عربي
Thursday 28th of March 2024
0
نفر 0

إثبات واجب الوجود

 

المقدّمه

     إنّ الفلاسفه الإلهيّين و علماء الكلام (المتكلّمين) أقاموا أدله و براهين عديدهً علي إثبات الله تعالي، ذكرت في الكتب الفلسفيّه و الكلاميه الموسّعه و نختار هنا من بينها برهاناً واحداً، يعتمد علي مقدّمات أقلّ، و لكنه متقن و محكم، و أقرب الي الفهم و سنحاول توضيحه، و لكن يلزم التأكيد علي أنّ هذا البرهان يثبت الله بعنوان أنّه «واجب الوجود» أي أنّه موجودٌ، و وجوده ضروريُ لايحتاج إلي موجود. و أمّا إثبات صفاته الثبوتيّه و السلبيّه أمثال العلم و القدره، و عدم الجسميّه، و عدم كونه ففي مكان أو زمان، فلايتكفّله هذا البرهان، و لابدّ من إثباتها ببراهين أخري.

 

صيغه البرهان

     إنّ الموجود ـ بحسب الافتراض العقليّ ـ إمّا واجب الوجود، و إمّا ممكن الوجود، و لايخرج أيّ موجود عقلاً عن أحد هذين الفرضين. و لايمكن أن نعتبر كلّ الموجودات ممكنه الوجود، و ذلك لأنّ ممكن الوجود محتاج للعله، و إذا كانت كلّ العلل ممكنه الوجود، و احتاجت بدورها إلي علّه أخري، لم يوجد أيّ موجود إطلاقاً، أي انّ تسلسل العلل محال، فلابدّ إذن من أن تنتهي سلسله العلل إلي موجود غير معلول لموجود آخر، أي انّه واجب الوجود.

     و هذا البرهان أيسر البراهين الفلسفيّه لإثبات وجود الله، و هو مؤلف من عدّه مقدّمات عقليّه بحته، و لايحتاج لأيّه مقدّمه حسيّه و تجريبيّه. و لكن بما أنّ هذا البرهان قد استخدم فيه بعض المفاهيم و المصطلحات الفلسفيّه، لذلك يلزم علينا توضيح هذه المصطلحات و المقدّمات التي يتألّف منها هذا البرهان.

 

الإمكان و الوجوب

     كلّ قضيّه، مهما كانت بسيطه، لابّد و أن تتألّف من مفهومين رئيسين علي الأقلّ، هما (الموضوع و المحمول). فمثلاً هذه القضيّه «الشمس مضيئه» يشكلّ «الشمس» موضوعها، و »مضيئه» محمولها.

     و ثبوت المحمول للموضوع لايخرج عن حالات ثلاث: إمّا أنّ ثبوته محال، كما لو قيل (عدد ثلاثه اكبر من عدد اربعه) و إمّا أنّه ضروري مثل هذه القضيّه «الإثنان نصف الأربعه» و إمّا أنّه ليس محالاً و لا ضروريّاً مثل «الشمس فوق رؤوسنا».

     و يصطلح منطقيّاً علي نسبه القضيه في الصوره الأولي، بأنّها موصوفه بصفه «الامتناع» و علي الثانيه بصفه «الضروره» أو «الوجوب» و علي الصوره الثالثه بصفه «الإمكان» ـ بالمعني الخاصّ ـ.

     وبما أنّ الفلسفه تبحث في «الموجود» و اما الممتنع و المحاول فليس له وجود خارجي إطلاقا. لذلك قسّم الفلاسفه الموجود ـ بحسب الافتراض العقليّ ـ إلي واجب الوجود، و ممكن الوجود.

     فواجب الوجود: عباره عن الموجود الذي هو موجود بذاته، و لايحتاج إلي موجود آخر، و بالطبع يكون هذا الموجود أزليّاً أبديّاً، إذ يكون الشيء معدوماً في زمان ما، دليل علي أنّ وجوده ليس بذاته، و إنّما احتاج في وجوده إلي موجود آخر، هو السبب أو الشرط في تحقّق وجوده و بفقدان ذلك الموجود الآخر يفقد هذا الشيء و ينعدم.

     و ممكن الوجود: عباره عن الموجود الذي لايوجد بذاته، و إنّما تحقّقه منوط بموجود آخر.

     و هذا التقسيم القائم علي أساس الافتراض العقليّ، ينفي بالضروره وجود ممتنع الوجود، و لكن لايدّل علي أنّ الموجودات الخارجيّه من أي قسم من القسمين الآخرين (واجب الوجود و ممكن الوجود). و بتعبير آخر: يمكن أن نتصوّر صدق هذه القضيّه بثلاث صور:

     الاولي: كلّ موجود هو واجب الوجود.

     الثانيه: كلّ موجود ممكن الوجود.

     الثالثه: بعض الموجودات واجب الوجود، و بعضها ممكن الوجود.

     و علي الافتراضين الأوّل و الثالث، يثبت وجود واجب الوجود، فلابدّ أن نبحث حول هذا الافتراض: هل يمكن أن تكون كلّ الموجودات ممكنه الوجود أم لا؟ و إذا أبطلنا هذا الافتراض؛ ثبت وجود واجب الوجود بصوره يقينيّه قطعيّه و إن احتجنا لإثبات وحدته و سائر صفاته إلي براهين و أدلّه اخري.

     و لأجل تفنيد الافتراض الثاني، لابّد أن نضيف مقدّمه آخري إلي البرهان المذكور، و هي: استحاله أن تكون الموجودات كلّها ممكنه الوجود، و لكن هذه المقدّمه ليست بديهيّه، و من هنا ذكروا لإثبات هذه المقدّمه و تفسيرها ما يلي: إنّ ممكن الوجود محتاج للعله، و إنّ التسلسل في العلل محال، إذن فلابدّ أن تنتهي سلسله العلل إلي موجود لايكون ممكن الوجود و ليس محتاجاً إلي علّه، أي إنّه واجب الوجود. و من هنا دخلت هذا البرهان بعض المفاهيم الفلسفيّه الأخري التي يلزم علينا توضيحها:

 

العله و المعلول

     إذا احتاج موجود إلي موجود آخر، و كان لوجوده نوع توقُّف علي الآخر، اصطلح فلسفيّاً علي الموجود المحتاج بـ«المعلول» و علي الآخر ب«العلّه» و لكنّ العلّه يمكن ان لاتكون مستغنيه بصوره مطلقه، بل هي بدورها محتاجه و معلوله لموجود آخر، أمّا لو كانت العلّه غير محتاجه، و ليست فيها أيّه معلوليه، فستكون علّه مطلقه، و غير محتاجه بصوره مطلقه.

     إلي هنا تعرّفنا علي المصطلح الفلسفي للعلّه و المعلول و تعريفهما، و علينا الآن أن نوضّح هذه المقدمه «انّ كلّ ممكن الوجود محتاج إلي علّه».

     فمع ملاحظه أنّ ممكن الوجود لايوجد بذاته، فلابد أن يكون وجوده منوطاً بتحقّق موجود أو موجودات اخر، لأنّ هذه القضيّه التاليه بديهيّه: إنّ كلّ محمول نسب لموضوع مّا، فإمّا أن يثبت للموضوع بالذات، أو أنّ ثبوته له بسبب أمر آخر (بالغير) فمثلاً: كلّ شيء إمّا مضيء بذاته، و إمّا أنّ ضياء بوساطه شيء آخر (النور)، و كلّ جسم إمّا دسم بذاته، و إمّا أنّ الدسومه عرضت عليه بوساطه شيء آخر (الدهن) أمّا إذا لم يكن الشيء في ذاته مضيئاً أو دسما، و لا أنّ الدسومه أو الضياء عرضتا عليه بوساطه أمر آخر، فيستحيل أن يكون هذا الشيء مضيئاً أو دسماً!

     إذن فثبوت «الوجود» لموضوع مّا، إمّا بالذات، و أمّا بالغير، فإذا لم يكن ثبوت «الوجود» للموضوع بالذات فلابدّ أن يكون بالغير، و علي ضوء ذلك فكلّ ممكن الوجود الذي لايتّصف بالوجود بذاته لابدّ أن يوجد بموجود آخر، و يكون معلولاً له. هذه هي القاعده العقليّه المسلّمه «كلّ ممكن الوجود محتاج إلي عله».

     و لكنّ البعض توهّم أنّ مدلول قانون العلّيه هو «كلّ موجود محتاج الي العله» و علي هذا الأساس اعترضوا بأنه لابدّ أن تكون هناك علّه لله تعالي!، غافلين عن أنّ موضوع قانون العليّه ليس هو «الموجود» بصوره مطلقه، بل موضوع هذا القانون هو «ممكن الوجود» و «المعلول» أي أنّ كلّ موجود مرتبطٍ و محتاج؛ هو المفتقر الي العلّه، لا كلّ موجود.

 

إستحاله تسلسل العلل

     و المقدّمه الأخيره التي استخدمت في هذا البرهان، هي: أنّ سلسله العلل لابدّ أن تنتهي إلي موجود لايكون في نفسه معلولاً، و كما يصطلحون عليه، بأنّ تسلسل العلل إلي ما لا نهايه، محال. و علي ضوء ذلك يثبت وجود واجب الموجود، و أنه العلّه الاولي الموجوده بذاتها، و لايحتاج في وجوده إلي موجود آخر.

     و قد أقام الفلاسفه براهين و أدلّه عديده لابطال التسلسل و تفنيده، و لكن في الواقع انّ بطلان التسلسل في مجال العلل أقرب الي البداهه، و يدركه الإنسان بأدني تأمّل، أي بملاحظه أنّ وجود المعلول محتاج الي العلّه و مشروط بوجودها. فإذا افترضنا أنّ هذه المعلوليّه و المشروطيه عامه و شامله، فيلزم أن لايتحقّق أيّ موجود، ذلك لأنه لايعقل افتراض وجود سلسله من الموجودات المترابطه، بدون وجود موجود آخر يمثّل طرف ارتباطها.

     كما لو فرضنا أنّ هناك فريقاً لسباق الركض، قد وقف أعضاؤه جميعاً علي خطّ الانطلاق، متأهّبين للركض، و لكن كلّ واحد قد قرّر في نفسه أن لايبدأ بالركض إلاّ إذا بدأ صاحبه، فلو كان هذا القرار شاملاً للجميع، فسوف لن يبدأ أيٌّ منهم بالركض، و لن يتحقّق الركض إطلاقاً! و كذلك إذا كان وجود كلّ موجود مشروطاً بتحقّق الموجود الخارجيّه دليل علي وجود موجود غير محتاج و غير مشروط.

 

توضيح البرهان

     و الآن، و علي ضوء المقدّمات المذكوره، نعود مرّهً أخري لنوضح هذا البرهان:

     كلّ شيء يمكن ان نعتبره (موجوداً) لايخلو من إحدي حالتين: إمّا أن يكون وجوده ضروريّاً، و يوجد بذاته، و كما يصطلح عليه ب«واجب الوجود»، و إمّا انّ وجوده ليس ضروريّاً، بل متعلّق بموجود آخر، و كما يصطلح عليه ب«ممكن الوجود». و من البديهيّ أنّه لو كان تحقّق الشيء محالاً، فلايمكن أن يوجد إطلاقاً، و لايمكن أن نعتبره موجوداً أبداً. إذن فكلّ موجود إمّا واجب الوجود، و إمّا ممكن الوجود.

     و لو تأمّلنا بدقّه مفهوم «ممكن الوجود» لاتّضح لنا أنّ الشيء الذي يكون مصداقاً لهذا المفهوم لابّد أن يكون معلولاً و محتاجاً إلي عله، ذلك لأنّ الموجود الذي لايوجد بذاته؛ لابّد أن يوجد بوساطه موجود آخر، كما أنّ كلّ وصف لايثبت بالذات؛ لابدّ أن يكون ثبوته بالغير. و هذا هو مدلول مبدأ العلّيه، و أنّ كلّ موجودٍ مرتبطٍ و ممكن الوجود؛ محتاج إلي العلّه، لا أنّ كلّ موجود محتاجٌ الي عله، حتي يقال: إذن فالله محتاج الي عله، أو يقال: إنّ الإيمان بإله لا علّه له، هدٌم لقانون العلّيه!

     و من جانب آخر لو كان كلّ موجود ممكن الوجود و محتاجاً الي عله بما وجد أيٌ موجود. و هذا نظير ما ذكرناه من أنّ كلً فرد أفراد الفريق لو علّق عزمّه علي الركض علي ابتداء الآخر به و انطلاقه، فإنّه في هذه الحاله سوف لن يتحقّق أيُّ ركض علي الاطلاق. إذن فوجود الموجودات الخارجيه دليل علي وجود واجب الوجود.

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ُ ثُبُوتِ الْكُفْرِ وَ الِارْتِدَادِ بِجُحُودِ ...
العدل الالهي
البحث عن الدين
العدل
المعاد
القدرة المطلقة وإحياء الموتى
إثبات واجب الوجود
ُ كَرَاهِيَةِ الْكَسَلِ فِي الْخَلْوَةِ وَ ...
أصول الدين عند الشيعة
عصمة الأنبياء (عليهم السلام) عند المذاهب ...

 
user comment