عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

تراث الامام الحسن(ع)

تراث الامام الحسن(ع)

الإمام المجتبي (عليه السلام) كأبيه المرتضي وجدّه المصطفي قائد مبدئي تتلخّص مهمّاته القيادية في كلمة موجزة ذات معنيً واسع وأبعاد شتي هي : « الهداية بأمر اللّه تعالي » انطلاقا من قوله تعالي : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ). والهداية بأمر اللّه سبحانه تتجلّي في تبيان الشريعة وتقديم تفاصيل الأحكام العامة أو المطلقة التي نصّ عليها القرآن الكريم والرسول العظيم، كما تتجلّي في تفسير القرآن الحكيم وإيضاح مقاصد الرسول الكريم . وتتجلّي الهداية في تطبيق أحكام اللّه تعالي علي الاُ مّة المسلمة وصيانة الشريعة والنصوص الإلهية من أيّ تحريف أو تحوير يتصدّي له الضالّون المضلّون . والثورة التي فجّرها الإسلام العظيم هي ثورة ثقافية قبل أن تكون ثورة اجتماعية أو اقتصادية ، فلا غرو أن تجد الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) يفرّغون أنفسهم لتربية الاُ مّة وتثقيفها علي مفاهيم الرسالة وقيمها، وهم يرون أنّ مهمّتهم الاُولي هي التربية والتثقيف انطلاقا من النصّ القرآني الصريح في بيان أهداف الرسالة والرسول الذي يري الإمام نفسه استمرارا له وقيّما علي ما أثمرته جهود الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم) من «رسالة» و «اُ مّة» و «دولة» ، قال تعالي مفصِّلاً لأهداف الرسالة ومهمّات الرسول : (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) . ولئن غضّ الإمام المجتبي الطرف عن الخلافة لأسباب دينية ومبدئية؛ فهو لم يترك الساحة ومواريث الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم) لتنهب بأيدي الجاهلييّن، بل نجده قد تصدّي لتربية القاعدة التي علي أساسها تقوم الدولة وعليها تطبّق أحكام الشريعة. وقد خلّف الإمام المجتبي تراثا فكريا وعلميا ثرّا من خلال ما قدّمه من نصوص للاُ مّة الإسلامية علي شكل خطب أو وصايا أو احتجاجات أو رسائل أو أحاديث وصلتنا في فروع المعرفة المختلفة، ممّا يكشف عن تنوّع اهتمامات الإمام الحسن وسعة علمه وإحاطته بمتطلّبات المرحلة التي كانت تعيشها الاُ مّة المسلمة في عصره المحفوف بالفتن والدواهي التي قلّ فيها من كان يعي طبيعة المرحلة ومتطلباتها إلاّ أن يكون محفوفا برعاية اللّه وتسديده. ونستعرض صورا من اهتمامات الإمام العلمية، ونلتقط شيئا من المفاهيم والقيم المُثلي التي ظهرت علي لسانه وعبّر عنها ببليغ بيانه ، أو تجلّت في تربيته لتلامذته وأصحابه .

 

في رحاب العلم و العقل

أ ـ قال (عليه السلام) في الحثّ علي طلب العلم وكيفية طلبه واُسلوب تنميته : 1 ـ «تعلّموا العلم، فإنّكم صغار في القوم ، وكبارهم غدا، ومن لم يحفظ منكم فليكتب» . 2 ـ «حُسن السؤال نصف العلم» . 3 ـ «علّم الناس، وتعلَّم عِلمَ غيرك، فتكون قد أتقنت علمك وعلمتَ ما لمَ تَعلم». 4 ـ «قَطعَ العلم عُذر المتعلّمين». 5 ـ «اليقين معاذ للسلامة». 6 ـ «أوصيكم بتقوي اللّه وإدامة التفكّر، فإنّ التفكّر أبو كلّ خيرٍ واُمّه». ب ـ إنّ العقل أساس العلم، ومن هنا فقد عرّف العقل من خلال لوازمه وآثاره العلمية ومدي أهميته ودوره في كمال الإنسان بقوله : 1 ـ «العقل حفظ القلب كلّ ما استرعيته» . 2 ـ «لا أدب لمن لا عقل له ، ولا مودّة لمن لا همّة له ، ولا حياء لمن لا دين له ، ورأس العقل معاشرة الناس بالجميل ، وبالعقل تدرك سعادة الدارين ، ومن حرم العقل حرمهما جميعا».

 

في رحاب القرآن الکریم

أ ـ قال (عليه السلام) في بيان حقيقة القرآن ورسالته وأهدافه وفضله وكيفية الارتواء من معينه الثرّ : 1 ـ « إنّ هذا القرآن فيه مصابيح النور ، وشفاء الصدور، فليُجلِ جالٍ بضوئه وليُلجم الصفة قلبَه ؛ فإنّ التفكير حياة قلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور ». 2 ـ « ما بقي من هذه الدنيا بقية غير هذا القرآن فاتّخذوه إماما، وإنّ أحقّ الناس بالقرآن من عمل به وإن لم يحفظه ، وأبعدهم عنه مَن لم يعمل به وإن كان يقرؤه». 3 ـ « .. واعلموا علما يقينا أنّكم لن تعرفوا التقي حتي تعرفوا صفة الهدي ، ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتي تعرفوا الذي نبذه ، ولن تتلوا الكتاب حقّ تلاوته حتي تعرفوا الذي حرّفه ، فإذا عرفتم ذلك؛ عرفتم البدع والتكلّف ورأيتم الفرية علي اللّه ورأيتم كيف يهوي من يهوي ، ولا يجهلنّكم الذين لا يعلمون ، والتمسوا ذلك عند أهله فإنّهم خاصّة نور يستضاء بهم وأئمة يقتدي بهم، بهم عيش العلم وموت الجهل ». 4 ـ « .. كتاب اللّه فيه تفصيل كلّ شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والمعوَّل عليه في كلّ شيء، لا يخطئنا تأويله ، بل نتيقنّ حقائقه، فأطيعونا فإطاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة اللّه والرسول واُولي الأمر مقرونة .. ». ب ـ وروي المؤرّخون نماذج من تفسير الإمام المجتبي للقرآن الكريم، وإليك نموذجاً واحداً منها : « جاء رجل إلي مسجد الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ليسأل عن تفسير قوله تعالي : (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ) فرأي ثلاثة أشخاص قد احتفّ بكلّ واحد منهم جمع من الناس يحدّثهم عمّا سمعه من رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، فسأل أحدهم عن الشاهد والمشهود فقال : الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة، ثم سأل الآخر فقال له : الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم النحر ، ثم سأل الثالث فأجابه : الشاهد رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) والمشهود يوم القيامة لقوله تعالي : (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً)، وقوله تعالي عن يوم القيامة : (ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ)، فسأل عن الأوّل فقيل له : عبداللّه بن عباس ، وسأل عن الثاني فقيل له : عبداللّه بن عمر ، وسأل عن الثالث فقيل له : الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) . إنّ المتتبّع لخُطب الإمام ومواعظه يلمس فيها الاستدلال والاستشهاد الدقيق بآيات الذكر الحكيم، ممّا يفيدنا مدي إحاطته صلوات اللّه عليه بمقاصد القرآن وأسراره وبواطن آياته، وسوف تلاحظ نماذج من ذلك فيما سيأتي من كلامه .

 

في رحاب الحدیث الشریف و السیرة النبویة

لقد اهتمّ الإمام الحسن المجتبي بنشر حديث النبيّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وسيرته ومكارم أخلاقه ، ونختار من الأحاديث التي رواها عن جدّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ما يلي : 1 ـ « إنّ من واجب المغفرة إدخالك السرور علي أخيك المسلم .. » . 2 ـ « يا مسلم! اضمن لي ثلاثا أضمن لك الجنّة : إن أنت عملت بما افترض عليك في القرآن فأنت أعبد الناس ،وإن قنعت بما رُزِقت فأنت أغني الناس ،وإن اجتنبت ما حرّم اللّه فأنت أورع الناس ... » . 3 ـ « من صلّي الفجر فجلس في مصلاّه إلي طلوع الشمس ستره اللّه من النار » . 4 ـ « حيثما كنتم فصلّوا عليَّ، فإنّ صلاتكم تبلغني » . 5 ـ «جاءت امرأة إلي النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ومعها ابناها فسألته فأعطاها ثلاث تمرات، فأعطت كلّ واحد منهما تمرةً فأكلاها، ثم نظرا إلي اُمّهما فشقّت التمرة اثنتين فأعطت كلّ واحدة منهما شقّ تمرة، فقال رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) : رحمها اللّه برحمتها ابنيها » . 6 ـ «ودعا (صلي اللّه عليه وآله وسلم) بهذا الدعاء : اللهم أقلني عثرتي، وآمن روعتي، واكفني من بغي عليّ، وانصرني علي من ظلمني، وأرني ثأري منه ... » . وأمّا ما يخصّ سيرة النبيّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ومكارم أخلاقه فقد اهتمّ السبط المجتبي بنشرها تارةً عن خاله هند بن أبي هالة التميمي ربيبِ رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وأخِ الزهراء من اُمّها ؛ إذ كان دقيقا في وصفه لحلية النبيّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ومكارم أخلاقه ، وممّا جاء في وصفه لمنطق الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قوله : «كان رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، لا يتكلّم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتح الكلام ويختمه بأشداق1، ويتكلّم بجوامع الكلم، فصل لا فضول ولا تقصير ، دمثا ليس بالجافي ولا المهين، يعظم المنّة وإن دقّت، لا يذمّ منها شيئا ، ولا يذّم ذوّاقا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد، ولم يستقم لغضبه شيء حتي ينتصر له، إذا أشار بكفّه أشار بكفه كلّها، وإذا تعجّب قلبها، وإذا تحدّث اتّصل بها فضرب براحته اليمني باطن إبهامه اليُسري، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه، جلّ ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حبّ الغمام...». واعتني الإمام المجتبي بهذه السيرة المباركة أيّما اعتناء، فسأل أباه المرتضي الذي كان ربيب الرسول وتلميذه وصهره وأخاه وشريكه في حمل أعباء الرسالة، وهو الذي لازمه من قبل بعثته حتي رحلته، وطلب منه أن يصف له سيرة رسول اللّه فأجابه أمير المؤمنين إجابةً تتضمن منهاجا كاملاً للإنسان المسلم الذي يريد الاقتداء بسيرته (صلي اللّه عليه وآله وسلم) . قال الإمام عليّ صلوات اللّه عليه : « كان النبيّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم) إذا أوي إلي منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء : جزء للّه جل ثناؤه، وجزء لأهله ، وجزء لنفسه ، ثمّ جزّأ جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك علي العامة بالخاصة ولا يدّخر عنهم شيئا، وكان من سيرته في جزء الاُمّة إيثار أهل الفضل بإذنه ، وقسّمه علي قدر فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ، ومنهم ذو الحاجتين ، ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والاُمّة من مسألتهم وأخبارهم بالذي ينبغي لهم ، ويقول : ليبلغ الشاهد الغائب ، وابلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته ، فإنّ من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إيّاه ثبّت اللّه قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلاّ ذلك ، ولا يقبل من أحد غيره ، يدخلون روادا ولا يفترقون إلاّ عن ذواق ، ويخرجون أدلة .. » . قال الإمام الحسن (عليه السلام) : «فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه ؟» فقال : « كان رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يخزن لسانه إلاّ ممّا يعينهم ، ويؤلّفهم ولا يفرّقهم ، أو قال : ينفرهم ، ويكرم كريم كلّ قوم ، ويوليه عليهم ويحذّر الناس ، ويحترس منهم ، من غير أن يطوي عن أحدٍ بشره ولا خلقه ، يتفقّد أصحابه ، ويسأل عمّا في الناس ، فيحسن الحسن ويقوّيه، ويقبّح القبيح ويوهنه ، معتدل الأمر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا لكلّ حال عنده عتاب ، لا يقصّر عن الحقّ ولا يجوزه ، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمّهم نصيحة ، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة . . » . قال الإمام الحسن (عليه السلام) : «فسألته عن مجلسه، فقال : كان رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) لا يجلس ولا يقوم إلاّ علي ذكر اللّه ولا يوطن الأماكن ، وينهي عن إيطانها ، وإذا انتهي إلي قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك ويعطي كلاًّ من جلسائه نصيبه ، فلا يحسب جليسه أنّ أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قارنه في حاجة صابره حتي يكون هو المنصرف ، ومن سأله حاجة لم يرده إلاّ بها أو بميسور من القول ، وقد وسع الناس منه بسطه وخلقه فصار لهم أبا ، وصاروا عنده في الحقّ سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة ، لا ترفع عنده الأصوات ، ولا تؤبّن فيه الحرم ، ولا تُثني فلتاته ، تري جلاّسه متعادلين ، يتفاضلون فيه بالتقوي ، متواضعين يوقرون الكبير ، ويرحمون الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ، ويحفظون الغريب . . » . قال الإمام الحسن (عليه السلام) : «قلت له: كيف سيرته في جلسائه ؟ قال (عليه السلام) : كان رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) دائم السرور ، سهل الخلق ، ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا غليظ ولا صخّاب ولا فحّاش ولا عيّاب ولا مدّاح، يتغافل عمّا لا يشتهي ، ولا يؤيس منه ، ولا يجيب فيه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء والإكثار وما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث : كان لا يذمّ أحدا ، ولا يعيّره ولا يطلب عثرته ، ولا يتكلم إلاّ فيما رجا ثوابه، وإذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما علي رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلّموا ، ولا يتنازعون عنده ، من تكلّم أنصتوا له حتي يفرغ ، حديثهم عنده حديث أوّلهم ، يضحك ممّا يضحكون منه ، ويتعجّب ممّا يتعجّبون منه ، ويصبر للغريب علي الجفوة في منطقه ومسألته ، حتي إن كان أصحابه ليستجلبوا منهم ويقول : إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فارفدوه ، ولا يقبل الثناء إلاّ من مكافئ ، ولا يقطع علي أحد حديثه حتي يجوّزه فيقطعه بنهي أو قيام .. » . قال الإمام الحسن (عليه السلام) : «كيف كان سكوته ؟ قال (عليه السلام) : كان سكوت رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) علي أربع : الحكم ، والحذر، والتقدير، والتفكير . فأمّا تقديره ففي تسويته للنظر بين الناس واستماعه منهم . وأمّا تفكيره ففيما يبقي ويفني . وجمع له الحلم في الصبر ، فكان لا يعصيه شيء ولا يستقرّه . وجمع له الحذر في أربع : أخذه بالحسن ليقتدي به ، وتركه القبيح لينتهي عنه، واجتهاده الرأي فيما أصلح اُ مّته ، والقيام فيما جمع لهم الدنيا والآخرة ... » .

 

في رحاب العقیدة

1 ـ التوحيد : أمر الإمام عليّ المرتضي (عليه السلام) نجله المجتبي (عليه السلام) ليخطب الناس في مسجد الكوفة، فصعد المنبر، وقال : « الحمد للّه الواحد بغير تشبيه ، والدائم بغير تكوين ، القائم بغير كلفة ، الخالق بغير منصبة ، والموصوف بغير غاية ، المعروف بغير محدود، العزيز ، لم يزل قديما في القدم ، ردعت القلوب لهيبته ، وذهلت العقول لعزّته، وخضعت الرقاب لقدرته ، فليس يخطر علي قلب بشر مبلغ جبروته، ولا يبلغ الناس كنه جلاله، ولا يفصح الواصفون منهم لكُنه عظمته ، ولا تبلغه العلماء بألبابها، ولا أهل التفكر بتدابير اُمورها ، أعلم خلقه به الذي بالحدّ لا يصفه، يُدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ... » . وجاء إليه رجل فقال له : يابن رسول اللّه ! صف لي ربّك كأنّي اُنظر إليه، فأطرق الحسن مليّا ثم رفع رأسه فأجابه : « الحمد للّه الذي لم يكن له أوّل معلوم ولا آخر متناهٍ ، ولا قبل مدرك ولا بعد محدود ولا أمد بحتّي ، ولا شخص فيتجزّأ، ولا اختلاف صفة فيتناهي، فلا تدرك العقول وأوهامها ، ولا الفكر وخطراتها، ولا الألباب وأذهانها، صفته فيقول : متي ، ولا بدئ ممّا ، ولا ظاهر علي ما، ولا باطن فيما، ولا تارك فهلاّ ، خلق الخلق فكان بديئا بديعا، ابتدأ ما ابتدع، وابتدع ما ابتدأ ، وفعل ما أراد، وأراد ما استزاد، ذلك اللّه ربّ العالمين». 2 ـ إبطال الجبر : رفع أهالي البصرة إليه (عليه السلام) رسالةً يطلبون منه رأيه في مسألة الجبر فأجابهم (عليه السلام) : « من لم يؤمن باللّه وقضائه وقدره فقد كفر ، ومن حمل ذنبه علي ربّه فقد فجر ، إنّ اللّه لا يُطاع استكراها ولا يُعصي لغلبة ؛ لأنّه المليك لما ملّكهم، والقادر علي ما أقدرهم ، فإن عملوا بالطاعة لم يحل بينهم وبين ما فعلوا ، فليس هو الذي أجبرهم علي ذلك، فلو أجبر اللّه الخلق علي الطاعة لأسقط عنهم الثواب ، ولو أجبرهم علي المعاصي لأسقط عنهم العقاب ، ولو أهملهم لكان عجزا في القدرة ، ولكن فيهم المشيئة التي غيّبها عنهم ، فإن عملوا بالطاعات كانت له المنّة عليهم، وإن عملوا بالمعصية كانت الحجّة عليهم» . 3 ـ تفسير صفاته تعالي : وسأله رجل عن معني الجواد فقال : «... وإن كنت تسأل عن الخالق فهو الجواد إن أعطي، وهو الجواد إن منع، لأنّه إن أعطي عبدا أعطاه ما ليس له ، وإن منع منع ما ليس له».

 

في رحاب ولایة أهل البیت(علیهم السلام)

1 ـ قال (عليه السلام) مبيّنا لحقيقة الثقلين وموقع كلّ منهما من الآخر : «... واعلموا علما يقينا أ نّكم لن تعرفوا التقي حتي تعرفوا صفة الهدي ، ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتي تعرفوا الذي نبذه ، ولن تتلوا الكتاب حقّ تلاوته حتي تعرفوا الذي حرّفه ، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلّف، ورأيتم الفرية علي اللّه ، ورأيتم كيف يهوي من يهوي ، ولا يجهلنّكم الذين لا يعلمون ، والتمسوا ذلك عند أهله فإنّهم خاصة نور يستضاء بهم وأئمة يقتدي بهم، بهم عيش العلم وموت الجهل، وهم الذين أخبركم حلمهم عن علمهم ، وحكم منطقهم عن صمتهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه، وقد خلت لهم من اللّه سابقة، ومضي فيهم من اللّه حكم إنّ في ذلِكَ ذِكْرَي لِلذَّاكِرِينَ » . 2 ـ «أيّها الناس، اعقلوا عن ربّكم، (إِنَّ اللّهَ[عزّ وجلّ] اصْطَفَي آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَي الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، فنحن الذرّيّة من آدم والاُسرة من نوح والصفوة من إبراهيم والسلالة من إسماعيل وآل محمّد (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، نحن فيكم كالسماء المرفوعة والأرض المدحوّة والشمس الضاحية، وكالشجرة الزيتونة لا شرقية ولا غربية التي بورك زيتها ، النبيّ أصلها وعليّ فرعها، ونحن واللّه ثمر تلك الشجرة ، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ، ومن تخلّف عنها فإلي النار هوي...» . 3 ـ وخطب قائلاً بعد حمد اللّه والثناء عليه : « إنّ اللّه لم يبعث نبيّا إلاّ اختار له نفسا ورهطا وبيتا ، فوالذي بعث محمّدا بالحقّ لا ينتقص من حقّنا أهل البيت أحد إلاّ نقصه اللّه من عمله مثله ، ولا يكون علينا دولة إلاّ وتكون لنا العاقبة، (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) ». 4 ـ وقال (عليه السلام) : «نحن حزب اللّه المفلحون، وعترة رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) الأقربون، وأهل بيته الطاهرون الطيّبون ، وأحد الثقلين اللذين خلّفهما رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) والثاني كتاب اللّه ... فأطيعونا فإطاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة اللّه والرسول واُولي الأمر مقرونة ...». 5 ـ وخطب (عليه السلام) فتحدّث عن فلسفة التشريع وعن ارتباط الأحكام بولاية أهل البيت، ثمّ قال : «ولو لا محمّد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وأوصياؤه كنتم حياري، لا تعرفون فرضا من الفرائض ، وهل تدخلون دارا إلاّ من بابها». وبعد أن استدلّ (عليه السلام) علي كمال الدين وإتمام النعمة وأشار إلي حقوق أولياء اللّه ودور أداء هذه الحقوق في سلامة الحياة ونمائها وأنّ البخيل هو من يبخل بالمودة بالقربي ... قال : «سمعت جدّي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يقول : خلقتُ أنا من نور اللّه ، وخُلق أهل بيتي من نوري، وخلق محبّوهم من نورهم ، وسائر الناس من الناس».

 

البشارة بالامام المهدي(علیهم السلام)

 

1 ـ قال (عليه السلام) بعد أن صالح معاوية ودخل عليه الناس ولامه بعضهم علي بيعته : «... أما عَلِمتم أنّه ما مِّنا من أحدٍ إلاّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلاّ القائم الذي يصلّي روح اللّه عيسي بن مريم خلفه، فإنّ اللّه يخفي ولادته ويُغيِّب شخصه، لئلاّ يكون لأحدٍ في عنقه بيعة إذا خرج ، ذلك التاسع من وُلد أخي الحسين ، ابن سيّدة الإماء ، يطيلُ اللّه عُمَره في غيبته ثم يُظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة ...» . 2 ـ وروي (عليه السلام) حديثا عن أبيه (عليه السلام) أخبره فيه عن ولاية بني اُمية وبِدَعِهِم وفتكهم بأعدائهم حتي قال : « ... حتي يبعث اللّه رجلاً في آخر الزمان وكَلَب من الدهر وجَهلٍ من الناس، يؤيّده اللّه بملائكته، ويَعصِم أنصاره وينصُرُه بآياته، ويُظهره علي أهل الأرض حتي يَدينوا طوعا وكرها ، يملؤها قسطا وعدلاً ونورا وبرهانا ، يدين له عَرض البلاد وطولها ، لا يبقي كافرٌ إلاّ آمن به، ولا طالح إلاّ صلح ، وتصطلح في ملكه السباع، وتُخرِج الأرض نبتها ، وتُنزل السماءُ بركتها، وتظهر له الكنوز ، يملك ما بين الخافقين أربعين عاما ، فطوبي لمن أدرك أيّامه وسمع كلامه » .

 

 

في رحاب الأخلاق و التربیة

عن جابر (رضي اللّه عنه) قال : سمعت الحسن (عليه السلام) يقول : «مكارم الأخلاق عشرة : صدق اللسان، وصدق البأس ، وإعطاء السائل ، وحسن الخلق ، والمكافأة بالصنائع، وصلة الرحم ، والتذمّم علي الجار، ومعرفة الحقّ للصاحب ، وقري الضيف ، ورأسهنّ الحياء». وعرّف الإمام المجتبي (عليه السلام) مجموعة من ( مكارم الأخلاق ) في إجابته علي أسئلة أبيه المرتضي (عليه السلام) نختار منها ما يلي : 1 ـ السداد : دفع المنكر بالمعروف . 2 ـ الشرف : اصطناع العشيرة وحمل الجريرة ( موافقة الإخوان ) . 3 ـ المروءة : العفاف وإصلاح المرء ماله ( إصلاح الرجل أمر دينه، وحسن قيامه علي ماله، وإفشاء السلام والتحبّب إلي الناس ) . 4 ـ السماحة : البذل في العسر واليسر . 5 ـ الإخاء : الوفاء في الشدّة والرخاء . 6 ـ الغنيمة : الرغبة في التقوي والزهادة في الدنيا . 7 ـ الحلم : كظم الغيظ وملك النفس . 8 ـ الغني : رضي النفس بما قسم اللّه وإن قلّ، فإنّما الغني غني النفس . 9 ـ المنعة : شدّة البأس ومقارعة أشد الناس . 10 ـ الصمت : ستر العيب وزين العرض، وفاعله في راحة، وجليسه آمن. 11 ـ المجد : أن تعطي في الغرم، وأن تعفو عن الجرم . 12 ـ العقل : حفظ القلب كلّ ما استرعيته ( استوعيته ) أو حفظ القلب لكلّ ما استتر فيه. 13 ـ الثناء : إتيان الجميل وترك القبيح . 14 ـ الحزم : طول الأناة والرفق بالولاة والاحتراس من الناس بسوء الناس. 15 ـ الكرم : العطيّة قبل السؤال والتبرع بالمعروف والإطعام في المحلّ. 16 ـ النجدة : الذبّ عن الجار والمحاماة في الكريهة والصبر عند الشدائد . وأجاب الإمام بكل استرسال وعدم تكلّف علي مجموعة اُخري من أسئلة أبيه فيما يخصّ ( مساوئ الأخلاق ) ونختار منها ما يلي : 1 ـ الدنيئة : النظر في اليسير ومنع الحقير . 2 ـ اللؤم : احتراز المرء نفسه ( ماله ) وبذله عرسه ( عرضه). 3 ـ الشحّ : أن تري ما في يديك شرفا وما أنفقته تلفا . 4 ـ الجبن : الجرأة علي الصديق والنكول عن العدوّ . 5 ـ الفقر : شره النفس في كلّ شيء . 6 ـ الجرأة : موافقة الأقران . 7 ـ الكلفة : كلامك فيما لا يعنيك . 8 ـ الخُرْق : معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك . 9 ـ السفه : اتّباع الدناة ومصاحبة الغواة . 10 ـ الغفلة : تركك المسجد وطاعتك المُفسِد . 11 ـ الحرمان : تركك حظّك وقد عرض عليك. 12 ـ شرّ الناس : من لا يعيش في عيشه أحد. وتحدّث الإمام عن اُصول الجرائم الأخلاقية واُمّهات الرذائل قائلاً : هلاك الناس في ثلاث : الكبر ، الحرص ، الحسد . الكبر : به هلاك الدين وبه لُعِن إبليس . الحرص : عدو النفس وبه اُخرج آدم من الجنّة . الحسد : رائد السوء وبه قتل هابيل قابيل .

 

في رحاب المواعظ الحکیمة

 

ـ قال (عليه السلام) في تعريف التقوي والحثّ عليها : «إنّ اللّه لم يخلقكم عبثا، وليس بتارككم سديً، كتب آجالكم، وقسم بينكم معائشكم ليعرف كلُّ ذي منزلة منزلته، وإنّ ما قدّر له أصابه، وما صُرف عنه فلن يصيبه ، قد كفاكم مؤونة الدنيا، وفرّغكم لعبادته، وحثّكم علي الشكر، وافترض عليكم الذكر، وأوصاكم بالتقوي، وجعل التقوي منتهي رضاه، والتقوي بابُ كلِّ توبة ورأسُ كلِّ حكمة وشرفُ كلِّ عمل ، بالتقوي فاز من فاز من المتقين ، قال اللّه تبارك وتعالي : ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً) وقال : ( وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)2، فاتقوا اللّه عباد اللّه ، واعلموا أنّ من يتّقِ اللّه يجعل له مخرجا من الفتن، ويسدّده في أمره، ويُهيّئ له رشده، ويُفلجه بحجّته، ويُبيّض وجهه، ويُعطهِ رغبته مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وحسن اُولئك رفيقا » . 2 ـ وجاءه رجل من الأثرياء فقال له : يابن رسول اللّه ! إنّي أخاف من الموت، فقال له (عليه السلام) : «ذاك لأنّك أخّرت مالك ، ولو قدّمته لسرّك أن تلحق به» . 3 ـ وقال (عليه السلام) عن طلب الرزق : «لا تجاهد الطلب جهاد الغالب، ولا تتّكل علي القدر إتكال المستسلم ؛ فإنّ ابتغاء الفضل من السُنّة، والإجمال في الطلب من العفة، وليست العفة بدافعة رزقا، ولا الحرص بجالبٍ فضلاً ، فإنّ الرزق مقسوم، واستعمال الحرص استعمال المآثم» . 4 ـ وقال في الحثّ علي الالتزام بالمساجد : «من أدام الاختلاف إلي المسجد أصاب ثمان خصال : آيةً محكمةً ، وأخا مستفادا ، وعلما مستطرفا، ورحمةً منتظرةً، وكلمةً تدل علي هديً، أو تردعه عن رديً، وترك الذنوب حياءً، أو خشيةً». 5 ـ وحدّد السياسة تحديدا جامعا ودقيقا بقوله (عليه السلام) : «هي أن ترعي حقوق اللّه وحقوق الأحياء وحقوق الأموات . فأمّا حقوق اللّه : فأداء ما طلب والاجتناب عمّا نهي . وأمّا حقوق الأحياء : فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك، ولا تتأخّر عن خدمة اُمتك، وأن تخلص لوليّ الأمر ما أخلص لاُمّته ، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا حاد عن الطريق السوي . وأمّا حقوق الأموات : فهي أن تذكر خيراتهم، وتتغاضي عن مساوئهم، فإنّ لهم ربّا يحاسبهم». ومن قصار كلماته الحكيمة وغرر حكمه الثمينة : 1 ـ إنّ من طلب العبادة تزكّي لها . 2 ـ المصائب مفاتيح الأجر . 3 ـ النعمة محنة فإن شكرت كانت كنزا وإن كفرت كانت نقمة . 4 ـ أشدّ من المصيبة سوء الخُلق . 5 ـ من تذكّر بُعد السفر اعتدّ . 6 ـ العار أهون من النار . 7 ـ خير المال ما وُقِيَ به العرض . 8 ـ الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود . 9 ـ المسؤول حرٌّ حتي يعد ومسترقٌّ بالوعد حتي ينجز . 10 ـ فضح الموتُ الدنيا، اجعل ما طلبت من الدنيا فلم تظفر به بمنزلة ما لم يخطر ببالك. 11 ـ فوت الحاجة خير من طلبها إلي غير أهلها8.

 

في رحاب الفقه و الأحکام الشریعة

ـ عن عاصم بن ضمرة قال : كنت أسير مع الحسن بن عليّ علي شاطئ الفرات وذلك بعد العصر ونحن صيام وماء الفرات يجري علي رضراض والماء صافٍ ونحن عطاش، فقال الحسن بن علي (عليهما السلام) : «لو كان معي مئزر لدخلت الماء» قلت : إزاري اُعطيكه ، قال : «فما تلبس أنت ؟» قلت : أدخل كما أنا، قال : «فذاك الذي أكره ، إنّي سمعت رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يقول : إنّ للماء عوامر من الملائكة كعوامر البيوت استحيوهم وهابوهم وأكرموهم إذا دخلتم عليهم الماء فلا تدخلوا إلاّ بمئزر» . 2 ـ وقال : «أمرنا رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) في العيدين أن نلبس أجود ما نجد وأن نتطيّب بأجود ما نجد، وأن نضحّي بأسمن ما نجد ، البقرة عن سبعة والجزور عن عشرة ، وأن نظهر التكبير وعلينا السكينة والوقار» . 3 ـ وقال : «علّمني رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قنوت الوتر : ربّ اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولّني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرّ ما قضيت، إنّك تقضي ولا يُقضي عليك، إنّه لا يذل من واليت ( تباركت ) ربّنا وتعاليت» . 4 ـ وقال (عليه السلام) : «إذا أضرّت النوافل بالفريضة فاتركوها» . 5 ـ وقال (عليه السلام) : «لا طلاق إلاّ من بعد نكاح».

 

في رحاب أدعیة الامام المجتبی

وللإمام الحسن بن عليّ (عليهما السلام) أنواع من الأدعية والابتهالات تدلّ علي مدي اتّصاله باللّه ومدي تعلّقه به وانقطاعه إليه، وإليك بعض نماذجها : 1 ـ كان (عليه السلام) يدعو بهذا الدعاء الشريف في قنوته ، وكان يبدو عليه الخضوع والخشوع أمام اللّه ، وهذا نصه : « يا من بسلطانه ينتصر المظلوم ، وبعونه يعتصم المكلوم ، سبقت مشيئتك، وتمّت كلمتك ، وأنت علي كلّ شيء قدير ، وبما تمضيه خبير ، يا حاضر كلّ غيب وعالم كلّ سر وملجأ كلّ مضطرّ ، ضلّت فيك الفهوم، وتقطّعت دونك العلوم ، أنت اللّه الحيّ القيوم ، الدائم الديّوم ، قد تري ما أنت به عليم ، وفيه حكيم ، وعنه حليم ، وأنت القادر علي كشفه ، والعون علي كفّه غير ضائق ، وإليك مرجع كلّ أمر ، كما عن مشيئتك مصدره ، وقد أبنت عن عقود كلّ قوم ، وأخفيت سرائر آخرين ، وأمضيت ما قضيت، وأخّرت ما لا فوت عليك فيه ، وحملت العقول ما تحملت في غيبك، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيي من حيّ عن بيّنة ، وإنّك أنت السميع العليم ، الأحد البصير ، وأنت اللّه المستعان ، وعليك التوكّل ، وأنت وليّ من تولّيت ، لك الأمر كلّه ، تشهد الانفعال ، وتعلم الاختلال ، وتري تخاذل أهل الخبال ، وجنوحهم إلي ما جنحوا إليه من عاجل فان ، وحطام عقباه حميم آن ، وقعود من قعد ، وارتداد من ارتد .. وخلوي من النصار وانفرادي عن الظهار ، وبك اعتصم ، وبحبلك استمسك ، وعليك أتوكّل . اللهمّ فقد تعلم أنّي ما ذخرت جهدي ، ولا منعت وجدي ، حتي انفلّ حدّي ، وبقيت وحدي ، فاتبعت طريق من تقدّمني في كفّ العادية وتسكين الطاغية عن دماء أهل المشايعة، وحرست ما حرسه أوليائي من أمر آخرتي ودنياي ، فكنت ككظمهم أكظم ، وبنظامهم أنتظم، ولطريقتهم أتسنّم ، وبميسهم أتّسم حتي يأتي نصرك ، وأنت ناصر الحقّ وعونه ، وإن بعد المدي عن المرتاد ، ونأي الوقت عن إفناء الأضداد ، اللهمّ صلِ علي محمّد وآل محمّد ، وامزجهم مع النصاب في سرمد العذاب ، وأعم عن الرشد أبصارهم ، وسكعهم في غمرات لذاتهم حتي تأخذهم البغتة وهم غافلون ، وسحرة وهم نائمون ، بالحقّ الذي تظهره ، واليد ( التي ) تبطش بها ، والعلم الذي تبديه ، إنّك كريم عليم ... ». ويلمس في الفقرات الأخيرة من دعائه الآلام المرهقة التي كان يعانيها من الحكم الاُموي ، وقد دعا اللّه أن يأخذ الاُمويين أخذ عزيز مقتدر علي انتهاكهم لحرمته وحرمات رسوله . 2 ـ وكان يدعو بهذا الدعاء علي الظالمين له والمعتدين عليه ، ويطلب من اللّه أن يكفيه شرّهم ويعلوه عليهم : « اللهمّ يا من جعل بين البحرين حاجزا وبرزخا ، وحجرا محجورا، يا ذا القوة والسلطان ، يا عليّ المكان ، كيف أخاف وأنت أملي ، وكيف أضام وعليك متكلي، فغطّني من أعدائك بسترك ، وأظهرني علي أعدائي بأمرك ، وأيّدني بنصرك ، إليك ألجأ ونحوك الملتجأ ، فاجعل لي من أمري فرجا ومخرجا، يا كافي أهل الحرم من أصحاب الفيل ، والمرسِل عليهم طيرا أبابيل ، ترميهم بحجارة من سجّيل ، إرمِ من عاداني بالتنكيل . اللهمّ إنّي أسألك الشفاء من كلّ داء، والنصر علي الأعداء ، والتوفيق لما تحبّ وترضي ، يا إله السماء والأرض وما بينهما وما تحت الثري ، بك استشفي، وبك استعفي ، وعليك أتوكّل فسيكفيكهم اللّه وهو السميع العليم » .

 

في رحاب ادب الامام المجتبی(علیهم السلام)

كتب الحسن البصري ـ وهو من أبرز الشخصيات المعاصرة للإمام ـ معرّفا بأدب الإمام (عليه السلام) وثقافته : « أمّا بعد، فإنّكم معشر بني هاشم الفلك الجارية في اللّجج الغامرة والأعلام النيّرة الشاهرة أو كسفينة نوح (عليه السلام) التي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون ، كتبتُ إليك يابن رسول اللّه عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في الاستطاعة فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك ، فإنّ مِن علم اللّه علمَكم وأنتم شهداء علي الناس واللّه الشاهد عليكم (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) . كما تتجلّي لنا مقدرة الإمام الفنّيّة والبلاغيّة من خلال محاولة معاوية لأن يقاطع ذات يوم خطاب الإمام (عليه السلام) حتي لا يفتتن الجمهور ببلاغته بعد أن اقترح ابن العاص علي معاوية أن يخطب الحسن (عليه السلام) ليظهر عدم مقدرته . وقد أسهم الإمام الحسن (عليه السلام) في صياغة الخطب العسكرية في عهد أبيه وبعده ، كما مرّ علينا ، وقد لاحظنا إحكام البناء والتطعيم بالعنصر الإيقاعي والصوري بشكل واضح . وتميّزت رسائل الإمام ومكاتباته بالاقتصاد اللغوي وبتكثيف عنصر ( الإشارة الدالّة ) أي العبارة المنطوية علي شفرات دلالية ، وهذا ما نجده مثلاً في رسالته إلي معاوية ورسالته إلي زياد بن أبيه ، حيث لم تتجاوز كلٌّ منهما السطرين، فالأوّل ـ وهو معاوية ـ بعث رجلين يتجسّسان ، فكتب (عليه السلام) : « أمّا بعد، فإنّك دسست الرجال كأنّك تحبّ اللقاء ، لا أشكّ في ذلك ، فتوقّعه إن شاء اللّه ، وبلغني أنّك شَمَتَّ بما لم تشمت به ذوو الحجي » . وأمّا الرسالة الاُخري فقد بعثها إلي زياد حيث نكّل بأحد المؤمنين، فطالبه (عليه السلام) بالكفّ عن ذلك ، فردّ زياد برسالة إلي الحسن (عليه السلام) جاء فيها : «من زياد بن أبي سفيان إلي الحسن بن فاطمة : أمّا بعد ، فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي ، وأنت طالب حاجة وأنا سلطان» . واضح أنّ هذه الرسالة من زياد تعبير عن إحساسه المَرَضيّ بعقدة الحقارة والنقص ، فهو ينسب نفسه إلي أبي سفيان ، وينسب الحسن (عليه السلام) إلي فاطمة (عليها السلام)، إلاّ أنّ الحسن (عليه السلام) أجابه بسطرين ، نحسب أنّهما مزّقاه كلّ التمزيق ، حيث كتب (عليه السلام) : « من الحسن بن فاطمة إلي زياد بن سميّة ، أمّا بعد ، فإنّ رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قال : الولد للفراش ، وللعاهر الحجر » .

 

من الأدب المنظوم للامام المجتبی

1 ـ قال (عليه السلام) في التذكير بالموت : قل للمقيم بغير دار إقامةٍ حان الرحيل فودِّع الأحبابا إنّ الذين لقيتهم وصحبتهم صاروا جميعا في القبور ترابا 2 ـ وقال (عليه السلام) في الزهد في الدنيا : لكسرة من خسيس الخبز تشبعني وشربة من قراح الماء تكفيني وطمرة من رقيق الثوب تسترني حيا وإن متّ تكفيني لتكفيني 3 ـ وله (عليه السلام) في السخاء : إنّ السخاء علي العباد فريضة للّه يقرأ في كتاب محكمِ وعد العباد الأسخياء جنانه وأعدّ للبخلاء نار جهنّمِ من كان لا تندي يداه بنائلٍ للراغبين فليس ذاك بمسلمِ 4 ـ وبلغه (عليه السلام) سبّ ابن العاص له في مجلس معاوية ، فقال (عليه السلام) : أتأمر يا معاويَ عبد سهمٍ بشتمي والملا منّا شهودُ؟ إذا أخذت مجالسها قريش فقد علمت قريش ما تريدُ أأنت تظلّ تشتمني سفاها لضغنٍ ما يزول وما يبيدُ؟ فهل لك من أبٍ كأبي تسامي به من قد تسامي أو تكيدُ؟ ولا جدٌّ كجدي يا ابن حربٍ رسول اللّه إن ذُكر الجدودُ ولا اُمّ كاُمّي في قريشٍ إذا ما حصّل الحسب التليدُ فما مثلي تهكّم يا ابن حربٍ ولا مثلي ينهنهه الوعيدُ فمهلاً لا تهيج بنا اُموراً يشيب لهولها الطفل الوليدُ 5 ـ وله (عليه السلام) في الاستغناء عن الناس : اغنَ عن المخلوق بالخالقِ تغنَ عن الكاذب والصادقِ واسترزقِ الرحمن من فضله فليس غير اللّه بالرازقِ من ظنّ أنّ الناس يغنونه فليس بالرحمن بالواثقِ من ظنّ أنّ الرزق من كسبه زلّت به النعلان من حالقِ.

 


source : www.abna.ir
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

كرامات الإمام الحسن ( عليه السلام )
شهادة الإمام الحسن ( ع ) ودفنهُُ
شعر الإمام الحسن ( عليه السلام )
أدعية الإمام الحسن ( عليه السلام )
علم الإمام الحسن ( عليه السلام )
في ذكری‌ ميلاد الإمام الحسن المجتبی (ع)‌
مواقف شجاعة للإمام الحسن ( عليه السلام )
إمامة الإمام الحسن ( عليه السلام )
كرم الإمام الحسن ( عليه السلام )
صلح الإمام الحسن ... الأسباب .. الأهداف

 
user comment