عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

الامام الحسین(ع) فی رؤیة دعبل الخزاعی و الشریف الرضی

الامام الحسین(ع) فی رؤیة دعبل الخزاعی و الشریف الرضی

الحسین في رؤية دعبل الخزاعی :


تائية دعبل من أشهر قصائد الشعر العربي لما فيها من صدق العاطفة وقوّة السبك ودوّي الصرخة بوجه الظلم والظالمين.


فهو بعد أن يذكر منازل هذا البيت الكريم وما كان فيها من وحي ينزل على النبي الأعظم، وما يكتنفها من صلاة وتقى وصوم وصلوات وتطهير وعلم ورشاد، ثم ما حلّ بهذا البيت من قتل وتشريد، ويقف عند الحسين(ع)، يخاطب فاطمة(ع) صاحبة العزاء، ويبثّ إليها شكواه:


أفاطِمُ لو خلِلتِ الحسينَ مُجدّلاً


إذن للطمتِ الخدَّ فاطِمَ عنده


نفوس لدى النهرينِ من أرض كربلاء


توفّــوا عِطاشًا بالفـــراتِ فليتــني


 


 وقد مات عطشانًا بشطّ فراتِ


وأجريتِ دمعَ العينِ في الوجناتِ


معرّسهم فيها بشطِّ فراتِ


تـــوفيـــــت فيهـــم قبل حيـــنَ وفاتـي

 


والتوجّه إلى فاطمة بنت رسول الله(ص) في الخطاب بذكر ما نزل بالحسين يلقي في الأذهان رسالية القضية ويزيدُ المشاعر التهابًا لأنه يجمع بين عاطفة الولاء لابنة الرسول وعاطفة الانشداد بالحسين.


ثم يعقد مقارنة فيها لوعة وعبرة بين ظروف آل أمية وما كانوا ينعمون به من أمن ومن قصور وحجرات وما كان آل بيت رسول الله يعانونه من تشريد وقتل وسبي!!


بنات زياد في القصور مصونَةٌ


 وآل رسول الله في الفلوات..

 


ديارُ رسول الله أصبحنَ بلقعًا


 وآل زيادٍ تسكُنُ الحُجَراتِ


 


وآل رسول الله تَدْمَى نحورُهُم


 وآل زيادٍ آمنوا السرباتِ

 


وآل رسول الله تُسبى حريمهم


 وآل زيادٍ ربَّةُ الحجَلاتِ


هذه المقارنة لها معناها الكبير في عاطفة كل «إنسان»، إنها تعني أن جبهة الحقّ رغم عظمتها ومكانتها ومنزلتها وسموّها قد تُمنى في هذه الدنيا بظلم الظالمين، فتعاني من القتل والتشريد، لكن ذلك لا يقلل من منزلتها، بل يزيدها رفعة وشموخًا.


ولذلك فإن هذه القصيدة تتناغم مع عواطف كل الرساليين حين تتفاقم عليهم نوائب الطغاة والظالمين.


وأذكر أن الشيخ محمد الغزالي رضوان الله عليه كان يحفظ هذه التائية عن ظهر قلب، وكان يرددها، وكان يقول: إني أردد هذه التائية كلما رغبت في أن أحزن، ثم يبدأ بتلاوتها بصوت حزين:


مدارس آيات خلت من تلاوة


 ومنزل وحي مقفر العرصاتِ

 


ويستمرّ في إنشاد الأبيات حتى يصل إلى:


بنات زيادٍ في القصورِ مصونة


 وآل رسول الله في الفلوات

 


فينفجر في البكاء.. وكان هذا ديدنه حتى فارق الحياة والتحق بالرفيق الأعلى رضوان الله تعالى عليه.


دعبل إذن ينظر إلى الحسين بأنه صوت المظلومين الخالد بوجه الظالمين، وأنه الذي وضع الحدّ الفاصل المميّز بين الحق والباطل، وأن دعاة الحقّ هم أصحاب الكلمة الباقية في البشرية مهما اشتدّ عليهم الظالمون.

 


الحسين في رؤيةالشریف الرضی :


في زيارة للشريف إلى الحائر الحسيني طفحت مشاعر الشريف برائعة خالدة في رثاء جدّه.


بدأ قصيدته بلوعة على ما حلّ في كربلاء وقال:

 


كربلا لازلت كــربًا وَبَــلا،


كم على تُــــــربك لمّا صُرّعوا،


 


 ما لَقي عندك آل المصطفى


من دمٍ سال ومن دمع جـــرى


 


كربلاء لا تزال تضجّ بذكريات ما حلّ بآل محمد(ص).. وبذكر عبارة «آل المصطفى» أراد الشريف أن يجعل من كربلاء ساحة تاريخيّة لكل المسلمين، فآل المصطفى موضع احترام وتقديس كل المسلمين: ]قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى[.


يتذكر الشريف الدماء الطاهرة التي سُفكت ويقرنها بالدموع التي سُفحت، فآل البيت منهم من قضى نحبه، ومنهم من عانى لوعة المأساة.


وبعد أن يستذكر بعض مشاهد كربلاء يتوجّه إلى رسول الله(ص) يقصّ عليه بعض تلك المشاهد المفجعة، وكأنه لا يجد من يواسيه في همومه أفضل من النبي الأكرم، لأنه هو صاحب العزاء الأول يقول:

 


يا رسول الله لو عاينتهم،


لــرأت عينــاك منهــم منظرًا


 


 وهُمُ ما بين قتلَى وسِبا...


للحشى شجوًا، وللعين قـــذا


 


إنه بهذا الخطاب يرفع بمسألة كربلاء لتكون قضية الإسلام ورسول الإسلام ودين الإسلام، لأن الحسين من أعمدة الدين ومن أعلام الهدى ومن أصحاب الكساء:

 


يا قتيلاً قوّض الدهر به


قتــــلـــوه بعــــد علــــــم مِنــهُـــمُ


 


 عُمُدَ الدين وأعلامَ الهدى


أنه خامسُ أصحابِ الكســا


 


يذكر المفارقة الكبيرة التي حدثت في عصر الحسين بين الاعتقاد والإرادة، فالقاتلون يعلمون أنه خامس أصحاب الكساء لكنهم قتلوه!! وحملوا رأسه على الرماح وهم يصلّون على جدّه الأكرم:

 


حملــوا رأسًا يصلـــون علـــى


   جـــدّه الإكـــرم طوعًا وإبــا


 


وبعد أن يبين مكانة الحسين في البيت النبوي الكريم يرتفع في نظرته إلى الحسين وآل بيته ليرى فيهم جبال المجد والعزّ والعُلى:

 


يا جبالَ المجدِ عزًّا وعُلَى،


جعـــل الله الــذي نـــابَكُــم


 


 وبدور الأرض نورًا وسنا


سبب الوجد طويلاً والبُكـــا


 


هم إذن جبال العزّ رغم كل ما اكتنف ساحة كربلاء من مأساة.. ففي وسط هذا المأساة ظهر الشموخ والإباء وقوة الإيمان وصلابة المبدأ، ويقرن هذه الجبال الشامخات بالبكاء الطويل، فهذا البكاء سبب ارتباط عاطفي بهذا الشموخ والعظمة والسموّ.

 


ثم يشكو من انحراف قتلة الحسين، ويذكر هذه الشكوى على لسان رسول الله(ص)، كأنه يريد أن يدين على لسان نبي الإسلام كل ظلم حلّ بالأمة الإسلامية:

 


شاكيًا منهم إلى الله، وهل


بـــدلوا ديني، ونــالُوا أسرتي


 


 يُفلح الجيلُ الذي منه شكا..


بالعظيمات ولـــم يرعَـــوا أُلَى


 


ظلم أهل البيت ونكران النعمة، وكأنها منظومة واحدة تشكّل أساس كل انحراف في الأمة الإسلامية.

 


فالحسين في رؤية الشريف الرضي: عماد الدين، وعلم الهدى، وجبل عزّة وشموخ.. وقتله كان بسبب هزيمة نفسية أضعفت إرادة القتلة فارتكبوا ما ارتكبوا وهم عالمون بمكانة الحسين وأهل بيته.. ورفعوا رأسه على الرمح وهم يعرفون منزلته في البيت النبوي الكريم.

 


والمأساة هي بالدرجة الأولى مأساة الدين، ومصيبة رسول الله وعلي والزهراء عليهم أفضل الصلاة والسلام.


والحزن عليهم لا ينقضي، إذ هو تعبير عن شعور الأمة بالوقوف إلى جانب المظلومين، ومقارعة الظالمين.


source : ابنا
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

تأملات في البعد الاجتماعي للعقيدة
مفاتيح الجنان(200_300)
حياة علــي الأكبــر (عليه السلام)
21 من شهر رمضان ذكرى استشهاد الإمام أمير المؤمنين ...
السيدة زينب في عهد والدها أمير المؤمنين(عليه ...
صلاة عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ
لبس السواد على أبي الثوار وسيد الاحرار أبي ...
أعمال أيام مطلق الشهر و لياليه و أدعيتهما
هل المهديّ المنتظر هو المسيح عليهما السلام
الفرق بين علوم القرآن والتفسير

 
user comment