عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

وحشة المؤمن في الدنيا

وحشة المؤمن في الدنيا

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾.. إن هذه الآيات في سورة لقمان، ولقمان قد لا يكون نبياً، فلم تثبت نبوته، ومع ذلك فإن القرآن الكريم يتناول هذا الرجل الحكيم بسورة من سوره.. فهنالك سور باسم الأنبياء مثل: يونس، وباسم النبي الخاتم، ويوسف، وإبراهيم.. ويلاحظ بالإضافة إلى ذلك سورة باسم هذا العبد الصالح الذي أوتي الحكمة.

 

إن هذا الرجل لم يدخل دورة تربوية، ولم يتتلمذ على يد أستاذ.. إنما كان انساناً، ولعله كان عبداً من العبيد في زمانه.. ولكن الله عز وجل أراد أن يكرمه بالحكمة.. ومعنى ذلك أن الحكمة ضالة المؤمن، فالبعض منا يتقاعس عن البحث عن الحكمة، ويتقاعس عن التقرب إلى الله عز وجل بالعلم والعمل، بدعـوى أن البيئة لا تساعده، وأنه ليس هناك من يرشده إلى الطريق.. فهو يحتاج إلى مربي وإلى مرشد وأستاذ ودليل كالسلف الصالح، فيركن إلى الحياة الدنيا.. فلقمان إنسان يثير تعجب نبي من الأنبياء، وذلك عندما دخل على سيدنا داوود عليه السلام، وكان يصنع الدرع.. فلم يسأله لماذا يعمل هذا اللبوس؟.. فهو يرى أن سؤاله في غير محله، فانتظر إلى أن رأى الحكمة من صنع هذا الدرع.. وقد أكبر سيدنا داوود عليه السلام هذا الصمت والتأمل، وعدم المبادرة في السؤال من هذا العبد الصالح.

 

فالآية المختارة في هذه السورة: ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾.. فالمقصود من التقوى هو أن نجعل بيننا وبين الله عنصر وقاية.. فتارة يعبر القرآن عن التقوى بالنسبة إلى غضب الله، وإلى نار جهنم.. وتارة يكون التقوى من الله عز وجل.. فهناك فرق بين أن يخاف الإنسان عذاب ربه، وبين أن يخشى ربه.. ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى/ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾.. فخشية المقام هي درجة عالية من درجات العرفان والصلاح في الإنسان المؤمن، فالمؤمن لا ينظر إلى عذابه، بل ينظر إلى موقعه في هذا الوجود.. فهو كان نطفة قذرة، ويعود جيفة نتنة.. والله هو مالك الملك، فطاعة هذا الرب هو المطابق للعقل وللوجدان.. وإذا كانت خشية المؤمن من الله عز وجل، وخوفه من ربه ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى/ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾.. فإن طريق مخالفة الهوى هو عـظمة الرب في قلب الإنسان.. صلوات الله على مولانا أمير المؤمنين حيث أشار الى هذه النقطة: (عظم الخالق في أنفسهم فـصغر ما دونه في أعينهم).. وممن صغر الشهوات فهو يراها صغيرة جداً، ولهذا فالمؤمن لا يعاني من ترك الشهوات أبداً، لأنها حقيرة في باطنه.

 

﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا﴾.. أي اتقوا الله واتقوا ذلك اليوم!.. فعامة الناس، يخافون عذاب الله عز وجل.. وأما الخواص، فهم يخافون الله عز وجل بذاته، من دون احتساب جنة أوعذاب..﴿اخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ﴾.. هذه هي الحياة الدنيا، فملخص حياة الإنسان هو أن يتزوج، ومن ثم يـتناسل، ويربي ولـده، ويسلمه للمجتمع.. وقسم كبير من حياة الإنسان، ومن زهـرة شباب الإنسان، يصرفه في تربية الولد كوجود مادي، لا كأمانة إلهية.. يقول تعالى: أيها الإنسان!.. أنت تعبت في إيجاد هذا الولد في خلقه بإذن الله عز وجل، وربيته كبيراًُ على آمال بعيدة.. ولكن يأتي ذلك اليوم الذي لا رابطة بينك وبين ولدك.. ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ﴾.. أي ليس هناك نسب، فأين الذي كان له سعيك وكدك؟.. لا يجزى والد عن ولده، الأب يؤخذ به إلى النار، ويرى ولده في عرصات يوم القيامة فيقول له: ولدي!.. أنا الذي اتعبت شبابي، وأتلفت عمري في تربيتك، وأنا الآن أحتاج إلى حسنة تنقذني من النار.. فيجيبه الولد: أبتاه!.. هذا اليوم لا أستطيع أن أعطيك شيئاً.

 

وعليه، فإن مقتضى ما تقدم لا يعني أن نهمل أمر الأولاد، بل هذه أمانتنا.. ولكن يجب أن يكون الاهتمام بهم وفق معايير:

أولاً: أن نعطيهم مقدار ما أمر الله تعالى به، في الحديث الشريف: (لا تجعل أكبر شغلك بأهلك وولدك).. أي لا تهتم زيادة عن المقدار الذي أمرك به الشارع.. فإن يكونوا أولياء فإن الله لا يضيع أولياءه، وإن لم يكونوا أولياء الله، فما شغلك بغير أولياء الله وبأعدائه؟!..

 

ثانياً: أن تكون تربيتنا لهم بدواعي إلهية، وإلا فإن الإنسان يخسر.. إن الذي يربي أولاده لا بداعي القربة إلى الله، وبداعي تربيته أمانات الله، فهو إنسان مفلس يوم القيامة.. وهذا ليس كلاماً عرفانياً في بطون كتب العرفاء، بل هذا كلام القرآن الكريم: ﴿يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾.. إن الدنيا غرارة، فهي دار غرور، لأنها مزينة ومعجلة.. وسر الغرور في الحياة الدنيا أنها جميلة، وتغري الإنسان ﴿لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ﴾.. ولأنها معجلة.. فالإنسان المادي الترابي المتثاقل، والذي لا يرى ما وراء المادة، لا يشتري المؤجل بالمعجل.. فما شأنه بجنة يعتقد بها من خلال القرآن الكريم، ومن خلال كلام الأولياء؟.. فهو لايرى شيئاً من هذا النعيم.. والحال أن الإمام علي عليه السلام يقول: (هم والجنة كمن قد رآها، فهم فيها منعمون.. وهم والنار كمن قد رآها، فهم فيها معذبون).. ويقول في موضع آخر بهذا المضمون: (كأن زفير جهنم في أصول آذانهم).. هذه هي تربية الإمام علي عليه السلام. فليعاهد الإنسان ربه أن يعيد تقييم الحياة من جديد، وينظر إلى الدنيا بزخرفها وبأزواجها وأولادها ومساكنها، على أنه متاع مؤقت.. فإذا ربطه بالله عز وجل اكتسب الخلود ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾.


source : هدی القران
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

نقد الذات
صلاة ألف ركعة
جنة آدم عليه السلام
الإقتباسات القرآنية في أشعار المواكب الحسينية (1)
ما هي ليلة الجهني، و لماذا سُمِّيت بالجهني؟
من أذكار الحبيب المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم
هل المهديّ المنتظر هو المسيح عليهما السلام
الشعائر الحسينية‌ العامة‌
الارتباط بالمعصومين(ع) و أقسامها
النتائج الأخروية للارتباط بالمعصومین(ع)ـ القسم ...

 
user comment