عربي
Thursday 18th of April 2024
0
نفر 0

منهج الرأي في التفسير

والمراد به هو التفسير بالاستحسان والترجيح الظني، أو الميل النفسي لاتباع الهوى، ولا يعني ذلك الاجتهاد أو الاستنباط القائم على أساس من الكتاب والسنة النبوية فإن ذلك من التفسير بالمأثور على وجه من الوجوه.
وقد روى العامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "من فسر القرآن برأيه وأصاب الحق، فقد أخطأ".
وكره جماعة من التابعين وفقهاء المدينة القول في القرآن بالرأي: "كسعيد بن المسيب، وعبيدة السلماني، ونافع، ومحمد بن القاسم، وسالم بن عبد الله، وغيرهم. وروى عن عائشة أنها قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفسر القرآن إلا بعد أن يأتي به جبرئيل".
فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمقتضى هذه الرواية لا يفسر القرآن إلا بعد الإيحاء بمعناه من قبل الله تعالى. فالأجدر بمن تبعه من المسلمين أن يتحرجوا عن التفسير بالرأي لما في ذلك من الجرأة على الله.
قال ابن تيمية: "فأمّا تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام"، ولهذا توقف جماعة من السلف الصالح عن تفسير ما لا علم لهم به، فعن ابن عباس: "من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار".
وقد روي أن أبا بكر (رض) سئل عن قوله تعالى: (وَفَاكِهَةً وَأَبّاً) فقال "أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم".
وهذا التحرج منبعه وأصله: أن المراد بالتفسير هو إيضاح إرادة الله والكشف عن إثباتها في كتابه العزيز، وهذا ما لا يصح إلا بالأثر الصحيح، أو بالظواهر الدالة على صحة هذا النص، والرأي لا يحقق ذلك.
وقد أوضح الزركشي أدلة عدم جواز التفسير بالرأي بقوله:
"ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل لقوله تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ).
وقوله تعالى: (وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).
وقوله تعالى: (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ).
فأضاف البيان إليهم. إلا أن هناك حديثاً بنسب إلى النبي هو:
"القرآن ذلول ذو وجوه محتملة، فاحملوه على أحسن وجوهه". والحديث إذا قطع بصحته فيه دلالة ظاهرة على جواز الاستنباط والاجتهاد في كتاب الله تعالى، لأن أعمال الرأي بحسب القرائن الحالية والمقالية المتصلة والمنفصلة، وإخضاعها إلى المتبادر العرفي من دلالة الألفاظ لا يعد من التفسير بالرأي، نعم الاستقلال بالفتوى، ووضع التأويل من قبل النفس وبحسب الظن والهوى، دون الرجوع إلى مستند من النبي وآله. أو الاستبداد بالفهم القرآني بعيداً عن ظواهر القرآن الكريم، والعمل بخلاف ما تدل عليه يعتبر من التفسير بالرأي المنهى عنه، لا سيما إذا ضم إليه المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم، فقيل فيه بما يشتهى، لهذا حمل أبو الليث النهي عن التفسير بالرأي إلى المتشابه من القرآن لا على القرآن جميعه.
وقد انقسم العلماء إلى فريقين بالنسبة للتفسير بالرأي، فقد تشدد فيه قوم ـ كما أسلفنا ـ فلم يجرؤوا على تفسير القرآن بالرأي، وأن كانوا علماء في الأدلة الفقهية أو النحوية أو الأخبار أو الآثار وحدبوا على المأثور فحسب، ووقف الآخر موقفاً مجانباً لهذا الفريق، فأجازوا لأنفسهم ولغيرهم ممن ملك قياد اللغة والأدب، واطلع على علوم القرآن والشريعة، أن يفسروا القرآن، إلا أنهم خلطوا حينذاك بين التفسير بالرأي، وبين الاجتهاد القائم على أساس الاجتهاد.
ولهذا نجد الذهبي قد خلط بين الأمرين فذهب إلى أن التفسير بالرأي لو كان محرماً لوجب أن يحرم الاجتهاد ويستغنى عن العقل.
على أن كثيراً من التفاسير المعتبرة كأسرار التأويل للبيضاوي، ولباب التأويل في معاني التنزيل للخازن، والبحر المحيط لأبي حيان، وإرشاد العقل السليم لأبي السعود، وروح المعاني للالوسي تعتمد التفسير إلا أن أغلب ما ورد فيها من رأي متوهم؛ يقود في أرجح الأحوال إلى الاجتهاد القائم على أساس الموازين الشرعية.
---------------------------------------------


source : البلاغ
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الإمام الحسن العسكري (ع) والتمهيد لولادة وغيبة ...
إنّ الحسين (عليه السلام) مصباح الهدى وسفينة ...
الإمام موسى الكاظم عليه السلام والثورات العلوية
زيارة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام)
الصلاة من أهم العبادات
علة الإبطاء في الإجابة و النهي عن الفتور في ...
ألقاب الإمام الرضا عليه السلام
كلام محمد بن علي الباقر ع
منهج القرآن لإحداث التغيير
برهان على صحة الرسالة

 
user comment