عربي
Thursday 18th of April 2024
0
نفر 0

حقوق المعصومین(ع)ـ القسم الثاني

حقوق المعصومین(ع)ـ القسم الثاني

من محاضرات: سماحة آیة الله الشیخ مجتبی الطهراني
ترجمة: الأستاذ علي فاضل السعدي

حقوق المعصومین(ع)ـ القسم الثاني

الحق الرابع

قبول النصيحة والإرشاد

إنّ المعصومين على علم بالحقائق ومبرئون من الذنب وبعيدون عن الخطأ، فإذا نصحوا انتفع المخاطب بما يقولون وإن غفلوا عن كلامهم كان ذلك مضراً بهم.

ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):

أيها الناس إن لي عليكم حقا ولكم عليّ حق. فأما حقكم عليّ فالنصيحة لكم... وأما حقّي عليكم... النصيحة في المشهد والمغيب...( 18)

الحق الخامس

الخمس

إنّ الأئمة المعصومين ولاة أمر الأمة. وتنبع من هذه الولاية والزعامة حقوق لهم (عليهم السلام) حيث يتوجب على الناس أدائها. ومن تلك الحقوق التي تجب للأئمة (عليهم السلام) على الناس بذل نسبة من فائض نتاجهم المالي إلى ولي أمر المسلمين. وهذا السهم من أموال الناس والذي يحدد بمقدار خمس فائض الأموال وبعض الأمور الأخرى، يطلق عليه في المصطلح الإسلامي عنوان الخمس. وقد صرح القرآن الكريم بذلك في كتابه حيث قال:

وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين...( 19)

وقد ورد في رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسيره لكلمة "وذوي القربى" أنه قال:

هم قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والخمس لله وللرسول ولنا.( 20)

كما ورد في حديث آخر للإمام (عليه السلام) أشار فيه الإمام إلى أن الخمس هو قرار من الله إلى الأئمة المعصومين (عليهم السلام):

قال الله تعالى لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم): إني اصطفيتك وانتجبت عليا، وجعلت منكما ذرية طيبة جعلت لهم الخمس.( 21)

وقد صرح الإمام الصادق على وجوب الخمس حيث قال:

إن الله لا إله إلّا هو لما حرّم علينا الصدقة أبدلنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، والخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال.( 22)

كما وصرح الإمام الباقر بشكل بين على أنّ الخمس حق للائمة المعصومين (عليهم السلام) وذلك في ما روي عنه أنه قال:

يا أبا الفضل لنا حق هي في كتاب الله في الخمس فلو محوه فقالوا ليس من الله أولم يعلموا به لكان سواء.( 23)

فجزء من الخمس كما ورد في الكتب الفقهية يتعلق بذوي المعصومين (عليهم السلام) (السادات) حيث عُنون هذا الحق بـ "حقّ السادات" وهو يذكر عادة إلى جانب "حقّ الإمام" وهو دليل على خصوصية لأقرباء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

الحق السادس

مراعاة الاحترام والآداب

إنّ للمعصومين (عليهم السلام) مقام في منتهى الرفعة ومكانة في منتهى الشموخ. ولذلك على المسلم أن يتعامل الإنسان معهم بشكل يتناسب وشأنهم وأن تراعى معهم أعلى مراتب الأدب؛ رغم أنّه لا أحد يعلم شأنهم إلّا الله تعالى. لذلك فمن الأجدى أن نتعلم من كلامه سبحانه وكلام المعصومين (عليهم السلام) بالذات والذي يمثل البيان والتفسير للوحي كيفية التعامل معهم (عليهم السلام). فرعاية الآداب عند أولياء الله هو من يفتح للإنسان أبواب عديدة من الفلاح والنجاح كما يساهم سوء الأدب في الحرمان من الألطاف الإلهية.

إنّ عبودية الله تعالى تقتضي أن يراعى حريم خلفائه وحججه، هذا إضافة إلى أن هذه المراعاة في التعامل معهم (عليهم السلام) تكون سببا لنمو وكمال الإنسان ومن تلك الآداب ما يلي:

أ- الاستئذان عند الدخول والخروج

ينبغي على من يهمّ بالدخول عند محضر المعصوم (عليه السلام) أن يستأذن منه وأن يلحظ رضاه وأن لا يؤذيه عند الدخول عليه. قال الله تعالى في كتابه المبين:

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ" ( 24)

فرغم أنّ شأن النزول لهذه الآية هو مورد خاص (حجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع إحدى نسائه)؛ لكن واستنادا لتصاريح عديدة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّ بيت أمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) هو أيضا مصداق لبيوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا المعنى يشمل جميع بيوت المعصومين (عليهم السلام).

وقد روى أنس بن مالك وبريدة وهما من أصحاب رسول (صلى الله عليه وآله وسلم):

قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال " فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله؟ فقال: بيوت الأنبياء، فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة (عليها السلام)، قال: نعم من أفضلها.( 25)

وقد أجاب الإمام الصادق (عليه السلام) عن هذا الأمر في جوابه لأحد أصحابه وهو جميل بن درّاج. يقول جميل بن درّاج سمعت الإمام الصادق (عليه السلام) قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بين منبري وبيوتي روضة من رياض الجنة ومنبري على ترعة من ترع الجنة وصلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلّا المسجد الحرام، قال جميل: قلت له: بيوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبيت علي منها؟ قال: نعم وأفضل.( 26)

ويقتضي أدب الزيارة للمعصوم (عليه السلام) أن لا يكون الاستئذان في الدخول عليه وحسب بل ينبغي أن يلاحظ هذا الأمر حتى في الانصراف من الموضع الذي هو فيه مع المعصوم فأهل الإيمان لا يتركون مجالس أئمتهم (عليهم السلام) إلّا بعد استئذانهم.

قال تعالى في كتابه المبين:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ( 27)

فالاستئذان للخروج من مجلس المعصوم (عليه السلام) هو رعاية لحرمته ومن الأدب في التعامل في محضره.

ب- أدب الدعاء [المناداة] والحديث

تتفاوت كيفيّة المناداة والحديث بين الأشخاص من حيث نوع الكلمات المستخدمة ولحن الكلام ونبرته من حيث الارتفاع أو الانخفاض. فشأنيّة ومكانة المخاطبين لها دور بيّن في كيفية اختيار المتحدث لصيغة الكلام ونمطه إلى حدّ قد يترتب من خلالها حكما معينا على الإنسان وقد تناول القرآن الكريم في الآية المذكورة أعلاه موردا أخر من أدب الحوار مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يقول:

لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا...( 28)

وقد ذكرت بعض التفاسير أنّ المقصود من دعاء الرسول هو ضرورة أن يكون الحديث معه بشكل يراعى فيه جانب الاحترام والأدب وأن يفرق بين الحديث مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والحديث الشخصي مع الآخرين في الحوارات الاعتيادية. فلا ينبغي مناداته كما ينادى عامّة الناس. فقد روي عن الإمام الباقر في كلام له حول هذه الآية:

لا تقولوا يا محمد ولا يا أبا القاسم ولكن قولوا يا نبي الله ويا رسول الله...( 29)

وقد ورد في تفسير آخر، أنّ المقصود من دعاء الرسول هو ما يطلبه الرسول من الناس لأمور مختلفة وبهذا يكون المقصود هو التفريق بين دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعواتكم. وهذا مما لاشك فيه ناتج عن خصوصيّة الشأن والمكانة التي يتمتع بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث يستحسن الاهتمام بجميع دعواته. وعلى كل حال فمكانة النبي الرفيعة وكذا الأئمة الأطهار توجب على الإنسان أن يمتنع عن الحديث معهم ومناداتهم بطريقة وكيفيّة قد لا تعتبر سيئة في محادثة الآخرين. فعن الإمام الصادق (عليه السلام):

قال الحارث الأعور لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا أمير المؤمنين أنا والله أحبك، فقال له: يا حارث أما إذا أحببتني فلا تخاصمني ولا تلاعبني ولا تجاريني ولا تمازحني ولا تواضعني ولا ترافعني.( 30)

ومن جملة الآداب الأخرى التي ينبغي أن تراعى في الحوار مع الأئمة المعصومين (عليهم السلام) محادثتهم بنبرة هادئة فالحديث في محضرهم بصوت مرتفع أو بانفعال يعدّ أيضا سوء أدب وقد قال تعالى في ذلك:

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ".( 31)

فمراعاة الأدب توجب أن يتكلم الإنسان بنبرة لا ترتفع على نبرة المعصوم (عليه السلام) وينبغي أن يكون منقادا له حتى في نبرة صوته، فأدب الكلام يرتبط ونوع الكلمات المستخدمة والتي يظهر أن في الآية أعلاه أشارة إلى جميع مصاديقها. فكلمة "لا ترفعوا" يظهر أنها في صدد الإشارة إلى نبرة الكلام و"لا تجهروا" على ما جاء في بعض التفاسير هو الغلظة في الكلام وعدم تسمية النبي باسمه وعليه فإن هذا يرتبط واللحن أو الكلمات التي تستعمل في الحديث. وعلى كل حال فالآية ترتبط ومنع أهل الإيمان عن نوع من أنواع إساءة الأدب في الحديث عند تعاملهم مع المقام الشامخ لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن ذلك يؤدي إلى إحباط العمل كما جاء في القرآن الكريم:

أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ.( 32)

إن نتيجة بعض سلوك الإنسان سيؤدي إلى ردّ الإخسان إلى أهله سوءً، فرفع الصوت والغلظة في الكلام مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سينتهي إلى إحباط أعمال الإنسان. إذاً لابد أن يكون التعامل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلفائه الذين هم بمثابة النور الواحد بطريقة غض الصوت وتكريمهم في الحوار يقول تعالى في تتمه الكلام:

"إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ"(33 )

2- أدب الصلاة

لقد أمر الله المؤمنين بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) والسلام عليهم. يقول الإمام الرضا (عليه السلام):

وأكثروا من الصلوات على محمد وآله (عليهم السلام) والدعاء للمؤمنين والمؤمنات في آناء الليل والنهار فإن الصلاة على محمد وآله أفضل أعمال البر.(34 )

ويبلغ ذكر الصلاة على النبي وآله درجة تعدّ مساوية لأذكار عظيمة من قبيل "سبحان الله" و" لا إله إلّا الله" و" الله اكبر" وهي أذكار لله تبارك وتعالى تذكر بكماله، ووحدانيته وعظمته. يقول الإمام الرضا (عليه السلام):

الصلاة على محمد وآله تعدل عند الله عزّ وجل التسبيح والتكبير.( 35)

فإذا كانت الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته الطاهرة تعدل ذكر الله تعالى إذاً فالاشتغال بها سيكون كالاشتغال بذكر الله. فقد ورد أنّ رجلا سأل الإمام الصادق (عليه السلام): جعلت فداك أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى وما وصف من الملائكة "يسبحون الليل والنهار لا يفترون" ثم قال: "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" كيف لا يفترون وهم يصلون على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى لما خلق محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر الملائكة فقال: أنقصوا من ذكري بمقدار الصلاة على محمد، فقول الرجل صلى الله على محمد في الصلاة مثل قوله سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر.( 36)

إن الصلاة [على النبي] تبلغ من الأهمية ما اعتبرها البعض "وفاء بعهد "الست بربكم" والذي ورد في القرآن الكريم حينما أخذ الله من أبناء آدم عهدا وقبله الجميع فقد ورد عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) نقلا عن أبيه (عليه السلام):

من صلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فمعناه أني أنا على الميثاق والوفاء الذي قبلت حين قوله: " ألست بربكم قالوا بلى"( 37)

فالصلاة على النبي والسلام عليه وآله المعصومين (عليهم السلام) هو من جملة الحقوق على المؤمنين قال تعالى:

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ( 38)

فحينما يذكر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتلفظ باسمه، فالحق أن يسلّم ويصلى عليه فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام):

إذا ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأكثروا الصلاة عليه...( 39)

ثم يشير الإمام في تتمة كلامه إلى الذي يرغب عن هذا الثواب الجميل بقوله:

فمن لم يرغب في هذا فهو جأهل مغرور قد برئ الله منه ورسوله وأهل بيته.( 40)

فمن يمتنع عن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعدم مبالاته به (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد اضاع حقه وحق أهل بيته (عليهم السلام) وجفاهم، وجفاء الأخيار من أجلى مصاديق الجفاء؛ خصوصا لو كانوا خيار الأخيار فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

أجفى الناس رجل ذكرت بين يديه فلم يصلّ عليّ.( 41)

إن طمس الحق وجفاء صاحبه يعدّ ظلماً وأنّ الفطرة السليمة تنفر من الظلم والظالمين. هذا من جانب ومن جانب آخر فإنّ الذي يضيّع حق المعصومين (عليهم السلام) يكون بعيدا عن رحمة الله وجديرا بسخطه وغضبه تعالى وكذا الأئمة المعصومين (عليهم السلام). فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

قال لي جبرائيل من ذكرت عنده فلم يصلّ عليك فأبعده الله فقلت: آمين.( 42)

فالصلوات حقّ للنبي وآله، ومن أعرض عن ذلك كان كالبخيل الذي يبخل عن إعطاء الحق لصاحبه. قال الإمام زين العابدين (عليه السلام):

البخيل كلّ البخيل الذي إذا ذكرت عنده لم يصل عليّ.( 43)

فالبخل وجفاء حق العترة الطاهرة (عليهم السلام) يخرج الإنسان من مسير السعادة، ويؤدي به إلى الشقاء. روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:

من ذكرني فلم يصلّ عليّ فقد شقی.( 44)

إن الإرشاد إلى أداء هذا الحق يصل إلى مستوى يعدّ نسيانه سببباً لحرمان الإنسان من تنعمات الآخرة. فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال:

من ذكرت عنده فلم يصل على فدخل النار فأبعده الله وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): من ذكرت عنده فنسي الصلاة عليّ خطئ به طريق الجنة.( 45)

الحق السابع

زيارة قبورهم (عليهم السلام)

إن من جملة حقوق المعصومين (عليهم السلام) على أتباعهم زيارة قبورهم بعد وفاتهم فقد روي عن الإمام الرضا (عليه السلام):

إن لكل إمام عهدا في عنق أوليائه وشيعته وإن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبور هم فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاء هم يوم القيامة.( 46)

فقد يكون المقصود من كلمة "من تمام الوفاء بالعهد" هو أن ترك زيارة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) مع إمكان زيارتهم يعدّ نوع جفاء بحقهم. عن أبي الدرداء قال: إن بلالا [مؤذن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)] رأى في منامه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يقول: ما هذه الجفوة يا بلال؟! أما آن لك أن تزورني يا بلال؟! فانتبه حزينا وجلا خائفا فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه فأقبل الحسن والحسين (عليهما السلام) فجعل يضمّهما ويقبلهما( 47)

وقد أطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على من حجّ ولم يزره عنوان الجافي فقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم):

من حجّ بيت ربي ولم يزرني فقد جفاني.(48 )

وقد مرّ فيما مضی كلام الإمام الصادق (عليه السلام) حيث وبّخ من خلاله يونس بن أبي وهب القصري لعدم زيارته قبر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لأن في ذلك جفاء للإمام (عليه السلام) وحكاية الخبر كما مرّ في الصفحات السابقة أنّ يونس كان قد توجه إلى المدينة من العراق وحينما دخل على الإمام الصادق (عليه السلام) وأخبره بأنه لم يزر أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له الإمام الصادق (عليه السلام):

بئس ما صنعت لولا أنك من شيعتنا ما نظرت إليك.( 49)

ويظهر من التوبيخ الوارد في الروايات هذه أنّ الإعراض عن الزيارة هو في حال القدرة على الزيارة ومن ثم تركها، لا في موارد يكون فيها المرقد نائياً أو لم يتوفر للزائر الزاد والاستطاعة التي تمكنه من الزيارة. ففي مثل هذه الحالة يمكن للزائر أن يزورهم عن بعد.

زيارة الأئمة المعصومين عن بُعد

إذا عجز الإنسان عن زيارة الأئمة في مثواهم فإنّ بإمكانه التحول إلى الزيارة عن بعد كما أرشد إلى ذلك الأئمة (عليهم السلام). لأن لزيارة قبور المعصومين (عليهم السلام) آثار وبركات كثيرة تنتفع بها روح الإنسان وقلبه، لذلك لا ينبغي للإنسان أن يغفل عن هذه الزيارة ويتركها بحجة عدم القدرة عليها فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام):

إذا بعدت بأحدكم الشقّة ونأت به الدار فليصعد أعلى منزله فليصل ركعتين، وليوم بالسلام إلى قبورنا فإن ذلك يصل إلينا.(50)

ومن الواضح أنّ هكذا زيارة لا تعد زيارة بالجسم بل هي زيارة القلب والنفس وهذا ما نراه جليّا في كلام آخر للإمام الصادق (عليه السلام) يوضح فيه هذه الحقيقة:

قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا بعدت بأحدكم الشقة ونأت به الدار فليعل على منزله وليصل ركعتين، وليوم بالسلام إلى قبورنا فإن ذلك يصل إلينا ولتسلم على الأئمة عليهم السلام من بعيد كما تسلم عليهم من قريب، غير أنك لا يصح أن تقول: أتيتك زائرا، بل تقول موضعه: قصدتك بقلبي زائرا إذ عجزت عن حضور مشهدك ووجهت إليك سلامي لعلمي بأنه يبلغك صلى الله عليك، فاشفع لي عند ربك عزّ وجل وتدعو بما أحببت.( 51)

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة: خطب الإمام علي (عليه السلام)، ج 2، ص 198.

(2) المصدر السابق

(3) الشورى، 23.

(4) غرر الحكم، الأمدي، ص117 ح2041 ، وقد ورد في المصادر السنية عن ابن عباس، أنّ الآية أعلاه لما نزلت سأل رسول الله أصحابه من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما. (الهيثمي: مجمع الزوائد، ج7، ص.103) وكما هو ظاهر فإنّ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما سمعوا الآية المذكورة الزموا انفسهم محبّة أقرباء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد قرر هذا المعنى وذلك في إجابته على سؤالهم فالأمر إذاً يدل على حق أهل البيت على الأمة في أن تحبهم وتودهم.

(5) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 27، ص 102 - 103؛ نقلا عن مجالس الشيخ المفيد.

(6) المائدة: 55.

(7) الكافي، الكليني، ج1 ص288، ح3.

(8) غرر الحكم، ص117، ح 2047.

(9) نهج البلاغة: خطب الإمام علي (عليه السلام)، ص 47، الخطبه2.

(10) غرر الحكم، الآمدي، ص116، ح2030.

(11) الكافي، الكليني، ج1، ص405، ح1.

(12) النساء: 59.

(13) غرر الحكم، الآمدي، ص116، ح2025.

(14) الكافي: الشيخ الكليني، ج 1، ص 440، 441

(15) الأحزاب، 21.

(16) نهج البلاغة: خطب الإمام علي (عليه السلام)، ج 1، ص 189 - 190، الخطبة، 97.

(17) نهج البلاغة: خطب الإمام علي (عليه السلام)، ج 3، ص 70.

(18) نهج البلاغة: خطب الإمام علي (عليه السلام)، ج 1، ص 84.

(19) الأنفال: 41.

(20) الكافي: الكليني، ج1، ص539، ح2.

(21) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 93، ص 187، ح14؛ نقلا عن مناقب ابن شهر آشوب، ج1،ص256.

(22) وسائل الشيعة: الحر العاملي، ج 9، ص 483، ح12541.

(23) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 93، ص 188، ح17؛ نقلا عن تفسير العياشي، ج2، ص 62.

(24) الأحزاب: 53.

(25) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 23، ص 325، ح1.

(26) الكافي: الشيخ الكليني، ج 4، ص 556، ح10.

(27) النور: 62.

(28) النور: 63.

(29) بحار الأنوار، ج17، ص26، ح1، نقلا عن تفسير القمي، ج2، ص110.

(30) المصدر السابق، ج 27، ص 254، ح1؛ نقلا عن الخصال، ج1، ص334، ح35.

(31) الحجرات: 2.

(32) المصدر السابق.

(33) المصدر السابق، 3.

(34) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 75، ص 347، ح4؛نقلا عن فقه الرضا، ص338.

(35) وسائل الشيعة: الحرّ العاملي، ج7، ص194، ح9094.

(36) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 82، ص 96. نقلا عن جمال الأسبوع، ص236.

(37) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 91، ص 54، ح 25؛ نقلا عن معاني الأخبار، ص 115، ح 1.

(38) الأحزاب: 56.

(39) الكافي: الكليني، ج2، ص492، ح6.

(40) المصدر السابق.

(41) وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج7، ص207 ح9128.

(42) المصدر السابق، ص206، ح9123.

(43) المصدر السابق، ح9124.

(44) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ح91، ص63، ح52، نقلا عن جامع الأخبار، ص59.

(45) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 82، ص 279،ح8.

(46) الغدير: العلامة الأميني، ج5، ص147، ح2. نقلا عن ابن عساكر: تاريخ الشام والسبكي: شفاء السقام، ص39 وأسد الغاية لابن الأثير، ج1، ص208. وقد ورد في مصادر العامة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي، ومن لم يزرني فقد جفاني. شفاء السقام، ص39.

وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضا: من حجّ البيت ولم يزرني فقد جفاني. كنز العمال، ج5، ص135، ح123،69؛ والدر المنثور لجلال الدين السيوطي، ج1، ص237. ولا تختص هذه الزيارة حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بل تشمل زيارته بعد وفاته أيضا؛ وذلك كما ورد في حديث آخر: من حجّ فزار قبري بعد وفاتي كمن زارني في حياتي. السنن الكبرى، البهيقي، ج5، ص246.

(47) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي ج96، ص372، ح7، نقلا عن هداية الشيخ الصدوق.

(48) الكافي: الكليني، ج4، ص597، ح3.

(49) وسائل الشيعة: الحر العاملي، ج 14، ص 577، ح 19852.

(50) المصدر السابق، ح 19854.

 


source : www.abna.ir
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مختصر من حياة الشهيد المظلوم أبي عبد الله الحسين ...
أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
كيف تعامل أهل البيت (عليهم السلام) مع الناس
روى البخاري في صحيحه (كتاب الأحكام) قول الله ...
ولاية علي شرط الايمان
تجدد النبوة والنبوة الخاتمة (2)
من أدعية أهل البيت (عليه السلام)
فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين
تقية النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قريش
من حقوق أهل البيت (عليهم السلام) : 5 - دفع الخمس ...

 
user comment