عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

لابد من منقذ

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين
قال تعالى : ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (5) سورة القصص.
إذا نظر الإنسان بواقعية للمجتمعات البشرية الحاضرة على اختلاف طبقاتها وحضارتها ومدنيتها وتقدمها المادي والعلمي وما توصلت إليه في جانب التكنولوجيا الحديثة ، كل ذلك لم يمنعها لأن تعيش التخلف الأخلاقي والإيماني وأصبحت هذه المجتمعات مثل الوحوش الضارية يفترس بعضها بعضاً ويقضي قويها على ضعيفها وصحيحها على سقيمها وغنيها يأكل فقيرها بلا وازع ولا مانع ولا عطف ولا حنان ولا رحمة .
نعم .. العالم البشري أصبح يعيش الفوضى والتخلف حتى من الشعوب والدول التي تدّعي التقدم والحضارة والديمقراطية . إن الأحداث الأخيرة كشفت تلك الدعاوى الزائفة التي ضللت بها الشعوب المغفلة وخدعتها بها لعشرات السنين ، مرة أخرى تستيقظ أكثرية الشعوب من سباتها العميق وتتيقن جازمة أنه لابد لها من قدرة خارجة عن قدرة البشر هي التي تخلصها .. تلك القدرة الإلهية التي لا يحدها شيء ولا يقهرها شيء .
منقذ البشرية
إن فكرة المنقذ البشري والمخلص للعالم هي الفكرة التي لابد للعالم أن يؤمن بها الآن أو في المستقبل للحاجة الضرورية الماسة إليها .
الإسلام الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور وهو يعلم حاجاتهم وما يصلح أمورهم ويحل مشاكلهم وقد وضع لهم فكرة الرجل المصلح الذي سوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً ، ولن يحل مشاكل البشرية حلاً جذرياً وناصعاً إلا الإمام المهدي عليه السلام كما أخبر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أكثر من حديث .
وهذا لا يدعو إلى الخضوع والخنوع والانتظار السلبي حتى يخرج الإمام المنتظر عليه السلام ، بل يجب الاستعداد التام لخروجه وانتظاره والمشاركة في تغييره للعالم وهذا يحتاج إلى درجة كبيرة من الوعي والاستعداد التام للتشرف بحضوره .
الديمقراطية الحديثة
ما نشاهده ونسمعه اليوم حول العالم بلغ الذروة العالية في الانحطاط والظلم والعدوان وأصبحت شريعة الغاب هي المتحكمة في العالم وأصبح الظلم هو السائد في المجتمعات البشرية فالدول العظمى تتحكم في بقية الشعوب وتستعبدها بالقوة والظلم وتنهب خيراتها وثرواتها وأرزاقها وتنصّب عليها حثالات البشر وشذاذ الأمة يسومونها سوء العذاب يقتلون رجالهم ونسائهم أشد مما كان في زمان فرعون في ظلمه وعدوانه فإنه كان يذبح الرجال ويبقي النساء ، وأما الإبادة في عصرنا الراهن فلا تبقي ولا تذر لا من البشر ولا من الحيوانات ولا من الشجر.
إن ما يجري في عالم التمدن والتقدم حديثاً هو عين ما جرى وأكثر مما جرى في زمان الجاهلية الأولى بل لا يوجد بينهما نسبة .
إقامة الحجة
ولأجل هذا فإن المولى سبحانه أجرى السنن الإلهية في هذه الأمة كما أجراها في الأمم السالفة ، فأقام الحجة عليها كما أقامها على غيرها ، ففي ما مضى أرسل الأنبياء والمرسلين وأقام الأوصياء لئلا تكون للناس على الله الحجة بل لله الحجة البالغة على خلقه .
وكذلك في هذه الأمة بعد أن ﴿ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ وختم النبوات والرسالات بنبوة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم و أقام من بعده الأئمة الأوصياء الإثني عشر عليهم السلام كما دلت عليهم الأحاديث الصحيحة ، وحتى لا تخلو الأرض من حجة جعل آخرهم الإمام محمد بن الحسن العسكري بن الإمام علي الهادي عليهم السلام والذي تمر في هذه الأيام ذكرى ولادته والتي وقعت في 15 من شهر شعبان المعظم سنة 255 هـ وهذا هو الحجة لله على خلقه .
الإمام الحجة
إن الأدلة الشرعية التي تثبت بكل وضوح أن الحجة لله سبحانه على خلقه كما في قوله تعالى : ﴿ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [1] هذه عامة في كل زمان ومكان فليس لأحد على الله حجة قبل هذه الأمة وبعدها فالحجة قائمة عليهم ، إن الإمام الثاني عشر من أئمة الهدى هو الحجة على هذه الأمة بعد جده المصطفى وآبائه الأحد عشر عليهم السلام .
الغيبة الصغرى
الإمام الحجة عليه السلام له غيبتان ، صغرى وكبرى .
الصغرى : من يوم ولادته عليه السلام حتى وفاة السفير الرابع له ، وفي هذه الفترة استناب عنه النواب الأربعة وهم:
1- عثمان بن سعيد العَمْري كان وكيلاً للإمام الهادي والإمام العسكري ثم الإمام المهدي عليهم السلام .
2- ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان العَمْري توفي 304 هـ أو 305 هـ وبقي هو في هذا المنصب قرابة خمسين سنة حتى توفي وكان هو ووالده محل ثقة الأئمة الهادي والعسكري والحجة عليهم السلام .
3- أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي فقام بالأمر بعد أبي جعفر العَمري حتى توفي عام 326 هـ .
4- أبو الحسن علي بن محمد السمري ، قام بالأمر حتى توفي عام 329هـ . وقد صدر التوقيع من الإمام المهدي عليه السلام بانتهاء دور النيابة الخاصة والغيبة الصغرى .
الغيبة الكبرى
ومن وفاة السمري بدأت الغيبة الكبرى وصار الأمر إلى الفقهاء والمعبر عنهم بالنواب العامة للإمام المهدي عليه السلام [2] حتى يأذن الله له بالخروج .
الحكمة من الغيبة
لما كان الهدف من بعثة الأنبياء والرسل هو دعوة الناس إلى الله والهداية إليه وإظهار أحكامه وتنفيذها فمتى ما تمكنوا من القيام بهذه المهمة وجب عليهم ذلك وهم بين أفراد الناس ومتى لم يتمكنوا علانية وجب عليهم القيام بذلك ولو سراً وحينئذ فالأنبياء على قسمين :
1- المستعلنين : أي الظاهرين للعيان بين الناس .
2- المستخفين : وهم المستترين عن أعين الناس وذلك في صورة عدم تمكنهم من مزاولة مهماتهم ظاهراً .
قال تعالى : ﴿ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [3] بناء على أن الذين لم يقصصهم القرآن الكريم هم المستترون ، فتدل الآية أن بعض الأنبياء ظاهرون وبعضهم مستخفون .
وفي رواية حكاها عبد الحميد بن أبي الديلم قال : قال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام : يا عبد الحميد إن لله رسلاً مستعلنين ورسلاً مستخفين فإذا سألته بحق المستعلنين فسله بحق المستخفين ) [4] .
قال الشيخ الصدوق :
( فكانت حجج الله تعالى كذلك من وقت وفاة آدم عليه السلام إلى وقت ظهور إبراهيم عليه السلام أوصياء مستعلنين ومستخفين ، فلما كان وقت ظهور إبراهيم عليه السلام ستر الله شخصه وأخفى ولادته لأن الإمكان في ظهور الحجة كان متعذراً في زمانه ، وكان إبراهيم عليه السلام في سلطان نمرود مستتراً لأمره وكان غير مظهر نفسه ونمرود يقتل أولاد رعيته وأهل مملكته في طلبه إلى أن دلهم إبراهيم عليه السلام على نفسه ، وأظهر لهم أمره بعد أن بلغت الغيبة أمدها ) [5] .
وهكذا بعد وفاة إبراهيم عليه السلام له أوصياء مستعلنين ومستخفين إلى وقت موسى عليه السلام فكان الله أخفى ولادته وكان فرعون يطلب قتله وألقت به أمه في اليم ﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ ﴾[6] فكان موسى في حجر فرعون يربيه وهو لا يعلم بذلك ولا يعرفه ثم في نهاية المطاف دلهم على نفسه وأعلن دعوته .
ثم صار له أولياء مستعلنين ومستخفين إلى وقت عيسى عليه السلام وعيسى عليه السلام وإن لم يختف إلا أن له أوصياء ظاهرين ومستترين .
سنة الله
وهكذا حتى وصلت النوبة إلى خاتم الرسل حبيب إله العالمين صلى الله عليه وآله وسلم . قال تعالى : ﴿ مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ ﴾ [7] وقال تعالى : ﴿ سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا ﴾ [8] ، فنبينا على سنة الله التي جرت على الرسل عليهم السلام من قبله ومن تلك السنن هي إقامة الأوصياء من بعده وقد أخبر بعددهم وصفاتهم ومنهم الظاهر للعيان ومنهم المستتر عن أعين الناس .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله عن خاتم الأوصياء وهو المهدي عليه السلام وأنه ( يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ) في الحديث الذي نقلته الأمة وتقبلته بالقبول والاعتبار .
التمهيد للظهور
فعلى هذا متى ما كانت أرضية وإمكانية إقامة العدل الإلهي على ربوع المعمورة وعلى الناس كافة مهيئة فسوف تتحقق عوامل ظهور الإمام وقرب الفَرَج فالأنبياء والأوصياء إنما يستترون لعدم إمكانية إظهار دعوتهم وعدم توفر عوامل النجاح في تطبيقها فيضطرون إلى الاستتار ، ومتى ما أحسوا بعوامل النجاح ظهروا وأشاروا إلى أنفسهم .
فكذلك الإمام المهدي عليه السلام على هذا الهدي وهذه السنة الإلهية .
أنصار المهدي
فكل من يرغب أن يكون من أنصار المهدي عليه السلام يجب عليه أن يحقق تلك الأهداف التي جاء بها الأنبياء والأوصياء وإقامة العدل حتى يكون من أنصار المهدي عليه السلام ولذلك لابد له من الالتزام بما يلي :
1- أن يحمل عقيدة خالصة خالية من جميع الشوائب فيما يرجع إلى الله سبحانه في وجوده وتوحيده وصفاته وأسمائه وأفعاله .
2- الالتزام بالإسلام عقيدة ونظاماً ولا يستبدل به غيره .
3- التعرف على الأحكام الإسلامية وتطبيقها على نفسه أولاً وعلى أهله والمقربين إليه ثانياً ثم الأقرب فالأقرب .
4- التعرف على الأخلاق الإسلامية وتطبيقها على نفسه ثم على غيره .
5- الدفاع عن الإسلام والمسلمين بكل ما لديه من قوة وطاقة .
6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشرائطه .
7- الوقوف أمام الكفر العالمي بمختلف أشكاله .
الوعد الإلهي
إن الأمل الذي يراود الإنسان المؤمن هو أن يتحقق الوعد الإلهي الذي قطعه الله سبحانه وتعالى على نفسه ويتمنى المؤمن بين عشية وضحاها أن يتحقق ذلك الوعد .
فقوله عز من قائل : ﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ﴾ .
المن في اللغة : ما يوزن به لأنه ثقيل .
والمنة : النعمة الثقيلة ، ويقال ذلك على وجهين :
1- بالفعل فيقال مَنَّ فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة قال تعالى : ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ ﴾ [9] وقال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ ﴾ [10] ومنه قوله تعالى : ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ وهذا المنّ على الحقيقة ولا يكون إلا لله سبحانه .
2- بالقول : وذلك مستقبح بين الناس إلا عند كفران النعمة ولقبح ذلك قيل المنة تهدم الصنيعة قال تعالى : ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ﴾ (17) سورة الحجرات .[11]
وقد روى الكليني في الكافي والصدوق في الأمالي أن هذه الآية في أهل البيت عليهم السلام وهم المستضعفون وهم الأئمة الذين جعلهم الله للأمة وهم الوارثون فعن أمير المؤمنين عليه السلام : هي لنا أو فينا هذه الآية ﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ [12] .
وقال ملا صالح المازندراني حول الآية : ( أي ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض بالظلم عليهم وغصب حقوقهم ونجعلهم أئمة في الدين ونجعلهم الوارثين لعلوم الأنبياء والمرسلين وفي جعل الأرض ظرفاً للاستضعاف تنبيه على أنهم ذوو قوة عظيمة في الباطن ... ) [13] .
ولا يتنافى ذلك مع ملكهم للدنيا والدين وإقامة الحق والعدل كما بالنسبة إلى الإمام المهدي عليه السلام وأنصاره فإنهم سوف يكونوا أئمة للخلق ويسيطروا على المعمورة وسيرثون الأرض ومن عليها ويتحقق الوعد الإلهي وتقر عيون المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات بل يخضع الكل للعدل الإلهي .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين .

[1] النساء / 165 .

[2] انظر منتهى المقال ج7 ص482 – 483 .

[3] النساء / 164 .

[4] كمال الدين للصدوق ص51 .

[5] كمال الدين للصدوق ص52 .

[6] القصص / 8 .

[7] فصلت / 43 .

[8] الإسراء / 77 .

[9] آل عمران / 164 .

[10] النساء / 94 .

[11] مفردات الراغب ص529 بتلخيص .

[12] الأمالي للشيخ الصدوق .

[13] شرح أصول الكافي ج6 ص172 .


source : http://alradhy.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الشعائر بنظرة رسالية دموع زين العابدين وحزن زينب
في رحاب العدالة العلويّة (1)
مختصر من حياة الشهيد المظلوم أبي عبد الله الحسين ...
أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
كيف تعامل أهل البيت (عليهم السلام) مع الناس
روى البخاري في صحيحه (كتاب الأحكام) قول الله ...
ولاية علي شرط الايمان
تجدد النبوة والنبوة الخاتمة (2)
من أدعية أهل البيت (عليه السلام)
فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين

 
user comment