عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

صلح الإمام الحسن ... الأسباب .. الأهداف

 تكمن أهمية صلح الإمام الحسن(عليه السلام) تاريخياً، في أنّه شكّل منعطفاً كبيراً في مسيرة الدولة الإسلامية، وفي أنّه أعلن عن بداية مرحلة جديدة في حركة الأمّة، وفي أنّه أظهر الخط الثاني القائم على أساس تتبع مسيرة الأمّة من زاوية المعارضة.

وتكمن الأهمية كذلك من الناحية العلمية، في أنّه قدّم للمسلمين تجربة غنية قامت على أساس التصدي لانحراف اجتماعي خاص.

ولكن ورغم هذه الأهميّة فإنّ الصلح لم يحظ باهتمام كاف من قبل المؤرخين؛ وغالباً ما نجد أنّ مرورهم على هذا الحدث الهام لم يكن مروراً معمّقاًً، وتتبعهم له لم يكن كاملاً شاملاً، هذا فضلاً عن أنّ الروايات التاريخية قد نقلت بعض جوانبه، وتركت جوانب أخرى؛ فكوّنت في النتيجة صورة ذات ملامح متفرقة، لا تنمّ عن الحقيقة كاملةً..

من هنا حاولت في هذه الدراسة، بواسطة مسح بعض المصادر التاريخية المهمة، علاج جوانب الخلل في المعالجات السابقة، بالإضافة إلى دراسة الصلح من منطلقات غير عقيدية؛ لأنّ دراسته من الزاوية العقيدية لها جوابها القاطع القائم على أساس سيرة المعصوم(عليه السلام)، فاستندنا إلى الدراسة التاريخية لأنّها دراسة ذات بعد علمي مرن، يفسح المجال للتعامل مع الآخر بصورة أفضل، خصوصاً ذلك الذي لا يؤمن بعصمة الإمام الحسن (عليه السلام) وإمامته؛ فلهذا اتّخذ الباحث المصادر غير الشيعية تحرّزاً من الوقوع في اتهام الآخر له بالتعصب واللاموضوعية.

 البلاد الإسلامية:

 استناداً للمصادر التاريخية فإنّه وفي أواخر عهد عثمان، تفاقم الصراع الداخلي بصورة واضحة؛ ممّا أدّى إلى قتله في النهاية، ولم يتوقّف هذا الصراع، لكنّه اتّخذ أشكالاً أخرى من حروب وتمردات عسكرية، وصراعات على النفوذ والمواقع استمرت حتى أثّرت على تولي الإمام الحسن(عليه السلام) للخلافة بعد استشهاد أبيه(عليه السلام).

ولا نريد هنا دراسة جذور هذا الصراع ولا وضع عثمان، بل الذي نريده هو وصف الحال التي كان عليها المسلمون في فترة تولي الإمام الحسن(عليه السلام) للخلافة.. ومن الواضح أنّ البلاد الإسلامية لم تنحصر بالمصرين، البصرة والكوفة اللتين مثّلتا قلب الأحداث، بل هي أوسع من ذلك، ولذا فإنّ حدوث أيّ اختلال في تلك البقاع، من الناحيتين السياسية والاجتماعية، يمكن أن يترك تأثيراً بالغاً على الدولة الحاكمة، ويمكن لنا أن نحدد صورة إجمالية عن أوضاع الأمّة - آنذاك - عن طريق ما نقله المؤرخون عنها، حيث يمكن أن نصل إلى أنّها كانت داخلة في خضّم وضع متأزم ودوران على الذات، وعدم اتحاد أفق وولاء فيما بينها.

فقبيل استشهاد الإمام علي (عليه السلام) أرسل معاوية جيشاً بقيادة بسر بن ارطأة إلى الجزيرة العربية، فقام بارتكاب مجازر في اليمن، كما أنّ الناس قد اجتمعوا على أبي هريرة في المدينة المنورة وبايعوه، وأنّ أهل مكّة وقعوا في اضطراب وتخبط، ولم يهدأوا إلاّ تهيباً من جارية بن قدامة السعدي القائد الذي أرسله الإمام علي(عليه السلام) لمواجهة بسر وما أحدثه من فوضى.

أمّا بلاد فارس فإنّ واليها زياد بن أبيه استولى على ما في بيت المال هناك.. وهذا هو حال غير واحد من ولاة البلدان الإسلامية البعيدة.

أمّا مصر فإنّ الأمر قد تفاقم فيها بعد أن قتل عمرو بن العاص واليها محمد بن أبي بكر، واغتيال مالك الأشتر الوالي البديل وهو في الطريق إليها، وغير ذلك من الأحداث.

 الإمام الحسن(عليه السلام) وموقف الأمّة:

 بويع الإمام الحسن(عليه السلام) للخلافة بعد استشهاد أبيه أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وقد كان ذلك بترشيح من قبل قيس بن سعد بن عبادة في أشهر الروايات، وفي رواية أخرى عبد الله بن عباس.

ويلفت النظر تأكيد بعض المؤرخين على أنّ الإمام علياً(عليه السلام) لم ينصّ على الحسن (عليه السلام)، رغم أنّ هناك قرائن تشير إلى أنّ المقرّبين من الإمام علي (عليه السلام) كانوا قد تحركوا وفق علمهم بوجود النصّ، كما هو الحال بالنسبة لعبد الله بن عباس، وقيس، وحجر بن عدي، وسليمان بن صرد، وآخرين؛ وهذا هو أحد جوانب الغموض الذي يكتنف مصادر التاريخ.

وعندما تسلّم الإمام الحسن(عليه السلام) زمام الخلافة في أعقاب سلسلة أحداث ما قبل عهده، كان أبرزها استشهاد والده الإمام علي (عليه السلام) الذي أحدث فراغاً في حركة الأمّة وتطلعاتها، ورغم كون الإمام الحسن (عليه السلام) من ناحية المؤهلات الذاتية قادراً على سد الفراغ فإنّ الأمّة لم تلتفت إلى هذه الأهلية في فترة قصيرة؛ ولذا نجد أنّ الفترة التي حكم فيها الإمام (عليه السلام) لم تكن طويلة، إضافة إلى أنّها شهدت حملة إعلامية قوية ضدّه من قبل معاوية.

فقصر مدّة حكم الإمام الحسن (عليه السلام) في الخلافة، والإعلام المضاد، وسوء تعامل الأمّة مع أهليته - وهي النقاط التي سنفصلها لاحقاً - تسبب في حدوث ضبابية وعدم وضوح رؤية في منظار الأمّة لقائدها:

هذا إضافة إلى أنّ الأحداث التي وقعت قبل الصلح، وتلك التي اقترنت معه وبعده، توضّح لنا نقطة هامة جداً هي أنّ الأفق لم يكن متّحداً تماماً بين الخليفة وأمّته.

ولو استقرأنا الأحداث فإنّا سوف نجد:

1- عندما خطب الإمام الحسن بعد بيعته قال: ((تسالمون ما سالمت، وتحاربون ما حاربت))، وذلك كشرط لقبول تسلم الخلافة، نجد أنّ المجتمع قد تعامل مع هذا الشرط تعاملاً سلبياً؛ فيرى الطبري أنّ الأمّة ارتابت (لأنّه لا يريد الحرب) ، في حين أنّ ابن الأثير قد نقل أنّ ارتياب الأمّة كان لأنّه أراد الحرب.

2- إنّ ابن عباس قد هرب والتحق بمعاوية، والطبري نقل أنّ الهارب هو عبد الله، أمّا ابن الأثير واليعقوبي فإنّهما نقلا أنّه عبيد الله، ويضيف اليعقوبي على هذا أنّ ثمانية آلاف من الجنود قد التحقوا معه بمعاوية.

3- لقد أشيع في قوات قيس الأمامية أنّ الإمام الحسن(عليه السلام) قد صالح، وأشيع في قوات الإمام الحسن(عليه السلام) مصالحة قيس، رغم عدم حدوث هذا

4- في الوقت ذاته أرسل معاوية للاجتماع مع الإمام الحسن(عليه السلام) جماعة فيهم المغيرة بن شعبة، وعبد الله بن عامر بن كريز، وبعد أن خرجوا من الاجتماع أشاعوا في الجيش مصالحة قائدهم رغم أنّ هذا لم يحدث.

هنا يتوقف اليعقوبي عن سرد الأحداث، وينقل أنّ الصلح قد أبرم بعدها، فقد وصل إلى قمّته وطعن الإمام الحسن، وبوصول معاوية إلى العراق اضطر الإمام(عليه السلام) للصلح.

5- يضيف الطبري أنّ الصلح قد جاء بعد أن أشيع في الجيش مقتل قيس بن سعد.

وإذا ما لاحظنا سلسلة الأحداث هذه فسنرى أنّ حالة التمرد وعدم الطاعة كانت مبطنة في واقع الأمّة و(لا شعورها)، وإنّ ذلك كان سبباً في الفوضى وتفاقمها..

ولكن ما هو السبب الذي دفع الأمّة إلى التمرد على قائدها، وبالصورة المتقدمة؟!.

وللجواب على هذا السؤال، نطرح عدة احتمالات:

أ) أنّ يكون السبب هو علم الأمّة بأنّ قائدها سيصالح وذلك بحسب تصورها، وهذا الافتراض يقود إلى افتراض آخر هو أنّ الأمّة كانت رافضة لمصالحة معاوية، وتريد الحرب معه، على أية حال، ولهذا تمردت.

غير أنّ افتراض مثل هذا الأمر صعب لمن يلاحظ الروايات التاريخية، ومنها رواية ابن الأثير السابقة التي ذكرت ارتياب الأمّة لأنّها لم ترد الحرب، ورواية أخرى له تذكر أنّ الأمّة عندما خيرها قائدها بين الحرب والسلم اختارت السلم قائلة: (البقية البقية! )  ، وكذلك رواية ابن أبي الحديد التي تقول إنّ دعوة الإمام الحسن للناس إلى القتال قد قوبلت بالسكوت، وعدم الاستجابة إلاّ أنّ تحريض جماعة، منهم عدي بن حاتم، هي التي أدت إلى الاستجابة والموافقة على الحرب.

وكذا ما نقله الطبري من أنّ قوات قيس الأمامية قد اختارت الدخول في طاعة معاوية، بعد أن خيّرهم بين الحرب والدخول في طاعته.

وكذلك لو لاحظنا كلمات للإمام علي (عليه السلام) وهو يخاطب الأمّة نفسها التي كانت مع الإمام الحسن(عليه السلام) لرأينا أنّ هذا الاحتمال بعيد؛ إذ يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): ((أوليس عجباً أنّ معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه، على غير معونة ولا عطاء، وأنا أدعوكم وأنتم تريكة الإسلام وبقية الناس إلى المعونة، وطائفة من العطاء فتفرقون عنّي، وتختلفون علي؟! إنّه لا يخرج إليكم من أمري رضى فترضونه، ولا سخط فتجتمعون عليه)) .

ب) إنّ المجتمع الكوفي كان يرى الإمام الحسن (عليه السلام) غير قادر على الحرب، لكنه راغب بالقضاء على معاوية وغير قادر على تحمل مسؤولية ذلك، وذلك للإرهاق والتعب الذي أصابه من جراء حروب ثلاث في سنوات أربع.

من هنا نجد أنّ الإمام الحسن وعندما جاءه حجر رافضاً الصلح - كما يروى - خاطبه قائلاً: ((يا حجر ليس كل الناس يحب، ما تحب، ولا رأيه كرأيك)) .

فالحرب بناء على هذا الاحتمال كانت غير محببة لدى عموم المجتمع المسلم، لأنّ الأمر ليس أمر إسلام وحسب، وليس مجرد رغبة في القضاء على معاوية، بل هو يشكل لحظة حاسمة هي الحرب التي تحتاج إلى إرادة داخلية صلبة.

من هنا سيكون التمرد حاصلاً من جراء الخوف من الدخول في معركة جديدة لا يريدها الناس، فحصل التمرد كرد فعل للإعداد الذي قام به الإمام الحسن (عليه السلام) للحرب؛ إذ إنّ قيام الإمام الحسن(عليه السلام) بالإعداد للحرب، إضافة إلى الأحداث التي عاصرت عملية الإعداد هذه، من قبيل الإعلام المضاد، والارتباك الذي حصل في القوات الأمامية بسبب هروب ابن عباس، وقيام بعض أعداء الإمام(عليه السلام) بإشاعة الفوضى داخل الجيش وغير ذلك من الأمور قد أدت إلى وقوع التمرد.

ج) إنّ الأمّة لم تكن تريد استمرار الإمام الحسن (عليه السلام)؛ وهذا خوفاً من استمرار السياسة الداخلية للإمام علي (عليه السلام) القائمة على أساس العدل والحزم وتطبيق الحدود، وخوفاً من استمرار السياسة الخارجية له القائمة على أساس تطهير البلاد من ولاة السوء، السياسة التي تحتاج إلى الحروب خصوصاً مع معاوية.

هذه ثلاثة احتمالات حول قضية التمرد، والذي يبدو هنا - وفقاً لهذه الاحتمالات - أنّ ذلك المجتمع كان ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الصنف الذي كان يريد الحرب ضد معاوية راغباً بها، وطالباً لها، ورافضاً مصالحته.

القسم الثاني: الصنف الذي كان يريد الإمام الحسن (عليه السلام) ويرغب فيه وفي القضاء على معاوية، ولكنّ حالة الخوف والإرهاق من الحروب أدّت إلى عدم ثباتهم؛ بناءاً على التفسير المتقدم في الاحتمال الثاني، هذا الصنف كان يمثل عامة أهل الكوفة.

والقرينة على حب الناس للإمام الحسن (عليه السلام) هي أنّه عندما خطب في المسجد خطبته الوداعية لأهل الكوفة، وحينما أراد العودة إلى المدينة، تعاملوا مع هذا الموقف بحزن شديد، فيقول ابن الأثير والطبري أنّه قد بكى كل من في المسجد حتى لم يبق أحد إلاّ وسمع نحيبه.

لكن هذا الحب أمر آخر لا يعني الثبات وعدم الخوف، فكم من أمّة خذلت قائدها رغم حبها له، وكم من أمّة قتلت رجالها وهي تعرف حقهم تمام المعرفة.

القسم الثالث: الصنف الذي كان معادياً للحسن أصلاً أو رافضاً لبقائه، وهو موقف القليل من أهل الكوفة، لكن تأثيرهم كان كبيراً.

الأعداد للحرب:

 ما تقدم من روايات تاريخية يدل دلالة كافية على أنّ الإمام(عليه السلام) كان في طور تهيئة المقدمات الأساسية للحرب؛ ذلك أنّ هذه الروايات لم تحدثنا عن أنّه سار للصلح وأعدّ العدة له، بل كان الإعداد كله للحرب والقتال.

فما حمله خطابه(عليه السلام) هو خيار الحرب، وإرسال قوات بقيادة قيس بن سعد وابن عباس في اثني عشر ألف مقاتل إلى الجبهات الأمامية، وإقامته بمعسكر النخيلة مع الباقين من جيشه.. كلّ هذه الأمور تصب في الحرب لا في السلم.

فادعاء البعض أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) كان يريد الصلح هو مجرد حكم فاقد لأيّ مبرر موضوعي؛ لأنّ الصلح كخيار إنّما فرض نفسه فيما بعد، ولوقع الظروف المسببة له، إضافة إلى ما يمكن أن تتركه الحرب من تداعيات خطيرة سوف نشرحها لاحقاً.

لكن هناك ثلاث روايات فقط يمكن أن يستفاد منها إرادة الصلح، إلاّ أنّ هذه الروايات معارضة بروايات أخرى كثيرة، وهي مناقشة بأكثر من وجه، وهذه الروايات هي:

الأولى: ما تقدم من رواية الطبري التي قال فيها أنّ جيش الحسن (عليه السلام) قد ارتاب من خطابه لأنّه ذكر السلم، وهذه الرواية مردودة من وجوه:

أ) قد يكون موقف الارتياب نتيجة وجود من أراد زعزعة الموقف من القسم الثالث المعادي للإمام الحسن(عليه السلام).

ب) إنّها معارضة برواية ابن الأثير المتقدمة، والتي نصت على أن ارتيابهم كان بسبب اعتزامه الحرب، كما أنّها معارضة بروايته التي نصت على اختيار السلم من قبل الأمّة عندما قالوا: (البقية.. البقية..! ).

ج) إنّ من حق أيّ قائد أن يحسب للسلم حساباته كما يحسب للحرب؛ خصوصاً وأنّ المرحلة التي ألقي فيها الخطاب كانت في سياق أحداث كانت تصبّ مصبّ إرادة السلم من قبل الأمّة، فكأنّه أراد تذكيرهم بموقفهم مع أبيه(عليه السلام)، حيث خالفوه عند الحرب، وخرجوا عليه بعد التحكيم؛ فهم لم يطيعوه لا في الحرب ولا في السلم.

وهذا المعنى أشار إليه ابن أبي الحديد، حيث نقل خطاباً للإمام الحسن(عليه السلام) ذكرهم فيه بهذا الموقف.

الرواية الثانية: ما نقله كل من الطبري وابن الأثير من أنّ ابن عباس إنّما هرب إلى معاوية وطلب الأمان لنفسه؛ لعلمه أنّ الإمام الحسن سيصالح.

وفي هذه الرواية ما يلي:

أ) إنّ هذه الرواية ذكرها الطبري فحسب، وإنّ ابن الأثير إنّما نقلها عنه.

ب) اختلف رواة هذه الرواية من جهة أنّ الرواية عند الطبري تقول إنّ الذي هرب هو عبد الله، أمّا ابن الأثير فرغم أنّه نقل الرواية عنه إلاّ أنّه ذكر أنّ الهارب هو عبيد الله، والظاهر أنّ ذلك لأجل ظنه بأنّ عبد الله كان في المدينة آنذاك.

ج) إنّ مفاد هذه الرواية يعارض بروايات أخرى أقوى منها ومرجحة لدى ابن الأثير وكذا اليعقوبي؛ وذلك لأنّ هذه الرواية تنقل أنّ القائد كان ابن عباس في حين أنّ تلك الروايات تنصّ على أنّ قيساً كان هو القائد.

د) كما أنّها مخالفة لروايات أخرى في سبب هروب ابن عباس؛ حيث أنّ هناك روايات تنصّ على أنّه إنما هرب لأنّ معاوية قد وعده وعوداً أثارت أطماعه، وأنّ الذي حدّثه بأنّ الحسن سيصالح هو معاوية، لا أنّه علم ذلك من الإمام الحسن(عليه السلام) نفسه.

ثم إنّ ابن أبي الحديد ينقل أنّ قيساً قد كتب للإمام بعد التحاق ابن عباس بمعاوية: (إنّ الوجوه من قواته تتسلل هاربة إلى معاوية)، فخطب الحسن قائلاً:

((خالفتم أبي حتى حكّم وهو كاره، ثمّ دعاكم إلى قتال أهل الشام فأبيتم، حتى صار إلى كرامة الله، ثمّ بايعتموني على أن تسالموا من سالمني، وتحاربوا من حاربني، وقد أتاني أنّ أهل الشرف منكم قد أتوا معاوية وبايعوه، فحسبي منكم أن لا تغروني من ديني ونفسي)).

هذا النصّ يوضح أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) لم يكن يريد الصلح بدءاً، بل إنّه كان يريد ثبات رجاله لقتال معاوية، وإنّ الخلل الذي وقع في قواته بسبب هروب أعداد منهم إلى معاوية، كان أحد دواعي اضطراره للصلح.

من هنا فنحن لا نجد طريقاً قد أدّى إلى علم ابن عباس إلاّ معاوية، وإخبار معاوية لا يعدو كونه إعلاماً مضاداً من أجل تشتيت رجال الإمام الحسن(عليه السلام) عنه؛ وقد تكون الرواية مجرد تحليل للربط بين الأحداث؛ فكأنّها تنصّ على هروب ابن عباس دون ذكر السبب، في تحليل الراوي من أجل الربط بين الأحداث وإعطاء المبرر لابن عباس كسبب لهروبه.

الرواية الثالثة: ما ذكره بعض المؤرخين من أنّ الإمام الحسن(عليه السلام) قد عزل قيساً لأنّه علم بأنّ الإمام إنّما أراد الصلح.

وتناقش هذه الرواية بنفس ما تقدم، إضافة إلى أنّه قد يكون هذا بعد حدوث الأمور التي اضطرت الإمام للمصالحة، كما أنّ التاريخ يحدثنا أنّ قيساً قد بقي قائداً حتى بعد الصلح وأنّه تمرد على معاوية لاحقا،ً رافضاً الدخول في الصلح.

عموماً فإنّ الملاحظ أنّ هذه الروايات الثلاث تجمع على أمر واحد هو الحكم على أنّ الإمام الحسن(عليه السلام) قد أراد الصلح دون تقديم فعل واحد يدل على إرادته هذه؛ فيمكن أن يكون هذا الأمر مجرد استنباطات اجتهادية وليس رواية تاريخية.

شروط الصلح:

 ما يذكره المؤرخون في هذا الشأن هو صحيفة كتب عليها الإمام الحسن (عليه السلام) شرطه مقابل الصلح، ولم يذكر أيّ من المؤرخين كل ما كتبه عليها، إنّما تعرضوا لبعض ما فيها، إلاّ أنّه يمكن أن نصل إلى عدد جيد من الشروط بتتبع المصادر والتوفيق فيما بينها، ويمكن تقسيم هذه الشروط إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الشروط المتعلقة بالحكم مثل:

1- العمل بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) .

2- أن يكون الأمر من بعد معاوية للحسن ثم الحسين (عليه السلام).

3- أن لا يقضي بشيء دون مشورته.

القسم الثاني: الشروط الأمنية والاجتماعية والدينية:

1- أن لا يُشتم علياً وهو يسمع، أو أن لا يذكره إلا بخير.

2- أن لا ينال أحداً من شيعة أبيه(عليه السلام) بمكروه.

3- أن لا يلاحق أحداً من أهل المدينة والحجاز والعراق ممّا كان في أيام أبيه.

4- أن لا يناله بالإساءة.

القسم الثالث: الشروط المالية:

1- أن لا يطالب أحداً مما أصاب أيام أبيه.

2- أن يعطيه خراج داربجرد فارس.

3- إعطاؤه ما في بيت مال الكوفة.

 لماذا الصلح؟:

 هناك عدة نقاط جوهرية يمكن أن تشكل مجتمعة السبب الأبرز لاختيار الإمام الحسن(عليه السلام) الصلح، فالملاحظ - بناءً على ما تقدم من روايات تاريخية - هو أنّ حالة الفوضى واللا استقرار الاجتماعي والسياسي كانت سائدة في البلاد الواقعة تحت حكم الخلافة المركزية في الكوفة، كالبصرة ومكّة والمدينة واليمن وفارس ومصر وغيرها من البقاع، هذا بخلاف الشام الواقعة تحت حكم معاوية، ومن الواضح أنّ لعدم الاستقرار في بلاد الخلافة الشرعية أسبابه الممتدة إلى عهد سابق وهو عهد عثمان، في حين أنّ الاستقرار في الشام يعود إلى وحدة الحكومة عبر سنوات؛ إذ الحكم هناك كان من نوع واحد وعلى سياق واحد لعقود ثلاثة.

والملاحظ كذلك أنّ الأمّة بدأت تميل إلى الدعة والراحة وتخاف الحرب لأنّها شهدت حروباً ثلاث في غضون أربعة أعوام، وكانت إضافة إلى تلك الحروب تعيش في ظل حكم يتميز بالعدالة الصارمة والمساواة التي لم يرض بها كثير من وجوه الأمّة المؤثرين، إضافة إلى الحرب الإعلامية التي كان يشنّها معاوية منذ اليوم الأول من خلافة الإمام علي(عليه السلام) والمطالبة بقتلة عثمان كورقة إعلامية، ومروراً بحرب صفين، ورفع المصاحف، وانتهاءً بإشاعة الخوف في صفوف قوات الإمام الحسن (عليه السلام)، والإشاعة الكاذبة بأنّ الإمام الحسن(عليه السلام) قد صالح قبل الصلح بفترة.

هذا إضافة إلى أنّ الثقل الأكبر ممن كان يعتمد عليهم الإمام علي(عليه السلام) في صراعه ضدّ معاوية لم يكن موجوداً في عهد الإمام الحسن(عليه السلام)، ومن الواضح أنّ وجود هكذا رجال يلعب دوراً بارزاً في مثل هذا الصراع.

هذه الأمور تكشف عن أنّ الظروف لم تكن في صالح الحرب؛ فاحتمال الانتصار العسكري كان أضعف الاحتمالين في مثل هذه الحالة، ويمكن أن نستشف هذا المعنى من قول الإمام الحسن(عليه السلام) لسليمان بن الصرد: ((فوالله لو سرنا إليهم بالجبال والشجر ما شككت أنّه سيظهر))، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ وقوع الهزيمة في معركة كهذه هو أقوى الاحتمالات، ويمكن أن يكون له تداعيات خطيرة وانعكاسات سلبية:

أولاً: إنّ الهزيمة ستؤدي إلى تهديم البنية الداخلية التي شادها الإمام علي(عليه السلام) في الكوفة، حيث أنّ ما قام به كان حصيلة جهد سنوات قليلة من الحكم، ولم تكن هذه السنوات سنيناً طبيعية إنّما كانت سنين حرب يحكمها اللااستقرار الاجتماعي، فجهود في مثل هذه الظروف وفي مدة قصيرة مهما كانت كبيرة، لا يمكن أن تكون منتجة لبنية واسعة الإطار، فجهوده(عليه السلام) كانت قد أنتجت ما يمكن أن تنتجه في مثل هذه الحالة، فخرج منها ثلة من الناس معدة بصورة جيدة.

فلو حصلت الهزيمة العسكرية لقضي على هذه الثلة، التي كانت تتجمع في قوات الإمام الحسن(عليه السلام).

هذا المعنى نجده في أكثر من كلام للإمام الحسن (عليه السلام)، فعندما لامه سليمان بن صرد الخزاعي، خاطبه قائلاً:

((وأمّا قولك يا مذلّ المؤمنين، فوالله لأن تذلوا وتعانوا أحبّ إليّ من أن تغروا وتقتلوا)) ، ويوم خاطب حجر - وقد كان مريداً للحرب مع معاوية -: ((يا حجر ليس كل الناس تحب ما تحب، ولا رأيهم كرأيك، وما فعلت إلا إبقاءً عليك)) .

ثانياً: إنّ الإمامين الحسن والحسين(عليه السلام) وبعد مرور أكثر من ثلاثين سنة على وفاة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كانا يمثلان المركز المحوري الذي يربط الأمّة بالدين، وهذا لا يشكّ به أحد، فكلّ الشخصيات الأخرى من ناحية المؤهلات الذاتية لم تكن قادرة على أداء ما أدياه، والهزيمة ستؤدي إلى القضاء عليهما معاً؛ لأنّ معاوية لا يتركهما إذا انتصر، مما سيؤدي إلى ترك الأمّة بدون مركزية دينية قوية.

ثالثاً: إنّ خلّو الساحة لمعاوية - الأمر الذي سيصدر عن الحرب - يعني إبقاءه بدون رادع، ممّا يعني تعريض الإسلام من الناحيتين النظرية والتطبيقية لتحريف كامل، في حين أنّ الصلح قد أفسح المجال أمام شخصيات تردع معاوية، حيث تصدى طيلة فترة حكمه وما بعدها أشخاص لسياسته وتصرفاته؛ فقد تصدّى الإمام الحسن(عليه السلام) نفسه مراراً لسبّ الإمام علي (عليه السلام)، وكذا حجر وعمرو بن الحمق الخزاعي وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر والأحنف بن قيس، بل وموقف أهل الكوفة في عهدي المغيرة وزياد وكذلك البصرة في عهد الأخير، أو موقف المدينة من تعيين يزيد خليفة، وثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، وثورة المختار، وحركة سليمان بن صرد وغيرها..

رابعاً: كان هناك خطر خارجي كبير محدق على الحدود الشمالية للدولة الإسلامية، من جهة الرومان الذين كانوا ينوون شنّ هجومهم على البلاد الإسلامية، فبالحرب ستضعف الدولة الإسلامية وينهار نظام الحكم فيها سواء انتصر الإمام الحسن(عليه السلام) أم لم ينتصر؛ هذا الأمر سيعطي الرومان حافزاً لأن يعيدوا الكرة على البلاد الإسلامية خصوصاً وأنّها تضم القدس الشريف وبقية البلدان التي عاش فيها السيد المسيح(عليه السلام).

 

أهداف مصيرية:

 

رغم أنّ الصلح قد أدّى إلى تولي معاوية أمور الحكم وإقصاء الإمام الحسن (عليه السلام) عنها، إلاّ أنّه قد وفّر على الإمام الحسن (عليه السلام) ما يمكن أن يخسره في حربه، كما تقدم، فقد تكون آلة الرئاسة أكثر فاعلية في الإعداد والتربية، إلاّ أنّ هذا لا يعني عدم وجود طرق أخرى فيها الكثير من الفاعلية.

فالإمام علي (عليه السلام) عندما توقف عن الدخول في صراع مع الآخرين ليسترد الخلافة حفاظاً على الوجود الإسلامي، قد ترك الأمّة تختار بنفسها وتكشف الحقائق وحدها، حتى عادت إليه وهي مختارة ومقتنعة بكفاءته بعد أن ذاقت مرارة تولي غيره أمور الخلافة.

وبنظرة متأملة في صلح الحديبية يتضح لنا، أنّ في صلح الإمام الحسن أبعاداً تشابه أبعاد ذلك الصلح؛ حيث أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أجّل الحرب عشر سنوات وأخّر فتحه للبلدان بما في ذلك مكّة، ووافق على تأجيل الحرب إلى عام قادم وبدون سلاح، مع أنّ المشركين اشترطوا عليه إعادة كل هارب منهم.

ولهذا العمل أبعاد منها:

1- إراحة المسلمين من الحرب فترة طويلة إذا التزم المشركون بالصلح.

2- اختبار المسلمين؛ حيث أبدى جمع منهم رفضهم للصلح.

3- فضح المشركين؛ فإنّ بعض المسلمين قد اغترّ بما يدّعيه المشركون من إرادة السلم.

4- إعادة إعداد المسلمين؛ حيث أنّ الإعداد في حال الحرب أقلّ مستوى منه في حال السلم.

وبملاحظة صلح الإمام الحسن(عليه السلام) نجد أنّه يتشابه في هذه الأبعاد من الناحية الجوهرية؛ فهو يحتوي وبحسب الظاهر على الأبعاد التالية:

أولاً: نقل المسلمين من وضع اللاإستقرار المادي والفكري، والروحي الناتج عن الحرب إلى حالة الهدوء، حتى لا تشغلهم الحرب عن التفكير في حياتهم، وحركتهم ودورهم لفترة ما، وقد يكون الإمام عنى هذا عندما قال: ((حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر)) .

ثانياً: إيجاد الأرضية المناسبة لزيادة الوعي الديني لدى الجيل الذي ينشأ في فترة اللااستقرار منذ بداية الفتن، وكذا لدى الأفواج التي دخلت الإسلام في تلك الحقبة.

ثالثاً: التصدي لأعمال معاوية، وفضح نواياه وأطماعه، وإبطال إعلامه المضاد؛ مثلاً: عندما عمد إلى سنّ تلك السنّة السيئة بسبه الإمام علي(عليه السلام)، ورواية الأحاديث المزيفة ضده، والمنع عن رواية فضائله، نجد أكثر من مسلم قد تصدّى له، فقد تصدّى الإمام الحسن(عليه السلام) نفسه له وكذلك فعل حجر وعمرو بن الحمق وعبد الله بن عباس وأمثالهم.

ومثلاً: في مسألة تنصيب يزيد لولاية العهد ومن ثمّ الحكم، نجد مواقفاً واضحة قد اتخذت حتى قبل موت معاوية، من قبل عبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر والأحنف بن قيس، بل وموقف أهل المدينة، كلّ هذا، إلى أن انتهى الأمر إلى ثورة الحسين(عليه السلام) التي زلزلت العرش الأموي. بل إنّ معاوية قد واجه معارضة من قبل أشخاص لم يكونوا مع الإمام الحسن(عليه السلام) من أمثال عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير.

رابعاً: إذا نفذ معاوية الشروط المدرجة في الصلح فسيعود الأمر للإمام للحسن أو الحسين(عليه السلام)، وأمّا إذا خالفها - وهو ما وقع فعلاً - فإنّ معاوية سيفتضح، فكثير من الأمّة الإسلامية كان جاهلاً أمر معاوية أو أنّهم لا يعلمون منه الأمور التي تجعلهم لا يرضون به، أو أنّهم كانوا لا يتوقعون منه أن ينزل بهم ظلماً وجوراً سيتمنون معه عودة سيرة الإمام علي(عليه السلام) وشدته في الحق وحرصه على إقامة موازين القسط. إنّ معاوية في فترة حكمه قد عرض نفسه للفضيحة، منذ اليوم الأول وحتى تنصيب يزيد واستشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، وأوضح للأمّة بسلوكه وسياسته أنّ الحرب كانت سبيلاً للقضاء عليه وعلى ظلمه، فقد عرض معاوية المسلمين للظلم والاضطهاد عندما سلّط على أهل الكوفة زياداً فقتل منهم الكثير، وعندما سلّطه على أهل البصرة، حيث أنّ زياداً قد ترك على أهلها بسر بن ارطأة فقتل وفي أيام قليلة آلافاً، وكذلك أهل المدينة عندما نصّب عليهم يزيداً وغير ذلك، فإنّ هذه الأعمال شكلت تصوراً جديداً للأمّة تمثل في ضرورة القضاء على حكم معاوية، وإعادة سيرة الإمام علي(عليه السلام).

كما أنّ سبايا كربلاء عندما دخلوا الشام قد أوجدوا هناك أرضية جيدة لفضح معاوية.

من هنا يلاحظ أنّ الحسن البصري في وصفه لمعاوية يقول: (أربع خصال كنّ في معاوية؛ لو لم تكن فيه إلاّ واحدة لكانت موبقة، انتزاؤه على هذه الأمّة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضل، واستخلافه ابنه بعده سكيراً خميراً.. وادعاؤه زياداً.. وقتله حجراً - ويلاً له من حجر وأصحاب حجر- مرتين)، هذا الفهم والإطلاع على حقيقة معاوية لم يكن واضحاً وكاملاً لو لم يتسلم سدة الحكم.

هذا فضلاً عن خطاب معاوية المشهور بعد الصلح في الكوفة حيث روي أنّه قال: (إنّي لم أقاتلكم لتصوموا وتصلوا، بل قاتلتكم لأتأمر عليكم)، وروي كذلك أنّه قال: (إنّ كل شيء أعطيته للحسن تحت قدمي هاتين) .

بناءاً على هذا فإنّ الصلح كان ضرورة مرحلية ومقدمة أساسية لإعداد آلية عمل جديدة، قد تنتهي إلى استرداد الحكم أو إلى المنع من تدمير الإسلام، بعد أن يكون معاوية قد افتضح تماماً، ولم يبق أي تشويش في رؤية الأمّة. هذا ما يظهر من كلام للإمام الحسن والحسين (عليه السلام) مع سليمان بن صرد إذ قالا له: ((فإنّ يهلك - معاوية - ونحن وأنتم أحياء، سألنا الله العزيمة على رشدنا والمعونة على أمرنا)) .

 الخاتمة:

 بناءاً على ما تقدم يتسنى لنا أن نعلم بأنّ الإقدام على الصلح كان يمثل شجاعة نابعة من حكمة في التعامل مع القضية المصيرية التي هي أهم من الحكم نفسه، وهي الحفاظ على مسيرة الإسلام، وسلامة الأمّة من الانحراف، من هنا فإنّ الوظيفة الشرعية هي التي حكمت على الإمام الحسن(عليه السلام) بأن يصالح؛ وذلك حفاظاً على تلك القضية المحورية التي لابد أن تكون الحرب كما يكون السلم في خدمتها. وإن من السذاجة اتهام الإمام الحسن(عليه السلام) بعدم الشجاعة والميل إلى الدعة، لأنّ القضية لا تدرس فقط من جهة القائد؛ بما أنّ القيادة علاقة تبادلية طرفاها القائد والأمّة، فليس لأحد أن يحكم على القائد إلاّ بعد أن يدرس الأمّة التي حكمها، ولابدّ من معرفة ما إذا كانت الأمّة متّحدة أفقاً مع أفق قائدها؛ إذ يلزم أن تتحد إرادتها ومبادؤها ومنطلقاتها، وكلّ ما تتحرك من خلاله مع إرادة ومبادئ ومنطلقات وحركة قائدها؛ وإلاّ فإنّ تعرضها لأيّ محكّ صعب سيعرضها للفشل.

هذا ما أدركه الإمام الحسن (عليه السلام) ووعاه، ولقد أدرك أنّ أمّته لم تكن أمّته يعتمد عليها عبّر تجربة طويلة عاشها معها، امتدت منذ اليوم الأول لحكومة الإمام علي (عليه السلام) إلى يوم إبرام الصلح. ومثل تلك الآراء لا تعبر عن أي بعد تاريخي، إنّما هي آراء تعبر عن وضع نفسي خاص يتعامل مع القضايا بسطحية، كما عبّر عنها الإمام علي(عليه السلام) بقوله: ((فإن أقل، يقولوا: حرص على الملك، وإن أسكت، يقولوا: جزع من الموت)) .. كما أنّ مثل هذه المسائل ليست مسائل ذوق، إنّما هي مسؤوليات شرعية ومصير أمّة ودين وعقيدة. فالصلح جاء لكي يعيد الأمّة إلى نفسها واختيارها، ويدخلها من جديد في إطار تجربتها الذاتية؛ فهو ضرورة لصناعة المناخ اللازم لتحقيق النهوض الجهادي وتجاوز الذات لدى أمّة فقدت هذه الاستعدادات

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

شهادة الإمام الحسن ( ع ) ودفنهُُ
شعر الإمام الحسن ( عليه السلام )
أدعية الإمام الحسن ( عليه السلام )
علم الإمام الحسن ( عليه السلام )
في ذكری‌ ميلاد الإمام الحسن المجتبی (ع)‌
مواقف شجاعة للإمام الحسن ( عليه السلام )
إمامة الإمام الحسن ( عليه السلام )
كرم الإمام الحسن ( عليه السلام )
كرامات الإمام الحسن ( عليه السلام )
صلح الإمام الحسن ... الأسباب .. الأهداف

 
user comment