عربي
Wednesday 24th of April 2024
0
نفر 0

مصير الحجّة بعد الرسول ( ص ) في القرآن

ماذا نقصد بالإمامة ؟

في البدء لا بد من تحديد المقصود بالمفردة التي نتحدث عنها منعا للخلط الذي قد يعتري بعض الأبحاث نتيجة عدم تحديد مفردات البحث فيها . فنقول بأن الإمامة التي نريد أن نبحث عنها هنا هي : نوع وظيفة إلهية يتم اختيار الشخص الذي يوفق لها من قبل الله عز وجل فيكون حاملا للرسالة التي أنزلت على النبي ( ص ) من بعده ، عارفا بكل أبعادها من دون أن يكون نبيا .

فالرسالة مجعولة عند شخص ما بصورتها التامة بعد النبي ( ص ) كما هو ظاهر قوله تعالى ] الله أعلم حيث يجعل رسالته(1) [ ، ومن ثم يشكل هذا الإمام استمرارا للحجة الإلهية على البشر له ما للنبي       ( ص ) إلا أنه ليس بنبي . فهو عالم بالشريعة بمقدار علم النبي بها ، والحجة على الناس كما هو الحال بالنسبة للنبي ( ص ) وأولى بالمؤمنين من أنفسهم كالنبي ( ص ) فلا يجوز لأحد التقدم عليه أو مخالفته . 

وأما المخالف فلا يرى ثبوت مثل هذا المنصب بعد النبوة الخاتمة بأبعاده المذكورة آنفا ، بل كل ما يعتقد به هو وجود حاكم على المسلمين  يعين من قبل الناس ويعزل من قبلهم ولا علاقة له بالشريعة بالأصالة . نعم استثنوا الجيل الأول من الحكام فأعطوا سمة شرعية مميزة باعتبار أنهم من الصحابة . ولكنهم مع ذلك لا يرتبون الأثر المطلوب ، فهم على سبيل المثال يؤمنون بعلي (ع) كحاكم رابع ولكنهم لا يؤمنون بإمامته ، وإلا لاعتبروا من خالفه وقاتله كمن خالف وقاتل رسول الله ( ص ) مارق عن الدين .. وهذا واضح بيـّن .

أهمية البحث في هذا الأمر :
لا شك أن الإسلام هو دين الله تعالى الذي جاء لهداية كافة البشر، لذا يجب على الإنسان أن يعرف أحكام الإسلام الصحيحة الموجودة في القرآن والسنة .

واختلاف السابقين منذ عهد الصحابة قد سبب اختلافا شديدا في فهم القرآن ، واختلافا أشد في تحديد سنـّة الرسول ( ص ) والمصادر التي يجب أن تؤخذ منها ، فضلا عن الخلاف في فهمها . لذا كان لدراسة هذا الاختلاف أثر مهم في فهم الإسلام الصحيح وتمييزه لا إنها مشكلة تاريخية انتهت بموت أطرافها .

إعادة صياغة نقطة الخلاف :
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله حجة على الناس ولم يكن مجرد حاكم ، بل كان مبلغا للشريعة من قبل الله ، عالما بها وبمعاني كتاب الله عز وجل ، شاهدا على المسلمين ، قائدا سياسيا يجب أن يطاع على كل حال سواء كان خائفا ملاحقا في غار ثور أو كان رئيسا للدولة منتصرا على الأعداء فوجوب طاعته وكونه ولي أمر لم يكن بسبب حكمه للدولة بل هو حكم فرضه الله على المسلمين لأنه حجة الله عليهم ، وقيادة الناس سياسيا كانت إحدى مهامه لا كلها .
فإذا اقتضت الحجة رسولا بمثل تلك الصفات ليكون أهلا لها .. فما كان مصير الحجة بعده على أرض الواقع ؟
 


منهج البحث عن الحقيقة :
تسالم المسلمون على استقاء معارفهم ومتبنياتهم من ثلاثة مصادر في الشريعة :
الأول : العقل
الثاني : القرآن الكريم
الثالث : الحديث والسيرة

ونظرا إلى أن بحثنا معنون بعنوان الإمامة في جذورها القرآنية فسنركز على العرض القرآني للموضوع بنحو أساس مع ذكر النصوص المتفق عليها في توضيح بعض الآيات ، ولكن لا بد أن ننطلق من خلال استعراض البحث العقلي لدوره في تحديد الموضوع .
 

 

حديث العقل عن الإمامة:

لابد في البدء أن نستعرض موقف العقل المتسائل عن قضية الإمامة .

فأين الحجة بعد رسول الله ؟

فرسول الله ( ص ) وإن كانت حقيقته المميزة له هي كونه نبينا بل خاتم الأنبياء ، ولكن الحاصل الذي ينعكس على الأمة كونه حجة بمعنى أن الشريعة كلها وجدت ببعثته ( ص ) فهو المحل الذي جعلت فيه أولا ، وينقطع بذلك عذر أي من البشر بعدم المعرفة ثانيا ، وثالثا هو الحاكم الذي يحسم الأمور في المجتمع الإسلامي .

وبعبارة أخرى هو ( ص ) ذو أبعاد ثلاثة هي العلم والشهادة والحكم إضافة إلى خصوصيته ( ص ) كنبي مرسل ، والأول واضح في قوله تعالى ] هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين(2) [ ، والثاني في قوله تعالى ] يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا (3)[ ، والثالث في قوله   ] Uفلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم(4) [.

 

كما أن العقل يرفض إهمال الشريعة الخاتمة لمصير تلك الجوانب وعدم اتخاذ موقف تجاهها وذلك لسببين مهمين :

الأول : أن المفروض هو استمرار وجود شريعة خاتم الأنبياء بين البشر إلى يوم القيامة ، فوضوح معالم وأسس حفظ هذه الشريعة الخاتمة أمر ضروري لكل إنسان يريد أن يهتدي بدين الله بعد وفاة رسوله الخاتم .

والقرآن أساس تحصيل تلك الهداية واجتناب الضلالة ، قال تعالى :   ] ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين(5) [. ولذلك حفظ القرآن فقال تعالى : ] إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (6)[. ولكن مقدارا مهما من أحكام الإسلام والبيان الصحيح للقرآن نفسه محفوظ في سنة النبي الخاتم ( ص ) ، ولا ريب بأن حفظ الإسلام مرهون بحفظ السنة المباركة . وهذا الحفظ يحتاج إلى تحديد معالم الجهة الحافظة للشريعة حتى يتسنى الرجوع لها . فأين هي الجهة الحافظة ؟

الثاني : هو تصريح القرآن بالوجود الفعلي لولي الأمر وحاكم المجتمع الإسلامي بعد وفاة الرسول ( ص ) ، حيث قال تعالى : ] أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم(7) [ ، وحاشا الله تعالى أن يكلف العباد بما لا يطيقون ، فيكلفهم طاعة من لا يعرفون ولا يستطيعون معرفته . فلابد من تحديد ولي للأمر أو بيان طريقة تحديدهم .

 

أما القائلون بأن رسول الله ( ص ) نص على علي (ع) فيرون أن الحافظ والشاهد وولي الأمر تحدد شخصه بهذا التعيين . وأما المخالفون لهذا الرأي فيرون أن الشريعة أهملت هذا الجانب ولم تتخذ موقفا منه ، فيجوز عندهم أن يكون الأمر شورى بين أفراد الأمة ، أو بين أهل الحل والعقد أو يعين من قبل الحاكم السابق ، أو يجوز أن يتعين بالقهر والغلبة .

 

و عند الاحتكام إلى القرآن سيتضح وبجلاء اهتمام هذا الكتاب العزيز بشأن بيان الحجة والمنصب الإلهي ومحله الذي جعله الله فيه بالمعنى الذي في قوله تعالى ] الله أعلم حيث يجعل رسالته(8)[ وبين ذلك كله باستعراض للخطوط العريضة لها ، وأوكل التفصيل وذكر الأسماء إلى السنة الشريفة ، وهذا محور حديثنا التالي .
 

الحجة بأبعادها الثلاث :
إن الكلام عن الحجة الإلهية يستلزم تناول أبعادها الثلاثة البارزة في القرآن ، وهي : العلم والشهادة والحكم .
وما نسعى إليه هو بيان الآيات التي تتحدث عن هذه الجوانب للحجة بعد رحيل رسول الله ( ص ) ، مع التركيز على التصريح القرآني بضابطتين لا تتفقان إلا مع عقيدة الشيعة الإمامية ، وهما :
أن الجهة التي حملت تلك الأبعاد تعلق بها اصطفاء إلهي .
أن المصطفين من عترة خاتم الرسل صلى الله عليه وآله .
وستناول في البداية الأبعاد الثلاثة مشيرين إلى علاقتها بالضابطتين المذكورتين .

 

أولا : العلماء بالكتاب بعد رسول الله ( ص )

وهنا ينبغي التقديم بنقطتين :

الأولى : أن عبارة آتيناهم الكتاب في القرآن لا تتعلق دائما باليهود والنصارى .
إن من أهم المفردات التي يستخدمها القرآن حين الحديث عن علم الأنبياء السابقين لفظتي الكتاب والحكمة ، كما في قوله ] وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة(9) [ . والظاهر أنه لا يقصد به خصوص العلم بالكتاب السماوي الذي ينزل على النبي بدليل قوله تعالى عن عيسى بن مريم ] وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل(10) [ ، حيث يفهم من الآية أن الكتاب غير التوراة و الإنجيل .ة
وقد خوطب رسول الله ( ص ) بمثل هذا الخطاب كما في قوله تعالى] وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم (11)[ إذا ، فما يجده المؤمن القارئ لكتاب الله أن هناك حديثا قرآنيا عن أشخاص أوتوا علم الكتاب مع رسول الله ( ص ) ولا يمكن أن تحمل على أن المقصود بها اليهود والنصارى ، فلاحظ قوله تعالى : ] الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون (12)[ .

وكذلك قوله تعالى: ] والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعوا وإليه مآب(13) [ .

وقوله تعالى : ] وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا (14)[ .

فلا يمكن حمل عبارة " الذين أوتوا الكتاب " في هذه الآيات على اليهود والنصارى ليكون المقصود بالكتاب التوراة والإنجيل ، فتأمل .. وسيتضح لك بأن هناك من أعطاه الله علم الكتاب من أمة النبي صلى الله عليه وآله .

النقطة الثانية : إن إتيان الكتاب قد يكون للنبي كفرد ، وقد يكون للعصبة الأسرية .

 ويدل عليه قوله تعالى ] وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين () ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم () ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون () أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين (15)[ ، فلاحظ قوله ] ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم [ .

وأوضح من ذلك قوله تعالى ] فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما(16) [ ، حيث صرح بأن الإتيان لآل إبراهيم (ع) .

بل إن القرآن يصرح بأن الكتاب لم يؤت لشخص الرسول فحسب بل لمجموع عبر عنهم بأنهم أوتوا الكتاب ، قال تعالى :

] وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون () وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمنك إذاً لارتاب المبطلون بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون(17) [.

وقد قسمت الآية الناس إلى :

] فالذين آتيناهم الكتاب [ ومدحتهم وبينت بأن كلهم يؤمنون بالكتاب .

] ومن هؤلاء [ أي الناس المعاصرين فبعضهم يؤمن لا كلهم .

] الكافرون [ وهم اليهود والنصارى من أهل الكتاب والمشركين الذين قالت عنهم بأنهم يجحدون ولا يؤمنون .

وأما إن اعتبرت الذين آتيناهم الكتاب هنا اليهود والنصارى فهذا غير  معقول ، إذ يكون معناها حينئذ أن اليهود والنصارى كلهم يؤمنون بما أنزل على رسول الله ( ص ) ، فبطلانه واضح .

إذا ، فالقرآن يثبت أن الكتاب قد يؤتاه النبي وحده ، وقد يؤتاه النبي كقائد ورئيس لآله وقد يكونوا مثله أنبياء وقد لا يكونوا

آيات أخرى تدل على المطلوب :

وفي آيات أخرى تجد أن القرآن الكريم يذكر العلماء بتعبير ] أوتوا العلم [ كما في قوله : ] ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد(18) [ . ومثله قوله تعالى : ] بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم(19) [ ، والآية صريحة بأن القرآن واضح بيـّن عندهم ، لا في كتاب وقرطاس فحسب وإنما في الصدور .

وتارة تجدهم بعنوان ] الراسخون في العلم [ ، حيث قال تعالى    ] وما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا(20) [.

خلاصة الكلام هنا أن :

 الكتاب ليس دائما هو التوراة والإنجيل ، بل هو أمر جليل آخر.

أن الكتاب قد يؤتاه النبي ، وقد يؤتاه النبي وآله .

أن الكتاب قد آتاه الله لمجموع مع رسول الله صلى الله عليه وآله ويرثوه بعده .


source : http://zainealdeen.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

في أصالة الوجود واعتبارية الماهية
المخالفون والولاية التكوينية الإعتقادبها ولكن ...
الموت أفضل من الحياة
أفعال الإنسان
الحلم وکظم الغیظ
نظرية الصدفة في خلق العالم:
نظرة الكتب المقدسة إلى النساء، نظرة تقدير أم ...
إثبات الأشاعرة لرؤيته تعالى في الآخرة
الأخوة في القرآن الكريم
من أنزل عليه القرآن

 
user comment