عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

يوم الكوثر

يوم الكوثر

في النصف الثاني من عام 1320هـ، ولد في إيران مولود غيّر ـ فيما بعد، بثورته الالهية ـ مصير إيران والعالم الإسلامي. وفجّر ثورة اصطفت في وجهها منذ البداية القوى المهيمنة على العالم واعداء حرية الشعوب واستقلالها كافة، سعياً للقضاء عليها. غير أنهم عجزوا ـ بفضل الله ومنّه ـ عن مواجهة انجازه العظيم، وخابوا في الاساءة إلى العقيدة والفكر الذي كان ينادي به وينافح عنه.

وقتئذ لم يكن أحد يعلم ان العالم سيتعرف على هذا المولود ذات يوم باسم "الإمام الخميني"، مثلما لم يتصور أحد عندما بدأ ثورته أنه سيقف في مواجهة اعتى القوى العالمية، وسيدافع عن استقلال البلاد ومجد الأمة الإسلامية، وسيمسي محيي دين الله في عصر تمسخ فيه القيم.

 

الخلفية التاريخية

العشرون من جمادى الآخرة "يوم الكوثر".. لما قضى ابناء الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم) نحبهم، فرح مشركو قريش وراحوا يشنعون برسول الله بأنه أبتر لا ذرية له. فأنزل الله تعالى: {انا اعطيناك الكوثر .. إنّ شانئك هو الابتر}.. فكان يوم العشرين من جمادى الآخرة يوم تدفق كوثر الولاية والإمامة على هذه الارض، حيث ولدت سيدة نساء العالمين الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع)، ولتصبح فيما بعد زوج وأنيس إمام العدالة الانسانية الخالد، وأُمَّاً لذرية تقف في طليعتها كواكب الإمامة الأحد عشر، الذين اضاءوا طريق هداية الانسانية، وكان كل من ابعاد حياتهم حكمة الهية. فصلحهم وحربهم، ومناجاتهم وسكوتهم، وعلمهم وحلمهم، وحياتهم الحافة بالمقاومة والعذاب والمختومة بالشهادة، وآخرها غيبة المهدي الموعود؛ كلّها الهية تدل على أن عباد الله مسدَّدون في زمن التحدي والتردي وتكالب الزمان، وانّ دعاة الحق ومنائر الهداية حاضرون دوماً يمارسون دورهم في هداية البشرية، وانّ الارض لا تخلو من حجة الله على خلقه ابداً.

ومع بداية عصر الغيبة، تواصل الصراع الدائم بين الخير والشر. وجيلاً بعد جيل وقف الطغاة وعبدة المال والمفسدون في جبهة الظلام، وفي الجهة الأخرى وقف المؤمنون والصالحون والاخيار في وادي النور، لتتواصل المواجهة فيما بينهم.

كانت انوار الوحي قد اضاءت آفاق العالم. وزاد الإسلام من دائرة انتشاره بعد أن وجد طريقه إلى قلوب عباد الله الاخيار، فضم ما حوليه من الشرق ووصل إلى قلب اوربا في الغرب، وشكّل حضارة عظمى لم يسبق لها مثيل، وشهدت البشرية تحولاً عظيماً في العلوم والآداب والثقافة والفنون وفي مختلف مظاهر الحضارة الحقيقة؛ كل ذلك على اساس محكم من الايمان والعقيدة. إذ كان تقبل الفطرة السليمة لرسالة الرسول الامين التحررية، بدرجة من العمق والسعة اعجز حكّام السوء، مع كل ما أوتوا من ظلم وجور، من الوقوف في وجه تقدم هذه الرسالة الالهية.

كانت اوربا تحترق في بربرية القرون الوسطى. وتخندق الماديون المهيمنون على عباد الله المظلومين في ذلك الجزء من العالم، خلف الصليب للحيلولة دون سطوع رسالة النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ الذي بشَّر به السيد المسيح (ع) ـ على دنياهم المظلمة، لكي لا تبور بضاعة الكنيسة التي أخذت تعرض في القرون الوسطى عقيدة خالية من الروح، وتقيم حكومة تفتيش العقائد الاوروبية، التي عدّت بحق وصمة عار في تاريخ البشرية. ومما يدعو إلى الحيرة والاسى معاً هو أنهم في ذات الوقت الذي انتبهوا لأنفسهم وعزموا على القضاء على دين الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلّم)، كانت قد اندلعت في هذا الجزء من العالم نيران النفاق ونزعة التسلط وسادت الفرقة والاختلاف.

وفي غضون ذلك توفرت جملة من العوامل ساعدت في ظهور ارضية التحولات العلمية والصناعية في اوروبا، واستحواذ القوى والحكومات المعادية على التكنولوجيا ووسائل التقدم. وأضفى انتشار العلوم والفنون الحديثة ـ الذي كان للحضارة الإسلامية دور مهم ومصيري فيها ـ على المجتمع الاوروبي البدائي المتخلف رونقاً خاصاً. وبدلاً من أن يفكر قادة البلدان الإسلامية بما يصلح حالهم واحوال شعوبهم، رجّحوا الاستسلام للغفلة والتخلف بدلاً من المبادرة للعمل والاجتهاد؛ فنتج عن ذلك تنامي سطوة الاعداء يوماً بعد آخر، فانطلقوا يوسعون من مناطق نفوذهم حتى باتت ـ مع الاسف ـ مناطق مترامية الاطراف من العالم الإسلامي تحت هيمنة الدول الاستعمارية. وهكذا تواصلت القصة المؤلمة لسلطة القوة والمال والكفر وتدخُّل المستعمرين السافر والخفي في مصير البلدان الإسلامية عدّة قرون.

وتوالت في ايران سلالات الملوك والسلاطين على الحكم. ورغم الظلم والجور المتواصل الذي مارسته هذه السلالات الحاكمة، إلاّ أن الشعب الايراني المناضل، الذي لبى طواعية نداء التوحيد ورسالة الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم)، كان حتى وقت متأخر يرفع لواء الحضارة الإسلامية وثقافتها. غير أن ظلم الملوك، ودسائس الاستعمار الحديث الذي هدف من ورائها إلى بث الفرقة والتنازع؛ كانا في تزايد مطرد، خاصة وان الاعداء دخلوا الميدان هذه المرة بواسائل جديدة، وبذريعة الاعمار والتقدم. وقد قادت خيانات السلاطين القاجار، وما اقترن بها من اجتياح للاراضي الايرانية من قبل الانجليز والروس القياصرة؛ إلى ايجاد ظروف صعبة وقاسية. إذ كانت سفارات الدول الاستعمارية تتدخل بشكل سافر في جميع شؤون البلاد بما في ذلك عزل وتنصيب امراء البلاط والوزراء ومسؤولي المناصب العسكرية الهامة. كما تم في هذه الفترة العصيبة التخلي عن مناطق شاسعة من ارضنا الإسلامية إلى الاجانب عبر اتفاقيات مشينة، في وقت كانت البلاد تشكو من انعدام الأمن والعدالة وتفشي الفساد الاداري.

وخلال هذه الاحداث كشفت كل من فتوى العالم المجاهد الكبير آية الله العظمى الشيرازي بشأن نهضة تحريم البتغ والتي عرفت بـ "حركة التنباكو"؛ ودعوات الاصلاح التي اطلقها السيد جمال الدين الأسد آبادي؛ وقيام علماء الدين في ايران والنجف الاشرف بوجه الاستعمار البريطاني؛ كشفت عن مكانة علماء الإسلام واقتدار المؤسسة العلمائية الإسلامية في التأثير على مجرى الاحداث، الأمر الذي جعل الانجليز يدركون مكامن الخطر، مما دفعهم إلى ممارسة مختلف انواع الحيل والدسائس للتصدي لعلماء الدين، واشاعة سياسة الفصل بين الدين والسياسة؛ فظهرت حينها الماسونية، والمتغربون الجدد المتلبسون بلباس الثقافة، الذي أضرم وجودهم النيران في المعركة المشتعلة داخل البلاد. هذا من جهة. ومن جهة اخرى كان الملك مظفر الدين القاجاري يفتقد إلى أيّة قاعدة شعبية بين ابناء شعبه، لذا كان يتطلع إلى البلاطين الروسي والانجليزي. وبطبيعة الحال، كانت سائر البلاد الإسلامية تعيش حالاً مشابهة مؤسفة ايضاً.



source : http://alhikmeh.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

افتتح البخاري صحيحه بالطعن في النبي صلى الله ...
فاطمة بنت أسد عليها السّلام
في رحاب نهج البلاغة (الإمام علي عليه السلام ...
المأساة والتأسي
محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ...
الموالي و اعدادهم من قبل الائمة ـ عليهم السلام .
المقال الذي سبب أزمة فى مصر
مناظرة الشيخ المفيد مع أبي القاسم الداركي في حكم ...
الليلة الوحيدة في التأريخ
الحكومة البويهية والتشيع .

 
user comment