عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

الرجعة عند الإمامية

الرجعة عند الإمامية

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد....

 

 

المراد من الرجعة لغوياً هو العودة، وهي بحسب مدلولها الاصطلاحي الكلامي تعني عودة الحياة لبعض من ماتوا، فهو بعث ولكنه محدود في مقابل البعث التام والذي يقع في يوم القيامة. والإمامية الاثنا عشرية يعتقدون تبعاً لبعض الآيات والكثير من الروايات أن الله عز وجل يبعث بعض الأموات في آخر الزمان وبعد ظهور الإمام الحجة (ع)، وبذلك تكون الرجعة بهذا المعنى من أشراط الساعة.

 

وهذا الأمر وإن لم يكن من أصول الاعتقاد وإن غير المعتقد به لا يخرج من مذهب الإمامية، فهو وإن لم يكن كذلك إلا أنه لا ريب في ثبوته كما أكدت ذلك الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) والتي تفوق مستوى التواتر الاجمالي.

 

نعم بعض التفاصيل الواردة في الروايات لم تثبت بطريق قطعي فهي آحاد لا يجب الاعتقاد بمضمونها، أما أصل الرجعة بمعناه الذي ذكرناه فهو ثابت بطريق قطعي. فقد أفاد العلاّمة المجلسي: إن الروايات التي يمكن التمسك بها لإثبات أصل الرجعة تقرب من مائتي رواية رواها ما ينيف على الثلاثين من الثقات العظام في أكثر من خمسين من مؤلفاتهم كالشيخ الكليني والصدوق وغيرهما.

 

ولكي يتحدد مفهوم الرجعة الذي تعتقد به الإمامية ننقل بعض ما أفاده الشيخ المفيد والسيد المرتضى علم الهدى (عليهما الرحمة). أما ما أفاده الشيخ المفيد فهو قوله: " إن الله تعالى يحشر قوماً من أمة محمد (ص) بعد موتهم قبل يوم القيامة، وهذا مذهبٌ يختص به آل محمد (ص)، والقرآن به شاهد ".

 

وأما ما أفاده السيد المرتضى: "اعلم إن الذي تذهب الشيعة الإمامية إليه أن الله تعالى يعيد عند ظهور إمام الزمان المهدي (ع) قوماً ممن كان قد تقدم موته من شيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ومشاهدة دولته ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم".

 

وبعد أن اتضح المراد من معنى الرجعة التي يؤمن بها الشيعة الإمامية نشير هنا بنحو الايجاز إلى الدليل عليها ومن أراد التفصيل فليراجع المطولات. والبحث عن ذلك يقع في مقامين:

 

الأول: في امكان الرجعة وبعث بعض الأموات قبل يوم القيامة. أقول: لا اعتقد أن أحداً من المسلمين ممن يعتقد بيوم القيامة يتمكن من إنكار القدرة الإلهية على بعث بعض الأموات قبل يوم البعث الأكبر.

 

فالله عز وجل هو محيي الموتى وهو على كل شيء قدير. فالإيمان بذلك يقتضي الإيمان بامكانية الرجعة، والظاهر أن ذلك ليس محلاً للنزاع بين المسلمين. على أنه يمكن رفع الإستيحاش عن ذلك بواسطة ملا حظة ما أفاده القرآن الكريم والسنة الشريفة حيث ورد فيهما الحكاية عن بعث الله عز وجل أقواماً بعد موتهم. منها قوله تعالى: )وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ(. هاتان الآيتان صريحتان في أن الله تعالى بعث أقوامًا من بني إسرائيل بعد أن أماتهم. ومنها: قوله تعالى: )فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(. هذه الآية تحكي واقعة حدثت أيام نبي الله موسى (ع) حيث أن رجلاًً قتل آخر فأمر الله موسى أن يأمر بني إسرائيل بذبح بقرة ثم ضرب الميت بأحد أعضائها، وعندها أحيا الله تعالى ذلك المقتول.

 

ومنها: قوله تعالى: )أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ(. وهذه الآية صريحة في ان الله تعالى أحيا هؤلاء الألوف بعد أن أماتهم. ومنها: قوله تعالى: )أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(. وهذه الآية تحكي لنا بعث عزير بعد أن أماته الله مائة سنة.

 

كل هذه الآيات توكد أنَّ بعث الأموات في الحياة الدنيا أمر ممكن، إذ لا شيء أدلُّ على الإمكان من الوقوع.

 

الثاني: في الأدلة على أنَّ الرجعة التي أوضحنا المراد منها ستقع قبل يوم القيامة:

 

الدليل على ذلك هو القرآن والسنة والشريفة

 

أما القرآن فنكتفي بقوله تعالى )وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ(.

 

تقريب الاستدلال بالآية هو أنها أفادت أن الله سيبعث فوجاً ممن يكذب بآيات الله، وذلك لا يناسب يوم القيامة لإن ما هو ثابت بالضرورة أن الله عز وجل سيبعث يوم القيامة كل الناس، قال الله تعالى " ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين ".

 

ويقول تعالى: "يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه". إذن البعث الذي يقع يوم القيامة هو البعث التام، وهذا مايعبِّر عن أن الحشر الذي تشير إليه الآية المباركة هو ليس الحشر ليوم القيامة وهو ما يؤكد دعوانا في الرجعة.

 

وأما السُنة فيمكن أن نستدل بها من طريقيتن:

 

الطريق الأول: ما ورد في روايات كثيرة من طرق الشيعة والسنة أن كل ما وقع في الأمم السابقة سوف يقع في أمة محمد (ص)، ولإن إحياء الأموات قد وقع في الأمم السابقة – كما دلت على ذلك الآيات التي نقلنا بعضها- إذن لا بد أن يقع ذلك في أمة محمد (ص). 

 

روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: " لا تقوم الساعة حتى تؤخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع، فقيل: كفارس والروم، قال: ومن الناس إلا أولئك ". وروى البخاري أيضًا عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (ص) قال: "لتتبعُّن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا حجر ضبٍ لتبعتموه، قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟".

 

وأما من طرقنا فقد وردت روايات بهذه المعنى كثيرة منها

 

ما ورد في البحار أن المأمون العباسي سأل الإمام الرضا (ع) عن الرجعة فأجابه بقوله إنها حق قد كانت في الأمم السابقة ونطق بها القرآن، وقد قال رسول الله (ص): "يكون في هذه الأمّة كل ما كان في الأمم السابقة حذو النعل بالتعل والقذة بالقذة ".

 

الطريق الثاني: هو الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) والتي تفوق مستوى التواتر المعنوي والاجمالي حتى أنَّ المحدِّث الكبير الشيخ الحر العاملي أفاد أنَّ الروايات الواردة في الرجعة عن أهل البيت (ع) أكثر من أن تعدُّ وتحصى.

 

منها: ما رويَّ عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: "أيام الله ثلاثة: يوم يقوم القائم، ويوم الكرة، ويوم القيامة". ومنها: ما رويّ عن أبي بصير أنّه قال: قال لي أبو جعفر (ع) : "ينكر أهل العراق الرجعة؟ قلت: نعم، قال: أما يقرأون القرآن )وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا(.

 

ومنها: ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره بالإسناد عن حمّاد، عن الصادق (ع) أنّه قال: " ما يقول الناس في هذه الآية )وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا(؟. قلت: يقولون إنّها في القيامة. قال (ع): ليس كما يقولون، إنَّ ذلك في الرجعة، أيحشر الله في القيامة من كلِّ أمةٍ فوجا ويدع الباقين؟ إنّما آية القيامة قوله )وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(.

 

وهناك روايات كثيرة حول الرجعة وحتميّة وقوعها أعرضنا عن نقلها خشية الإطالة.

 

والحمد لله ربِّ العالمين


source : هدی القران
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

في أن الاستقامة إنما هي على الولاية
صُبت علـَـيَ مصـــائبٌ لـ فاطمه زهراعليها ...
التقیة لغز لا نفهمه
الحجّ في نصوص أهل البيت(عليهم السلام)
وصول الامام الحسین(ع) الى کربلاء
دعاء الامام الصادق عليه السلام
الصلوات الكبيرة المروية مفصلا
الشفاعة فعل الله
أخلاق أمير المؤمنين
اللّيلة الاُولى

 
user comment