عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

نوح.. عليه السلام

مات آدم ومرت سنوات.. قبل أن يولد نوح، عاش خمسة رجال صالحين.. من أجداد قوم نوح.. عاشوا زمنا ثم ماتوا..
كانت أسماء الرجال الخمسة هي: (وَدّ). (سُوَاع). (يَغُوث). (يَعُوق). (نَسر).. بعد موتهم صنع الناس لهم تماثيل لكي يذكروهم دائما. ومضى الوقت.. ومات الذين نحتوا التماثيل، وجاء أبناؤهم.. ومات الأبناء وجاء أبناء الأبناء. ولم يعرف هؤلاء لماذا صنعت هذه التماثيل.. واستغل إبليس الفرصة، وخدع الناس، وأقنعهم بأن هذه تماثيل آلهة، وبدأ الناس يعبدون هذه التماثيل.
وحين ترك الناس عبادة الله إلى عبادة الأصنام، انهزمت كل الأشياء الجميلة في الدنيا.. وصار القبح سيدا في الحياة.. وتحول الوجود إلى جحيم لا يطاق.. وهذا ما يحدث دائماً عندما يعبد الناس غير الله، سواء كان المعبود صنما من الحجارة أو عجلا من الذهب، أو حاكما من الناس.. وفي هذا الجو أرسل الله "سيدنا نوحا" إلى قومه لهدايتهم.
***
كان "نوح" إنسانا عظيما. لم يكن ملكا في قومه.. لم يكن أغنى واحد فيهم.. لم يكن رئيسا عليهم. ولكنه كان أعظم إنسان في عصره.. وليست العظمة هي الملك أو الغنى أو الرياسة، إنما توجد العظمة في نقاء القلب وطهارة الضمير، وقيمة الأفكار التي يحملها العقل.
وهناك سبب آخر لعظمة "نوح". كان إذا استيقظ أو نام أو شرب أو أكل أو لبس ملابسه أو خرج أو دخل، يشكر الله ويحمده، ويذكر نعمته عليه، ويعاود الشكر. ولهذا قال الله تعالى عن نوح:
(إنه كان عبدا شكورا).
اختار الله عبده الشاكر وأرسله نبيا إلى قومه، وخرج نوح على قومه، وبدأ دعوته:
(اعبدوا الله مالكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم).
شرح "نوح" لقومه أنه يستحيل أن يكون هناك غير إله واحد، هو الخالق.. أفهمهم أن الشيطان قد خدعهم زمنا طويلاً، وأن الوقت قد جاء ليتوقف هذا الخداع. حدثهم نوح عن تكريم الله للإنسان.. كيف خلقه، ومنحه الرزق وأعطاه نعمة العقل، وليست عبادة الأصنام غير ظلم خانق للعقل.
استمع الناس إليه في صمت.. كان كلامه صدمة لركودهم.. مثلما تجىء إلى إنسان نائم تحت جدار يتهيأ للسقوط.. وتهزه فجأة لتوقظه. ربما فزع هذا الإنسان، وغضب رغم أنك تهدف إلى إنقاذه.
***
كانت روح الشر الموجودة في الأرض تسمع هي الأخرى وتحس بالخوف.. إن عرش الكراهية مهدد بهذا الحب الذي يحمله كلام النبي.. تحرك قوم نوح في اتجاهين بعد دعوته.. لمست الدعوة قلوب الضعفاء والفقراء والبؤساء، وانحنت على جراحهم وآلامهم بالرحمة..
.. أما الأغنياء والأقوياء.. والكبراء.. والحكام، فقد تأملوا الدعوة بعين الشك البارد.. ولما كانوا يستفيدون من بقاء الأوضاع على ما هي عليه.. فقد بدءوا حربهم ضد "نوح"..
في البداية.. اتهموا نوحا بأنه بشر..
(قال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشراً مثلنا).
والواقع أن نوحا لم يقل غير ذلك، وأكد أنه مجرد بشر.. والله يرسل إلى الأرض رسولا من البشر، لأن الأرض يسكنها البشر. ولو كانت الأرض تسكنها الملائكة، لأرسل الله رسولا من الملائكة.
استمرت الحرب بين الكافرين ونوح..
هاجموه في أتباعه حين قالوا له: لم يتبعك غير الفقراء والضعفاء، والأراذل. قال لهم نوح: لقد آمنوا بالله، والله أعلم بما في أنفسهم.
ولجأ الذين كفروا إلى المساومة.. قالوا لنوح:
_ اسمع يا نوح.. إذا أردت أن نؤمن لك، فاطرد الذين آمنوا بك. إنهم ضعفاء وفقراء، ونحن سادة القوم وأغنياؤهم.. ويستحيل أن تضمنا دعوة واحدة مع هؤلاء.
واستمع "نوح" إلى كفار قومه، وأدرك أنهم يعاندون. وبرغم ذلك، كان طيبا في رده.. أفهم قومه أنه لا يستطيع أن يطرد المؤمنين، لأنهم أولا ليسوا ضيوفه، إنما هم ضيوف الله.. وليست الرحمة بيته الذي يدخل فيه من يشاء أو يطرد منه من يشاء، إنما الرحمة بيت الله الذي يستقبل فيه من يشاء.
واستمرت المعركة، وطالت المناقشة بين الكافرين من قوم نوح وبينه، حتى انهارت كل حجج الكافرين ولم يعد لديهم ما يقال، فبدءوا يخرجون عن حدود الأدب ويشتمون نوحا.
(قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين).
ورد عليهم نوح بأدب الأنبياء العظيم:
_ (قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين* أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون).
***
اجتهد نوح في دعوة قومه إلى الله.. ساعة بعد ساعة.. ويوما بعد يوم.. وعاما بعد عام.. ومرت سنوات ونوح يدعو قومه.. كان يدعوهم ليلا ونهارا، وسرا وجهرا، يضرب لهم الأمثال، ويشرح لهم الآيات، ويبين لهم قدرة الله في الكائنات، وكلما دعاهم إلى الله فروا منه، وكلما دعاهم ليغفر الله لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستكبروا عن سماع الحق.
وحزن نوح على قومه.. لكنه لم يبلغ درجة اليأس.. وكان قد مضى عليه 950 سنة وهو يدعوهم إلى الله.. ويبدو أن أعمار الناس قبل الطوفان كانت طويلة، وربما كان هذا العمر الطويل لنوح معجزة خاصة له.. وجاء يوم وأوحى الله إليه: (أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن).
ساعتها دعا نوح على الكافرين بالهلاك.. واستجاب الله لدعوة نبيه.. وأمره أن يصنع سفينة عظيمة..
***
وكان "نوح" يصنع السفينة طبقا لتوجيهات الله سبحانه وتعالى وتعليمه وإرشاده. وكان الكفار يمرون عليه فيرونه منهمكا في صنع السفينة، وكان الجفاف سائدا فترة طويلة، لم تكن هناك أنهار قريبة أو بحار.. ويسأله الكفار:
هل ستجري سفينتك على الأرض يا نوح..؟! أين الماء الذي ستسبح فيه السفينة؟
ثم ينفجرون بالضحك ويتهمونه بالجنون..
وحمل نوح في السفينة من كل حيوان وطير ووحش زوجين اثنين.. بعد أن صعدت الحيوانات والطيور والوحوش، صعد أهل نوح من المؤمنين. لم تكن زوجته مؤمنة فلم تصعد. ولم يكن أحد أبنائه مؤمنا، فلم يصعد.. دخل السفينة من آمن من قومه، وكان عدد المؤمنين قليلا.. وقال نوح:
(اركبوا فيها باسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم)..
***
بدأ الطوفان بأن نبع من فتحات الأرض.. لم تبق هناك فتحة في الأرض إلا خرج منها الماء.. راح ينهمر من السماء بكميات هائلة لم تر الأرض قبلها _ولن ترى بعدها _ مثلها.. وراحت المياه تسقط من السماء وتخرج من الأرض.. وترتفع ساعة بعد ساعة.. ونادى نوح ابنه وكان قد رفض الإيمان به.. وكان يقف بعيدا عنه: (يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين..).
لم يدعه نوح إلى ركوب السفينة وهو كافر، إنما دعاه إلى الإيمان بالله قبل أن يركب السفينة.
قال ابنه: (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء)..
قال نوح: (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم).
وارتفعت موجة هائلة بينهما.. وهلك الولد غرقا.. وبدأت غضبة الطوفان.
ومن الصعب اليوم أن نتصور هول الطوفان أو عظمته.. كان شيئا رهيبا وعظيما يدل على قدرة الخالق. وكانت السفينة تجري في موج كالجبال.. واستمر الطوفان زمنا لا نعرف مقداره.. ثم صدر الأمر الإلهي إلى السماء أن تكف عن البكاء. وإلى الأرض أن تبتلع الماء.. وإلى أخشاب السفينة أن ترسو على الجودي _وهو اسم مكان قديم _ وأرسل نوح الحمامة لتستطلع الأمر، فعادت وفي فمها غصن زيتون.. وفهم نوح أن الطوفان قد توقف، وجاء السلام.
انتهى الطوفان وذهب الهول، وتحركت في قلب الأب عواطف الأبوة.. كان حزينا لأن ابنه غرق.. قال:
(رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين).
أراد نوح أن يقول لله إن ابنه من أهله، وقد وعده الله بنجاة أهله..
قال الله سبحانه وتعالى:
_ (يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عَمَلٌ غيرُ صالح)..
أراد الله سبحانه وتعالى أن يقول لنبيه الكريم إن ابنه ليس من أهله، لأنه لم يؤمن بالله.. وليس الدم هو الصلة بين الناس.. ابن النبي هو من يتبع الله والنبي.. هذا ابنه الحقيقي وليس ابنه الذي يلده من زوجته.. وعاتب الله نوحا لأنه لم يدرك ذلك.
واستغفر نوح ربه وتاب إليه.. ورحمه الله وأمره أن يهبط من السفينة وعليه سلام من الله وبركات..
هبط نوح من سفينته بعد أن أطلق سراح الطيور والوحوش.. وضع جبهته على الأرض وسجد. لم تزل الأرض مبللة من الطوفان.. نهض نوح بعد صلاته وحفر الأساس لبناء معبد عظيم لله..
ذهب الخوف أخيرا، فارتفعت أصواتهم وعلت الضحكات وتلألأت الوجوه بالفرحة. وقبل ذلك كانوا جميعا صامتين في السفينة، طوال الفترة التي استغرقها الطوفان لم يكن هناك من يتكلم.. كانت عظمة الله التي تجلت في الطوفان قد سجنتهم جميعا داخل أنفسهم.. وعادت الحياة للأرض.. ومرت سنوات.. وأحس نوح أنه يموت.. وجمع أولاده حوله وأوصاهم بشيء واحد:
_ أن يعبدوا الله وحده..


source : البلاغ
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

هل المهديّ المنتظر هو المسيح عليهما السلام
الشعائر الحسينية‌ العامة‌
الارتباط بالمعصومين(ع) و أقسامها
النتائج الأخروية للارتباط بالمعصومین(ع)ـ القسم ...
آيات بحق أهل البيت عليهم السلام
علماء أهل السنة يكتشفون أن المهدي المنتظر من أهل ...
النبي عيسى وآدم (ع) من منظار القرآن الكريم
تزوجه ص بخديجة( س )و فضائلها و بعض أحوالها
أسباب الغيبة الصغرى للإمام المهدي
في أن الاستقامة إنما هي على الولاية

 
user comment