عربي
Thursday 18th of April 2024
0
نفر 0

حیاة الامام الرضا (ع)

النسَب الشريف

الإمام عليّ الرضا عليه السّلام ينحدر عن سلالة طاهرة تتّصل بالنبوّة والإمامة الإلهيّة وتمتّد متشعّبةً في بيوت الأوصياء والأولياء، ومَن كانوا مِن قبلُ على دين الحنيفيّة وملّةِ إبراهيم خليلِ الرحمن عليه السّلام.
الأب
أبوه الإمام موسى بن جعفر الكاظم سلامُ الله عليه.. الذي لم يطق أعداؤه صبراً على مدحه:
فذاك قاتله هارون العبّاسيّ يشير إليه ويقول لابنه المأمون: هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلْقه، وخليفته على عباده... موسى بن جعفر إمام حق. والله يا بُنيّ، إنّه لأحقّ بمقام رسول الله صلّى الله عليه وآله منّي ومن الخلق جميعاً، واللهِ لو نازعتَني هذا الأمر لأخذتُ الذي فيه عيناك، فإنّ المُلك عقيم. (1)
• وقال له مرّةً أخرى: يا بُنيّ! هذا وارث علم النبيّين، هذا موسى بن جعفر، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا. (2)
• ونُقل عنه كذلك أنّه قال: هذا وارث علوم الأوّلين والآخِرين، فإن أردت علْماً حقّاً فعند هذا. (3)
ويأتي بعد ذلك المؤرّخون والرجاليّون ومدوّنو السِّيَر.. فلا يجدون في أنفسهم إلاّ إعجاباً به وإجلالاً له، ولا يملكون عن الثناء عليه أقلامهم:
• فأبوعليّ الخلاّل ـ شيخ الحنابلة ـ يقول: ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسّلت به، إلاّ وسهّل الله تعالى لي ما أُحبّ. (4)
• وأبو حاتم يقول فيه: ثقة صدوق، إمام من أئمّة المسلمين.
• والنسّابة يحيى بن الحسن يقول فيه: يُدعى العبد الصالح، من عبادته واجتهاده. (5)
• والذهبيّ ـ رغم تعصّبه ـ يكتب: كان موسى بن جعفر من أجواد الحكماء، ومن العبّاد الأتقياء. (6)
• وابن الجوزيّ هو الآخر يكتب: كان يُدعى العبد الصالح؛ لقيامه بالليل، وكان كريماً حليماً، إذا بلغه عن رجل أنّه يؤذيه بعث إليه بمال. (7)
• وذاك ابن حجر ينصّ على أنّه وارث أبيه الصادق عليه السّلام علماً ومعرفة، وكمالاً وفضلاً، ثمّ يقول: سُمّي بـ «الكاظم» لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بـ(باب قضاء الحوائج عند الله)، وكان أعبدَ أهل زمانه، وأعلمهم وأسخاهم. (8)
• وإذا جئتَ إلى كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعيّ سمعتَه يقول في الإمام الكاظم عليه السّلام: هو الإمام الكبير القدْر، العظيم الشأن، الكثير التهجّد، الجادّ في الاجتهاد، المشهود له بالكرامات، المشهور بالعبادة، المواظب على الطاعات، يبيت الليلَ ساجداً وقائما، ويقطع النهار متصدّقاً وصائما، ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دُعي كاظما.. ويُعرف في العراق بـ ( باب الحوائج إلى الله )، لنُجح مطالب المتوسّلين إلى الله به. كراماته تَحار منها العقول، وتقضي بأنّ له عند الله تعالى قدمَ صِدق لا يزول. (9)
• أمّا ابن الصبّاغ المالكيّ فيمضي قلمه بلا تعثّر فيدوّن هذه العبارات: وأمّا مناقبه وكراماته الظاهرة، وفضائله وصفاته الباهرة، فتشهد له بأنّه افترع قبّة الشرف وعَلاها، وسما إلى أوج المزايا فبلغ عُلاها، وذُلّلت له كواهل السيادة فامتطاها، وحكم في غنائم المجد فاختار صفاياها فأصفاها.. (10)
ولا تقف عند أحد من كتّاب التاريخ إلاّ ورأيته يصدع بالمدح لا يتردّد فيه، وكان منهم: الخطيب البغدادي (تاريخ بغداد 28:13)، وابن الجوزيّ (صفة الصفوة 103:2) وسبط ابن الجوزيّ (تذكرة خواصّ الأمّة 196)، وأحمد بن يوسف الدمشقيّ القرمانيّ (أخبار الدول 112)، والشبلنجيّ (نور الأبصار 218)، ومحمّد بن الصبّان (إسعاف الراغبين ـ هامش نور الأبصار 226)، وابن عنبة (عمدة الطالب 196)، والشبراويّ الشافعيّ (الإتحاف بحبّ الأشراف 54)، وخير الدين الزركليّ الذي وصفه بالقول: كان من سادات بني هاشم، ومن أعبد أهل زمانه، وأحد كبار العلماء الأجواد.(الأعلام 270:8).. وغيرهم كثير.
الأجداد
وإذا أردنا أن نتعرّف على الآباء، فهُمُ: الأئمّة الطاهرون، والحجج الأوصياء المعصومون، ولاة أمر الله، وخزنة علم الله، وخلفاء رسول الله. نور الله وأركان الأرض، والعلامات والآيات، وهم الراسخون في العلم والمتوسّمون. ومن وردت الأحاديث الشريفة الوافرة من طرق المسلمين جميعاً بالنصّ على إمامتهم على لسان النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم بأمرٍ من الله «جَلّ وعلا».. من ذلك:
• قوله صلّى الله عليه وآله: إنّ وصيّي عليّ بن أبي طالب، وبعده سبطايَ الحسنُ والحسين، تتلوه تسعةُ أئمّةٍ من صُلب الحسين.. إذا مضى الحسين فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى [أي الكاظم]، فإذا مضى موسى فابنه عليّ [أي الرضا]... (11)
سلالة العصمة
ومن هنا نعلم أنّ الإمام الرضا عليه السّلام ينتمي إلى شجرة النبوّة، وبيت الرسالة والوحي، ويتّصل بأهل بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله بلا واسطة، وإنّما مباشرةً عن طريق آبائه الأبرار، فهو ابن موسى الكاظم، ابن جعفر الصادق، ابن محمّد الباقر، ابن عليّ السجّاد زين العابدين، ابن الإمام السبط الشهيد أبي عبدالله الحسين، ابن سيّد الأوصياء عليّ أمير المؤمنين، ابن أبي طالب، بن عبدالمطّلب.. ومن هذا الأصل فأُمُّه الصدّيقة الطاهرة فاطمة بنت سيّد الخلق محمّد بن عبدالله، عليه أفضل الصلاة والسّلام وأزكاهما وعلى آلهِ الميامين.
وهذا النسب أشرفُ الأنساب وأزكاها وأسماها، إذ ينتمي الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام إلى أشرف سلالة وأطهرها وأكثرها بركة. والحديث المشهور بـ «حديث سلسلة الذهب» (لاحظ العنوان في هذه الشبكة) قد وقف الكثير أمامَ سنده الشريف ـ وفيه أسماء الأئمّة عليهم السّلام ـ وقفةَ إجلال وتقديس؛ لأنّ رواته كلّهم أولياءُ معصومون، أزكياء مخلَصون، ينتهون بالنسب والحسَب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، فجاءت كلمات المحدّثين تقول: لو قُرئ هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنونه.. وقالوا هذا حديث مشهور برواية الطاهرين، عن أبائهم الطيّبين. وكان بعض السلف من المحدّثين إذا روى هذا الإسناد قال: لو قُرئ هذا الإسناد على مجنون لأفاق. وقال آخر: لو قرأتَ هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جِنّته. وكم كاتب كتب حديث سلسلة الذهب تعظيماً واحتراماً وإجلالاً لسنده ومتنه! (12)
والحديث الشريف برواية الإمام الرضا عليه السّلام ينقله عن آبائه ونسبه الأقدس فيقول: سمعت أبي موسى بنَ جعفر يقول: سمعت أبي جعفرَ بن محمّد يقول: سمعت أبي محمّدَ بن عليّ يقول: سمعت أبي عليَّ بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين بن عليّ يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب يقول: سمعت النبيّ صلّى الله عليه وآله يقول: سمعت الله عزّوجلّ يقول: لا إله إلاّ الله حصني، فمَن دخل حصني أمِنَ منْ عذابي. (13)
وهذه السلالة الطاهرة هي التي قال فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ: كما نقل ابن عباس ـ: أنا وعليّ والحسن والحسين، وتسعة من ولد الحسين.. مطهَّرون معصومون. (14)
وهي النسب للإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام من جهة الأب.
الأمّ
أمّا أُمّه عليه السّلام فقد وردت لها عدّة أسماء، سابقة على اقترانها بالإمام الكاظم عليه السّلام، ولاحقة.
قيل: اسمها (سَكَن النُّوبيّة) أو (سكنى). (15) وقيل: لقبها شقراء النُّوبيّة. (16)
وقيل: اسمها (أروى). (17)
وقيل: اسمها (سُمان). (18)
وقيل: (الخيزران المُرْسيّة). (19)
وقيل: (نجمة) لمّا كانت بِكْراً واشترتها (حميدة المصفّاة) أمّ الإمام الكاظم عليه السّلام، إذ ذكرت أنّها رأت في المنام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لها: يا حميدة، هَبي نجمةَ لابنك موسى، فإنّه سيُولَد لها خيرُ أهل الأرض. فوهبتها له، فلمّا ولدت له الرضا عليه السّلام سمّاها (الطاهرة). (20)
وأخيراً: (تُكْتَم). قيل: هو آخر أسمائها، وعليه استقرّ اسمها حين صارت عند أبي الحسن موسى الكاظم عليه السّلام. ودليل ذلك قول الصوليّ يمدح الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام:

ألاَ إنّ خـيـرَ النـاسِ نـفْساً ووالداً   ورهطـاً وأجـداداً علـيُّ الـمعظَّـمُ
أتـتـنا به للعلـمِ والحِلْـمِ ثـامنــاً   إماماً ـ يؤدّي حجّةَ اللهِ ـ تُكْتَمُ (21)

وأمّا كُنيتها فـ: (أُمّ البنين). (22)
قصّتها
روي في شأن اقتران هذه المرأة الطاهرة الصالحة قصّتان:
الأولى ـ أنّ حميدة المصفّاة ـ وهي زوجة الإمام الصادق عليه السّلام، وأُمّ الإمام الكاظم عليه
السّلام، وكانت من أشراف العجم ـ قالت لابنها موسى عليه السّلام: يا بُنيّ! إنّ تُكْتَم جارية ما رأيتُ قطّ أفضل منها، ولست أشكّ أنّ الله تعالى سيطهّر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتُها لك، فاستوصِ بها خيرا. (23)
الثانية ـ وهي الأشهر والأوثق، يرويها هشام بن أحمد فيقول: قال لي أبو الحسن الأوّل [أي الكاظم] عليه السّلام: هل علمتَ أحداً من أهل المغرب قَدِم ؟ قلت: لا، قال: بلى، قد قدم رجل من أهل المغرب المدينة، فانطلِقْ بنا.
فركب وركبت معه، حتّى انتهينا إلى الرجل، فإذا رجلٌ من أهل المغرب معه رقيق، فقلت له: إعرضْ علينا. فعرض علينا سبع جوارٍ، كلّ ذلك يقول أبو الحسن عليه السّلام: لا حاجة لي فيها. ثمّ قال: اعرضْ علينا، فقال: ما عندي إلاّ جارية مريضة، فقال: ما عليك أن تَعرضها ؟! فأبى عليه، فانصرف.
ثمّ أرسلني من الغد فقال لي: قل له: كم كان غايتك فيها ؟ فإذا قال لك كذا وكذا، فقل له: قد أخذتُها. فأتيته فقال: ما كنت أُريد أن أُنقصها من كذا وكذا، فقلت: قد أخذتها. قال: هي لك، ولكن أخبِرْني: مَن الرجل الذي كان معك بالأمس ؟ قلت: رجل من بني هاشم، قال: من أيّ بني هاشم ؟ فقلت: ما عندي أكثر من هذا، فقال: أُخبرك أنّي لمّا اشتريتها من أقصى المغرب فلقيتْني امرأة من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة معك ؟ قلت: اشتريتها لنفسي، فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه عند مِثْلك! إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده قليلاً حتّى تلد غلاماً له لم يُولد بشرق الأرض ولا غربها مثلُه.
قال هشام بن أحمد: فأتيته بها، فلم تلبث عنده إلاّ قليلاً حتّى ولدت له الرضا عليه السّلام. (24)
وكان من دلائل إمامة موسى الكاظم عليه السّلام أنّه لمّا اشترى (تُكْتَم) جمع قوماً من أصحابه ثمّ قال لهم: واللهِ ما اشتريتُ هذه الأمَة إلاّ بأمر الله ووحيه. فسُئل عن ذلك، فقال: بينا أنا نائم إذ أتاني جدّي وأبي ومعهما شِقّة حرير، فنَشَراها فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية، فقالا: يا موسى، ليكوننَّ من هذه الجارية خيرُ أهل الأرض بعدك.
ثمّ أمرني إذا ولدتُه أن أسميّه (عليّاً)، وقالا لي: إنّ الله تعالى يُظهِر به العدل والرأفة، طوبى لمن صدّقه، وويلٌ لمَن عاداه وجحده وعانده! (25)
خصالها
أجمع أصحاب السيرة أن (تُكْتَم) رضوان الله تعالى عليها امرأة صالحة عابدة، تتحلّى بأسمى مكارم الأخلاق، وكانت في غاية العفّة والأدب.
وقد ذكرها الشيخ سليمان القندوزيّ الحنفيّ بقوله: وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها، وإعظامِها لمولاتها حميدة، حتّى أنّها ما جلست بين يديها منذ مَلَكتْها؛ إجلالاً لها. (26)
ولابدّ أن تكون هكذا أُمّهات الأئمّة عليهم السّلام، لأنّ الأئمّة هم أشرف الخَلْق، ينحدرون من أصلاب شامخة وأرحام مطهّرة، آباؤهم وأُمّهاتهم من الموحِّدين، لم تدنّسهمُ الجاهليّة بأنجاسها، ولم تُلبِسْهم من مُدْلَهِمّات ثيابها.

المولد المبارك
التأريخ
في شأن المولد الشريف للإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام.. وقف المؤرّخون على تأريخين بالنسبة إلى: اليوم من الأسبوع، واليوم من الشهر والشهر كذلك، والسنة التي وُلد فيها:
الأوّل ـ هو يوم الخميس الحادي عشر من شهر ربيع الأوّل سنة 153 من الهجرة النبويّة المباركة. وهو قول جماعة ليست بكثيرة، منهم: الإربلّيّ في (كشف الغمّة)، وابن شهرآشوب في (مناقب آل أبي طالب)، والمسعوديّ في (إثبات الوصيّة)، وابن خلّكان في وفيات الأعيان. ونقل هذا الرأي الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا «عليه السّلام») ولم يتثبّت عليه، كما نقله الطبرسيّ في (إعلام الورى) بعنوان: (يُقال)، والعلاّمة المجلسيّ عن بعض كتّاب السيرة في (بحار الأنوار ج49). فيكون مولده الشريف على هذا الأساس بعد شهادة جدّه الإمام جعفر الصادق عليه السّلام بخمس سنوات.
الثاني ـ هو يوم الجمعة الحادي عشر من شهر ذي القعدة سنة 148 من الهجرة المحمّديّة الشريفة. وهو الرأي الأقوى والأشهر، وقد قال به جماعة كثيرة من العلماء والمؤرّخين، منهم: الشيخ المفيد في (الإرشاد)، والشبراويّ في (الإتحاف بحبّ الأشراف)، والشيخ الكلينيّ في (الكافي ج1)، والكفعميّ في (المصباح)، والطبرسيّ في (إعلام الورى) و (تاج المواليد)، والفتّال النيسابوريّ في (روضة الواعظين)، والشيخ الصدوق في (علل الشرائع)، وابن الأثير في (الكامل في التاريخ)، والبغداديّ في (سبائك الذهب)، وسبط ابن الجوزيّ في (تذكرة خواصّ الأمّة)... وغيرهم كثير.
فيكون مولد الإمام الرضا عليه السّلام في السنة التي استُشهد فيها جدّه الإمام الصادق عليه السّلام ذاتها، وعلى وجه الدقّة بعد ستة عشر يوماً تقريباً، إذ إنّ شهادة الإمام الصادق عليه السّلام مؤرّخة بالخامس والعشرين من شهر شوّال عام 148هـ.
أمّا محلّ المولد الشريف ومكانه.. فلا خلاف أنّه المدينة المنوّرة.
المَقْدم اليُمْن
عَهِد الناس أن تبدأ حياة أهل البيت عليهم السّلام بالفضائل والكرامات، وتنتهي بها. وفي مطلع الإشراقة القدسيّة السعيدة لمولد الإمام عليّ الرضا صلواتُ الله عليه رُويت هذه الرواية عن أكثر من شخص وأكثر من كتاب، وبصيغٍ متقاربة، نكتفي هنا بموردين:
الأوّل ـ عن الشيخ سليمان القندوزيّ الحنفيّ قال: قالت [أمّ الرضا «عليه السّلام»]: لمّا حملتُ بابني عليّ الرضا لم أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتحميداً وتهليلاً من بطني، فلمّا وضعته وقع إلى الأرض واضعاً يده على الأرض، رافعاً رأسه إلى السماء، محرّكاً شفتيه كأنّه يناجي ربَّه، فدخل أبوه فقال لي: هنيئاً لكِ كرامةَ ربِّكِ عزّوجلّ.
فناولتُه إيّاه، فأذَّنَ في أُذُنه اليمنى، وأقام في اليسرى، فحنّكه بماء الفرات. (1)
الثاني ـ عن الشيخ الصدوق، بسند ينتهي إلى عليّ بن ميثم عن أبيه قال: سمعت أُمّي تقول: سمعت نجمةَ أُمَّ الرضا عليه السّلام تقول: لمّا حملتُ بابني عليٍّ لم أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً من بطني، فيفزعني ذلك ويهولني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً. فلمّا وضعته وقع على الأرض واضعاً يديه على الأرض، رافعاً رأسه إلى السماء، يحرّك شفتيه كأنّه يتكلّم، فدخل إليّ أبوه موسى بن جعفر عليه السّلام فقال لي: هنيئاً لكِ يا نجمةُ كرامة ربِّكِ.
فناولتُه إيّاه في خِرقةٍ بيضاء، فأذَّن في أُذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ودعا بماء الفرات فحنّكه به، ثمّ ردّه إليّ فقال: خُذيه، فإنّه بقيّة الله تعالى في أرضه. (2)
• وفي الخبر أنّ الإمام الكاظم عليه السّلام قال: بينا أنا نائم إذ أتاني جدّي وأبي عليهما السّلام ومعهما شقّة حرير فنشراها، فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية [أي تُكتم]، فقالا: يا موسى! ليكوننّ لك من هذه الجارية خيرُ أهل الأرض بعدك. (3)
وبرواية أخرى قال الإمام موسى الكاظم عليه السّلام: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمير المؤمنين عليّاً رضي الله عنه معه، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا موسى! ابنك ينظر بنور الله عزّوجلّ، وينطق بالحكمة، يصيب ولا يخطئ، يعلم ولا يجهل، قد مُلئ علماً وحكماً. (4)
• ومن قبله الإمام الصادق عليه السّلام قال لولده الكاظم عليه السّلام غير مرّة: إنّ عالم آل محمّد عليه السّلام لَفي صُلبك، وليتني أدركتُه! فإنّه سُميُّ أمير المؤمنين عليه السّلام. (5)
• وروى يزيد بن سليط قال: لَقينا أبا عبدالله [الصادق] عليه السّلام في طريق مكّة ونحن جماعة، فقلت له: بأبي أنت وأميّ! أنتم الأئمّة المطهّرون، والموت لا يعرى منه أحد، فأحدِثْ إليَّ شيئاً أُلقيه إلى من تخلفني، فقال لي: نعم، هؤلاءِ ولْدي، وهذا سيّدهم ـ وأشار إلى ابنه موسى عليه السّلام ـ وفيه علم الحكم والفهم، والسخاء والمعرفة بما يحتاج الناس إليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم، وفيه حسنُ الخلُق وحسن الجوار، وهو باب من أبواب الله عزّوجلّ.
وفيه أُخرى، هي خير من ذلك كلّه: يُخرج الله تعالى منه غوث الأُمّة وغياثها، وعلمها ونورها، وفهمها وحكمها، خير مولود وخير ناشئ، يحقن الله به الدماء، ويُصلح به ذات البين، ويلمّ به الشعث، ويُشعب به الصدع، ويكسو به العاري، ويُشبع به الجائع، ويُؤمن به الخائف، وينزل به القَطْر، ويأتمر له العباد، قوله حكم، وصمته علم، يبيّن للناس ما يختلفون فيه. (6)
فبُورك مولودٌ وبورك مولدُ   أبوه عليّ الخير والجَدُّ أحمدُ

الأولاد
تعدّدت الأقوال في عدد أولاد الإمام الرضا عليه السّلام إلى ستّة:
القول الأوّل
• أنّه عليه السّلام لم يترك إلاّ ولداً واحداً، وهو وصيّه الإمام أبو جعفر محمّد الجواد عليه السّلام. فقد روى الإربلّيّ بسنده عن حنان بن سدير قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام: أيكون إمام ليس له عَقِب ؟ فقال عليه السّلام: أما إنّه لا يولد لي إلاّ واحد، ولكنّ الله منشئٌ منه ذرّيّةً كثيرة. (1)
وقد ذهب إلى هذا الرأي جماعة من العلماء، منهم: الشيخ المفيد، حيث قال: ومضى الرضا عليه السّلام ولم يترك ولداً نعلمه إلاّ ابنه الإمام بعده: أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام، وكان سنّه يوم وفاة أبيه سبع سنين وأشهراً. (2)
والشيخ الطبرسيّ، إذ قال: وكان للرضا عليه السّلام من الوُلْد ابنه أبو جعفر محمّد بن عليّ الجواد، لا غير. (3)
والشيخ ابن شهرآشوب، قال: كان للرضا عليه السّلام من الولد ابنه أبو جعفر عليه السّلام، لا غير. (4)
ولم تكن هنالك إشارة إلى بنتٍ للإمام الرضا عليه السّلام، فقد كان الحديث حول الأبناء
الذكور لا الإناث.
القول الثاني
• أنّ الإمام الرضا عليه السّلام كان له ولدان: محمّد الجواد عليه السّلام، والآخر موسى بن عليّ، ولم يترك غيرهما. (5)
وفي (قرب الإسناد) يورد الحِمْيريّ أبو العبّاس بن جعفر (ق3هـ) هذه الرواية عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ، حيث يقول: دخلت عليه [أي على الإمام الرضا «عليه السّلام»] بالقادسيّة فقلت له: جُعلت فداك، إنّي أُريد أن أسألك عن شيء وأنا أُجلّك، والخطْب فيه جليل، وإنّما اُريد فكاك رقبتي من النار. فرآني وقد دمعت، فقال: لا تدع شيئاً تريد أن تسألني عنه إلاّ سألتني عنه. قلت له: جعلت فداك، إنّي سألتُ أباك ـ وهو نازل في هذا الموضع ـ عن خليفته من بعده، فدلّني عليك، وقد سألتك منذ سنين ـ وليس لك ولد ـ عن الإمامة فيمن تكون من بعدك ؟ فقلت: في ولَدي. وقد وهب الله لك ابنَين، فأيّهما عندك بمنزلتك التي كانت عند أبيك ؟ فقال لي: هذا الذي سألتَ عنه، ليس هذا وقته... (6)

القول الثالث
• أنّ له ثلاثة، هم: عليّ بن عليّ ـ ولم يعقب ـ، ومحمّد بن عليّ ـ صهر المأمون، والعقب له ـ، والحسين. قال بذلك ابن حزم، (7) والشيخ سليمان القندوزيّ الذي عدّدهم على هذا النحو: محمّد الجواد، وموسى، وفاطمة. وأعقب محمّد ـ أي كانت منه الذرّيّة. (8) والسيّد الشريف عليّ بن محمّد العلويّ الذي أورد أسماءهم هكذا: موسى ومحمّداً [الجواد «عليه السّلام»] وفاطمة، ثمّ قال: فأمّا موسى فلم يعقب. (9)

القول الرابع
• أنّ أولاد الإمام الرضا عليه السّلام هم خمسة، أربعة بنين وبنت واحدة، وهو رأي سبط ابن الجوزيّ حيث كتب:
ـ وأولاده : محمّد الإمام أبو جعفر الثاني، وجعفر،وأبو محمّد الحسن ، وإبراهيم ، وابنة واحدة. (10)
وقد انفرد سبط ابن الجوزي بهذا الرأي، ولم يُسمّ البنت الواحدة.

القول الخامس
• أنّهم ستّة أولاد، خمسة ذكور وبنت واحد. وهذا ما عرضه الإربلّيّ مفصحاً بالقول: وأسماء أولاده: محمّد القانع، الحسن، جعفر، إبراهيم، الحسين، وعائشة. ثمّ قال:
ونُقل عن الحافظ عبدالعزيز بن الأخضر الجنابذيّ في (معالم العترة الطاهرة) أنّ للإمام الرضا عليه السّلام خمسةَ رجال وابنةً واحدة: محمّد الإمام، وأبو محمّد الحسن، وجعفر، وإبراهيم، والحسين، وعائشة. وقال بعد ذلك: قال ابن الخشّاب في (مواليد أهل البيت «عليهم السّلام»): وُلد له خمسٌ وابنة واحدة، أسماء بنيه: محمّد الإمام أبو جعفر الثاني، وأبو محمّد الحسين، وجعفر، وإبراهيم، والحسن، وعائشة فقط. (11)
وإلى هذا الرأي ذهب الحافظ أبو نعيم في (حلية الأولياء)، وكذا محمّد بن طلحة الشافعيّ، إذ كتب يقول: وأمّا أولاده فكانوا ستّة، خمسةَ ذكور وبنتاً واحدة، وأسماء أولاده: محمّد القانع، والحسن، وجعفر، وإبراهيم، والحسين، وعائشة. (12)

القول السادس
• ينفرد به أمين الدين أبو المكارم الحسينيّ الهَرَويّ، فيقول في كتابه(رشحات
الفنون): (13)
الذكور من أولاد الإمام الرضا عليه السّلام: الأول محمّد التقيّ، الثاني أبو جعفر الأكبر، الثالث أبو جعفر الأصغر، الرابع أبو محمّد الحسن، الخامس إبراهيم، السادس حسين. وكانت له بنت واحدة.
فهو يعدّد من الذكور ستّة، ومن الإناث واحدة لا يُسمّيها.
واشتهر أنّه كان للإمام الرضا عليه السّلام بنت، جاء في بعض مَن لا يُطمأنّ له كثيراً أنّ اسمها (عائشة)، فيما ذكر بعضٌ آخر هم أشهر وأوثق أنّ اسمها (فاطمة)، وما يؤكّد ذلك روايتها عن أبيها الرضا عليه وعليها السّلام، كما ذكر الشيخ الصدوق في كتابه القيمّ (عيون أخبار الرضا «عليه السّلام»)، حيث قال:
حدّثني أبو الحسن بكر بن أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن زياد بن موسى بن مالك الأشجّ العصريّ، قال: حدّثتنا فاطمة بنت عليّ بن موسى قالت: سمعتُ أبي عليّاً يحدّث عن أبيه عن جعفر بن محمّد عن أبيه وعمّه زيد، عن أبيهما عليّ بن الحسين، عن أبيه وعمّه، عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال: لا يحلّ لمسلمٍ أن يروّع مسلماً. (14)

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الذكرى الثانية والتسعين لهدم قبور أئمة البقيع
أوصاف جهنم في القرآن الكريم
العُجب رؤية قرآنية
العقل بين بصائر الوحي والتصورات البشرية
ترتيب أحداث ووقائع ظهور الإمام المهدي المنتظر
التميميّون من أصحاب الحسين (عليه السّلام)
مذاهب اليهود
صيانة القرآن من التحريف‏
الشفاعة و من یخرج من النار
أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة

 
user comment