عربي
Wednesday 24th of April 2024
0
نفر 0

ابن طاووس لا يبيع دينه



ذكروا أن رضي الدين بن طاووس(1) كان قد مرّ ببغداد ، فتوقف بها مدة خمس عشرة سنة . وكان سبب ذلك ـ كما ذكروا ـ هو وجود الوزير مؤيد الدين بن علقمي ، المعروف بالولاء الشديد لأهل البيت (عليهم السلام) ، فيما كان يعمل في البلاط العباسي كوزير للمستنصر .

وعندما عرف المستنصر(2) بمكانة ابن طاووس العلميّة والدينيّة ، طلب منه أن يتولى منصب المفتي الأعظم للبلاد الإسلامية . غير أن ابن طاووس رفض طلب الخليفة ، ثم أوضح سبب ذلك في رسالة بعثها إلـى ولده  وكان مما جاء فيها : ( يا بني ، لا تُحمد عاقبة من تواطأ مع الظالمين،  ولا يرجى خيرٌ من عالمٍ جلس على موائدهم ، فهم يستبدلون الدين بالدنيا ، ويشترون الفتاوى بمئات الدنانير، فهل أبيع ديـني بدنياهم .. هيهات . فإنما هـي القطيعة مع الله سبحانه ).

الوصايا الست

غضب كسرى ملك الفرس مرة على ( بوذرجمهر) الحكيم المشهور ، فأودعه السجن . وأراد أحد رؤساء الشرطة أن يقف علـى أحوال السجين ومعنوياته ، فدخل عليه في محبسه ، وسأله عن أحواله ، فوجده قوي القلب ، ثابت العزيمة ، متهلل الوجه رغم ما حلّ به من نصب وعذاب .

ووسط تعجب الشرطي ودهشته ، تبسّم الحكيم وقال : سينقضي عجبك هذا ، لو عرفت ان سبب طمأنينتي هو ان عندي دواءاً مركباً من ستة عناصر ، صنعته بيدي وانا لا افتر عن تناوله .

سأل الشرطي : وما هو ذلك الدواء العجيب ؟

فأجاب الحكيم : بالتوكل على الله القادر ، والاعتقاد بقدرته والتسليم بقضائه ، والتحلي بالصبر والاستقامة ، والاعتقاد بأن الجزع والضجر لن يوصلا إلى نتيجة فعوّدت نفسي على تحمّل المصائب والمشاق ، والإيمان بوجود من هو أسوأ مني حالاً فشكرت الله على ذلك . ثم يقيني بأن التفاؤل يجلب الفرج .

أقول : نعم من توكل على الله سبحانه كفاه الأمور ومنحه السرور .

شجاعة البهبهاني أنفذته من القتل

دخل الشيخ محمد علي البهبهاني ، صاحب كتاب ( مقامع الفضل ) على ملك إيران السلطان كريم خان زند ، وكان محمد خان القاجاري يقف إلى جوار الملك .

وجّه السلطان سؤالاً للشيخ يتعلق بمحمد خان ، فأعرب الشيخ عن رأيه بكل صراحة ، مما أغضب محمد خان ، لكنه أسرّها في نفسه ولم يبدها .

ومرّت الأيام ، وانتقل الحكم الى محمد خان ، ثم سمع الملك بأنّ الشيخ محمد علي البهبهاني في طريقه إلى مشهد عبر مدينة طهران . وعنـدما وصل الشيخ منطقة السيد عبد العظيم ، أصدر الملك أمراً بمنع الشيخ من دخـول طهران ، وعليه الخروج من منطقة السيد عبد العظيم بأسرع وقت ، ثم كلّف وزيره فتح علي شاه بإيصال القرار إليه . لكن الشيخ بعد وصول الخبر أمر بأن تضرب له خيمة على مدخل طهران ليسكنها! وهكذا عادت أخبار الشيخ إلى القصر . فتوجه الملك إلى وزيره وقال : لنذهب إليه ، فإن في نفسي سؤالاً أحب أن أسمع جوابه منه ، فإن أجابني بمثل جوابه من قبل أكرمته وعززته ، وإلاّ قتلته من دون تردد.

وعندما سأل الملك الشيخ سؤاله القديم ، وهو محاط بحراسه وجنده ، أجابه الشيخ وهو في خيمته بجوابه القديم بلا تهيّب أو مبالات .

هنالك توجه الملك إلى وزيره وقال : حقاً ، أن هـذا الشيخ عالم تقيّ ، ويستحق الاحترام والتوقير .

أقول : وهكذا يجب أن يكون العالم شجاعاً في سبيل إقامة حكم الله سبحانه .

لا أضع يدي بيد الظالم

أصدر رضا خان(3) ـ البهلوي ـ ، حاكم إيران ، أمــره إلى عبد الــله الــطهماسبي لأن يهيئ لقاءاً له مع الميرزا صادق التبريزي(4).

ولما علم التبريزي بالأمر ، حاول عدم اللقاء مع عبد الله الطهماسبي ، ولكن بعد محاولات عديدة وإصرار من الأخير ، استطاع أن يلتقي بالشيخ .

وفي اللقاء عرض الطهماسبي رسالته على الشيخ ، وطلب منه تحديد موعد لكي يزوره الشاه في منزله . لكن الشيخ رفض الاستجابة للطلب بشكل قاطع ، وعلّله بأنه لا يمكن أن يضع يـده بيد ذلك الظالم . وكان مما قالـه التبريزي للطهماسبي إني لو رأيت رضا خان يصلي فلن أصدق صلاته ، ليقيني بأنها محض مكر وخداع ، وتضليل وإغواء . وبقي الشيخ التبريزي ، إلى أن وافاه الأجل المحتوم في قم ودفن فيها ، وقبره فيها اليوم مزار معروف ، يقصده الناس للتبرك والدعاء .

مواقف سطّرها البروجردي‌

بعث أهالي أذربيجان إلى السيد البروجـردي ( قدس سره ) يخبرونه فيها بعزم قوات الحكومة في المدينة على إحياء الشعائر المجوسية(5).

فكتب السيد البروجردي من فوره رسالة إلـى الشاه ( رضا خان ) جاء فيها . أنه إذا كان الملك يريد إعـادة عبادة النار فإن تلك المعارك الإسلامية ، والمواجهة التي حدثت في صدر الإسلام مع عبّاد النار ، سوف تشتعل بوجهه اليوم .

وحينما قرأ الملك الرسالة أمـر فـوراً بإيقاف تلك المراسم والاحتفالات . خوفاً من اضطراب الأمن في البلاد .

البروجردي وما يسمى بالإصلاح الزراعي

عنـدما أصدر محمد رضا ـ حاكم إيران ـ قراراً بتطبيق قانون ما يسمى بـ ( الإصلاح الزراعي )(6) وقف السيد البروجردي في وجهه .

وقـد استشار السيد علماء الحوزة حول صيغة الردّ علـى الشاه ، فقال بعضهم : إن كلام الشاه خلاف القانون الأساسي الذي ينص على أن التشريع بيد المجلس ، وليس من صلاحيات الشاه ، وقال بعض آخر ، جواباً آخر . غير أن السيد أرتأى رأياً آخر وجّهه إلـى الملك حاصله : أنك حينما ذكرت بأن قانون إصلاح الأراضي قد عملت به بعض البلاد الإسلامية الأخرى فقد غفلت أو تغافلت عن أنه إنما عمل به هناك بعد أن صارت تلـك البلاد جمهوريات !

وبعد أن قرأ الشاه الرسالة ، غض الطرف عن إجراء القانون خوفاً ـ إلـى أن توفي السيد البروجردي ( قدس سره ) لكنه عاد بعد رحيل السيد لتطبيق القانون المذكور ، الأمر الذي عمل على تعجيل إسقاط حكومته .

وفي لقاءٍ للسيد البروجردي مع رئيس الوزراء الإيراني ( إقبال ) قال السيد البروجردي له : إن رضا خان كان أميّاً ، ولكنه كان يمتلك قدراً من الشعور ، أما ابنه محمد رضا فلا يملك أي شعور . وأنّ تماديه في معارضة الدين ورجالاته سوف تؤول به إلى السقوط !

السيد القمي مع محمد رضا

طالب السيد حسين القمي ( قدس سره ) محمد رضا خان ورئيس حكومته ( السهيلي ) بإطلاق الحريات في البلاد ، وعدم الوقوف أمام قوانين الإسلام ، غير أن الشاه لم يأبه لقوله . مما حدا بالسيد البروجردي لأن يبعث برسالة تهديد إلى الشاه يظهر أنه يتضامن فيها مـع مطاليب السيد القمي ، وإن الشاه ان لم يلبّ تلك المطاليب فإنه سوف يحرّك العشائر بوجهه . فتخوف الشاه من ذلك. وقبل اقتراحات السيد القمي لأنه كان يعلم أن تهديد البروجردي معناه آثاره منطقة لرستان في وجهه . وهكذا اتفاق العالمين بعضهما مع بعض أثمر ثمرة المطلوبة .

البروجردي يطرد الشاه

عاد الشاه ـ محمد رضا ـ من محافظة خوزستان ، وفي طريقه توقف في مدينة قم المقدسة ، وطلب اللقاء بالسيد البروجردي . غير أن السيد رفض الطلب وعلّق عليه بتعليق طريف ، وهو أن الشاه في سفرته السياحية والترفيهية إلى خوزستان كان يتفنن في التقاط الصور مع زوجته هناك ، وثم جاء هنا إلى قم لمتابعة رحلته الترويحية لالتقاط الصور معنا . وإني لست على استعداد لمقابلته بعد كل هذه الفضائح التي اقترفها في خوزستان(7).

الكاشاني يشكل حزباً سياسياً

بعد احتلالهم للعراق سنة 1337ه‍ (1918م) ، وسَّع الإنجليز نفوذهم في البلاد ، بحيث صاروا يهددون العديد من البلدان الإسلامية .

وهنا جاء دور العلماء فقام ابو القاسم الكاشاني(8) ـ تحت لواء الشيخ محمد تقي الشيرازي ـ بتوحيد العشائر العراقية المسلحة في الأرياف والمدن ، وعبّأ الجماهير ضد الإنجليز ، والتحق بركبه آلاف الشباب .

كما أهتم ( قدس سره ) وبمساعدة العلماء الآخـرين من تأسيس حزب سياسـي منظَّم ليسهل من عملية التعبئة الجماهيرية ، مما أثار الإنجليز ، لكنهم حاولوا في البداية شراءه بالأموال الطائلة ، حيث أرسلوها مع أحد عملائهم من العراقيين ليرشوه بها ويسكتوه .

ولما كان الكاشاني علـى معرفـة بمبعوث الإنجلـيز ـ لأنه كان من أهل المدينة ـ لذلك وبخه وزجره وقال له في لهجة عتاب :

كيف تقوم بهذه الأعمال المخالفة لدينك وأمتك ؟ كيف سمحت لنفسك أن تقبض هذه الأموال للتجسس على أهلك ولمساعدة أعدائك الإنجليز ؟

قال المبعوث : صعوبة الحياة ، وضيق العيش .

قال الكاشانـي : وما هو قولك ان وجـدنا لك عمـلاً تسدّ  به عوزك وحاجتك ، وترفع به رأسك أمام الله وأمام ضميرك وإمام الناس . وتخرج به من هذه الذلّة والمسكنة .

قال المبعوث : موافق !

قال الكاشاني : فأهلاً بك معنا في صفوف الثورة .

وهكذا انقلب السحر على الساحر ، وصار المبعوث فيما بعد أحد أعوان الكاشاني وأنصاره .

وقد بلغت نشاطات حزب الكاشاني أوجها فـي الدفاع عن تراب العراق وكرامته ، تحت قيادة الشيخ الشيرازي ، إلـى أن تمكنوا من إخـراج القوات البريطانية من العراق .

وأما أعوان الإنجليز وجواسيسهم ، فقد أصابهم الخوف والرهبة ، وأدركوا أن تعاونهم مع الاستعمار سيذهب بهيبتهم ومنزلتهم بين العراقيين ، فتخاذلوا عن الإنجليز بعد أن خذلوهم .

الفتوى التي أوقفت المدّ الشيوعي

احتلت روسيا بعضاً من البلاد الإيرانية ، على أيام السيد محمد الطباطبائي ، المعروف بالسيد المجاهد(9) . وقد انتهكت الجيوش المعتدية الإعـراض وسفكت الدماء ، وسبت النساء والشيوخ والأطفال ، فاستغاث أهـالي إيـران بالسيد المجاهد ، وكان آنذاك نزيل مدينة كربـلاء المقدسة ، فأصدر ( قدس سره ) فتواه بالجهاد ضد الروس المحتلين ، مع جماعةٍ من العلماء . فكانت فتاواهم سبباً لتنظيم الشعب الإيراني جهوده ، وتعبئة شبابه ورجاله وتسليحهم ليقفوا بوجه الروس ، ويوقفوا زحفهم على مناطق أخرى من إيران .

ولولا تلك الفتوى ، واخواتها ، لكانت إيران تحت السيطرة الروسية .

مواقف وأهداف

ذكر أن السيد عبد الحسين الحجة حينما نال شرف زيارة بيت الله الحرام ، حصل بينه وبين الملك ابن سعود لقاء ، فاغتنم الملك الفرصة ليوجّه الدعوة من خلاله إلى السيد أبي الحسن الاصفهاني لزيارة بيت الله الحرام .

لكن السيد الاصفهاني جعل استجابته للدعوة مشروطة بإجـازة الملك لبناء قبور أئمة البقيع وسائر المشاهد المشرّفة في مكة المكرمة والمدينة المنورة .

قال الاصفهاني : فإن منحونا الإجازة لتعمير القبور بالشكل الـذي نـراه لائقاً ، فإننا لن نتوانى لحظة واحدة فـي تلبية دعوتهم والتشرف بحج بيت الله الحرام .

وبما أن الملك السعودي لم يستجب لطلب الاصفهاني ، فإنه لم يحج ، حتى وافاه الأجل .

ومما يذكر إن السيد الاصفهاني ( قدس سره ) كان يقول : كنت أطمع للوصول إلى هدفين ، طالماً كنت أفكر فيهما .

الأول : شراء البيوت والأراضي المجاورة لحرمي الإمامين العسكريين في مدينة سامراء ، وإسكان موالي أهل البيت هناك . الثاني :  ( ذكر الشهادة الثالثة ، أي الشهادة بالولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام) فـي الأذان بالمسجد الحرام . وقد حصل الأول ، وأسأل الله ان يوفقني إلى الثاني(10).

الولايات مضامير الرجال

كان سلوك رضا خان ـ حاكم إيران ـ مناقضاً وملفتاً للانتباه . فبينما هو ينادي بشيء قبل حكمه ، ويتظاهر بتأييده ، إذ هـو يشن عليه حرباً شعواء لاهوادة فيها بعد استيلائه على مقاليد الحكم .

فقبل تربعه على كرسي السلطة ، كان رئيساً لمجموعة من فـرق الجيش . فكان يقودها في يوم عاشوراء في مراسيم عزاء التطبير . وكان يتظاهر بالإيمان والتديّن ، والقيام بالشعائر الحسينية .

وكانت مجاميع عزاء التطبير التي يقوم على تنظيمها من أكثر المجاميع وأتمها نظاماً . كـــما كـــان يذهب برفقــة عناصر الجيش . بعد الانتهاء من المراسم . إلى منزل السيد كمال الدين البهبهاني(11). فيعرف جنوده علـى أنهم جنـود الإمام الحجة ( عجل الله تعالى فرجه ). ولعله وأصل إظهار نفسه بهذه الصورة حتى في بداية حكمه، حيث كان يتردد على منزل الشيخ عبد الكريم الحائري(12).

لكنه حينما استتبت له الأوضاع أشاح اللثام عن وجهه ، واظهر الخافي من نواياه المبيتّة .. فبدت عداوته للإسلام والتشيع والشعائر الحسينية !

واستمات في خدمة أسياده الغربيين إلى درجة انه يمنع الحجـاب ، ويبيح التبرج والفجور ، ويحظر الشعائر الحسينية ! الأمر الذي دفع بالعلماء في إيران إلى أن يقفوا في وجهه ، ويتخذوا منه موقف العداء ، ومنهم الشيخ عبد الكريم الحائري نفسه وقتل الوف الناس في مسجد كَوهرشاد بمشهد .

و( ما طار طير وارتفع ، إلا كما طار وقع ) ، حيث نبذه أسياده الغربيون بعد أن استنفذوا منه أغراضهم ، وحقق لهم ما يريدون ، ونفوه إلى جزيرة موريس ، ولم ينسوا أن يأخذوا منه قبل ذلك ( الحقائب الألف ) المملوءة بالذهب والمجوهرات والأمور الثمينة ، التي كانت حصيلة سرقاته من بلده .

تاريخ الإسلام في بلاد الغرب

عندما انطلق مبعوث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الروم ، لم يكن يحمل رسالة واحدة ، بل رسالتين ، إحداهما إلى القيصر ملك الروم يدعوه فيها إلى الإسلام ، والأخـرى كانت إلى الباب الأعظم ـ ضغاطر ـ ، ومما جاء فيها : (قولوا آمنّا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وما أوتي موسى وعيسى والنبيّون من ربّهم ، لا نفرق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون )(13) .

وكان لهذه الرسالة الأثر البالغ على قلب الباب الاعظم ، فإنه قرأ الرسالة بكل إمعان ودقة ، ثم توجه نحو سفير الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال :

والله إن صاحبك لنبيّ مرسل نعرفه بصفةٍ نجدها في كتابنا .

وغاب عدة لحظات ثم عاد بعدها ، وقد اعتمر أفخر ملابسه ، وتوجّه إلى الكنيسة . حيث تجمـع الناس ببابها لتأدية المراسم ، وهناك وقف متكئاً على عصاه ، وخطب فيهم قائلاً : أيها الناس ، يا معشر الروم ، وصلتنا من أحمد هذه الرسالة ، وإني آمنت بنبوّته ، فأسلموا .

انقسم الجمع إلى فريقين ، ثم وقع الاختصام ، ثم تحوّل الجلبة إلى حرب حقيقية أدت إلى استشهاد الباب الأعظم وجمع غفير ممن أسلموا معه .

ومنذ ذلك اليوم عرفت بلاد الروم الإسلام ، وآمن به بعض أبنائها .

كلمات تهزم السيوف !

عندما احتل هولاكو بغداد سنة 656ه‍ أمر جلاوزته بجمع العلماء والوجهاء في المستنصرية لأجل الاستفتاء فـي جواب السؤال التالي : ( أيهما أفضل : السلطان الكافر العادل ، أم سلطان المسلم الجائر ؟ ) .

تحيّر العلماء في جوابه . غـير أن السيد ابن طاووس تدارك الأمر ، وكتب على ورقة : ( الكافر العادل أفضل من المسلم الجائر )  ثم أمضى بتوقيعه على الورقة ، وتابعه على ذلك سائر العلماء . وبذلك نجى الجميع من بطش هولاكو وجبروته .

وعندما سئل ابن طاووس عن وجـــه جوابه هذا ، قال : لأن الحـــاكم الظالم المسلم ، إسلامه لنفسه ، وظلمه على الرعية ، وأما الـــعادل الكافر ، فكفره عـــلى نفسه ، ولكن عدله يشمل به الرعية(14) .

فتنة الأفغان ودور البهبهاني

أعلن السيد عبد الله البهبهاني(15) ( قدس سره ) التعبئة العامة لأهالي بهبهان بعد أن تعرضت مدينتهم لهجوم من قبل حكومة الأفغان المنحرفة عن منهج أهل البيت عليهم السلام .

فأغلق الأهالي أبواب المدينة وقاومـوا المعتدين المدججين بالسلاح ، رغم طول الحصار وشحة المؤن وقلة السلاح ، حيث لم يكونوا يمتلكون سوى مدفع واحدٍ .

نعم ، توكلوا على الله واحتسبوه ، ونصبوا مدفعهم الوحيد باتـجاه قوات الأفغان ، ثم حشوة بالعتاد النحاسي ، وسلّموا حبل الإطلاق للسيد البهبهاني ، بغية التبرّك والتفؤل بالخير .

وفعلاً جرّ السيد الحبل وإذا به يصيب خيمة ملك الأفغان نفسها ، ممّا أدّى إلى تقهقر فلول الغـزاة المعتدين وانسحابهم ، وخـلاص الأبرياء من أطماعهم ووحشيتهم .

مسؤولية العالم في إسقاط الطاغية

السيد محمّد تقي المشهور بـ ( مير خدائي ) من علماء خراسان ، وكان معروفاً بالزهد والتقوى ، وشاع سيطه في إيران ووصلت شهرته إلـى مسمع السلطان حسين الصفوي ، الذي دعاه إلى اصفهان ، غير أن السيد رفض هذه الدعوة ، فغضب السلطان وكتب إلـى أعيان خراسان ، إنهم مكلفون بإرسال السيد مير خدائي إلى اصفهان وإلاّ فأنـهُ سيعتبر الجميع مقصّرين ويستحقون عقابه .

لكن التهديدات لم تثني السيد عن قراره فـي الابتعاد عن مناصب السلطان ومكافئاته ، وفضَّل حفظ دينه ونفسه بعيداً عن ذلك، فان السلطان انحرف عن جادة الشرع والصواب ، لذا تركه العلماء كالمجلسي ( قدس سره ) ، وذلك صار سبب سقوطهُ لان شعبيته سقطت مما جرَّءَ الأعداء عليه وصار مصيره أن سُلب ملكه وقُتل .

توكل على من لا ينساك

بعث الآخوند الخراساني ( قدس سره ) ، برقية احتجاج وتهديد إلى السطان العثماني عبد الحميد لاقترافه أبشع الأعمال المنافية للشريعة المقدسة .

عندما انتشر خبر البرقية في الأوساط ، تـــوجـــه بعض شيوخ العشائـــر وبــعض الأعيان والوجهاء إلى الشيخ الخراساني يلومونه على ذلك ، وقالوا له : هل تدري ماذا فعلت يا شيخنا ، إنّ البرقية ستكون وبالاً علينا ، ستصبح النجف الأشرف والحوزة العلمية هدفاً لقذائف العثمانيين . فهل تظن إن هذا كسلطان العجم يخاف منكم ؟ ألا تدري أنه بإشارة واحدة قتل سبعين ألف من الأرامنة؟ ألا تعلم إنّ هذا السلطان رجل جزّار لا يخاف الله ولا يرعى حرمة لأحد ، وليس مهماً لديه أن تفنى النجف بأهلها .

أجابهم الشيخ بكل هدوء وطمأنينة ، إنكم تخافون السلطان وأنا لا أهابه ، وقد إستخرت الله سبحانه في إرسال البرقية ، وان الخير ما اختاره الله سبحانه وهو معنا وسينصرنا . انتزعوا الخوف من قلوبكم واتقوا الله ولا تخافوا أحداً غيره .

اقول : إنّ مواقف الشيخ من السلطان العثماني والــتفاف الناس حــولـــه أضعف السلطان ، وهكذا نرى الشيخ الخراساني ( قدس سره ) يحارب الروس والعثمانيين وسلاطين إيران في وقت واحد ، وقد سبّب ذلك إنقاذ إيران والعراق من الأفكار التي كانت تهددهما آنذاك .

وصية الإمام العسكري أنقذت القزويني

أخرج الملاّ علي كنـــي لضيوفه من العلماء رســــالةً كان يجّل لهــا فائق الاحترام والتقدير وكانت الرسالة بـخط الميرزا الشيرازي ومختومة بختمه ، ثم أضاف أن هذه الرسالة ثمينة وقيّمة ، لأني أحسّ كأنها صدرت من الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وقد أوصيت ولدي أن يضعها بعد موتى في كفني .

ومحتوى الرسالة هـي توصية من الميرزا بحق أحد السادة من أهالي قزوين وكانت القصة كالتالي : إنّ أحد المتنفذيّن في الدولة القاجارية أغتصب أملاكاً للسيد القزويني ، فذهب السيد إلى الملاّ كـني شاكياً حاله ويرجوا مساعدته في تخليص ملكه من الغاصب .

لكن الملاّ كني لم يكن قادراً علـى انتزاع الملك الغصبي من الغاصب الذي كان من رجال الدولة ، فيئس السيد من مساعدة الملاّ كني له ، خاصـة بعد مرور فترة ليست بقصيرة على شكايته .

وفي تلك الفترة عزم ثلاثة من أصحاب السيد علـى السفر إلـى العتبات المقدسة في العراق وكان أحدهم : العالم العامل السيد محمد تقـي التنكابني . فقرّر السيد السفر معهم ، وكان حديثهُ الدائم : إن هدفي مـن السفر الوصول إلى مدينة سامراء لاشتكي عند الميرزا الشيرازي .

يقول السيد التنكابني عندما وصلنا إلـى سامراء التقينا بالميرزا الشيرازي ، فشكى السيد القزويني مشكلته للميرزا وان الملاّ كني لم يساعدهُ المساعدة المطلوبة .

قال الميرزا إنـني لا أستطيع أن افعل اكثر مما فعله الملاّ كني ، أصاب السيد القزويني الإحباط من كلام الميرزا ، وأدلف إلـى الإمامين العسكريين (عليهما السلام) وأخذ يتوسل بهما لتقديم العون لهُ . وأخذ يستغيث طويلاً وعلا صوته بالبكاء والنحيب ، وفي منتصف تلك الليلة حينما عزمنا علـى الخـروج من سامراء رأينا السيد يعدّ حقائبهُ وقد انتابتهُ البهجة والسرور . وقال : إن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حضر في عالم الرؤيا وقال لي : (كن مطمئن البال ، لقد أوصينا بك الميرزا) وفي الصباح جاءني رسول الميرزا بكتاب كتبه إلى الملاّ كني يوصيه فيها بمساعدة السيد ، ولما أعطى السيد الكتاب إلـى الملاّ كني في طهران اهتم الأخير بالأمر اهتماماً بالغاً وتمكن أثره من استرجاع الملك المغتصب .

هذا ما أردنا إيـرادهُ من القصص المفيـدة ـ بإذنه سبحانه ـ فـي هذا الكتاب ، لعل الله ينفع به كما نفع بنظائره ، وأسألهُ سبحانهُ الأجر والثواب وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم .

سبحان ربك ربِّ العزّة عمّا يصفون ، وسلامٌ على المرسلين ، والحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .

         

قم المقدسة 

محمد الشيرازي

1416هـ‍    

 

1 ـ رضي الدين أبو القاسم علي بن سعد الدين إبراهيم ويكّنى بن طاووس ، نسبة إلى جده الأعلى أبي عبد الله ينتهي نسبه إلى الإمام المجتبى بن الإمام أمير المؤمنين (عليهم السلام) . ولد في محرم سنة 589هـ‍ وتوفى في الخامس من ذي القعدة سنة 664هـ‍ ودفن في النجف الأشرف وكان من العلماء الإجلاء والمشهورين في زمانه . ترك عدة مؤلفات منها : ملاحم الفتن ، فـلاح السائل ، سعد السعود ، فرج المهموم .

2 ـ ابن المتوكل العباسي الذي قتل أباه سنة 247هـ‍ وأصبح خليفة بعده .

3 ـ رضا خان ارمني  من منطقة كرجستان هاجر إلى إيران في زمن القاجار ، واصبح وزيراً للحربية في حكومة أحمد القاجاري ، وأطاح بهم ولقّب نفسه بالبهلوي ، ولد سنة 1295هـ‍ ، إتّسم حكمه بإحياء القومية الفارسية ونشر المذهب البهائي والقضاء على المعالم الإسلامية وهدم المساجد والمدارس ، ومنع رجال الدين والفكر من ممارسة أدوارهم في الحياة ، ونشر مظاهر الفساد كالخمر والقمار ودور البغاء ، نفاه الإنجليز إلى جزيرة موريس سنة 1359هـ‍ بعد أن صادروا حقائبه الألفين المملوءة بالمجوهرات والأشياء الثمينة بعد حكم دام ستة عشر عام وقتل في منفاه سنة 1363هـ‍ .

4 ـ من العلماء الكبار في آذربايجان نفاه رضا خان من آذربايجان إلى مناطق أخرى من إيران ، ثم جاء إلى مدينة قم المقدسة وتوفى فيها .

5 ـ وهي إحياء مراسم عبادة النار ، بأن تضرم النار على قمّة جبلين ثم يقدمون العسكر لها الاحترام العسكري .

6 ـ جاء في القرار : إن قانون إصلاح الأراضي هو ما عملت به البلدان الإسلامية قبلنا كتركيا والباكستان.. ولابدّ من مراعات مصلحة البلد بدل مصلحة بعض عبيد المال .

7 ـ كما كانت للبروجردي مواقف أخرى منها : وقف ضد الاستعراض السنوي للطالبات بملابس  قصيرة الذي دعى إليه الشاه ، واعتبر الشاه ذلك اليوم يوم حركة المرأة في إيران ، مما أدى إلى وقف ذلك الاستعراض . ومنها ما قاله رداً على استهزاء زوجة الشاه برجال الدين ، حيث قال ( ما لها وللدين ) . ولما وصل الخبر إليها اعتذرت ، ولم يتكرر منها بعد ذلك مثل هذا الكلام .

8 ـ السيد أبو القاسم بن السيد مصطفى الحسيني الكاشاني : ولد سنة 1330هـ‍ وتوفى سنة 1381هـ‍ ، شارك في ثورة العشرين وكان عضواً في المجلس العلمي الذي شكّله الإمام الشيرازي لقيادة الثورة كما كان له باع طويل في نصرة الثورة ، وبعد انتكاسة الثورة طارده الإنجليز فهرب إلى إيران ، وكانت له مواقف مشرفة في إيران من قضية تأميم النفط . يعدُ من تلاميذ الشيخ محمد تقي الشيرازي والشيخ محمد كاظم الخراساني والميرزا حسين الخليلي .

9 ـ السيد محمد بن علي المجاهد الطباطبائي نجل صاحب الرياض وسبط الوحيد البهبهاني ، ولد في كربلاء سنة 1180هـ‍ وتوفى سنة 1242هـ‍ ، وكان عالماً جليلاً ومدرساً معروفاً ، وكانت له مواقف سياسية مشرّفة ، فقد تصدّى للغزو الروسي لإيران وتحرك مع قافلة من العلماء إلى طهران للدفاع عن بلاد الإسلام ، وتوفى وهو يقوم بمهمة الدفاع ودفن في كربلاء . من مؤلفاته : مفاتيح الأصول، المصابيح في شرح المفاتيح ، المناهل ، الأغلاط المشهورة .

10 ـ لا يخفى إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد أخذ البيعة على الشهادة الثالثة في غدير خم.

11 ـ هو شقيق المرحوم السيد عبد الله البهبهاني من كبار علماء المشروطة .

12 ـ ويطلب رسالته ويدعّي انه أحد مقلديه . وعندما توفى الشيخ الحائري منع الشاه إقامة مجالس الفاتحة على روحه .

13 ـ سورة آل عمران : الآية 84 .

14 ـ من الواضح أن مراد السيد ابن طاووس بالعادل : الذي لا يظلم الناس ، لا العادل بالمعنى الاصطلاحي الشرعي .

15 ـ وكان من العلماء المعروفين في عصره ، ولد في كرمانشاه سنة 1280هـ ‍ وترك عدة مؤلفات .


source : http://alshirazi.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

اليهود ودورهم في عصر الظهور:
الإخباريون وتدوين التراث التأريخي
كيفيّة‌ نزول‌ التوراة‌ علی النبيّ موسى‌، و ...
ثورة الحسين (عليه السلام) ... أهدافها ودوافعها
متى و كيف توفي و الد النبي الأكرم (ص) عبد الله بن ...
واقع ﺍﻏﺘﻴﺎﻝ ﻋﺎﺋﺸﺔ
أي لو أخبر حذيفة بأسماء المنافقين الأحياء منهم ...
عبد المطلب بن هاشم جد النبي (ص) وكبير قريش
الهجوم على دار الزهراء عليها السلام وما ترتب ...
ينبغي إقامة ندوة عالمية حول "الغدير وتقريب ...

 
user comment