عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

القرآن في نصرة الأسرة

القرآن في نصرة الأسرة

في قضيه عائلية كالظهار، وعند تحاور خاص بين رسول الله صلى الله عليه وآهله وواحدة من المسلمات بشأن مشكلتها هذه، ينزل الله تعالى قرآنا. فأي شهادة أكبر من شهادة الرب على الحوادث الواقعة، أم أي حضور فاعل للوحي في يوميات الأمة؟ بلى؛ ان الله يسمع تحاورهما.
ولقد كانت العرب ترى أن الرجل إذا قال لزوجته: (انت علي كظهر امي) حرمت عليه أبدا. وكان ينطوي هذا الحكم على ظلم كبير للمرأة التي لا تعاشر آنئذ معاشرة الأزواج، ولا تسرح لتتزوج من رجل آخر.
لقد كان الظهار من العادات الجاهلية التي فتت الكثير من الاسر قبل بزوغ نور الإسلام، وقد تعود عليها المجتمع، وبقي إيمان الكثير بها إلى ما بعد إسلامهم. وحيث اراد الله عز وجل لرسالته أن تكون بديلا عن الجاهلية، فقد نزل الوحي يدافع عن الاسرة بإعتبارها إذا صلحت وقويت كانت أساس بناء المجتمع والحضارة. ومن هذا المنطلق حارب القرآن الكريم فكرة الظهار، وإعتبرها منكرا وقولا زورا، لا يبررهم شرع الله ولا الواقع. فإن قول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر امي، لا يصيرها أما له، (إن أمهاتهم اللائي ولدنهم وانهم ليقولون منكرا من القول وزورا).
وفي الوقت الذي تسفه سورة المجادلة فكرة الظهار كما يتصورها الجاهليون من المسلمين، بأنها لون من الطلاق الدائم الذي لا تصح بعده الرجعة، تؤكد هذه السورة بأن الرجعة ممكنة حفاظا على كيان الأسرة والمجتمع، ورعاية لعواطف الإنسان، ولكنها تفرض كفارة عليه قبلها (تحرير رقبة أو صيام شهرين، أو إطعام ستين مسكينا). وذلك لا يعني ان الإسلام يعتبر الظهار أمرا مشروعا، انما اراد بذلك الوقوف أمام تأثر المسلمين بالجاهلية من جهة، ودفعهم من جهة أخرى إلى أخذ شرائعهم وثقافتهم من مصدرها الصحيح والأصيل، (ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله)، وما دون ذلك فهو صنيع الجاهلية الضالة، والذي ينبغي الاستغفار منه، لان لايمان والعمل به يستوجب غضب الله وعذابه، (وللكافرين عذاب أليم).
هنا يجدر بنا ان نتابع سياق آيات سورة المجادلة، لننهل من معينها الثر قيم الرسالة ومبادئ الدين، فيما يخص الأسرة بالذات.
قال الله تعال: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله)
وتكشف مجادلتها وشكواها عن الأثر العميق للحادثة في نفسها، لان الظهار في عرف الجاهلية ينهي كيان الأسرة إلى الأبد. إنها حقا صورة من الغي والضلال تعكس مأساة الإنسان في ظل الجاهلية.
بلى؛ ان الأمر قض مضجع هذه المرأة الضعيفة، وما فتأت تعاود رسول الله صلى الله عليه وآله في أمرها، لعلها تجد بلسما في دين الله، وعند رسول الرحمة. وان قلبها ليحدثها بانه تعالى أسمى من ان يعطي لهذه العادات شرعية، مما يدفعها للحوار مع النبي المرة بعد الأخرى دون يأس. وكل ذلك بظاهره وباطنه، وبدقائق تفاصيله لم يكن ليخفى على الله تعالى.
(والله يسمع تحاوركما ان الله سميع بصير)
انه شاهد ناظر، لا حاجب يمنعه، ولا ستر يستر عنه. يحيط بظاهر الكلام، وينفذ علمه. بما تنطوي عليه السرائر.
ويعالج القرآن مشكلة الظهار في البدء بنسف التصورات الجاهلية، بان الزوجة تصبح أما لزوجها بمجرد ان يقول لها (انت علي كظهر امي)، وذلك من زاويتين:
الأولي: الزاوية الواقعية؛ فالامومة ليست صفة اعتبارية يمكن اعطاؤها بالكلام كما العقود. انها ليست كالمال يكون لك فتملكه غيرك هبة أو بيعا أو وراثة ليصير ماله، انما هي صفة تكوينية طبيعية يعبر بها عن علاقة شخصين أحدهما والدة والآخر مولود.
قال الله تعالى: (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن امهاتم ان امهاتهم إلا اللائي ولدنهم).
الثانية: الزاوية الشرعية؛ فالشرع قائم على اساس الواقعيات، وانما يحرم زواج الرجل من امه الحقيقية، وليست الزوجة كذلك، فهي لا تحرم على زوجها لمجرد الظهار. لذلك يسفه ربنا رأي الجاهليين بانه غير مقبول عند العقل، وانه باطل، فيقول: (وانهم ليقولون منكرا من القول وزورا)
والمنكر خلافا للمعروف الذي يعرفه العقل، والزور هو القول الباطل والحكم الذي لا يستند إلى حق ولا واقع.
(وان الله لعفو غفور) يعفو عن المنكر، ويغفر الزور لمن تاب وعمل بالإسلام بعد الجاهلية، فانه يجب ما قلبه.
إذن فالظهار ليس كما يظن الجاهلون لا رجعة بعده. بلى؛ ذلك في الجاهلية المقيتة التي لا تقوم الا على الباطل، ولا تنتهي الا إلى تكبيل الإنسان وتحطيمه. اما دين الله فهو يقوم على الحق ولا يستهدف إلا خيره ورحمته وهداه.
واذا كانت هاتان الصفقان لله تعالى تزرع فينا الأمل والرجاء، فإن نزولها يومئذ-لاريب-أخذ فعله الإيجابي الواسع والعميق في نفوس الكثير وحياتهم الإجتماعية والاسرية، حيث وضع عنهم الإسلام إصرا وغلا من إصر الجاهلية وأغلالها، طالما ظلوا في ربقته يشتكون الدمار والأسر، وبالذات أولئك النساء الضعيفات اللواتي تعلقن وتعقدن بالظهار؛ فالرجل من جهته مجاز في الزواج لا يمنعه مانع، اما هي فيكتب عليها ان تبقى لا تتزوج أحدا غيره، وتعيش في جحيم.
ولعلنا نفهم من الآية ان للظهار مفسرتين؛ أحدهما ما يسميه القرآن بالمنكر، والآخره ما يسميه الزور. فهو من الجهة العملية إثم يهدم الاسرة وظلم للنفس وللمرأة وأولادها، ومن الجهة المعنوية يعد افتراء على الله وزورا إذ هو تشريع بغير حجة من الله.
فما هو الظهار، وما هو الحل؟ الظهار هو ان يقول الزوج لزوجته أنت علي كظهر امي، يقصد بذلك الظهار. ولا يقع الظهار الا إذا توافرت شروط أهمها من جهة المظاهر ان يكون بالغا عاقلا مختارا قاصدا، فلا يقع من مجنون ولا صبي ولا سكران ولا هازل ولا غضبان. ومن جهة الزوجة المظاهر منها؛ الطهر من الحيض والنفاس، وان تكون في طهر لم يواقعها فيه، وبحضور شاهدين عادلين يسمعان الصيغة.
هكذا جاء في الحديث المأثور عن حمران عن الإمام محمد الباقر عليه السلام، انه قال: (لا يكون ظهار في يمين، ولا في إضرار، ولا في غضب، ولا يكون ظهار الا في طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين). وروي عن زرارة، عن الامام محمد الباقر عليه السلام، في حديث انه سأله: كيف الظهار؟ فقال: (يقول الرجل لإمرأته وهي طاهر من غير جماع: أنت علي حرام مثل ظهر أمي، وهو يريد بذلك الظهار). وعن زرارة، عن الإمام محمد الباقر عليه السلام قال: (لا طلاق الا ما اريد به طلاق، ولا ظهار الا ما اريد به الظهار).
وهذا التشديد من قبل الإسلام بهذه الشروط يجعل الظهار الشرعي نادرا. وان دل ذلك على شيء، فإنما يؤكد حرص الإسلام على سلامة الاسرة؛ فهو يسعى لتأليف أفرادها وربطهم إلى بعضهم، لكي تتمكن من القيام بدورها الحضاري في البناء والتقدم.
كما ويضع الإسلام حلا تشريعيا وعمليا ناجعا لمشكلة الظهار؛ فمن جهة لا يعطيه شرعية الجاهلية (الحرمة والتعليق إلى الأبد)، ولا يعده واقعا إلا إذا استكمل شروطه الشرعية الآنفة الذكر. فبإمكان المظاهر ان يعد النظر في قراره، ويعود إلى زوجته لو أراد. ثم يضع القرآن العقوبات الواعظة بما فيه الكفاية من ان يتورط الإنسان المؤمن فيه، واذا تورط فيه لا يعود إليه مرة أخرى، ويكون موعظة لغيره.
قال الله تعالى: (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير).
ثم يضيف ربنا عز وجل القول: (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل ان يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب عظيم).
إذا كان ظاهرا أمر هذه الكفارات أنها تستهدف ردع الإنسان عمليا عن التورط في الظهار، وتحصين الاسرة عنه.. فإن اسمى موعظة وغاية لها هي الإيمان بالله والرسول. وذلك لان الإيمان هو الحل الجذري الاشمل لمشكلة الظهار وكل مشكلة، انما يتورط المؤمن فيها متأثرا بعوالم أخرى غير الإيمان، ومنطلقا من غير قيمه، كالجاهلية والذاتية والإنتقام.. فلابد ان يرجع إليه بالكفارة.
ولكن السؤال: كيف تقود الكفارة إلى الإيمان؟
الجواب؛ ان الإيمان روح في القلب تنميها الممارسة العملية، وكلما اتبع المسلم رضوان الله كلما زاده الله هدى وإيمانا، وكلما كان العمل أصعب والإخلاص أنقى كلما كان أنمى للإيمان وأجلى للبصيرة والهدى.
ولا ريب ان عتق رقبة (بما يكلف من انفاق كبير)، وصيام شهرين متتابعين (بما فيه من صعوبة بالغة)، واطعام ستين مسكينا(بما فيه من انفاق ومواساة للمحرومين)؛ ان كل أولئك ممارسات مستصعية تمتحن قلب المسلم بالإيمان وتزكية وتطهره.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

شبهات حول المتشابه في القرآن، وتفنيدها
الإستراتيجية العسكرية في معارك الإمام علي (عليه ...
النجاة في العقل
السيدة زينب في عهد والدها أمير المؤمنين(عليه ...
دعاء في آخر ليلة من شعبان
أسند عنه
الجنة لمن زارها
لـمـــاذا كــــتـم جـمـــاعـــــة مــن ...
غزة
من وصايا الإمام الباقر (عليه السلام)

 
user comment