، فقد يذكر المؤمن بعض الأمور في مجلس ولا يحب ذكرها في مجلس آخر..

لذلك فإن ما تسمعه في مجلس ما، يتحول إلى أمانة أنت مسؤول عنها وينبغي عليك مراعاتها وعدم جعلها مادة للحديث والتسلية أينما كان، وكثيراً ما يسر لك أخوك المؤمن بأخباره وآرائه، ويظهر لك ما لا يظهره لغيرك لثقته بك، فعليك أن تثبت أنك أهل لهذه الثقة من خلال حفظ هذه الأمانة وعدم إشاعتها بين الناس.

ومن أسوأ ألوان خيانة المجالس ما إذا كان الإنسان حريصاً على تتبع العيوب والأسرار وإفشائها بقصد الإيذاء والتشهير والخيانة.

فعلى المؤمن
أولاً: أن يكون حريصاً على عدم نبش الأسرار واكتشافها والترفع عن استخدام تلك الوسائل الوضيعة التي لا تليق بمقام المؤمن.

ثانياً: أن يكون أميناً في المجالس وتذكر أمامه أسرار لا يستحسن كشفها، وعليه ألا يظهرها ولو لم يطلب منه ذلك...

أي نوع من المعلومات يجب سترها وعدم إشاعتها؟

في البداية علينا أن نعتاد على قلة الكلام، ونروض النفس على ذلك فلا ننقل ما نسمعه حتى لو لم يكن فيه ضرر، والأفضل أن نكتفي بنقل الأمور الحسنة والإيجابية والمفيدة التي يجيز لنا صاحبها بنقلها ولا يتأذى من ذلك.

فقد ورد عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:"المجالس بالأمانة، وليس لأحد أن يحدّث بحديث يكتمه صاحبه إلا بإذنه إلا أن يكون ثقة أو ذكراً له بخير"16.

هل نستر على هؤلاء؟
هناك بعض الأمور الخطيرة جداً والتي لا يرضى الله تعالى بوقوعها بشكل من الأشكال فمثل هذه الأمور لا يمكن للإنسان أن يتستر عليها ويعتبر أمانة للمجلس، خصوصاً إذا كان التستر فيه تشجيع لهؤلاء ومساعدة على استمرارهم في أعمالهم وضراراً على الناس، فمثل هذه المجالس التي ترتكب فيها مثل هذه الأمور الكبيرة لا حرمة لها.

وقد روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:"المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس، مجلس سفك فيه دم حرام أو مجلس استحل فيه فرج حرام، أو مجلس يستحل فيه مال حرام بغير حقه"17.

لكن سقوط حرمة هذه المجالس لا يعني جعلها على كل لسان، فعلينا أن نكتفي بإخبار المعنيين الذين توجد فائدة في إخبارهم لجهة ردع الفاعلين واستنقاذ الحقوق ومنع التكرار.

*آداب المجلس والحديث، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، شباط 2004م، ص31-44.

1- ميزان الحكمة، ح 2365.
2- ميزان الحكمة، ح 2363.
3- ميزان الحكمة، ح 2372.
4- ميزان الحكمة، ح 2371.
5- ميزان الحكمة، ح 2370.
6- ميزان الحكمة، ح 2368.
7- بحار الأنوار، ج 13، ص 236.
8- حلية المتقين، ص 570.
9- المصدر السابق.
10- ميزان الحكمة، ج 8، ص 443.
11- حلية المتقين ص 447.
12- الكافي، ج 2، ص 113.
13- الكافي، ج 2، ص 660.
14- الوسائل، أبواب أحكام العشرة.
15- ميزان الحكمة، ح 2382.
16- الكافي،ج 2، ص 660.
17- وسائل الشيعة، ج 8، ص 471.

 


source : www.almaaref.org
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

إنّ الحسين (عليه السلام) مصباح الهدى وسفينة ...
الإمام موسى الكاظم عليه السلام والثورات العلوية
زيارة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام)
الصلاة من أهم العبادات
علة الإبطاء في الإجابة و النهي عن الفتور في ...
ألقاب الإمام الرضا عليه السلام
كلام محمد بن علي الباقر ع
منهج القرآن لإحداث التغيير
برهان على صحة الرسالة
مشاركة الملايين في مناسبة عيد الغدير بينهم ربع ...

 
user comment