عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

المـرأة والأسـرة


في البحث السابق تحدّثنا عن مكانة المرأة وقيمتها الانسانية والاجتماعية، وعن مشاعر ذوي العلاقة من الرجال بها، وعلاقتهم النفسية والسلوكية بشكل عام معها.
ونعود هنا فنتحدّث عن ( المرأة والأسرة)؛ فالمرأة في عرف الاسلام هي قاعدة الأسرة، وحجر الزاوية في بنائها، والقلب الحبيب الذي يفيض بمشاعر الوّد والرحمة والسكينة عليها:
(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكُم مودّة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون). (الروم/21)
فهي مصدر السكينة والطمأنينة والاستقرار النفسي بالنسبة للرجل، وهي مركز الاجتماع والالتقاء الذي يحمي الإبناء من الضياع والتشريد، وهي منبع الحنان والودّ والرحمة لكلّ من الزوج والأنباء لذا كانت الأسرة ضرورة نفسية واجتماعية وقانونية وتنظيمية، لأنّها الوحدة البنائية، واللبنة الأساسية في بناء المجتمع والدولة والحياة الانسانية.
وكلّما صلحت الأسرة وقوي بناؤها وأحكمت أواصر العلاقة بين أفرادها كلّما كان المجتمع سليماً، والحياة نظيفه خالية من الجريمة والتعاسة والشقاء النفسي، والعكس صحيح تماماً، فكلّما انهارت الأسرة، وتقطعت الأواصر بين أفرادها، كلّما حلّ التشردّ والضياع، والاحساس بالوحشة والغربة
والكآبة، وفقد الانسان عبقات الحبّ، وغاب من دنياه الاحساس بالعطف والحنان، وكلّ الدراسات النفسية والاحصاءات العلمية تؤيدّ هذه الحقيقة، وتؤكّد أن سبب الضياع والجريمة وانهيار الشخصية عند الكبار يعود بشكل أساس إلى التعاسة التي عاناها الطفل في ظلّ الأسرة، أو عندما عانى التشرّد وفقدان الحنان ورعاية الأبوين.
من هنا كانت الأسرة ضرورة اجتماعية ونفسية وغريزية وتنظيمية، واقتصادية، ومؤسسة تربوية، وليست ظاهرة اقتصادية كما تدّعي الماركسية ( الشيوعية)، التي نادت بالاباحية، وهدم الزواج الشرعي، وتدمير الأسرة، وبررت هذا الهدم وهذه الاباحية بفلسفتها التي فسّرت بها التاريخ ونشأة المجتمع والأسرة، فادّعت أن المرأة لجأت إلى الرجل بدافع اقتصادي، إذ كانت المرأة ضعيفة لا تقوى على الصيد ومصارعة الطبيعة القاسية، عندما كان الانسان يعايش هذه الحياة، لذلك لجأت إلى الرجل لتعيش معه، مقابل توفير حاجاتها المعاشية وحمايتها‍! أمّا في العصر الحاضر وبعد أن أصبح بإمكان المرأة أن توفّر حاجاتها المعاشية بنفسها، فلا حاجة للاسرة، ولا ضرورة للزواج، وبإمكان كلّ من الرجل والمرأة أن يشبع غريزيه الجنسية من الآخر بعيداً عن مستلزمات الأسرة وشروط الزواج - تماماً- كما تشبع الحيوانات الأخرى غرائزها الجنسية !!!
وتعتبر الشيوعية هدم الأسرة ضرورة من ضرورات الانتقال إلى المجتمع الشيوعي، الذي يقوم على أساس هدم الدولة والدين والاسرة والملكية الخاصّة والعودة الى الاباحية، والمشاعية في النساء والممتلكات، كما كانت في بداية ما قبل الحياة الاجتماعية كما تدّعي، وقد جاءت هذه الدعوة صريحة في البيان الشيوعي الذي أصدوه ( ماركس وأنجلس) زعيما الشيوعية، ومؤسسا النظرية:
[ هدم العائلة! حتّى أشدّ الراديكاليين تطرّفاً تسخطهم نيّة الشيوعيين هذه، الفاضحة المرذولة، ولكن على أيّة قاعدة ترتكز العائلة البرجوازيّة في الوقت الحاضر؟ انّها ترتكز على رأس المال والربح الفردي، وهي بكامل كيانها وتمام بنيانها ليست وموجودة إلاّ عند البرجوازية فقط. ولكن تتمتها هي الالغاء القسري للعائلة بالنسبة للبروليتاري (33) ثم البغاء العلني. إن العائلة البرجوزاية تضمحلّ طبعاً باضمحلال تتمتها هذه، وكلتاهما: العائلة البرجوزاية وتتمتها تتلاشيان بتلاشي رأس المال.
أتأخذون علينا اننّا نريد القضاء على استثمار الأبناء من قبل أهلهم وذويهم؟إن كان كذلك فنحن نعترف بهذه الجريمة!!وتزعمون أننا نحطّم أقدس الأواصر والصّلات بابدالنا التربية في العائلة بالتربية في المجتمع] (34).
فها هما ماركس وأنجلس صريحان في الدعوة الى هدم العائلة وقطع الصّلات الأبويّة بين الأبناء وآبائهم، وتدمير صلات الرحم والقرابة بسبب الاباحيّة وانعدام العلاقة الزوجية المشروعة، وتحميل المجتمع- أي مؤسسات الدولة- تربية الطفل بعد أن تلقي به أمّه بلا أب شرعي معروف.
وبسبب من هذا الفهم الخرافي، والتصوّر المخالف لنظام الفطرة وقانون الحياة، فشلت الشيوعية في العالم، وبدأت تتراجع، وتنكمش، وبدأت الدول التي تنادي بتطبيق النظرية- الدول الاشتراكية: الصّين وروسيا والدول الاشتراكية التابعة- تواجه المشاكل والصعوبات عندما أرادت التطبيق، فقد اصطدمت بالرفض والمقاومة ولم تستطع كلّ وسائل الارهاب والدكتاتوريّة إرغام الشعوب الواقعة تحت السيطرة الشيوعية على قبول هذه المبادئ الخرافيّة وتنفيذها.
وليست الشيوعية وحدها هي التي دعت إلى الاباحية الجنسية، بل وفي الحضارة المادّية الرأسمالية نشأت فلسفات تحمل نفس الفلسفة والمفهوم الجاهلي عن الجنس والمرأة والزواج مع اختلاف في كيفيّة التفسير، فبدلاً من التفسير الاقتصادي الذي قدّمته الماركسية لتفسّر به نشوء الأسرة والعلاقة الزوجية وسائر نشاطات الانسان الأخرى، قدّم فرويد- هو من أبرز علماء النفس في الحضارة الرأسمالية- تفسيره الجنسي لنشوء الأسرة والمجتع النشاط الانساني بأسره.
وانتهت النظريّتان إلى النتيجة ذاتها، رغم اختلاف المنطلق، وقبح التفسير.
فهذا فرويد يرى أنّ غريزة الجنس هي الدافع الوحيد لبناء الأسرة، والضرورة الوحيدة لتكوين العلاقة
بين الرجل والمرأة (35).
وليست هذه النظرية هي الدعوة الوحيدة للاباحية الجنسية في الحضارة الرأسمالية، بل وهناك دعوات ونظريات ماديّة إباحية تدعو إلى نفس الفلسفة والأفكار.
لذلك نشاهد الاتجاه في هذه الحضارة يسير نحو الاباحية وهدم الأسرة وفكّ روابطها، والاكتفاء بالاشباع الجنسي بأيّة طريقة كانت، ولو عن طريق اللواط أو الحيوانات والوسائل الصناعيّة . وقد مرّت علينا آنفاً أرقام وإحصائيات تشهد بذلك.
أمّا الاسلام العظيم فيرى الأسرة هي خليّة البناء الأساسية في هيكل المجتمع، وانّها تقوم على اُسس فطرية تكوينية، ونظام متقن، فهي حاجة لا يستغني الفرد والمجتمع عنها، وان هدم العائلة معناه هدم القانون الطبيعي للحياة الاجتماعية.
فالانسان بطبيعته يحتاج إلى الأنس بالآخرين والاجتماع معهم، وإن بين الرجل والمرأة عملية تكامل نفسي، هي غير الاشباع الغريزي، يُسبّب فقدُها الشعور بالوحشة، والاحساس بالقلق والتوتّر والألم النفسي، عند كلّ واحد منهما، ولا يمكن التعبير عن هذه المشاعر، مشاعر الحبّ والشوق إلى الجنس الآخر، والتخلّص من الآثار النفسية المؤلمة عن طريق الاشباع الغريزي وحده، كما تصوّر المفاهيم المادية والنظريات الاباحية ذلك.
وقد صوّر القرآن الكريم هذه الأسس النفسية، والدواعي الفطرية لبناء الأسرة بقوله:
( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكُم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).(الروم/21)
(هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها). (الأعراف/189)
لذلك نشاهد كلّ دعوات هدم العائلة، والتركيز على الجانب الغريزي قد تراجعت إلى الوراء، وسجلت فشلها لتشهد بعظمة القانون الإلهي، وتفاهة الاتجاهات الجاهلية المعاكسة.
فالشيوعية التي كانت تعتبر العائلة مظهراً من مظاهر المجتمع البرجوازي، ونادت بهدمها وكرّست لذلك كلّ جهودها، اضطرّت إلى التراجع والاقرار بالأسرة.
وفي ألمانيا وإيطاليا سعى كل من هتلر، وموسوليني، لوضع جوائز تشجيعية للمرأة التي تترك العمل وتعود إلى العناية بالأسرة.وفي دول كثيرة من العالم الأوربي والأمريكي والشيوعي بدأت المرأة تشعر بالمرارة من نظام الحياة المفروض عليها، وترعب في الحياة الأسرية، والعيش مع الزوج والأبناء تحت شجرة الحنان والاستقرار الوارفة.
ولعلّ من المفيد هنا أن نسجلّ نماذج من هذا الاتجاه كما ورد في بعض التقارير التي سجّلتها الدوائر المختصّة، ونذكر منها ما جاء في أحد التقارير:[ ففي ألمانيا تعمل أكثر من مليون أم خارج البيت، وكانت نتيجة الاستفتاء العام الذي وجّة إليهن أن (72%) منهنّ مصابات بالعصاب، وحالات الضعف العام واختلال الدورة الدموية والأمراض القلبية، و(69%) منهنّ عندما يرجعن الى البيت ليلاً لا يستطعن أن يقمن بأي عمل، من شدّة الارهاق والتعب الذي يصيبهن في ساعات العمل، فيذهبن الى فراشهن للنوم، و(43%) من الأمهات اللواتي وجه إليهنّ السؤال كنّ قد راجعن الأطبّاء للعلاج في ذلك العام] (36).وجاء في تقارير أُخرى تؤكّد شعور المرأة بالحاجة إلى الأسرة،والرغبة في الحياة الزوجية والاستمتاع بنعيمها،بعد أن قاست آلام الابتعاد عن الأسرة،وذاقت شقاء الوحشة والحرمان من حبّ الزوجية،وحنان الأمومة،ودعة الحياة في ظلّ الأسرة السعيدة:[انزعجت السلطات التعليمية في اسكوتلاندا بسبب موجة الزواج التي تعصف بالمدرّسات،فقد تبيّن أنّه خلال عام1960عينّت(1563)مدرسّة في اسكوتلاندا، وفي نهاية العام الدراسي تركت(1000)منهن الوظيفة للزواج،وقالت السلطات انّ الزواج يهدد النظام المدرسي] (37).
[ وكانت نتيجة الاستفتاء الذي قام به معهد ( غالوب) في أمريكا بين النساء العاملات: أن المرأة متعبة الآن وتفضّل (65%) من نساء أمريكا العودة الى منازلهنّ، كانت المرأة تتوهّم أنّها بلغت أمنيتها، أمّا اليوم وقد أدمت عثرات الطريق قدمها واستنزفت الجهود قواها، فانّها تودّ الرجوع إلى عشّها، والتفرّغ لاحتضان فراخها] (38).
لذلك دعا الاسلام إلى الزواج وبناء الاسرة، واهتم بتقوية روابطها، وتمتين بنائها، لأنها المحيط الطبيعي لسعادة الفرد، ومستقرّ راحته ومصدر سعادته.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الوهابية ومجزرة الحرم الشريف
السيد أبو الحسن جلوة الزواري
الاسرة والغزو الثقافي
هل يمكن أن نكون سعداء في حياتنا؟
الإمام الصادق عليه السلام والتفسير العرفاني
تكوين الأسرة المسلمة
ماذا يحب الرجل في المرأه ..
كلامه عليه السلام في النساء – الثاني
الغناء والرقص زمن الدولة الاموية
قصة مريم في القرآن

 
user comment