عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

العقل بين بصائر الوحي والتصورات البشرية

العقل بين بصائر الوحي والتصورات البشرية

نظرية المعرفة من مختصات البشر ، بما خص به من آلية تقييم ادراكاته المختلفة والمتباينة ، ومن هنا حفل التاريخ بإنتاجيات متعددة في عالم الأفكار ، وبزخم هائل في عالم النظريات ، مما أوجد تحد حقيقي أمام الانسان وهو تحدي صراع الأيدلوجيات ، فحتم على الضرورة العلمية حسم هذا الصراع ، في انتاج معيارية لتلقيح الأفكار وتقييم النظريات ، فأنتج علم المنطق ومناهج البحث التي تحاول إيجاد آلية تعصم بمراعاتها الذهن عن الخطأ ، فتشكل وفق هذه المناهج نظرية المعرفة ، لكي تقف على المعرفة وأدواتها .

ولتلمس مواضع الخطأ والصواب في هذه المناهج لا بد ان نتوقف على الدوافع العلمية لتأسيس هذه المناهج ، فهل العقل البشري إذا تسالمنا على كونه اداة المعرفة للإنسان قادر على كشف الواقع بتمامه أم أنه قاصر على إدراك جزء منه ؟ ، ومن ثم ما الطريقة التي يتم من خلالها إدراك الواقع ( إن تلك المعارف والعلوم ومجمل الأفكار البشرية لا يقام لها وزن ، ولا اعتبار ما لم تعلم قيمة نفس المعرفة بأبعادها المختلفة بالدرجة الأولى اتخاذ موقف حاسم فيما يرجع إلى وجود عالم واقعي وراء الذهن أولا ، ثم على فرض وجوده ، بيان مدى قدرة الذهن وأدواته التي يستعين بها على كشف ما وراءها ، هل تكشفه كشفا تاما أو أنها لا تكشف عن صورته ناقصة له ) (1) .

ولمعرفة الإجابة على تلك الأسئلة بدأ علم المنطق في تعريف العلم الذي نطل به على الواقع الخارجي من خلال ( هو الصورة الحاصلة من الشيء في الذهن ) وبالرغم من الانتقادات التي وجهت لهذا التعريف من بعض الفلاسفة والمناطقة إلا أنها لم تتجاوز النقطة الجوهرية وهو كونه إدراك الواقع عن طريق الصورة ، فانحصرت الانتقادات على كون التعريف ليس جامعا مانعا ، فلم يشمل العلم الحضوري والمقدمات المنطقية الثانوية ، والمقدمات الفلسفية الثانوية ، والعلم بالمستحيلات والحساب .

هكذا تحول العلم عندهم إلى سلسة من المعلومات اختزنت في الذهن في شكل صور تم التعرف عليها عن طريق اتحاد النفس المدركة ، مما أطر علم المنطق لإنتاج قواعد تهيكل وتنظم تلك الصور والمعلومات الذهنية لضمان طريقة واحدة عند البشر في استخراج النظريات من الضروريات ، لهذا اكتشفنا دواعي تأسيس علم المنطق فلا حاجة إلى نقض مباني المنطق بشكلها التفصيلي وإنما بهدم المرتكز الأساسي الذي يبتنى عليه ، وهو كون العلم تلك الصور الذهنية في مرحلتها التصورية والتصديقية فينهار به تلك الأسس ، وهذا من إبداعات النهج الإلهي المتمثل في القرآن الكريم وأحاديث المعصومين (عليهم السلام) عندما بيّنوا أن حقيقة العلم هي الكشف التام .

يتعلق العلم بالواقع بما هو واقع بحيثياته الخارجية وليس عن طريق المفاهيم والصور الذهنية ، وللوقوف على هذه المفارقة نذكر بعض الاعتراضات الجوهرية على العلم بكونه صورة ..

1/ إذا كان الواقع محجوباً عنا ونحن نسعى على إدراكه فكيف يا ترى تحدث تلك الصورة من ذلك الواقع الذي فرض جهلنا التام به ؟ .

2/ إذا سلمنا بحدوث الصورة كيف تحدث المطابقة بينها وبين الواقع الخارجي ؟ ، فإن كان معلماً فهذا خلف ، وإن لم يكن معلوماً يستحيل بذلك التطابق .

3/ إن الصورة مع فرض وجودها لا تخرج عن كونها معلومة لشيء آخر وهو على حد تعبيرهم بالنفس المدركة ، فكيف تخرج من كونها معلومة إلى علم كاشف للواقع .

4/ هل تلك الصورة هي علة للعمل أم معلولة له ؟ ، في اعتقادنا أن صورة الشيء تحدث بعد العلم به ، فتتأخر رتبة عن العلم ، ولا يكون المتأخر شرط على المتقدم عليه ، ذلك لأنه مفهوم العلم يأتي بعد العلم وليس المفهوم هو الذي يعطينا العلم ، لأن المفهوم المنتزع عن صنع النفس البشرية والعلم يكشف الحقائق الخارجية (2) .

5/ إن العلم هو صورة علمية للواقع يتم التعرف علبها عن طريق إتحادها مع النفس المدركة ، والنفس هنا كيفية نفسانية لا يمكن إتحادها مع العينات الخارجية فبالتالي لا يكون هناك معلوم على صفحة الوجود معلوما بالحقيقة إلا تلك الصور الذهنية ، وما اعترضوا به هذه الصورة لها جهة كاشفية عن الواقع هي محاولة للقفز على عقولنا ، فقولهم العلم بالشيء هو عين الكشف عن الصورة وليس الواقع الخارجي ، وحط الإنسان عندئذ بإدراك الواقع هو إدراك صورة علمية منه لا الواقع نفسه ، إذ من الضروري أن الواقع له آثار حقيقية كالحرارة والبرودة ، والإنسان عندما يشاهد النار والثلج لا ينال منها إلا لصورة العلمية لا الآثار الواقعية الموجودة فيها ) (3) .

والموضوعية العلمية في المعرفة قائمة على أساس أن الصور الذهنية لا تختلف عن الموجودات الخارجية في الماهيات ، إنما تختلف في الوجود فحسب (4) .

وهذا الوجود الذي إسثناه هو نفس الوجود الذي نسعى لإدراكه وهذه مفارقة جوهرية بين الخطيين .

العلم الحقيقي :

العلم في المنهج الإلهي هو نور خارج ذواتنا وعن أدوات الأشياء ، به نعلم أنفسنا ، ونعلم الواقع الخارجي ، والعلم يكشف بذاته لا بشيء آخر حتى يصبح معلومة ، وهذا العلم مخلوق إلهي يضعه الله في قلب ما يشاء ، قال الله تعالى: ( ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ) النور - 40 .

وقال الله تعالى ( أوَمَن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زُيّن للكافرين ما كانوا يعملون) الأنعام - 122

وقال الله تعالى ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين ) الزمر - 22 .

وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : " إن العلم نور بقذفه الله في قلب من يشاء " ، فتنبي بذلك أن العلم نور مجرد يتفضل به الله الذي جرت سنته بأن يفيض هذا النور على الإنسان فيعلم ويشهد ويرى ، فيقبضه عند النوم والإغماء والغضب فيجهل ولا يعرف ، ومن أعظم آيات القبض والبسط لنور العلم هو النسيان بعد العلم بالشيء ، والطريق إلى العلم والعقل عند الإنسان هو التذكير والإرشاد إلا ما يجده من الشعور بهذا العلم من قبيل هل تعرف نفسك ؟ هل تعرف أولادك ؟ .

إن هذه الأسئلة بسيطة في معناها ولكن تذكر بحقيقة العلم الذي من شدة ظهوره أصبح مخفيا ، ولا يفهم أن هذا التذكير من باب الاستدلال عليه ، لأن ذلك يستلزم تصور العلم نفسه ، بل هو تذكرة وإشارة إلى العلم بالمعلوم .أما كيفية تفعيل العقل في دائرة العلم والمعرفة هو مجرد إثارة العقل بالتذكير ، ومن هنا لم يكن العقل طريق في قبال القرآن ، إنما كليهما نوران من مصدر واحد . قال الإمام الكاظم (عليه السلام) : " إن لله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة ، فأما الظاهرة فالرسول والأنبياء والأئمة وأما الباطنة فالعقول " ، فالخطاب القرآني لم يكن ناظراً إلى تأسيس معارف غير موجودة في واقع الفطرة وإنما جاء بلسان التذكير للعلم والمعرفة التي غطتها حجب الغفلة ، قال تعالى ( فإنما يسّرناه بلسانك لعلّهم يتذكرون ) الدخان - 85 .

( نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبّار فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد ) ق - 45

( إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) ق- 37 .

فبالتالي يكون دور العقل في باب المعارف هو :

1- تصديق الوحي .

2- فقه الشرائع باستلهام العقل للأصول العامة ثم التدرج بمعرفة جميع الأحكام .

3- معرفة المصاديق لتلك الأصول العامة وربط الوقائع المحدثة بها وتلك هي حركة الاستنباط في الأحكام الشرعية ، فبمعرفة العقل الفطري وتزكيته بآيات القرآن ليستضيء ويستبصر بها نكون قد اكتشفنا المعيار والمصباح الذي نلج به إلى عالم المعرفة .

-----------------------------------

(*) عالم دين من السودان ، صاحب كتاب (الحقيقة الضائعة)

(1) نظرية المعرفة – السبحاني

(2) العرفان الإسلامي- السيد محمد تقي المدرسي 243

(3) نظرية المعرفة - السبحاني 21

(4)نظرية المعرفة – السبحاني-302

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الإمام الصادق (عليه السلام) يشهر سيف العلم!
قرّاء القرآن و كيفية قراءته
منكروا المهدي من أهل السنة وعلة إنكارهم
مفاتيح الجنان(300_400)
حبيب بن مظاهرو حبه لأهل البيت
حديثٌ حول مصحف فاطمة (ع)
قال الحكيم و المراد بعترته هنا العلماء العاملون ...
الوصايا
تشبيه لطيف من صديق حقيقي‏
خلق الأئمة ( ع ) وشيعتهم من علِّيِّين :

 
user comment