عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

من تراث الامام الحسین

من تراث الامام الحسین

 

الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) قائد مبدئي وأحد أعلام الهداية الربّانية الذين اختارهم اللّه لحفظ دينه وشريعته، وجعلهم اُمناء علي تطبيقها، وطهّرهم من كل رجس ليصونوها من أي تحريف أو تحوير. إنّ المحنة التي عاشها الأئمّة الثلاثة عليّ والحسن والحسين (عليهم السلام) كانت أكبر محنة للعقيدة والأُمّة؛ لأنّها قد بدأت بانحراف القيادة عن خط الرسالة؛ ولكنها لم تقتصر علي الانحراف عن المبدأ الشرعي في ممارسة الحكم فحسب؛ وإنما كانت تمتد أبعادها إلي أعماق الأُمة والشريعة. إنّ هذا الانحراف الخطير قد زاد في عزيمة هؤلاء الأئمّة الهداة، ممّا جعلهم يهتمون بإحكام قواعد الشريعة في الأُمّة وتعليمها وتربيتها بما يحول دون تسرّب الانحراف إليها بسرعة، وبما يحول دون تفتيتها وتمزيق قواها. ومن هنا كانت تربية الجماعة الصالحة والسهر علي تنشئتها والاهتمام بقضاياها أمرا في غاية الأهمّية، ويظهر للمتتبع والمحقّق عظمة ذلك فيما لو أراد أن يقارن بين مواقف المسلمين تجاه أهل بيت الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم) خلال خمسين عاما بعد وفاة الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم). ومن هنا كان التراث الذي تركه لنا كل من الإمام المرتضي والحسن المجتبي والحسين الشهيد (عليه السلام) بكربلاء تراثاً عظيماً ومهمّاً جدّاً. حيث نلمس الغناء في هذه الثروة الفكرية والعلمية التي وصلتنا عنهم (عليهم السلام). وللمتتبع أن يراجع موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) ووثائق الثورة الحسينية، وبلاغة الحسين ومجموعة خطبه ورسائله؛ ليقف علي عظمة هذه الثروة الكبري وقفة متأمل ومستفيد. وها نحن نستعرض صورا من اهتمامات هذا الإمام العظيم فيما يلي من بحوث :

في رحاب العقل و العلم و المعرفة

1 ـ سُئل الإمام الحسين (عليه السلام) عن أشرف الناس، فقال: «من اتّعظ قبل أن يوعَظ واستيقظ قبل أن يوقظ». 2 ـ وقال (عليه السلام): «لا يكملُ العقلُ إلاّ باتّباع الحق». 3 ـ «العاقل لا يحدِّث مَن يخاف تكذيبَه، ولا يَسأل مَن يخاف منعَه ولا يثِقُ بِمَن يخافُ غدرَه، ولا يرجو مَن لا يوثقُ برجائه». 4 ـ «العلم لقاحُ المعرفة، وطول التجارب زيادةٌ في العقل، والشرف التقوي، والقنوعُ راحةُ الأبدان، ومن أحبَّكَ نهاكَ ومن أبغضك أغراك»4. 5 ـ «من دلائل العالم انتقادُه لحديثهِ وعلمه بحقائق فنونِ النظر». 6 ـ «لو أنّ العالِمَ كلّ ما قال أحْسَنَ وأصابَ لَأوْشَكَ أن يجنّ من العُجْبِ، وإنّما العالِمُ مَن يكثرُ صَوابُه». 7 ـ وفي دعاء عرفةَ للإمام الحسين (عليه السلام) مقاطع بديعة ترتبط بالمعرفة البشرية وسُبُل تحصيلها وقيمة كل سبيل وما ينبغي للعاقل أن يسلكه من السبل الصحيحة والموصلة الي المقصود، نختار منها نماذج ذات علاقة ببحثنا هذا: قال (عليه السلام) : أ ـ «إلهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيرا في فقري؟ إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولاً في جهلي؟ ...» . ب ـ «إلهي علمتُ باختلاف الآثار وتنقّلات الأطوار أنّ مرادك منّي أن تتعرّف إليَّ في كل شيء حتي لا أجهلك في شيء ...» . ج ـ «إلهي تردّدي في الآثار يوجب بُعد المزار فَاجمعني عليك بحذمةٍ توصلني إليك، كيف يُستَدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ؟ أيكونُ لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكونَ هو المظهِرَ لك ؟! متي غبتَ حتي تحتاج الي دليل يدلّ عليك ؟!. ومتي بَعُدْتَ حتّي تكونَ الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً». د ـ «إلهي أمرتَ بالرجوع إلي الآثار فأرجعني اليك بكسوةِ الأنوار وهداية الاستبصار حتي أرجعَ إليك منها كما دخلتُ إليك منها مَصونَ السرِّ عن النظرِ إلَيْها ومرفوع الهمّة عن الاعتمادِ عليها». ه ـ «منك أطلُبُ الوصول إليك وبك استدلُّ عليك فاهدني بنورك إليك وأقمني بصدْق العبودّية بين يديك». و ـ «إلهي علّمني من علمك المخزون وصُنّي بستْرك المصون. إلهي حقّقني بحقايق أهلِ القُرب...». ز ـ «إلهي أخرِجني من ذُلِّ نفسي وطهّرني مِن شكّي وشركي قبل حلول رمسي». ح ـ «إلهي إنّ القضاء والقدر يُمنيّني، وإنّ الهوي بوثائق الشهوة أسرني، فكن أنت النصير لي حتَي تنصرني وتبصرني». ط ـ «أنتَ الذي أشرقت الأنوار فيقلوب أوْليائك حتي عرفوك ووحَّدوك، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبّائك حتّي لم يحبّوا سِواك ولم يلجأوا إلي غيرك، أنت المُؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم. ماذا وجد من فقدكَ ؟! وما الذي فقد من وجدك ؟!». ي ـ «أنت الذي لا إله غيرك، تعرفت لكلّ شيءٍ فما جهلك شيءٌ، وأنت الذي تعرّفت إليَّ في كلّ شيء فرأيْتُك ظاهرا في كل شيء . . . كيف تخفي وأنت الظاهرُ ؟ أم كيف تغيبُ وأنت الرقيبُ الحاضِرُ؟!».

في رحاب القرآن الکریم

لقد اعتني أهل البيت الطاهرون بالقرآن الكريم اعتناءاً وافرا فعكفوا علي تعليمه وتفسيره وفقه آياته وتطبيقه وصيانته عن أيدي العابثين والمحرّفين، وتجلّت عنايتهم به في سلوكهم وهديهم وكلامهم. وقد اُثرت عن الإمام أبيعبداللّه الحسين (عليه السلام) كلمات جليلة حول التفسير والتأويل والتطبيق، وهي جديرة بالمطالعة والتأمل نختار نماذج منها: أ ـ قال (عليه السلام) : «كتاب اللّه عزّوجل علي أربعة أشياء: علي العبارة والإشارة واللطائف والحقائق، فالعبارةُ للعوام، والإشارة للخواص واللطائفُ للأولياء، والحقائق للأنبياء»1. ب ـ «من قرأ آيةً من كتاب اللّه في صلاته قائما يُكتَب له بكل حرفٍ مِئةُ حَسَنَةٍ، فإن قَرَأها في غير صلاةٍ كتب اللّه ُ له بكل حرفٍ عَشْرا، فإن استمَعَ القرآنَ كان له بكل حرفٍ حَسَنةٌ، وإن خَتَمَ القرآنَ ليلاً صلّت عليه الملائكة حتي يُصبِحَ، وإن ختَمَه نهارا صلّت عليه الحفَظَةُ حتي يُمسيَ. وكانت له دعوةٌ مستجابَةٌ وكان خيرا له ممّا بين السماءِ والأرضِ». ج ـ وعنه (عليه السلام) في تفسير قوله تعالي : (تُبَدُّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ) يعني بها «أرض لم تكتسب عليها الذنوب، بارزة ليست عليها جبال ولا نبات كما دحاها أوّل مرة». د ـ وسأله رجل عن معني (كهيعص) فقال له: لو فسّرتُها لك لمشيت علي الماء. ه ـ وقال النصرُ بن مالك له: يا أبا عبداللّه حَدِّثني عن قول اللّه عزَّوجَلَّ (هذَانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ )، قال: «نحن وبنو اُمية اختصمنا في اللّه عزّوجلّ، قلنا صدق اللّه ، وقالوا: كذب اللّه ُ، فنحن وإيّاهم الخصمان يوم القيامة». و ـ وفي قوله تعالي: (الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ) قال (عليه السلام): «هذه فينا أهل البيت». ز ـ في قوله تعالي : (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي ) قال (عليه السلام): «انّ القرابة الّتي أمَرَ اللّه ُ بصلتها وعظم حقّها وجعل الخير فيها قرابتنا أهل البيت الذين أوجب حقَّنا علي كلّ مسلم». ح ـ وفسّر النعمة في قوله تعالي: ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) «بما أنعم اللّه علي النبيّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم) من دينهِ». ط ـ وفسّر الصَمَد بقوله : إنّ اللّه قد فَسَّرَهُ بقوله: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَدٌ). ي ـ وقال : «الصمد : الذي لا جوف له، والصمد: الذي قد انتهي سؤدده، والصمد: الذي لا يأكل ولا يشرب. والصمد : الذي لا ينام، والصمد: الدائم الذي لم يزل ولا يزال». ك ـ وروي أنّ عبد الرحمن السلمي علّم ولد الحسين (عليه السلام) سورة الحمد، فلمّا قرأها علي أبيه أعطاه (عليه السلام) ألف دينار وألف حُلّة وحشا فاه دُرّا ، فقيل له في ذلك، فقال (عليه السلام) : وأين يقع هذا من عطائه ؟ يعني بذلك تعليمه القرآن.

فی رحاب السنة النبویة المبارکة

لقد اعتني أهل البيت الطاهرون بالقرآن الكريم اعتناءاً وافرا فعكفوا علي تعليمه وتفسيره وفقه آياته وتطبيقه وصيانته عن أيدي العابثين والمحرّفين، وتجلّت عنايتهم به في سلوكهم وهديهم وكلامهم. وقد اُثرت عن الإمام أبيعبداللّه الحسين (عليه السلام) كلمات جليلة حول التفسير والتأويل والتطبيق، وهي جديرة بالمطالعة والتأمل نختار نماذج منها: أ ـ قال (عليه السلام) : «كتاب اللّه عزّوجل علي أربعة أشياء: علي العبارة والإشارة واللطائف والحقائق، فالعبارةُ للعوام، والإشارة للخواص واللطائفُ للأولياء، والحقائق للأنبياء». ب ـ «من قرأ آيةً من كتاب اللّه في صلاته قائما يُكتَب له بكل حرفٍ مِئةُ حَسَنَةٍ، فإن قَرَأها في غير صلاةٍ كتب اللّه ُ له بكل حرفٍ عَشْرا، فإن استمَعَ القرآنَ كان له بكل حرفٍ حَسَنةٌ، وإن خَتَمَ القرآنَ ليلاً صلّت عليه الملائكة حتي يُصبِحَ، وإن ختَمَه نهارا صلّت عليه الحفَظَةُ حتي يُمسيَ. وكانت له دعوةٌ مستجابَةٌ وكان خيرا له ممّا بين السماءِ والأرضِ». ج ـ وعنه (عليه السلام) في تفسير قوله تعالي : (تُبَدُّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ) يعني بها «أرض لم تكتسب عليها الذنوب، بارزة ليست عليها جبال ولا نبات كما دحاها أوّل مرة». د ـ وسأله رجل عن معني (كهيعص) فقال له: لو فسّرتُها لك لمشيت علي الماء. ه ـ وقال النصرُ بن مالك له: يا أبا عبداللّه حَدِّثني عن قول اللّه عزَّوجَلَّ (هذَانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ )، قال: «نحن وبنو اُمية اختصمنا في اللّه عزّوجلّ، قلنا صدق اللّه ، وقالوا: كذب اللّه ُ، فنحن وإيّاهم الخصمان يوم القيامة». و ـ وفي قوله تعالي: (الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ) قال (عليه السلام): «هذه فينا أهل البيت». ز ـ في قوله تعالي : (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي ) قال (عليه السلام): «انّ القرابة الّتي أمَرَ اللّه ُ بصلتها وعظم حقّها وجعل الخير فيها قرابتنا أهل البيت الذين أوجب حقَّنا علي كلّ مسلم». ح ـ وفسّر النعمة في قوله تعالي: ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) «بما أنعم اللّه علي النبيّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم) من دينهِ». ط ـ وفسّر الصَمَد بقوله : إنّ اللّه قد فَسَّرَهُ بقوله: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَدٌ). ي ـ وقال : «الصمد : الذي لا جوف له، والصمد: الذي قد انتهي سؤدده، والصمد: الذي لا يأكل ولا يشرب. والصمد : الذي لا ينام، والصمد: الدائم الذي لم يزل ولا يزال»10. ك ـ وروي أنّ عبد الرحمن السلمي علّم ولد الحسين (عليه السلام) سورة الحمد، فلمّا قرأها علي أبيه أعطاه (عليه السلام) ألف دينار وألف حُلّة وحشا فاه دُرّا ، فقيل له في ذلك، فقال (عليه السلام) : وأين يقع هذا من عطائه ؟ يعني بذلك تعليمه القرآن.

 

في رحاب أهل البیت(ع)

لقد دلّ حديث الثقلين ـ المتواتر والمقبول لدي عامة المسلمين ـ علي أنّ خلود الإسلام رهن الأخذ بركنين مُتلازمين وهما: القرآن الكريم وعترة النبيّ المختار صلوات اللّه عليهم أجمعين فإنّهما لن يفترقا حتي يردا الحوض علي النبيّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم). فلا بد للمسلمين من التمسّك بهما ليصونوا أنفسهم عن الضلال في كل عصر وزمان. ومن هنا جهد أعداء الإسلام القدامي علي التفريق بين هذين الركنين؛ تارةً بدعوي تحريف القرآن لفظا أو معنيً، واُخري بالمنع عن تفسيره أو تطبيقه، وثالثةً بانتقاص العترة، ورابعةً بعزلهم عن ممارسة دورهم السياسي والاجتماعي والتثقيفي، وخامسةً بطرح البديل عنهم ورفع شعار الاستغناء عنهم وعن علمهم ودرايتهم. والأئمّة المعصومون المأمونون ـ علي سلامة الرسالة الإسلامية بنصّ من الوحي الإلهي ـ كثّفوا جهودهم وركّزوا جهادهم علي صيانة هذين الأساسين من أيدي العابثين وان كلّفهم ذلك أنفسهم وأموالهم، بل كلّ ما يملكون تقديمه فداءً للرسالة المحمّدية. ونشير إلي جملة من النصوص المأثورة عن الحسين بن عليّ (عليهما السلام) في هذا الصدد : 1 ـ لما قضي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) مناسكه من حجة الوداع ركب راحلته وأنشأ يقول: «لا يدخل الجنّة إلاّ من كان مُسلما. فقام إليه أبو ذرّ الغفاري(رحمه اللّه ) فقال: يا رسول اللّه : وما الإسلام ؟ فقال (صلي اللّه عليه وآله وسلم): الإسلام عريان ولباسه التقوي وزينته الحياء وملاكه الورع، وكماله الدين، وثمرته العمل، ولكلّ شيء أساس وأساس الإسلام حبنّا أهل البيت». 2 ـ وجاء عنه (عليه السلام) أنّه قال: «من أحبّنا كان منّا أهل البيت». واستدلّ علي ذلك بقوله تعالي تقريرا لقول العبد الصالح: «فمن تبعني فإنّه منّي». وواضح أنّ من أحبّهم فسوف يتّبعهم ومن تبعهم كان منهم. 3 ـ وقال (عليه السلام): «أحِبّونا حُبَّ الإسلام فإنّ رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قال: لا ترفعوني فوق حقّي؛ فإن اللّه تعالي اتخّذني عبدا قبل أن يتخّذني رسولاً». 4 ـ وقال (عليه السلام): «ما كُنّا نعرفُ المنافقين علي عهد رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) إلاّ ببغضهم عليّا وولده (عليهم السلام)». 5 ـ وروي أنّ المنذر بن الجارود مرّ بالحسين (عليه السلام) فقال: كيف أصبحت جعلني اللّه فداك ـ يا ابن رسول اللّه ؟ فقال (عليه السلام) : «أصبَحَتْ العربُ تعتدّ علي العَجَم بأنّ محمّدا منها، وأصَبَحَتْ العَجَمُ مُقِرَّةً لها بذلك، وأصبَحْنا وأصبَحَتْ قريشٌ يعرفون فضلَنا ولا يَرَوْنَ ذلكَ لنا، ومن البلاء علي هذِهِ الاُمّةِ أنّا إذا دعوناهُم لم يُجيبونا وإذا تركناهم لم يهتدوا بغيرِنا»5.

 

بشائر الحسین بالمهدي (عج)

تراكمت البشائر النبويّة حول غيبة الإمام المهدي المنتظر وظهوره وخصائص دولته وأوصافه ونسبه الشريف، كما توضح الصحاح والمسانيد هذه الحقيقة في أبواب الملاحم والفتن وأشراط الساعة وغيرها. واعتني الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) بهذه القضية اعتناءاً لا يقل عن عناية الرسول الخاتم (صلي اللّه عليه وآله وسلم) واستمرارا للخط الذي اختطّه والمنهج الذي سلكه في التمهيد لدولة الحق التي تتكفل تحقيق آمال الأنبياء والأوصياء جميعا وعلي مدي التاريخ. وقد كثرت النصوص الواصلة إلينا عن أبي الأئمّة التسعة من ولد الحسين (عليه السلام). فروي عن جدّه رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وعن أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) مجموعة فريدة من التصريحات المهمّة بشأن المهدي (عليه السلام) نختار نماذج منها: 1 ـ قال (عليه السلام) : دخلت علي جدّي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فأجلسني علي فخذه وقال لي: «إنّ اللّه اختار من صُلبك يا حسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم، وكلّهم في الفضل والمنزلة عند اللّه سواء». 2 ـ وسأله شعيب بن أبي حمزة قائلاً : أنت صاحبُ هذا الأمر؟ فأجابه: لا، فقال له: فمن هو؟ فأجاب (عليه السلام): «الذي يملؤها عدلاً كما مُلئِت جَوْرا، علي فترةٍ من الأئمّة تأتي، كما أنّ رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) بُعِث علي فترةٍ من الرسل».

3 ـ وقال (عليه السلام) : «لصاحب هذا الأمر غيبتان إحداهما تطول حتي يقول بعضهم: مات وبعضهم: قتِل، وبعضهم: ذهب، ولا يطّلعُ علي موضعه أحدٌ مِن وليٍّ ولا غيرهِ إلاّ المولي الذي يلي أمره». 4 ـ وقال (عليه السلام) : «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوَّلَ اللّه عزّوجلّ ذلك اليوم حتي يخرجَ رجلٌ من ولدي فيملأها عدلاً وقسطا كما مُلئِت جورا وظُلما، كذلك سمعت رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يقول». 5 ـ وقال (عليه السلام): «للمهدي خمسُ علامات: السفياني واليماني والصيحةُ من السماء والخسفُ بالبيداء وقتل النفسِ الزكيّة»5. 6 ـ وقال (عليه السلام) أيضا: «لو قام المهديّ لأنكره الناس؛ لأنّه يرجع إليهم شابّا موفّقا، وإنّ من أعظم البليّة أن يخرج إليهم صاحبُهم شابّا وهم يحسبونَه شيخا كبيرا». 7 ـ وقال (عليه السلام): «في التاسع من ولدي سُنّة من يوسف وسنّة من موسي بن عمران (عليهما السلام) وهو قائمنا أهل البيت، يُصلح اللّه تبارك وتعالي أمرَه في ليلةٍ واحدةٍ». 8 ـ وقال (عليه السلام): «إذا خرج المهدي (عليه السلام) لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلاّ السيف، وما يستعجلون بخروج المهديّ؟ واللّه ما لباسُه إلاّ الغليظُ ولا طعامه إلاّ الشعيرُ، وما هو إلاّ السيفُ، والموتُ تحت ظِلِّ السَيْفِ»8.

 

في رحاب العقیدة و الکلام

ونختار نماذج ممّا وصلنا من نصوص عن أبي الشهداء الحسين بن عليّ (عليهما السلام). 1 ـ ومما قاله عن توحيد اللّه سبحانه : «... ولا يقدّر الواصِفون كنه عظمته، ولا يخطر علي القلوبِ مبلَغَ جبروته؛ لأنه ليس له في الأشياء عديل، ولا تدركه العلماء بألبابها ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلاّ بالتحقيق إيقانا بالغيبِ؛ لأنه لا يوصَفُ بشيءٍ من صفات المخلوقين وهو الواحد الصمدُ، ما تُصُوِّر في الأوهامِ فَهُوَ خلافُه ... يوجِدُ المفقودَ ويُفقِدُ الموْجُودَ، ولا تجتمع لغيره الصفتانِ في وقتٍ، يصيب الفكرُ منه الإيمانَ به موجودا، ووجودَ الإيمانِ لا وجودَ صِفَة، به توصف الصفاتُ لا بها يوصَفُ، وبه تُعرَفُ المعارِفُ لا بها يُعرَف، فذلك اللّه ، لا سَميَّ لَهُ، سبحانه ليس كمثلِهِ شيء، وهو السميعُ البصيرُ. ومما قاله أيضا لابن الأزرق : «أصف إلهي بما وصف به نفسَه وأُعرِّفُه بما عرّف به نفسَه، لا يُدْرَك بالحواس ولا يُقاس بالناسِ، فهو قريبٌ غير ملتصِقٍ، وبعيدٌ غير مُتَقَصٍّ (تقص) يُوَحَّدُ ولا يُبَعَّضُ، مَعروف بالآيات موصوف بالعلاماتِ، لا إله إلاّ هو الكبير المتعالُ». 2 ـ وخرج علي أصحابه فقال: «أيّها الناسُ! إنّ اللّه َ جَلَّ ذكرهُ ما خَلَقَ العباد إلاّ ليعرفوهُ، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنَوْا بعبادته عن عبادة ما سواهُ. ثم سأله رجل عن معرفة اللّه فقال: معرفةُ أهل كلّ زمانٍ إمامَهُم الذي يجب عليهم طاعَتُه». 3 ـ وتكلّم عن ملاك التكليف قائلاً : «ما أخَذَ اللّه طاقة أحدٍ إلاّ وضع عنه طاعتَه، ولا أخذ قدرته إلاّ وضع عنهُ كُلْفَتَه». 4 ـ وكتب للحسن بن أبي الحسن البصري جوابا عن سؤاله حول القدر: «إنّه من لم يؤمن بالقدر خيرِه وشرِّه فقد كفر، ومن حمل المعاصي علي اللّه عزوجل فقد افتري علي اللّه افتراءً عظيما، إنّ اللّه تبارك وتعالي لا يُطاع بإكراهٍ ولا يُعصي بغَلَبَة ولا يُهملُ العبادَ في الهلكة، لكنّه المالك لما ملّكهم، والقادرُ لما عليه أقدَرَهُم، فإن ائتمروا بالطاعة؛ لم يكن اللّه صادّا عنها مُبطِئا، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يمن عليهم فيحولَ بينهَم وبين ما ائتمروا به فعل، وإن لم يفعل فليس هو حَمَلَهم عليها قسرا ولا كلّفهم جبرا، بل بتمكينهِ إيّاهم بعد إعذاره وإنذاره لهم واحتجاجه عليهم طوّقَهُم ومكّنهم وجعل لهم السبيل إلي أخذ ما إليه دعاهم وترك ما عنه نهاهم...». 5 ـ واشتملت أدعيته (عليه السلام) علي دُررٍ باهرةٍ في التوحيد والمعرفة والهداية الإلهية ولا سيما دعاء العشرات المرويّ عنه، ودعاء عرفة الذي عُرِف به؛ لِما يسطع به من معارف زاخرة وعلوم جمّة، بل هو دورة عقائدية كاملة. وإليك مطلعه : «الحمد للّه الذي ليس لقضائه دافع ولا لعطائه مانعٌ ولا كصنعه صنعُ صانِعٍ، وهو الجوادُ الواسِعُ، فَطَر أجناسَ البدائعِ وأتقنَ بحكمتِهِ الصنائعَ، لا تخفي عليه الطلائعُ ولا تضيع عنده الودائعُ، أتي بالكتابِ الجامعِ وبشرع الإسلام النور الساطعِ وهو للخليقة صانعٌ وهو المستعانُ علي الفجائِع...».

 

في رحاب الأخلاق و التربیة الاخلاقیة

ـ سُئل عن خير الدنيا والآخرة فكتب (عليه السلام): «بسم اللّه الرحمن الرحيم، أمّا بعدُ: فإنه من طلب رضي اللّه بسخط الناس كفاه اللّه اُمور الناس، ومن طلب رضي الناس بسخط اللّه وكله اللّه إلي الناس . والسلام». 2 ـ بيّن (عليه السلام) أقسام العبادة ودرجات العُبّاد قائلاً: «إنّ قوما عبدوا اللّه رغبةً فتلك عبادة التجّار ، وإنّ قوما عبدوا اللّه رهبةً فتلك عبادةُ العبيد، وإنّ قوما عبدوا اللّه َ شُكرا فتلك عبادةُ الأحرار، وهي أفضل العبادة». 3 ـ قال (عليه السلام) عن آثار العبادة الحقيقية: «من عَبَدَ اللّه حقَّ عبادته آتاه اللّه فوق أمانيه وكفايتهِ». 4 ـ سُئل عن معني الأدب فقال: «هو أن تخرج من بيتك فلا تَلقي أحدا إلاّ رأيت له الفضلَ عليك»4. 5 ـ قال الإمام الحسين (عليه السلام) : «مالُكَ إن يكن لك كنتَ له فلا تُبقِ عليه؛ فإنّه لا يُبقي عليك، وكلْهُ قبل أن يأكلك».

 

في رحاب مواعظه الجلیلة

1 ـ كتب إليه رجل : عِظني بحرفين فكتب إليه: «مَن حاوَل أمرا بمعصية اللّه تعالي كانَ أفْوَتَ لما يَرجو وأسْرَعَ لمجئما يحذَرُ». 2 ـ وجاءه رجل فقال له: أنا رجلٌ عاصٍ ولا أصبر عن المعصية فعظني بموعظة فقال (عليه السلام) : «إفعل خمسةَ أشياءَ واذنب ما شئتَ، فأوّل ذلك: لا تأكل رزقَ اللّه ِ واذنب ما شئِتَ، والثاني : اخرج من ولاية اللّه واذنِب ما شئت. والثالث: اطلُبْ موضِعا لا يراكَ اللّه ُ واذنب ما شِئتَ. والرابع: إذا جاء ملَكُ الموتِ ليقبِضَ روحَكَ فادفَعْهُ عن نفسِكَ واذنب ما شئتَ، والخامِسُ: اذا أدخَلَكَ مالكُ النارِ فلا تدخُلْ في النارِ واذنِب ما شئتَ». 3 ـ ومما جاء عنه (عليه السلام) في الموعظة : «ياابن آدمَ! تفكَّرْ وقل: أينَ ملوكُ الدنيا وأربابُها؟ الذين عَمّروا واحتفَروا أنهارها وغَرَسوا أشجارها ومدّنوا مدائِنَها، فارقوها وهم كارهون وورثها قوم آخرون، ونحن بهم عمّا قليلٍ لاحقونَ. ياابن آدم! اُذكر مصرعك، وفي قبرك مضجعَك وموقفَك بين يَدَي اللّه ِ تشهَدُ جوارحُكَ عليكَ يوم تَزِلُّ فيه الأقدامُ وتبلغُ القلوبُ الحناجِرَ وتبيضّ وجوهٌ وتسوَدُّ وجوهٌ وتبدو السرائرُ، ويوضَعُ الميزانُ القِسط. ياابن آدمَ! اذكُر مصارعَ آبائك وأبنائك كيف كانوا وحيثُ حَلّوا وكأنّك عن قليلٍ قد حَلَلْتَ مَحَلَّهُم وصِرتَ عِبرَةً للمعتَبِر». 4 ـ وخطب (عليه السلام) فقال : «يا أيّها الناسُ! نافسِوا في المكارم، وسارِعوا في المغانِم، ولا تحتسِبوا بمعروفٍ لم تُعجّلوا، واكسبوا الحمدَ بالنُجح، ولا تكتسِبوا بالمطلِ ذَمّا، فمهما يكنْ لِأحدٍ عند أحدٍ صنيعةٌ له رأي أنّه لا يقومُ بشكرِها؛ فاللّه له بمكافاتهِ فإنّه أجْزَلُ عطاءً وأعظمُ أجرا. واعلموا أن حوائج الناس اليكم من نعم اللّه عليكم ، فلا تملّوا النعم فتُحوّر نقما».

 

في رحاب الفقه و الأحکام الشرعیة

لقد أثبت أهل البيت المعصومون جدارتهم للمرجعية الدينية بعد رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) في المجالَين العلمي والسياسيّ معاً. وقد عمل خطّ الخلافة بشكل مدروس علي حذف هذا الخطّ النبوي وعزله عن الساحة السياسية والاجتماعية، وخطّط أهل البيت (عليهم السلام) لمواجهة هذه المؤامرة، كما عرفت. غير أنّ البُعْد العلمي قد برز وطغي علي البعد السياسي حتي اتُّهِمَ أهل البيت (عليهم السلام) باعتزالهم الساحة السياسية بعد الحسين (عليه السلام) ولكن العجز العلمي للخطّ الحاكم بالرغم من كل ما اُوتي من إمكانات ماديّة وبشرية هو الذي قد بانَ علي مدي التاريخ، وتميّزت مرجعيّة الأئمة الأطهار علي من سواها من المرجعيات السائدة آنذاك. وكانت حاجة الاُمة الإسلامية إلي تفاصيل الأحكام الشرعية نظراً للمستجدات المستمرّة هي السبب الآخر في ظهور علم أهل البيت (عليهم السلام) وفضلهم وكمالهم. وما سجّلته كتب التاريخ من حقائق لا تخفي علي اللبيب مثل حقيقة عدم عجزهم أمام الأسئلة المثارة، وعدم اكتسابهم العلم من أحد من أهل الفضل سوي الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) لدليل واضح علي تميّزهم عمّن سواهم. وهنا نختار نماذج مما يرتبط بالفقه بمعناه المصطلح بمقدار ما يسمح به المجال. 1 ـ ممّا يرتبط بباب الصلاة، ذكر الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) جواز الصلاة بثوبٍ واحدٍ مستشهدا بأنه قد حدّثه من رأي الحسين بن عليّ (عليهما السلام) وهو يصلّي في ثوبٍ واحدٍ وحدّثه أنه رأي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يُصلّي في ثوبٍ واحد. 2 ـ وجاء أنّ الأئمّة (عليهم السلام) كانوا يجهرون «ببسم اللّه الرحمن الرحيم» فيما يجهر فيه بالقراءة من الصلوات في أوّل فاتحة الكتاب وأوّل السورة في كل ركعة. وجاء عن الحسين (عليه السلام) قوله: «اجتمعنا ولد فاطمة (عليها السلام) علي ذلك. 3 ـ وكان الحسين بن عليّ (عليهما السلام) يصلي فمرّ بين يديه رجل، فنهاه بعض جلسائه، فلما انصرف من صلاته قال له : «لِمَ نَهَيْتَ الرَجُلَ؟ فقال: ياابن رسول اللّه ! خطر فيما بينك وبين المحراب، فقال (عليه السلام): ويحك إنّ اللّه عزّوجلّ أقربُ إليَّ من أن يخطرَ فيما بيني وبين [وبينَهُ] أحد». 4 ـ وكان الحسين (عليه السلام) جالسا فمرّت عليه جنازةٌ فقام الناسُ حين طلعت الجنازة، وهنا أوضح الإمام (عليه السلام) للناس ما تصوّروه خطأً من أنّ القيام عند مرور الجنازة من السنّة باعتبار ما سمعوه من قيام رسول اللّه عند مرور الجنازة. فقال الحسين بن عليّ (عليهما السلام): «مرَّت جنازة يهوديّ فكان رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) علي طريقها جالسا فكره أن تعلو رأسَه جنازةُ يهوديّ فقامَ لِذلك»4. وقد أحصي مؤلّف موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) ما يقارب من مائتين وخمسين رواية في الأحكام الشرعية وردت عن الإمام الحسين (عليه السلام) في مختلف أبواب الفقه الإسلامي. علي أنّ سيرة الإمام الحسين (عليه السلام) مثل سيرة سائر الأئمّة الأطهار تعتبر مصدرا من مصادر استلهام الأحكام الشرعية لتنظيم السلوك الفردي والاجتماعي للإنسان المسلم وللمجتمع الإسلامي.

 

في رحاب أدعیة الامام الحسین (علیه السلام)

لقد تميّز تراث أهل البيت (عليهم السلام) بظاهرة الدعاء تميّزا فريدا في جانبي الكمّ والكيف معا. فالاهتمام بالدعاء في جميع الحالات والظروف التي يمرّ بها الإنسان في الحياة كما قال تعالي : ( قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ )1 هو المظهر الذي ميّز سلوك أهل البيت عمّن سواهم، وعلي ذلك ساروا في تربيتهم لشيعتهم. والمسلمون بشكل عام يلمسون هذه الظاهرة بوضوح في موسم الحجّ وغيره من مواسم العبادة عند أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم. وتفرّدت أدعية أهل البيت (عليهم السلام) في المحتوي والمقاصد والمعاني التي اشتملت عليها أدعيتهم؛ فإنّها تُفصح بوضوح عن البون الشاسع بينهم وبين غيرهم فأين الثري وأين الثريّا؟ وتدلّنا بعض النصوص المأثورة عن الإمام الحسين (عليه السلام) علي سر هذا الاهتمام البليغ منهم بالدعاء. 1 ـ قال (عليه السلام) : «أعجز الناس مَن عجز عن الدعاء، وأبخل الناس مَن بخل بالسلام». 2 ـ وجاء عنه أنه كان يدعو في قنوت الوتر بالدعاء الذي علّمه رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وهو : «اللهم إنك تَري ولا تُري وأنت بالمنظر الأعلي وانّ إليك الرجعي وإنّ لك الآخرة والاُولي ، اللهم إنّا نعوذ بك من أن نَذِلّ ونخزي». 3 ـ من الأدعية القصيرة المأثورة عنه قوله (عليه السلام) : «اللهم لا تستدرِجني بالإحسانِ ولا تؤدِّبني بالبلاء»4. وقال في معني الاستدراج : «الاستدراج من اللّه لعبده أن يُسبغ عليه النِعَمَ ويَسْلُبَه الشُكرَ». 4 ـ ومن أدعيته في قنوته : «اللهمّ مَن آوي إلي مأوي فأنتَ مأوايَ، ومن لجأ الي مَلجَأٍ فأنتَ مَلجايَ اللهم صلّ علي محمّدٍ وآلِ محمّدٍ واسمع ندائي وأجب دُعائي واجعل مآبي عندك ومثوايَ، واحرُسني في بَلواي من افتتانِ الامتحان ولُمَّةِ الشيطانِ بعظمتك التي لا يشوبُها وَلَعُ نفسٍ بِتَفتينٍ، ولا واردُ طيفٍ بتظنينٍ ولا يلُمُّ بها فَرَجٌ حتي تقلبني إليك بإرادتك غير ظنين ولا مظنون ولا مُراب ولا مُرتابٍ، إنّك أنت أرحمُ الراحِمينَ». 5 ـ وله دعاء آخر كان يدعو به في قنوته هو: «اللهم منك البدءُ ولك المشيئةُ ولك الحولُ ولك القوّةُ، وأنت اللّه ُ الذي لا إله إلاّ أنتَ جَعَلْتَ قلوبَ أوليائك مسكنا لمَشِيّتِكَ ومكمَنا لإرادتكَ، وجَعَلتَ عُقولَهُم مَناصِبَ أوامِركَ ونواهيكَ فأنتَ إذا شِئت ما نشاءُ حرّكتَ مِن أسرارهم كوامِن ما أبطَنْتَ فيهم، وأبَدأتَ من إرادتك علي ألسنتِهِم ما أفهَمْتَهُم به عنكَ في عقودِهم بعقولٍ تدعوك وتدعو إليك بحقائقِ ما مَنَحتَهُم به، وإنّي لأعلَمُ ممّا علّمتني ممّا أنت المشكورُ علي ما منه أريتني وإليه آوَيتني». 6 ـ وله دعاء يُسمّي بـ (العشرات) . 7 ـ وله دعاء كان يدعو به حين كان يمسك الركن اليماني ويناجي ربّه هو: «إلهي أنعمتني فلم تجدني شاكرا وأبليتني فلم تجدني صابرا، فلا أنت سلَبْتَ النعمة بترك الشكر، ولا أدَمْتَ الشدّةَ بترك الصبرِ إلهي ما يكونُ من الكريمِ إلاّ الكرَمُ». 8 ـ وروي أنّ شريحا دخل مسجد الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فوجد الحسين (عليه السلام) في المسجد ساجدا يعفِّر خدّه علي التراب وهو يقول: «سيّدي ومولاي ألِمقامِعِ الحديد خَلَقْتَ أعضائي؟ أم لِشُربِ الحميمِ خَلَقْتَ أمعائي؟ إلهي لئن طالبتني بذنوبي لاُطالبنّك بكرمك، ولئن حَبَستني مع الخاطئينَ لأخبِرنَّهُم بحُبّي لك، سيّدي! إنّ طاعَتي لا تنفعُك، وَمعصيتي لا تضرّك، فهب لي ما لا ينفعُك واغفر لي ما لا يضرّك فإنك أرحم الراحمين». 9 ـ وكان من دعائه إذا دخل المقابِرَ: «اللّهم ربَّ هذه الأرواح الفانيةِ والأجساد البالية، والعِظامِ النَخِرةِ التي خرجتْ من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخِل عليهم رَوْحا منك وسلاما مِنّي، وقال (عليه السلام): إذا دعا أحد بهذا الدعاء كتب اللّه له بعدد الخلق من لدن آدم الي أن تقوم الساعةُ حسناتٍ». 10 ـ ومن دعائه في الصباح والمساء قوله: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، بسم اللّه وباللّه ومن اللّه وإلي اللّه وفي سبيل اللّه وعلي ملّة رسول اللّه وتوكّلت علي اللّه ولا حول ولا قوة إلاّ باللّه العليّ العظيم. اللهم إني أسلمْتُ نفسي إليك ووجّهت وجهي إليك وفوّضت أمري إليك، إياك أسألُ العافية من كل سوء في الدنيا والآخرة، اللهم إنك تكفيني من كلّ أحد ولا يكفيني أحدٌ منك فاكفني من كلّ أحد ما أخاف وأحذرُ، واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا إنك تعلمُ ولا أعلم وتقدرُ، ولا أقدِر، وأنت علي كل شيء قدير برحمتك يا أرحم الراحمين». وأمّا دعاء عرفة المرويّ عن الإمام الحسين (عليه السلام) فهو من غرر الأدعية المطوّلة والتي تستدرّ الرحمة الإلهية بما تمليه علي الإنسان من أسباب الإنابة والتوبة وشموخ المعرفة، وقد أشرنا الي مقاطع منه في بحوث سابقة. وإليك مقطعاً آخر من هذا الدعاء: «الحمدللّه الّذي لم يتّخذ ولداً فيكون موروثاً، ولم يكن له شريك في الملك فيضادّه فيما ابتدع، ولا وليّ من الذلّ فيرفده فيما صنع، سبحانه سبحانه سبحانه لو كان فيهما آلهة إلاّ اللّه لفسدتا وتفطرتا، فسبحان اللّه الواحد الحقّ الأحد الصمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، الحمدللّه حمداً يعدل حمد ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وصلّي اللّه علي خيرته من خلقه محمّد خاتم النبّيّين وآله الطّاهرين المخلصين، اللّهمَّ اجعلني أخشاك كأ نّي أراك، وأسعدني بتقواك، ولا تشقني بمعصيتك، وخر لي في قضائك، وبارك لي في قدرك حتّي لا اُحبّ تعجيل ما أخّرت، ولا تأخير ما عجّلت».

 

في رحاب أدب الامام الحسین (علیه السلام)

لا ريب في أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) يعدّ امتدادا لجدّه وأبيه وأخيه من حيث المعرفة ومن حيث الاقتدار الفني في التعبير. وقد جاء علي لسان خصومهم «أنهم أهل بيتٍ قد زقّوا العلم زَقّـا»، و«أنها ألسِنَةُ بني هاشم التي تفلق الصخر وتغرف من البحر». وعلّق عمر بن سعد يوم عاشوراء علي خطبة للإمام الحسين (عليه السلام): «إنّه ابن أبيه، ولو وقف فيكم هكذا يوما جديدا، لما انقطع ولما حُصِر. وقال أصحاب المقاتل عن كلماته وخطبه في كربلاء ويوم عاشوراء أنه لم يُسمع متكلّم قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطقه من الحسين (عليه السلام). وبالرغم من قصر المدّة الزمنيّة لإمامته وعدم إتاحة الفرصة السياسيّة التي تفرض صياغة الخطب عادةً بخاصّة أنّه (عليه السلام) التزم بالهدنة التي عقدها أخوه (عليه السلام) في زمن معاوية، فقد اُثر عنه (عليه السلام) في ميدان الخطبة وغيرها أكثر من نموذج فضلاً عن أنه (عليه السلام) في زمن أبيه (عليه السلام) قد ساهم في خطب المشاورة والحرب، وحشَد فيها كل السمات الفنّية التي تتناسب والغرض الذي استهدف توصيله الي الجمهور. وأمّا خطب المعركة التي خاضها في الطف أو كربلاء، حيث فجّرت هذه المناسبة عشرات الخطب منذ بدايتها إلي نهايتها، فقد تنوّعت صياغةً ومضمونا، وتضمّنت التذكير بكتبهم التي أرسلوها إليه وبطاعة اللّه وبنصرته وبالتخليّ عن قتاله. وممّا جاء في إحداها : «تبـّا لكم أيّتها الجماعة وتَرَحا، أحين استصرختمونا والهِين ، فأصرخناكم موجِفين مؤدّين مستعدّين سَلَلْتُم علينا سيفا لنا في أيْمانِكم وحششتُم علينا نارا قدحناها علي عدوّكم وعدوّنا فأصبحتم إلبْا علي أوليائكم ويدا عليهم لأعدائكم بغيرِ عدلٍ أفشوه فيكُم ولا أملٍ أصبح لكم فيهم إلاّ الحرام من الدنيا أنالوكم وخسيس عيشٍ طمعتم فيه ...». واحتشدت هذه الخطبة بعناصر الفن المتنوعة بالإضافة الي عنصرَي المحاكمة والعاطفة. وبمقدور المتذوّق الفني الصرف أن يلحظ ما تتضمّنه من دهشة فنّية مثيرة كل الإثارة. والأشكال الأدبيّة الاُخري التي طرقها أدب الإمام الحسين (عليه السلام) هي الرسائل والخواطر والمقالة والأدعية والشعر والحديث الفني. ونشير الي نموذجين من شعره بما يتناسب مع المجال هنا: ـ 1 ـ تباركَ ذو العلا والكبرياءِ تفرّد بالجلالِ وبالبقاءِ وسوّي الموتَ بين الخلق طُرّا وكلّهُم رهائنُ للفناءِ ودنيانا ـ وإن ملنا إليها وطالَ بها المتاعُ ـ الي انقضاءِ ألا إنَّ الركونَ علي غرورٍ الي دار الفناءِ من الفناءِ وقاطنها سريعُ الظعنِ عنها وإن كان الحريصُ علي الثَواء ِ2 ـ اغنَ عن المخلوق بالخالقِ تَغنَ عن الكاذبِ والصادقِ واسترزقِ الرحمنَ من فضلهِ فليسَ غيرُ اللّه من رازقِ من ظنّ أنّ الناس يغنونه فليس بالرحمن بالواثقِ أو ظن أن المال من كسبه زلّت به النعلان من حالق والحمد للّه ربِّ العالمين

 


source : www.abna.ir
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

عاشوراء في خطابات القادة
قصيدة تلقى قبل اذان الصبح في حضرة الامام الحسين ...
الملهوف على قَتلى الطفوف
في رثاء الحسين ( عليه السلام ) للعرندس
اصحاب الامام الحسين عليه السلام يوم الطف
الولاية عند الامام الحسين عليه السلام
جذور التشيع في تركيا من أين يمتد ؟!
الإمام الحسين والقرآن الكريم
شعر الإمام الحسين ( عليه السلام )
كرامات الإمام الحسين ( عليه السلام )

 
user comment