عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

انتفاضة الخامس من حزيران



وفي حزيران عام 1963م اطلّ محرم الحرام. فبادر الإمام الخميني لاستثمار هذه الفرصة في تحريك الجماهير ودفعها لمواجهة النظام الملكي المستبد. وفي (عاشوراء انطلق مئات الآلاف من المتظاهرين في طهران وهم يحملون صور الإمام، وتجمعوا أمام "قصر المرمر" (محل إقامة الملك) ورددوا ـ لاول مرة في العاصمة ـ شعار "الموت للدكتاتور"، ثم تلتها مظاهرات أخرى في الايام اللاحقة، تجمع فيها المتظاهرون في الجامعة والسوق المركزي (البازار) وفي مقابل السفارة البريطانية معلنين عن دعمهم لنهضة الإمام.

وفي عصر يوم عاشوراء لعام 1383هـ. (3 حزيران 1963م) القى الإمام في المدرسة الفيضية خطابه التاريخي، والذي كان البداية لقيام الخامس من حزيران. وقد خصص سماحته القسم الاعظم من خطابه لاستعراض المصائب التي الحقتها العائلة البهلوية بالبلاد، وفضح العلاقات السريّة بين الملك واسرائيل. وفي هذا الخطاب اطلق الإمام صرخته مخاطباً بالقول: "ايها السيد! اني انصحك! يا جناب الملك! يا حضرة الملك! اني انصحك، بأن تكف عن ممارساتك هذه! انهم يستغفلونك. ولست ارغب ان يبادر الجميع للتعبير عن شكرهم لله في اليوم الذي تنحى عن السلطة.. فإذا كانوا يلقنونك ما تقول، فاني ادعوك ان تفكر قليلاً، واستمع لنصيحتي.. فما هي العلاقة بين الملك واسرائيل حتى تطالبنا مدير الامن بعدم التعرض لاسرائيل… فهل الملك اسرائيلي؟"

وقع خطاب الإمام كالمطرقة على روح الملك الذي كان ما اصيب به من جنون القدرة والتكبر الفرعوني على لسان الخاصة والعامة. لذا اصدر اوامره بكم صوت الثورة هذا، فبادرت قوات امنه اولاً لاعتقال جمع من انصار الإمام في ليلة الرابع من حزيران، وفي فجر يوم الخامس من حزيران داهم المئات من رجال الكوماندو الذين تمّ ارسالهم من طهران، منزل الإمام الخميني لاعتقاله، في وقت كان الإمام يؤدي نافلة الليل، ونقل على الفور إلى طهران ليودع في معتقل (نادي الضباط) ثم نقل في غروب ذلك اليوم إلى (سجن قصر).

انتشر خبر اعتقال الإمام بسرعة في مدينة قم وضواحيها، فانطلق الرجال والنساء نحو منزل قائدهم وهم يرددون شعار "الموت أو الخميني" الذي ملأ ارجاء المدينة. وقد بلغ الغضب الشعبي حدّاً دفع رجال الشرطة في البداية إلى الفرار، إلا أنهم عادوا لمواجهة الجماهير بعد ان تسلحوا بمختلف التجهيزات العسكرية، وبعد أن تم ارسال قوات دعم من المعسكرات المحيطة بالمدينة.

وبينما كانت جموع الجماهير تغادر حرم السيدة المعصومة (ع) فتحت قوات النظام التي استقرت خارج الحرم المطهر نيران اسلحتها الاوتوماتيكية، ولم تمض عدة ساعات على المواجهة بين الجماهير وقوات النظام، حتى دار حمام الدم في المدينة، ولم يكتف النظام بذلك، فقد ارسلت عدة طائرات مقاتلة للتحليق في سماء المدينة واختراق حاجز الصوت لادخال الرعب والهلع في قلوب الجماهير.

تمّ مواجهة الانتفاضة بالسلام والنار للسيطرة على الاوضاع. بعدها بادرة العجلات العسكرية لجمع اجساد الشهداء والجرحى من الشوارع والازقة لنقلهم بسرعة إلى أماكن غير معلومة. وفي غروب ذلك اليوم كانت مدينة قم تعيش حالة النكبة والحزن.

في صباح يوم الخامس من حزيران كان خبر اعتقال الإمام قد وصل إلى طهران؛ مشهد؛ شيراز وسائر المدن مما فجر اوضاعاً مشابهة في تلك المدن. انطلقت مجاميع الناس من اهالي (ورامين) والمناطق المحيطة بطهران نحو العاصمة. ولما كانت دبابات النظام وآلياته وقواته المسلحة قد احاطت بالعاصمة للحيلولة دون وصول المعارضين إليها، فقد اشتبكت قوات النظام مع تلك المجاميع في تقاطع (ورامين) مما ادى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى من الاهالي.

كذلك اقيم تجمع جماهيري حاشد في السوق المركزي بطهران وفي مركز المدينة، راح يردد شعار "الموت أو الخميني" وهو في طريقه إلى قصر الملك. كما انطلقت سيول الجماهير من جنوب مدينة طهران متوجهة نحو مركز العاصمة يتقدمهم طيب الحاج رضائي والحاج اسماعيل رضائي ـ وهما اثنان من فتوات منطقة جنوب طهران ـ وقد اعتقل هذين الاخوين فيما بعد، وفي 2 تشرين الثاني 1963م تم اعدامهما ونفي انصارهما إلى مدينة بندر عباس.

لقد كشف النديم الدائم للملك (الفريق الركن حسين فردوست) في مذكراته، النقاب عن استخدام افضل الخبرات الامنية والسياسية الأميركية آنذاك للقضاء على الانتفاضة، وكذلك عن الهلع الذي اصاب الملك والبلاط وقادة الجيش والسافاك في تلك الساعات، وكيف اتخذ الملك وخبراته قرار سحق الانتفاضة. يقول فردوست: "قلت لأويسي (قائد فرقة الحرس الخاص): بأنّ السبيل الوحيد هو ان تقوم بتسليح جميع الطباخين والخدام وعمال التنظيف والحراس وغيرهم الموجودين في فرقتك…".

كتب اسد الله علم رئيس الوزراء في مذكراته يصف ما خاطب به الملك ذلك اليوم قائلاً: "لو كنا تراجعنا لكانت الفوضى عمت ايران بأسرها ولتعرض نظامها للسقوط المهين. وآنذاك كنت قد ذكرت لكم ـ الملك ـ بأننا يجب ان نصّر على مواجهة هذا الموقف حتى وإن تطلّب الامر تنحيتي عن موقع المسؤولية والاعلان عن استنكاركم لما فعلت، ثم الحكم عليّ بالاعدام والقاء تبعة ذلك على عاتقي من اجل انقاذكم".

على أيّ حال، اعلنت الاحكام العرفية من الخامس من حزيران في كلّ من طهران وقم، وعلى الرغم من ذلك فإن تظاهرات واسعة انطلقت في الايام اللاحقة وكانت تنتهي كل مرة بالمواجهة الدامية.

كان الخامس من حزيران 1963م يوم انطلاقة الثورة الإسلامية للشعب الايراني.

بعد تسعة عشر يوماً من الاعتقال في سجن قصر، تمّ نقل الإمام الخميني إلى معتقله الجديد في معسكر (عِشْرَت آباد).

بعد يومين من انتفاضة الخامس من حزيران، وصف الملك ذلك القيام الشعبي بأنه فوضى وعمل وحشي نجم عن اتحاد الرجعية السوداء والحمراء، وسعى لربط ما حدث بالخارج ونسبته إلى اشخاص امثال جمال عبد الناصر. ولم يخف على احد حينها تهافت الادعاءات التي اطلقها الملك. وعلى العكس تماماً من ادعاءات الملك تلك، فإن حزب تودة وسائر الشيوعيين الايرانيين اصرّوا في كتاباتهم ومواقفهم المعلنة على اعادة وتكرار وجهة نظر موسكو حول أحداث الخامس من حزيران والتي كانت تصرح بها من خلال الاذاعة والصحف الصادرة في الاتحاد السوفيتي والمتمثلة في اعتبار تلك الانتفاضة حركة رجعية عمياء للوقوف بوجه الاصلاحات التقدمية التي كان الملك يرغب في تنفيذها.

كذلك فإن احداً لم يصدق الادعاء الكاذب للملك، والذي اراد من خلاله توجيه الاتهام إلى جمال عبد الناصر رغم كل محاولات السافاك ودسائسه في هذا السبيل. فالاستقلال التام لانتفاضة الخامس من حزيران، كان بدرجة من الوضوح لم تتمكن معه امثال هذه الترهات الواهية من الطعن فيه.

وباعتقال قائد النهضة وممارسة القتل الوحشي بحق الجماهير في الخامس من حزيران عام 1963م، تكون النهضة قد اجهضت في الظاهر.

وفي محبسه امتنع الإمام الخميني عن الردّ على اسئلة المحققين، معلناً بوضوح وشجاعة بأنّ الهيئة الحاكمة في ايران والسلطة القضائية تفتقد باجمعها إلى الشرعية القانونية والصلاحية الرسمية، وفي زنزانته الانفرادية في معسكر عشرت آباد لم يفرط الإمام الخميني بالفرصة التي سنحت له فراح يكثر من مطالعة كتب التاريخ المعاصر؛ منها: تاريخ الحركة الدستورية في ايران. وبعض مؤلفات (جواهر لعل نهرو).

بعد اعتقال سماحته انطلقت الاصوات المعارضة الواسعة من قبل علماء الدين ومختلف طبقات الشعب ومن شتى انحاء البلاد مطالبة باطلاق سراح قائدها. فقام جمع من العلماء الاعلام بالسفر إلى طهران للاعلان عن معارضتهم لاعتقال الإمام. وكان الخوف من اقدام النظام على تصفية الإمام يثير القلق بين الجماهير ويدفعها لاظهار ردّ فعل قوي. وقد تعرض بعض العلماء الذين تجمعوا في طهران لهجوم ازلام السافاك، وتمّ اعتقالهم وايداعهم السجن لمدة من الزمن.

وعندما رأى الشاه بأنّ انتفاضة الخامس من حزيران وجهت ضربة للاستقرار والضمانات التي اعطاها لأميركا، حاول ان يقلل من أهمية تلك الانتفاضة ويظهر بأنّ الاوضاع عادية وخاضعة لسيطرته. من جانب آخر كان الغضب الجماهيري نتيجة استمرار اعتقال الإمام في تنام مطرد. لذا اضطر النظام في الثاني من آب 1963م إلى نقل الإمام من معتقله ليوضع تحت الاقامة الجبرية في منزل تحاصره قوات الامن في منطقة (الداوديّة) بطهران. وبمجرد اطلاع اهالي طهران على انتقال القائد، اخذوا يتوافدون على منطقة الداودية. ولم تمرّ عدّة ساعات على تجمع الاهالي حتى اضطر النظام إلى تفريق الجموع ومحاصرة المنزل بشكل علني بواسطة رجال الشرطة.

في مساء الثاني من آب نشرت صحف النظام خبراً مختلقاً مفتعلاً يشير إلى التوصل إلى اتفاق بين مراجع التقليد والمسؤولين في الحكومة، ولم يكن بمقدور الإمام الخميني الاطلاع على الخبر أو تكذيبه، غير ان العلماء الاعلام كذبوا من خلال بياناتٍ اصدروها آنئذٍ وقوع مثل هذا الاتفاق أو التفاهم. وقد تميز البيان الذي اصدره آية الله المرعشي النجفي (ره) بحدّة اللهجة والتأكيد على فضح اساليب النظام، فكان من البيانات البالغة التأثير.

بعد هذه الاحداث تم نقل الإمام مخفوراً إلى منزل في محلة (قيطريّة) بطهران وبقي تحت الاقامة الجبرية هناك إلى يوم اطلاق سراحه 7 نيسان 1964م.

وفي الثلث الاول من عام 1964 تصور النظام بأنّ القسوة والحزم اللذين واجه بهما الجماهير في حادثة الخامس من حزيران، قد أديا إلى تنبيه الجماهير ودفعا المجاهدين إلى اختيار جانب السكوت، لذا حاول الايحاء بأن وقائع العام الماضي قد تمّ نسيانها.

وفي مساء السابع من نيسان 1964م تمّ ـ ومن دون اعلان مسبق ـ اطلاق سراح الإمام الخميني ونقله إلى قم. وبمحض اطلاع الجماهير على الامر عمت مظاهر الفرح مدينة قم بأسرها، وأقيمت الاحتفالات البهيجة في المدرسة الفيضية وسائر الاماكن، ودامت عدة أيام.

ولم تمر سوى ثلاثة أيام على اطلاق سراح الإمام الخميني حتى بادر سماحته إلى ابطال كل التصورات والدعايات التي روّج لها النظام، وذلك من خلال خطابه الثوري الذي القاه بعد اطلاق سراحه مباشرة؛ إذ جاء فيه: "لا معنى للاحتفال اليوم. مادام الشعب على قيد الحياة، فانه لن ينسى مصيبة الخامس من حزيران".

وتناول قائد الثورة في خطابه ابعاد انتفاضة 15 خرداد بالتفصيل. وفي رده على ما نشرته الصحف الاجيرة من اكاذيب قال سماحته: "كتبوا في افتتاحية احدى الصحف أن تفاهماً قد حصل مع علماء الدين، وان علماء الدين يؤيدون ثورة الملك والشعب البيضاء. أيّ ثورة هذه؟ وأيّ شعب؟… ان الخميني لن يساومهم حتى وان اعدموه… ولا يمكن تنفيذ الاصلاحات تحت اسنّة الحراب".

ولما كان السافاك قد اقدم على مؤامرة بث الفرقة وايجاد شرخ في صفوف المجاهدين في الحوزة العلمية ـ وذلك من خلال ايجاد الخلافات بين العلماء والمراجع ـ فقد تعرض الإمام الخميني في خطابه الذي القاه في المسجد الاعظم بقم بتاريخ 15 نيسان 1964م إلى هذه المسألة هادفاً إحباط تلك المؤامرة قائلاً: "اذا وجه أحدهم إهانةً لي، أو لطمني على وجهي، أو صفع اولادي، اقسم بالله تعالى بأني لا ارضى أن يهبّ احد لمواجهته والدفاع عني، لست ارضى، انني أعلم بأن بعضهم يهدفون ـ اما عمداً أو جهلاً ـ إلى بث الفرقة في هذا المجتمع… انني ومن موقعي هذا أقبّل ايادي جميع المراجع، من كان منهم هنا أو في النجف أو في سائر البلاد، في مشهد وطهران، واينما كانوا. اني أقبّل ايادي جميع علماء الإسلام. ان هدفنا اسمى من هذه الأمور، اني أمدّ يد الاخوة إلى جميع الشعوب الإسلامية، وإلى جميع المسلمين في مشارق الارض ومغاربها".

وفي هذا الخطاب كشف الإمام ايضاً النقاب عن العلاقات السريّة بين الملك واسرائيل وأطلق صرخته: "أيتها الجماهير! أيّها العالم! اعلموا بأنّ شعبنا يخالف أيّ اتفاق مع اسرائيل، إنّ من يقوم بذلك هو ليس شعبنا، ليس علماءنا، فإن ديننا يمنعنا من ابرام أيّ اتفاق مع اعداء الإسلام".

وفي هذا الخطاب ايضاً عبّر سماحته عن الملك بكلمة "التافه" فقال موجهاً الخطاب إليه بالقول: "لا يلتبس عليكم الأمر فحتى لو داهنكم الخميني، فإنّ الامة الإسلامية لن تداهنكم. لا تتوهموا فاننا مازلنا في الخندق نفسه الذي كنا فيه، نعارض كل اللوائح المخالفة للإسلام، ونقف في وجه تجبركم… ان شعبنا المجيد مستاء غاية الاستياء من اسرائيل وعملائها ومن الحكومات التي تصالح إسرائيل".

وفي الذكرى السنوية الاولى لانتفاضة الخامس من حزيران، اصدر الإمام وسائر المراجع بياناً مشتركاً، كما صدرت بيانات مستقلة عن الحوزات العلمية تم فيها تجليل ذكرى الانتفاضة واعلن يوم ذكراها يوم حداد عام.

وفي شهر تموز عام 1964م تمّت محاكمة المجاهد الكبير آية الله الطالقاني والمهندس مهدي بازركان ـ احد قادة حركة تحرير إيران ـ والذين أعلنوا عن دعمهم لانتفاضة الخامس من حزيران، في محكمة عسكرية وحكم عليهما بالسجن لمدة طويلة. فاصدر الإمام الخميني بياناً حذّر فيه الجماهير قائلاً: "ان على المواطنين ان يتوقعوا أياماً صعبة"، كما اقترح سماحته ان يعقد علماء الدين جلستان اسبوعية منتظمة لمتابعة اهداف النهضة وتوجيه الحركة الشعبية.

 

مواجهة "لائحة الحصانة القضائية"

وفي جانب آخر، كان الملك ـ وتحت الضغط الأميركي ـ مصمماً على تنفيذ الاصلاحات التي اعدت في البيت الابيض، متصوراً ان المذابح والمعتقلات والمحاكمات، قد ادت إلى ازاحة ثقل قوات المقاومة من طريقه. ولما كان ينتظر من الاصلاحات ان تقود إلى تحقيق الهيمنة الأميركية على البلاد وتمكينها من جلب خبرائها للتواجد بصورة مباشرة في سائر المجالات الاقتصادية والعسكرية وفي مختلف المواقع الحساسة في النظام الشاهنشاهي، لذا فمن الخطوات الاولى التي كان ينبغي تنفيذها هي ازالة الموانع الحقوقية والقانونية أمام وجود القوات الأميركية في ايران وضمان امنها واطلاق العنان لها. من هنا احتل موضوع احياء نظام الحصانة (الحصانة السياسية والدبلوماسية والقضائية للمواطنين الأميركان في ايران) مكانة في جدول الاعمال. فكان اقرار لائحة الحصانة من قبل مجلسي الشيوخ والشورى رصاصة الخلاص التي اطلقت على استقلال ايران المحاصرة المضطهدة.

ان القسوة التي مورست في سحق المناضلين وسجنهم ونفيهم، والحكم البوليسي للملك، كانت قد حبست الانفاس في الصدور وحالت دون ان يرتفع صوت معارض.

في هذا الجو المضطرب عقد الإمام الخميني العزم على اداء رسالته التاريخية والانتفاضة مرة اخرى، فاختار يوم السادس والعشرين من تشرين الاول ـ يوم مولد الملك الذي كانت تقام فيه الاحتفالات الاستعراضية وتنفق الاموال الطائلة ـ كيوم لفضح النظام. وقام بابلاغ ذلك عن طريق الرسائل والمبعوثين إلى علماء المدن الاخرى.

وفي محاولة لاخافة الإمام الخميني وثنيه عن عزمه على القاء خطاب في ذلك اليوم، قام الملك بارسال مبعوثه الخاص إلى قم. غير ان الإمام رفض استقباله، مما اضطر المبعوث إلى ابلاغ رسالة الملك إلى السيد مصطفى نجل الإمام البكر.

وفي اليوم الموعود، ودون الاكتراث بالتهديدات، القى الإمام الخميني واحداً من اشهر خطاباته في حشد كبير من علماء الدين واهالي مدينة قم وسائر المدن. كان ذلك الخطاب التاريخي ـ في الحقيقة ـ ادانة للحكومة الأميركية على تدخلاتها غير القانونية في شؤون البلد الإسلامي ايران، وفضحهاً لخيانات الملك. ابتدأ الإمام ـ وبصلابة لا توصف ـ خطابه بهذه الكلمات: "لقد سحقت عزتنا، لقد صودرت عظمة ايران ومجدها… لقد سحقت عظمة الجيش الايراني. لقد طرحوا على المجلس قانوناً جديداً يلحقنا بمعاهدة فينا، ويمنح المستشارين العسكريين الأميركيين وعوائلهم، وموظفيهم الفنيين والاداريين وخدمهم، حصانة تحول دون محاكمتهم إذا ارتكبوا أيّة جناية في إيران… أيها السيد! اني احذرك. ايها الجيش الايراني أني أحذركم… ايها السياسيون الايرانيون، أني احذركم… اقسم بالله: مأثوم من لا يصرخ… والله من لا يرفع صوته يرتكب كبيرةً… يا قادة الإسلام، هبوا لنجدة الإسلام. يا علماء النجف انقذوا الإسلام… يا علماء قم لبوا صرخة الإسلام".

وفي هذا الخطاب بالذات قال الإمام الخميني مقولته المشهورة: "… أميركا اسوأ من انجلترا… انجلترا اسوأ من أميركا.. بعضهم أخبث من بعض، غير اننا اليوم مضطرون للوقوف بوجه هؤلاء الخبثاء، بوجه أميركا.. فليعلم الرئيس الأميركي بانه اشدّ الناس بغضاً لدى ابناء شعبنا… كل مصائبنا بسبب أميركا، كل مصائبنا بسبب اسرائيل، واسرائيل ربيبة أميركا".

وفي ذات اليوم (26 تشرين الاول 1964م) اصدر الإمام الخميني بياناً ثورياً كتب فيه: "ليعلم العالم بأن كل المصائب والمشكلات التي يتعرض لها الشعب الايراني والشعوب الإسلامية، انما هي من الاجانب ومن أميركا. ان الشعوب الإسلامية مستاءة من الاجانب عموماً ومن اميركا خصوصاً… أميركا التي تدعم اسرائيل وانصارها، أميركا التي تسلّح اسرائيل لتشرّد العرب المسلمين".

وبذا فقد اثمرت جهود الإمام الخميني لفضح مؤامرة الحصانة في دفع إيران إلى حافة الثورة من جديد في تشرين الاول عام 1964م، غير ان الملك بادر وبسرعة لمواجهة الموقف مستفيداً من تجربته في انتفاضة الخامس من حزيران. هذا من جانب، ومن جانب آخر كان العديد من العناصر الدينية والسياسية البارزة والمدافعة عن نهضة الإمام يقبعون في تلك الايام في السجن أو المنفى. كذلك فإن عدداً من مراجع التقليد والعلماء الاعلام ممن ساهموا في أحداث الخامس من حزيران كانوا قد انسحبوا من الميدان تدريجياً والتزموا الصمت يدفعهم إلى ذلك الحفاظ على مصالحهم. وقد استمر الامر بهذا النحو حتى عام 1979 عام انتصار الثورة.

من جانب آخر بناءً على الوثائق التاريخية التي تمّ نشرها بعد انتصار الثورة الإسلامية، فإن بعضاً من امثال السيد شريعتمداري، كانوا قد سعوا وقتئذ إلى دفع بعض انصارهم ومؤيديهم لانتحاء الصمت وعدم مناصرة دعوة الإمام الخميني مستفيدين من نفوذهم ومواقعهم لتحقيق ذلك.

ان الخطر الاساسي الذي كان يهدد النظام الملكي هو وجود الإمام الخميني، الذي لم تجد معه أيّ حيلة لاجباره على السكوت. فهو الآن قائد محبوب ومعروف لجميع المجاهدين من الشعب الايراني، وهو مرجع تقليد لكثير من المسلمين. ولما كانت التجربة السابقة قد اثبتت بأن اعتقاله داخل البلاد سيضاعف من مشاكل النظام، ولما كان الاقدام على تصفيه جسدياً سيؤدي إلى تفجير اوضاع لا يمكن التنبؤ بعواقبها، لذا اتخذ النظام قراراً بنفيه إلى خارج البلاد.

 

نفي الإمام إلى تركيا

في فجر الرابع من تشرين الثاني عام 1964م، داهم رجال الكوماندو الموفدون من طهران منزل الإمام الخميني في قم لاعتقاله. واللافت ان سماحته كان لدى اعتقاله منهمكا في المناجاة وصلاة الليل تماماً كما كان حاله لدى اعتقاله في العام الماضي. وبعد ذلك تم نقل الإمام مباشرة إلى مطار (مهر آباد) الدولي. حيث كانت طائرة عسكرية بانتظاره، فأقلته مخفوراً من قبل رجال الأمن والشرطة إلى أنقرة ـ في تركيا ـ. وفي عصر اليوم نفسه نشر السافاك في الصحف المحلية خبر نفي الإمام بتهمة التآمر على النظام!

ورغم الجو الخانق الذي كان سائداً آنذاك، انطلقت موجات من الاحتجاجات والاعتراضات تجلت في مظاهرات عمت السوق المركزي بطهران، وفي تعطيل الحوزة العلمية دروسها لمدة طويلة، وارسال الطوامير والرسائل إلى المؤسسات الدولية وإلى مراجع التقليد.

وكان آية الله الحاج مصطفى الخميني قد اعتقل ايضاً في نفس يوم اعتقال الإمام واودع السجن. وفي الثالث من كانون الثاني عام 1965م تم نفيه إلى تركيا ليلتحق بوالده.

كانت ظروف منفى الإمام في تركيا عصيبة للغاية. فقد منع الإمام هناك حتى من ارتداء الزي العلمائي، غير ان أياً من تلك الضغوط الجسدية والروحية لم تفتّ في عضد الإمام وتجبره على الاستسلام.

كان اول محلٍ لاقامة الإمام في تركيا هو فندق (بولوار بالاس) في أنقرة (الغرفة رقم 514 من الطابق الرابع.) ولأجل اخفاء محل اقامة الإمام، تمّ في اليوم التالي نقله إلى شارع اتاتورك. ثم نقله إلى مدينة (بورسا) الواقعة على بعد 46 كم غرب أنقرة في تشرين الثاني عام 1964م لأجل عزله وقطع أيّ نوع من الارتباط معه.

وفي تلك المدّة سلب الإمام امكانية أيّ تحرك سياسي ووضع تحت مراقبة مباشرة ومشددة من قبل رجال أمن ايرانيين تم ارسالهم لهذا الغرض بالتعاون والتنسيق مع قوات الأمن التركية.

دامت إقامة الإمام في تركيا احد عشر شهراً، قام نظام الشاه خلالها ـ بسرعة منقطعة النظير ـ بتصفية بقايا المقاومة في إيران، وبادر في غياب الإمام إلى تنفيذ الاصلاحات التي رغبت أميركا في تنفيذها.

اضطر النظام ـ واستجابة لبعض الضغوط التي مارستها الجماهير وبعض العلماء ـ إلى السماح بسفر بعض الممثلين عن الجماهير والعلماء للاطمئنان على صحة الإمام وسلامته.

وخلال مدة إقامته في تركيا اشار الإمام ومن خلال الرسائل التي بعث بها إلى اقاربه ومؤيديه وعلماء الحوزة، اشار ـ تلميحاً وعن طريق الرمز والدعاء ـ إلى ثباته على مواقفه الجهادية، كما طلب ارسال بعض كتب الادعية والكتب الفقهية إليه.

كانت فترة الاقامة الاجبارية في تركيا فرصة ثمينة للإمام اغتنمها في تدوين كتابه القيم (تحرير الوسيلة). وهو الكتاب الحاوي لفتاوى الإمام الفقهية، ذكر فيها ـ ولاول مرة ـ مسائل تتعلق باحكام الجهاد والدفاع والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والمسائل العملية الهامة الاخرى، الامور التي كانت حتى ذلك الوقت منسيةً لا يتطرق لذكرها أحد.

جدير بالذكر ان آراء الإمام الاجتهادية في الفقه والاصول كانت قد نشرت ـ ومنذ سنوات قبل رحيل آية الله البروجردي ـ في العديد من آثار الإمام ومؤلفاته التي سيأتي ذكرها في خاتمة هذا الكتاب.

 

ومن تركيا إلى العراق

في الخامس من تشرين الاول عام 1965م، تم نقل الإمام الخميني بمعيّة نجله آية الله الحاج مصطفى الخميني من تركيا إلى منفاه الجديد في العراق. ولا يسعنا في هذه العجالة التعرض بتفصيل إلى علل واسباب تغيير منفى الإمام الخميني. ولكن نشير باقتضاب إلى انها تمثلت في الضغوط التي مارسها المتدينون والحوزات العلمية داخل البلاد، والمساعي والتظاهرات التي قام بها المسلمون خارج البلاد من اجل اطلاق سراح الإمام، كذلك حرص النظام الملكي على اظهار الاوضاع بالمظهر العادي والتدليل على قدرة وثبات نظامه للحصول علىمزيد من الدعم الأميركي. اضافة إلى المشاكل الامنية المتفاقمة في تركيا وتزايد الضغوط الداخلية من قبل الإسلاميين على الحكومة التركية. والاهم من كل ذلك تصور نظام الشاه بان الهدوء وعدم وجود الرغبة في التدخل في الامور السياسية الذي كان يسود الحوزة العلمية في النجف الاشرف؛ ووضع النظام الحاكم في بغداد، كل ذلك سيمثل حواجز كبيرة تحدّ من فعاليات الإمام الخميني.

بعد وصوله إلى بغداد توجه الإمام الخميني لزيارة مراقد الأئمة الاطهار في الكاظميين وسامراء وكربلاء، ثم سافر بعد اسبوع واحد إلى محل اقامته الجديد في مدينة النجف الاشرف.

ان الاستقبال الحاشد الذي حظي به الإمام من قبل طلبة العلوم الدينية وابناء المدن المذكورة، كان يدل بحد ذاته وخلافاً لتصورات الحكومة الايرانية، بأن نداء نهضة الخامس عشر من خرداد وجد له انصاراً في العراق والنجف الاشرف أيضاً.

وقد اثبت الإمام الخميني ـ منذ بداية وجوده في العراق وعبر لقائه المقتضب مع ممثل الرئيس العراقي آنذاك (عبد السلام عارف) ورفضه الاقتراح القاضي بعقد مؤتمر صحفي وتلفزيوني ـ بأنه ليس ذلك الشخص الذي يرضى بان يجعل من اصالة ثورته الالهية ثمناً للمصالحة بين نظامي بغداد وطهران.

وقد بقي هذا المنحى من الاستقامة صفة ملازمة لنهج الإمام طوال فترة اقامته في العراق، وبذلك اثبت الإمام الخميني بأنه أحد أندر القادة السياسيين في العالم ممن لم يقبلوا ـ وهم في أشدّ حالات التعرض للضغط والمشكلات ـ بالدخول في المهاترات السياسية المتعارفة والمساومة على اهدافه. كان يكفي ـ بعد ظهور المناوشات السياسية بين حكومتي بغداد وطهران ـ ان يعطي الإمام الخميني مواقفته المبدئية حتى تنهال عليه انواع الامكانات لتوضيفها في نضاله ضد الشاه، غير ان الإمام لم يمتنع عن الاقدام على ذلك وحسب، وإنما كان يقف في تلك المواطن على جبهتين لممارسة دوره الجهادي، وفي احيان عديدة بلغ الموقف حدّ المواجهة والقيام ضد النظام الحاكم في بغداد ايضاً.

ومما لا شك فيه لولا حنكة الإمام الخميني وحيطته لكادت الثورة الإسلامية أن تسير منذ ذلك الوقت في الطريق الذي طوته غالبية الحركات والجبهات والاحزاب السياسية الايرانية لأكثر من مرة، والذي لم ينته بها إلا إلى التبعية والخذلان.

إنّ الفترة الطويلة ـ والتي ناهزت الثلاثة عشر عاماً ـ التي امضاها الإمام الخميني في منفاه في النجف الاشرف بدأت في ظروفٍ ـ وإن كانت تبدو خالية من الضغوط والقيود المباشرة التي تعرض لها في إيران وتركيا ـ إلا أنّ المعارضة والمحاولات التحبيطية والكلام الجارح الذي كان يصدر من بعض العلماء القشريين واهل الدنيا المتخفين بلباس اهل الدين، كان بدرجة من الاتساع والايذاء جعلت الإمام يتحدث ـ رغم ما عرف عنه من صبر وحلم ـ عن ظروف الجهاد العصيبة في تلك السنوات بمرارة بالغة كلما مرّ ذكرها. لكنّ أيّاً من تلك المصائب والمصاعب لم تستطع ثني الإمام عن مواصلة الطريق التي اختارها بوعي وادراك.

كان الإمام قد ادرك مسبقاً بأن الحديث عن الجهاد والدعوة للنهوض في ذلك الجو فعل غير مجدٍ. وكان يتوجب عليه البدء من النقطة نفسها التي ابتدأ منها في سنوات ما قبل انتفاضة الخامس من حزيران، والحوزة العلمية بقم، بمعنى البدء بالاصلاح والتغيير التدريجي للظروف، وتربية وتعليم جيل بامكانه ان يتحمل مسؤوليته رسالته.

ومن هذا المنطلق شرع الإمام بتدريس بحوث خارج الفقه في مسجد الشيخ الانصاري في تشرين الثاني عام 1965م رغم الجهود المغرضة التي بذلت من اجل ثنيه عن ذلك. واستمر في اعطاء دروسه هذه حتى فترة ما قبل سفره إلى باريس.

وقد قادت المباني المتقنة للإمام في الفقه والاصول، وتسلطه على مختلف فنون واقسام المعارف الإسلاميّة، بعد فترة وجيزة إلى جعل درسه وحوزته من ابرز الحوزات الدراسية في النجف الاشرف كماً وكيفاً رغم ما بذله الرجعيون من جهود مثبطة محبطة. وكان يحضر درسه الطلبة الايرانيون، والباكستانيون والعراقيون والافغان والهنود والخليجيون وغيرهم لينهلوا من نبع علومه الدفّاق. وقد شجع ذلك انصار الإمام ومحبيه ممن كانوا في ايران في الهجرة الجماعية إلى النجف الاشرف. غير ان توصيات الإمام الخميني بضرورة البقاء وحفظ الحوزات العلمية في إيران منعتهم من تنفيذ رغبتهم، وان كان العديد من عاشقي الإمام الخميني قد انطلقوا نحو النجف الاشرف، وقد ساعد ذلك بالتدريج في ايجاد بؤرة لتجمع الثوريين المعتقدين بنهج الإمام، الذين حملوا على عواتقهم ـ فيما بعد ـ مسؤولية ايصال بيانات الإمام النضالية في سنوات الكبت والاضطهاد.

ومنذ وصوله إلى النجف الاشرف لم يقطع الإمام الخميني ارتباطه بالمجاهدين في داخل ايران، فقد اتخذ من المبعوثين والرسائل وسيلة لحفظ ارتباطه ذاك. وقد حرص على تضمين رسائله، التوصيات القيّمة حول ضرورة الثبات على مواصلة النهضة لتحقيق اهداف انتفاضة الخامس من حزيران. والعجيب ان كثيراً من الرسائل التي كان يبعثها الإمام الخميني كانت تتضمن الاشارة إلى قرب وقوع انفجار عظميم على صعيد السياسي والاجتماعي في ايران، ومطالبة المجتمع العلمائي الايراني باعداد العدّة لتحمل مسؤولياته في هداية المجتمع في المستقبل، في وقت كانت ظواهر الامور تشير إلى انعدام الامل بتغيّر الظروف السياسية والاجتماعية، وفي ظروف كان النظام الملكي يبدو فيها اكثر اقتداراً نتيجة قضائه على جميع جيوب المعارضة الشعبية.

وبنفي الإمام الخميني وممارسة القمع والاضطهاد الشديدين بحق المعارضة، ابتدأ اسوأ فصول حكومة الملك البوليسية. فقد تحول (السافاك) إلى وسيلة لممارسة القدرة الملكية المطلقة، حيث بلغ الأمر حدّاً جعل توظيف اصغر موظف في ابعد نقطة من البلاد مرتبطاً بموافقة جهاز السافاك. ولم يبق في هذا العهد من السلطات الثلاث إلا اسماؤها، فقد كان الملك وبعض افراد البلاد وازلامه من الرجال والنساء هم المسؤولون عن كل نشاطات البلاد. ولقد اكدت اعترافات الملك ـ التي سطرها في آخر كتاب أصدره واللقاءات التي اجريت معه ـ وما كتبه اقرباؤه والمنسوبون إليه من موظفي وازلام البلاط ومن امراء الجيش واقطاب النظام الآخرين والتي نشرت بعد سقوط النظام الملكي في ايران، وكذا الوثائق التي تمت مصادرتها من السفارة الاميركية في ايران، اكدت بما لا يدع مجالاً للشك ان الملك والبلاد لم يكونا سوى آلاتٍ مسلوبة الارادة لا غير، وان ما كان يصدر عن البلاط والنظام الملكي، حتى تعيين الوزراء وقادة الجيش وتنظيم اللوائح المهمة، كان يتم بواسطة السفارة الأميركية ـ والانجليزية احياناً ـ. ونكتفي هنا بالاشارة إلى مقطعين مما كتبه الشاه للتدليل على ذلك، كتب محمد رضا يقول: "كان سفيرا انجلترا واميركا يؤكدان لنا في كل لقاء: بأننا سنقف إلى جانبك. وخلال خريف وشتاء عام 1978 ـ 1979م، شجعونا على ايجاد جو سياسي مفتوح… غالباً ما كان السياسيون أو المبعوثون الأميركان الذين كنت استقبلهم، يشجعونني على الثبات والصمود. ولكن عندما سألت السفير الأميركي عن ذلك، اجابني بأنّه لم يتلق حتى الآن أمراً بذلك… وقبل ذلك بعدة اسابيع، وعندما استقبلت مسؤول الاستخبارات الأميركية الجديد في طهران دهشت لتصريحاته، تحدثنا قليلاً عن الجو السياسي المفتوح وإذا بي انظر ابتسامة عريضة ترتسم على محياه… على أيّة حال، إن اولئك الذين كانوا لسنواتٍ طويلة حلفاءنا الاوفياء، كانوا يضمرون لنا عجائب غريبة فاجأونا بها".

الطريق ان الشاه حاول في هذا الكتاب الايحاء بأن هذه العوامل والاسباب الخارجية المفاجئة، هي التي أدّت إلى سقوط نظامه، حتى انه صرح بأن الجنرال ربيعي ـ قائد القوة الجوية ـ قال للقضاة قبل إعدامه: ان الجنرال هايزر، القى بالملك خارج البلاد كما يلقي بفأرة ميتة!" والحال ان حديثه هذا يعتبر بحدّ ذاته تحريفاً للتاريخ. فطبقاً للوثائق والمستندات التي لا تحصى ـ وأهمها واوضحها اعترافات الجنرال هايزر نفسه في كتابه ـ فإن من المؤكد أن الجنرال هايزر كان قد وفد إلى طهران من أجل الحفاظ على النظام الملكي الذي كان يتهاوى تلك الأيام، وكان بصدد تنظيم انقلاب عسكري للسيطرة على الاوضاع في تلك الفترة الحرجة.

وعلى فرض قبول ادعائه هذا، فإن الملك وخلافاً للاسم الذي اختاره لكتابه، لم يعط أي جواب للتاريخ، وإلا فهل يمكن مع كل تلك الادعاءات التي كان يدعيها ـ من قبيل مخاطبته لكورش بالقول: "نعم، فنحن يقظون!!" وغير ذلك مما اطلقه طوال 37 عاماً من حكومته ـ أن يتعامل مع استقلال بلاده بهذه الطريقة، بحيث يتمكن جنرال أميركي من الدرجة الثالثة أو الرابعة خلال اقامته في طهران لعدّة أيام من إلقائه كالفأرة الميتة خارج البلاد!؟

على أيّة حال، فبعد ضرب انتفاضة الخامس من حزيران، ونفي الإمام من البلاد، لم يرد الملك حينها أي عقبة إمامه تحول بينه وبين تحقيق تطلعاته. فقد وصلت الامور في البلاد إلى وضع اصبحت بعض نساء البلاد يمارسن دورهن في عزل وتنصيب الوزراء والنواب والقضاة، حتى اطلق على (اشرف بهلوي) أخت الملك لقب (الكلّ بالكل) في وقت كانت فضائحها الاخلاقية وترأسها لعدّة عصابات تمارس تهريب المخدرات تملأ الصحف والمجلات الأجنبية، وان اختيار احد البهائيين (أمير عباس هويدا) الذي كان يردد مقولته المشهورة دوماً: "روحي فداء لجلالة الملك" وبقاءه على سدة رئاسة الوزراء الشكلية لا يعني سوى انعدام استقلال السلطات الحاكمة، وانعدام أي أثر وعلى ادنى المستويات لدور الجماهير في السلطة.

كان الملك يسعى بقوة نحو التمدن العظيم الذي كان يتوهمه وراح ينفق من قوت ابناء الشعب على الحضارة المرتكزة إلى ترويج الثقافة الغربية، وشيوع التحلل والتفسخ الأخلاقي، والإغارة على الثروات الوطنية والقومية عبر المئات من الشركات الأميركية والاوروبية في إيران، وتخريب البنية التحتية للزراعة الايرانية المستقلة نسبياً، وترحيل القوى المنتجة الايرانية، إلى القرى والأرياف وتحويلها إلى قوى معطلة ومستهلكة، وتوسيع الصناعات التجميعية الذيلية وغير الضرورية، وتجهيز ونصب محطات الانذار المبكر ومحطات التنصت والجاسوسية والقواعد العسكرية الأميركية في ايران وفي منطقة الخليج الفارسي.

ففي الفترة من عام 1970 إلى 1977 وحدها انفق مبلغ 26.4 مليار دولار من عائدات النفط على الواردات التسليحية الايرانية من أميركا، وخلال عام 1980 وحده كان الملك قد ابرام اتفاقاً لاستيراد ما قيمته 12 مليار دولار من الاسلحة الأميركية؛ الامر الذي أريد من خلاله ـ وبناءً على سياسة البيت الأبيض ـ الحفاظ على المصالح الأميركية في منطقة الخليج الفارسي الحساسة، وهي مهمة انيطت أيضاً بالمستشارين الأميركان الذين بلغ عددهم آنذاك (60) ألف مستشار.

كان نظام الشاه وفي أوج ثباته ودون أن يعاني من أيّ مشكلة خارجية، وكان يبيع ستة ملايين برميل من النفط يومياً، في وقت لم تكن نفوس ايران تتجاوز 33 مليون نسمة، وكان سعر البرميل الواحد من النفط قد تجاوز الثلاثين دولاراً للبرميل الواحد، وذلك لاسباب عديدة منها الحرب العربية الاسرائيلية والمساعي الغربية لتخزين كميات أكبر من النفط لاجل مواجهة التوقف المحتمل في تدفق النفط الإسلامي نحو الغرب واحتمال تعاضد الدول الإسلامية المنتجة للنفط بوجه الغرب، في حين كانت العديد من طرق البلاد الرئيسية غير معبدة، والقسم الاعظم من ابناء الشعب محروم من نعمة الكهرباء. بل من أبسط الحاجات الاساسية والوضع الصحي المطلوب.

في ذلك الوقت وبينما كانت مناطق واسعة من البلاد تعاني من ظروفٍ كالتي ذكرنا، كان عشرات الرؤساء والقادة والوزراء من البلدان الأخرى يجتمعون في العاصمة طهران لمشاهدة الاحتفالات بمناسبة مرور ألفين وخمسمائة عام على بداية الامبراطورية الفارسية ليسعدوا برؤية تلك الاحتفالات الاسطورية. ولما كان المئات من العمال والعاطلين المشرّدين يعيشون في الاقبية وأكواح الصفيح في جنوب وشرق وغرب طهران ووسطها، في حالة يرثى لها من الفقر والتردي الصحي، ولما كان هذا الأمر من السعة والانتشار في طهران إلى درجة كبيرة، فقد أجبر النظام اثناء تلك الاحتفالات على القيام بإحاطة هذه الاحياء ـ خصوصاً الواقعة منها على جانبي الطرق التي تمر منها الوفود الأجنبية ـ باسوار جميلة ومطليّة حتىلا تظهر آثار التمدن العظيم للعيان!!

وفي تلك الايام كانت العديد من المحلات السكنية في جنوب وغرب طهران تفتقد إلى الماء الصالح للشرب. وقد وضع لكلّ مائة عائلة ماسورة ماء واحدة ليشربوا منها. وبلغ معدل الامية في عام 1976 (52.9%) بين من تتراوح اعمارهم بين السابعة وما فوق. وحينما فرّ الملك من ايران عام 1978م كان قد مضى على ثورته البيضاء والاصلاحات المدعومة من قبل أميركا خمسة عشر عاماً. وخلال تلك المدة ورغم انتاج وبيع النفط وسائر الثروات الوطنية بشكل مسرف، ورغم دعم الدول الاجنبية للنظام، فإن ايران لم تفشل في تحقيق استقلالها وحسب، وإنما كانت التبعية الاقتصادية والزراعية والصناعية تزداد يوماً بعد آخر، وكان التدهور الاقتصادي والفقر وضياع العدالة يزداد باطراد. اما من الناحية السياسية فقد حول الملك ايران إلى اكثر بلدان العالم عمالة للغرب وخصوصاً أميركا.

ورغم الظروف الصعبة والمعقدة التي كان الإمام الخميني يمرّ بها في منفاه، فإنه لم يكف عن الجهاد والوقوف بوجه النظام الملكي. وكان يبعث الأمل بالنصر المؤزر في النفوس من خلال خطاباته وبياناته. فقد كتب في 16 نيسان 1976 في بيان مخاطباً الحوزات العلمية: "انني اطمئنكم أيها السادة المحترمون وأطمئن الشعب الايراني بأن النظام سوف يهزم. فإن اسلاف هذا النظام كانوا قد تلقوا الصفعة من الإسلام، وهؤلاء ايضاً سينالون نصيبهم. استقيموا ولا تستسلموا للظلم، ان هؤلاء راحلون وانتم الباقون… إنّ هذه السيوف الصدئة سوف تعود إلى اغمادها…".

وفي ذلك اليوم كتب الإمام الخميني رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء (أمير عباس هويدا) استعرض فيها ممارسات النظام المجرمة وحذّره من الوقوف إلى جانب اسرائيل في مقابل الدول الإسلامية قائلاً: "لا تعقدوا عهد الاخوة مع اسرائيل عدوة الإسلام والمسلمين، التي شردت اكثر من مليون مسلم. لا تسيئوا إلى عواطف المسلمين، لا تطلقوا يد اسرائيل وعملائها الخونة في اسواق المسلمين اكثر من هذا، لا تعرضوا اقتصاد البلاد للخطر من اجل اسائيل وعملائها. لا تضحوا بثقافتنا من أجل اسرائيل وعملائها. لا تضحوا بثقافتنا من اجل اهوائكم… خافوا غضب الجبار، واحذروا سخط الشعب… {إنّ ربَّك لبالمرصاد}".

غير أنَّ الشاه لم يكترث لتحذيرات الإمام الخميني. ورغم أن البلدان الإسلاميّة كانت على اعتاب حرب مع اسرائيل، كانت البضائع والسلع الإسرائيلية رائجة في السوق الإيرانية وتتمتع بدعم خاصٍ من النظام، فكانت انواع الفواكه والمواد الغذائية تعرض في الأسواق الايرانية بأسعار متدنية نافست المنتجات الداخلية وعرّضتها للبوار.

وفي 7 حزيران 1967م اصدر الإمام فتواه الثورية بتحريم أي نوع من العلاقة التجارية والسياسية للدول الإسلاميّة مع إسرائيل، وحرّم شراء البضائع الاسرائيلية، وذلك بمناسبة حرب الايام الستة بين العرب واسرائيل، وقد ألحقت الفتوى ضربة قوية بالعلاقات المتنامية بين نظام الشاه واسرائيل.

كذلك مارس العلماء وطلبة العلوم الدينية في ايران، ضغوطاً ضد حكومة الشاه من خلال اصدار البيانات وتوزيع المنشورات، مما دفع النظام إلى ترجمة انتقامه عملياً، وذلك بالهجوم على منزل الإمام الخميني في قم ومصادرة الكثير من الوثائق والكتب الخاصة به، ثم الهجوم على المدارس الإسلاميّة في المدينة وجمع آثار وصور الإمام الخميني، وخلال هذه الهجمات ألقي القبض على نجل الإمام الخميني هجمة الإسلام السيد أحمد الخميني، وكذا حجة الإسلام الحاج الشيخ حسن الصانعي، والمرحوم آية الله الإسلامي (وكيل الإمام في الاستفتاءات الشرعية). فقد أدت جهودهم مع سائر أنصار الإمام الخميني الثوريين إلى إفشال مخططات وممارسات السافاك والنظام الملكي التي هدفت إلى قطع المرتبات الشهرية الموزعة من قبل الإمام، والحؤول دون ارسال الحقوق الشرعيّة من قبل الجماهير إلى مرجعهم.

وكان السيد أحمد (نجل الإمام) قد تعرض قبل مدة من ذلك للاعتقال اثناء عودته من النجف، وذلك عند الحدود العراقية الإيرانيّة بعد ان كان قد سافر من قم إلى النجف لاستلام رسائل واوامر الإمام الخميني حول مواصلة النهضة وكيفية ادارة منزله في قم. وقد سيق بعد اعتقاله إلى سجن (قزل قلعة) وذلك اوائل عام 1967م.

واستناداً إلى الوثائق التاريخية التي تمّ الحصول عليها من دوائر السافاك، فإن جهود منظمة الأمن تركزت في تلك الفترة على قطع الارتباط بين الإمام ومقلديه في ايران والحيلولة دون قيام الإمام بدفع المرتبات الشهرية إلى طلبته في الحوزة العلمية بقم. وقد تظافرت وتواصلت في غضون ذلك جهود وكلاء الإمام الشرعيين في إيران من أمثال ذوي السماحة: الإسلامي التربتي، والحاج الشيخ محمد صادق الطهراني (الكرباسچي) وآية الله البسنديدة (شقيق الإمام الخميني الاكبر) رغم التهديدات التي عرضهم النظام لها، ورغم تكرار اعتقالهم وابعادهم. كذلك ساهمت الجهود التي بذلها المسؤولون عن إدارة منزل الإمام في قم والذين اصبح مقراً لادارة النهضة ـ وكان يُدار من قبل نجل الإمام الخميني ـ في منع النظام من تحقيق اهدافه.

لقد كان السافاك يبدي حساسية كبرى تجاه النشاطات الهادفة إلى احياء اسم الإمام الخميني وذكره وتنشيط دور منزله في قم، إلى درجة دفعته إلى وضع منزله تحت الرقابة المتواصلة عبر مجموعة من عناصر وبعض عناصر الشرطة التي كانت تراقب المنزل طوال ساعات النهار وقسماً من ساعات الليل، وتحول دون تردد المراجعين والمقلدين على المنزل. غير أنّ المراجعين والمقلدين كانوا يفدون على منزل الإمام في ساعات متأخرة من الليل وذلك بعد ذهاب المأمورين، للحصول على الاجوبة والتوجيهات اللازمة.

في تلك الايام (حزيران 1967م) كان النظام يفكر في إعادة نفي الإمام الخميني مجدداً من النجف إلى الهند إلا انه لم يكتب لمخططه النجاح نتيجة قيام العديد من مؤيدي الإمام والتيارات السياسية بمواجهته وفضحه داخل البلاد وخارجها.

وبمجيء حزب البعث (17 تموز 1968م) إلى السلطة في العراق تضاعفت الضغوط والعقبات إمام نهضة الإمام الخميني، وذلك للطبيعة العدائية التي يكنها حزب البعث للحركات الإسلاميّة. غير ان الإمام لم يكف عن مواصلة النهضة، إذ منحته اقامته في النجف، ونهضة العالم الإسلامي بشأن قضية الحرب بين العرب واسرائيل، الفرصة لتوسيع نطاق جهاده المتمثل في احياء الاعتقاد الديني في عصر مظلومية الدين، والعثور على الهوية، واستعادة الامجاد السابقة وتحقيق وحدة الأمة الإسلامية وعدم انحساره في مواجهة الشاه.

ففي لقائه مع ممثل حركة فتح الفلسطينية في 11 تشرين الاول 1968م، اوضح الإمام الخميني آراءه حول مختلف المسائل التي تهمّ العالم الإسلامي، وجهاد الشعب الفلسطيني، وأكد في ذلك اللقاء وجوب تخصيص جزء من مبالغ الزكاة للمجاهدين الفلسطينيين.

في اوائل عام 1969م اشتدت الخلافات بين النظام الايراني ونظام حزب البعث الحاكم في العراق حول الحدود المائية المشتركة بين البلدين. وقد بادر النظام العراقي آنذاك إلى ترحيل اعداد كبيرة من الايرانيين المقيمين في العراق في ظروف سيئة جداً، كما سعى جاهداً لاستغلال العداء بين الإمام الخميني والنظام الايراني. من جانب آخر كان شاه إيران يتحين الفرصة للعثور على ادنى مبرر للنيل من استقلال نهضة الإمام الخميني. لكنّ الإمام وبحنكته المعهودة وقف بوجه الدسائس التي كان كلا النظامين يحوكانها. وقد قام آية الله السيد مصطفى الخميني ممثلاً عن والده بتسليم مذكرة احتجاج على ترحيل الطلبة والكسبة الايرانيين المقيمين في العراق، إلى الرئيس العراقي أحمد حسن البكر وسائر المسؤولين ممن حضروا اللقاء، تضمنت رفض أي نوع من المصالحة والتنسيق بين الإمام الخميني والنظام العراقي.

في 21 آب 1969م قامت مجموعة من الصهاينة المتطرفين باحراق جانب من المسجد الاقصى. وعلى الفور أعلن الشاه الذي واجه ضغوطاً من الرأي العام، اعلن عن استعداده لتقبل نفقات تعمير المسجد، وذلك في محاولة للتخفيف من غضب المسلمين ضد اسرائيل. وفي هذه الاثناء اصدر الإمام الخميني بياناً فضح فيه مكائد الشاه واقترح في المقابل: "مادامت فلسطين محتلة، فعلى المسلمين ان لا يقوموا باعادة بناء المسجد الاقصى وترميمه، فليتركوا هذه الجريمة التي ارتكبتها الصهيونية ماثلة أمام انظار المسلمين لتكون سبباً لدفعهم نحو تحرير فلسطين".

ان اربعة اعوام من التدريس وجهود التوعية التي مارسها الإمام الخميني استطاعت ان تغير وضع الحوزة إلى حدّ ما، ففي عام 1969م أصبح لدى الإمام مخاطبين جدد من العراقيين واللبنانيين ومن سائر بلاد المسلمين ممن اتخذوا من نهضة الإمام الخميني أسوة لهم، فضلاً عن الاعداد الكبيرة من المجاهدين داخل البلاد.

وفي مطلع عام 1970م شرع الإمام بتدريس سلسلة بحوثه حول الحكومة الإسلامية أو (ولاية الفقيه)؛ وقد ادى نشر هذه المجموعة من الابحاث في كتاب تحت عنوان (ولاية الفقيه أو الحكومة الإسلامية) ـ في ايران والعراق ولبنان وفي موسم الحج ـ إلى تفجير موجة جديدة من الحماس في صفوف المجاهدين. لقد عرض هذا الكتاب ـ وعلى لسان قائد الثورة ـ ابعاد الجهاد وأهداف النهضة والمباني الفقهيّة والاصولية والعقلية للحكومة الإسلامية والمباحث النظرية التي تتناول اساليب الحكومة الإسلاميّة.

في نيسان 1970م نشرت الصحف الأميركية خبر وصول هيئة رفيعة المستوى من الرأسماليين الأميركان برئاسة روكفلر إلى ايران. وقد وصل هذا الوفد لتحري الطريقة التي يتمّ من خلالها اعادة عائدات النفط الإيراني إلى أميركا، فتلك العائدات كانت قد بدأت منذ ذلك العام بالتزايد بشكل جنوني، لذا صار لازماً معرفة سبل مشاركة الشركات الأميركية في هذه الغنيمة.

ورغم ان السافاك كان قد منع ـ منذ عدة اشهر ـ العديد من العلماء من انصار الإمام الخميني من ارتقاء المنبر، إلا ان علماء الدين الملتزمين وبعد اطلاعهم على آراء الإمام حول مسألة الحكومة الإسلاميّة اندفعوا إلى فضح مخططات الشاه ومعارضة تزايد النفوذ الأميركي في ايران. وكان آية الله السعيدي من اشدّ مؤيدي الإمام معارضة لما كان يجري، مما عرضه إلى الاعتقال في شهر نيسان 1970م، ولم يمض على اعتقاله اكثر من عشرة أيام حتى فارق الحياة نتيجة التعذيب الشديد الذي تعرض له في دهاليز سجن قزل قلعة على ايدي السافاك.

وعلى اثر شهادته اصدر الإمام الخميني بياناً تأبينياً خلد فيه جهاد هذا الرجل مؤكداً من خلاله: "إنّ المرحوم السعيدي ليس وحده الذي سقط في سجنه معارضاً لهذا الوضع المؤسف" وقد جاء في هذا البيان ايضاً: "إنّ الخبراء واصحاب رؤوس الاموال الأميركان هجموا على ايران، باعتبارهم من اكبر المستثمرين الاجانب، وذلك لتكريس أسر الشعب الايراني المظلوم… ان أيّ اتفاق يبرم مع اصحاب رؤوس الأموال الأميركان وسائر المستعمرين يخالف ارادة الشعب واحكام الإسلام".


source : http://alhikmeh.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ملامح عصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )
ابتکار نظرية الصحابة
غزوة بدر الكبرى أسبابها وأهميتها
مناظرة أمير المؤمنين(ع) مع رجل من أهل الشام في ...
احتجاج الإمام علي(ع) بحديث الغدير
الاسرة والحقوق الزوجية
الملهوف على قَتلى الطفوف
نساء يأكلن من خبز النفايات لإشباع بطونهن ، في ...
بعث الإسلام مجدداً وتعميم نوره على العالم:
خروج الحسين: سؤال الحرية؟

 
user comment