عربي
Tuesday 23rd of April 2024
0
نفر 0

التعاون الجماعي في الإسلام

لقد دعا الإسلام الأفراد إلى التعاون الجماعي إذ أكّد أن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، وأن يد الله مع الجماعة، ودعاهم إلى أن يتعاونوا على البر والتقوى، وقد حث الجماعات على أن تمد جماعياً يد العون والمساعدة إلى الفرد المحتاج عند الاقتضاء. ولكن هذا التعاون الجماعي لم يبلغ من الأهمية والتنظيم ما بلغه التعاون الفردي أو العائلي لأن هذين النوعين من التعاون قد سدا مسده وحجباه فعلاً في حالات كثيرة، وذلك لأن الروابط الفردية والعائلية قد أحكمهما الإسلام وقوى أواصرهما تقوية فعالة، ثم كانت المساعدة الاجتماعية في الإسلام تسد كل نقص في هذين النوعين من التعاون لذا فلم يظهر ولم ينظم التعاون الجماعي في العالم الإسلامي.
ولكن مع ذلك يمكن اعتبار بعض أنواع الواجبات والخيرات الدينية العامة من قبيل صور هذا التعاون الجماعي في الإسلام أيضاً.
فالرسول (ص) قد فرض الإعانة الجماعية للفقراء فرضاً كفائياً على جميع الناس بقوله (ص): "لعنة الله على أهل المدينة إذا بات فيهم جائع".
ويمكن اعتبار الأوقاف الخيرية المخصصة منافعها لوجه الله، أي إلى الفقراء عامة أو إلى فريق من الناس كرجال العلم أو الدين من هذه الإعانة التعاونية، وكذلك الوصية التمليكية المخصصة إلى المحتاجين والفقراء يمكن اعتبارها من هذا التعاون الجماعي أيضاً.
ويمكن كذلك اعتبار بعض الصدقات التي فرضها الإسلام على كل مسلم قادر للفقراء، وكذلك قرابين الأعياد والمناسبات الدينية، والخيرات الأخرى من قبيل هذا التعاون، مع العلم أنه تعتبر بعض الصدقات والخيرات من المستحبات فقط.
قال الرسول (ص): "لن تؤمنوا حتى ترحموا" فيقول البعض: "يا رسول الله كلنا رحيم" فيرد عليهم "أنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكنها رحمة عامة الناس".
وقال الله تعالى: [إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون] فقد حصر الله سبل الإيمان بالقرآن الكريم بالسجود للآيات عند ذكرها والتسبيح بحمده تعالى دون تكبر وتطاول والتعبد خوفاً منه وطمعاً برحمته وكذلك بالإنفاق مما يرزق عباده وبذلك أعطى للناس صورة للتضامن الدائم بين الأفراد.
والإسلام لم يقصر المساعدة على الناس فحسب بل جعلها إلى جميع الأحياء ومجّد من يساعد أي حي من الأحياء إنساناً أو غير إنسان فضرب بذلك المثل الأعلى في التحانن والتضامن الاجتماعي الكامل لجميع الناس، قال رسول الله (ص): "دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض" لأنها ارتكبت جرماً حين منعت حيواناً عن الأكل ثم يضرب مثلاً إنسانياً رائعاً حين يقول: "بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج وإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ منى فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب فشكر الله تعالى له، فغفر له" فسئل يا رسول الله وأن لنا في البهائم لأجرا فقال عليه الصلاة والسلام: "في كل كبد رطبة أجر" وهذا مثال الإنسانية الكاملة التي يرمى إليها دائماً الإسلام في تعاليمه وتشريعه.
والقرآن الكريم يرسم لنا حباً في تشجيع الناس على مساعدة الآخرين ومعاونتهم عند الاقتضاء في وسائل العيش صور الإيثار الجميلة التي حدثت في الإسلام من قبل أصحاب الرسول وآل بيته والتي مجدها الله ورفع شأن من قام بها لما فيها من معاني الشفقة والرحمة والتفاني والتضحية في سبيل الآخرين. فيرسم لنا صورة الرحمة الرائعة لأهل المدينة الذين استقبلوا المهاجرين الذين كانوا لا يملكون من دنياهم غير دينهم الجديد فشاركوهم هم في أموالهم وفي بيوتهم في ترحاب وفي بهجة وسرور عن رضاء نفس طاهرة وإرادة حرة راغبة في ذلك من الصميم فيقول الله تعالى: [والذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ـ ولو كان بهم خصاصة ـ ومن يوق شح نفسه فاؤلئك هم المفلحون].
والله عز وجل يقول لرسوله عليه الصلاة والسلام: [يا أيها النبي بشر المطيعين المتواضعين الذين مما رزقناهم ينفقون] والبشرى هي الأخبار عمّا تتوق إليه النفس وتشتاق إليه القلوب [وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون] ومن يقرأ ذلك يتوق إلى أن يكون من أولئك الذين يبشرهم النبي بحسنى المآب ويقول تعالى أن الإنفاق في سبيل الله وعلى المحتاجين قرض لله مضاعف السداد والأداء والذين يتصدقون يقرضون الله قرضاً حسناً [أن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم ولهم أجر كريم] ومعنى أن الذين تصدقوا واللائى تصدقن كأنهم أقرضوا الله قرضاً حسناً فيما تصدقوا به وسيكون الوفاء إليهم مضاعفاً ولهم كذلك الأجر الكريم.
ويقرر الإسلام كذلك: أن الذين ينفقون مما عندهم من أموال على الفقراء والمحتاجين كأنهم يمارسون تجارة أكيدة الربح دائمة المكسب وهم فيها رابحون لا محال [أن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله أنه غفور شكور]. ويقول الله تعالى للناس داعياً إلى طلب الغفران لهم وإلى الإسراع إلى الجنة التي أعدت لأولئك المحسنين الذين يرحمون ويرعون الفقراء وينفقون عليهم مما رزقهم الله في الخفاء والعلانية [وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين].
ويبين القرآن السبيل إلى الجنة وهي غاية ما يرجوه الإنسان المؤمن في آخرته فيقول في سورة الرعد ابتداء من لآية (19): [إنما يتذكر أولوا الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرؤن بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار].
وبعد أن يأمر الإسلام بالإنفاق والبذل على الفقراء والمساكين ويرغب في ذلك ويبين صور التصدق الجميلة وصور الجزاء والثواب الرائعة بشكل رقيق دقيق جذاب يأتي فيبين كيفية اجتياز العقبة إلى ما يرتجيه المؤمن في آخرته فيقول له: [فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة].
ثم بعد ذلك يبين عقاب من لم ينفق في سبيل الله ولا يتصدق على الفقراء والمساكين والمعوزين ويكدس أمواله دون رعاية المصلحة الاجتماعية فيقول: [والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جنهم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون].
فهذه صورة مريعة لمن يخالف أوامر الإسلام في وجوب الإنفاق من الأموال دائماً في سبيل الخير ويكدس أمواله ثم يقول الحديث: "من جمع ديناراً أو درهماً أو تبراً أو فضة ولا يعده لغريم ولا ينفقه في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة". وإذا قيل كل مال دفعت عنه الزكاة والخمس ليس بكنز فهو قول مردود لأن كلمة كنز عامة مطلقة في اللغة العربية يراد بها "كل مال مجموع مدخر يتنافس فيه والمال المدفون في الأرض" ثم كذلك جاء الفعل "يكنزون" في السورة بصورة العموم والإطلاق ولا يوجد قيد أو تخصيص لما لم يدفع عنه فرض الزكاة أو الخمس وكذلك الأمر في الحديث جاءت كلمة الكنز مطلقة. ثم أنه من الناحية الثانية لا زكاة ولا خمس على ما يقل عن العشرين ديناراً وهو الرأي الراجح. لذا فالمراد بالكنز هنا هو كل مال مدخر من الفضة والذهب سواء دفعت عنه فروض الزكاة والخمس أم لا. فالخمس والزكاة كما عرفنا فروض معلومة المقدار أما الإنفاق والتصدق غير الزكاة والخمس فهما دائمان غير معلومي المقدار وليسا محدودين بحدود.
ثم يبين القرآن أن أحد الأمور التي تدخل الناس إلى النار عدم إطعام المسكين وعدم الإنفاق على الفقراء بصورة عامة فيقول في سورة المدثر: [ما سلككم في سقر؟] وهنا الخطاب لأهل جهنم الذين يردون بدورهم على السؤال [قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين]. ويبين كذلك أن البخل الذي يحسبه البخلاء خيراً لهم إن هو إلا شراً سيذوقون مرارته وسيطوقون به جزاء لبخلهم [ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة].
ويقول الله لرسوله أن يبلغ العباد بوجوب الإنفاق قبل فوات الأوان فيكون مصيرهم العذاب: [قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال].
فهنا سبحانه وتعالى يوعز للرسول بأخبار الناس بأن يوم القيامة لا فداء فيه ولا صداقة أو قرابة إنما ينفع المرء عمله الخير في الدنيا والتعبد فحسب. ثم يقول الله في موضع آخر مخاطباً الناس في سورة النساء [واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم أن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضه واعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً].
والصداقة واجبة في الإسلام على كل مسلم ومسلمة ومن لم يجد ما يتصدق به فيساعد في الحاجة الملهوف بأي شيء وان لم يستطع فيكفي أنه يعمل بالمعروف وينهي عن المنكر ويمسك عن الشر فذلك له صدقة. قال الرسول (ص): "على كل مسلم صدقة قالوا يا نبي الله فمن لم يجد قال يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق قالوا فان لم يجد قال يعين ذا الحاجة الملهوف قالوا فان لم يجد قال فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر فأنها له صدقة".
والإسلام ينظر بعيداً في تعاليمه ويرى أنه ربما يكون التصدق من قبل المتصدق بشكل امتنان لا كأداء لحق وربما يتبع التصدق أذى من المتصدق على المتصدق عليه فينهى عن ذلك بقوله تعالى: [الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون] ثم يقول أن القول المعروف والكلام الطيب خير من صدقة يتبعها أذى: [قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غنيٌّ حليمٌ].
ثم يبين الإسلام أن التصدق سراً خير من التصدق في العلانية حفظاً لكرامة المحتاجين والمعوزين فيقول الله: [إن تبدو الصدقات فنعمّا هي وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم].
وان الرسول يبين لنا صورة بديعة للبر في كتمان وتستر فيقول مثنياً على رجل "تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".
نخلص من ذلك إلى القول بأن الإسلام قد اهتم اهتماماً كبيراً بالتعاون الاجتماعي بين الناس من أجل ضمان معيشة المحتاجين والمعوزين، ونشر فيهم تثقيفاً عاماً لنشر تحقيق التعاون المعيشي بين الناس.
------------------------


source : البلاغ
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

دخول جيش السفياني الى العراق
فاطمة عليها السلام وليلة القدر
آثار الغيبة على الفرد والمجتمع وإفرازاتها
مدة حكم المهدي المنتظر
العمل الصالح
معالم " نهضة العلماء "
قصة استشهاد الامام جعفر بن محمد الصادق عليه ...
زيارة السيد عبد العظيم الحسني علیه السلام
التوسل بأُم البنين عليها‌السلام
الحب بعد الأربعين

 
user comment