عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

حملات الإساءة على الإسلام.. الأبعاد والمقاصد!!

عادت مسألة الإساءة للرسول (صلى الله عليه وسلم) تشغل مساحة واسعة من الاهتمام والتداول الإعلامي بعد تواطؤ سبع عشرة صحيفة دنماركية على إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية، والتي ظنّ الكثيرون أن صفحتها قد طُويت إلى غير رجعة تحت حجج واهية وذرائع واهنة.. المسألة تزامنت مع التمهيد لنشر فيلم هولندي من إعداد النائب المتطرف جيرت فيلدرز زعيم حزب الحرية اليميني ينال من القرآن الكريم، ويقارنه بكتاب هتلر كفاحي مطالبًا بحظره ومنعه .. كما أن كل ذلك ترافق وتوافق مع استضافة قناة إخبارية عربية وللمرة الثالثة لامرأة لا تملك من مقومات الثقافة والفكر سوى استهتارها بمقدسات المسلمين وتطاولها على كتابهم، مما جعلها من النجوم الذين تتبناهم جهات غربية وينالون الحظوة والمكانة وتفتح لهم أبواب الإعلام وتمهد لهم ميادينه, حتى إن التايمز اختارتها عام 2006 كواحدة من الشخصيات المؤثرة عالميًا.
وآخر هذه الصراعات إعلان مجلة \"هيومن إيفنتس\" الأميركية الأسبوعية أنها تعتزم توزيع كتاب مجاني على قرّاءها يُسيء للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم), وكشفت المجلة  القريبة من اليمين الأميركي والمحافظين والحزب الجمهوري ـ أنها ستوزع كتابًا للمؤلف الأميركي الأصولي روبرت سبنسر ينال فيه من الرسول (صلى الله عليه وسلم).
ما الذي يدفع صحيفة بعد أخرى ووسيلة إعلام تتلوها ثانية وإعلاميين وسياسيين غربيين للتهجم على الإسلام والاعتداء الصارخ على مقدساته والانتهاك السافر لحرماته والإساءة لنبيه (صلى الله عليه وسلم)؟ وهل هذه الحملات المتتالية والمتوالية منسقة ومرتبة أم أنها مبعثرة ومختلفة، وإن جمعتها الأحقاد ووحدت بينها سواد قلوب أصحابها؟ الكثير من وسائل الإعلام الغربية تمتلكها وتحتكرها جهات معينة تخدم أجندة سياسية واضحة والأمر كذلك, فإنني أرجح أن تلك الحملات والرسوم والكتابات منسقة ومبرمجة لتخدم أهدافًا مرسومة وغايات معينة ومحددة.
وقبل أن نحاول سَبْر تلك الغايات دعونا نعترف أن ما يشجع الحاقدين على الإسلام وأهله على شن حملاتهم المسعورة وقذف سهامهم المسمومة هو يقينهم بأن غاية ردود الأفعال الإسلامية لا يتجاوز المواقف العاطفية والتي ما تلبث أن تخبو وتتلاشى ولتتشكل على أرض الواقع الإعلامي والرسمي حقائق القدرة على الاعتداء على الإسلام وتيسير الطريق وتعبيده للساعين لمواصلة هذه السبل الوضيعة والطرق الشائنة في الإساءة للإسلام وأهله.
من بابا الفاتيكان إلى الهجمات الإعلامية المستمرة المترافقة مع الحملات العسكرية, تبدو تلك الجهود المحمومة والسهام المسمومة جزءًا من حرب ضارية تستهدف الإسلام عقيدة وفكرًا والمسلمين مكانة ومقدرات وإمكانات. حرب تحمل مسميات مختلفة وشعارات متعددة من قبيل الحرب على الإرهاب إلى تطبيق القانون الدولي إلى التدثر بحقوق الإنسان وما إلى ذلك, لكنها في المحصلة تستهدف إبقاء المسلمين في دائرة الاستهلاك والتخلف وترمي إلى استعمارهم وإن كان بوسائل وأشكال حديثة ومختلفة عن الاستعمار السابق، والذي خرج عسكريًا من ديارنا وإن بقيت خلاياه السرطانية منتشرة في مرافق حساسة من جسم الأمة وعقلها.
بالنسبة للغرب والذي يعاني من الإفلاس الأخلاقي والانهيار القيمي يشكل الإسلام بديلاً حضاريًا ومنافسًا فكريًا كبيرًا, يتبدى ذلك من كون الإسلام الدين الأسرع انتشارًا في الغرب على الرغم من الأوضاع الصعبة والبائسة لعموم المسلمين والحملات الشرسة والتي تستهدف الإسلام ومقدساته بالتشويه والانتقاص. القوة الذاتية للإسلام وقدرة الإسلام على احتواء البائسين والباحثين عن الغذاء الروحي والاستقرار النفسي والهاربين من بؤس المادية الغربية الطاحن تشكل عاملاً بارزًا في إثارة أحقاد وضغائن خصومه ووقودًا لهجماتهم البذيئة عليه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى مقدساته وحرماته.
الوجود الإسلامي في الغرب وخروج الجيل الثاني والثالث من المسلمين والذي يشكل شيئًا فشيئًا ثقلاً سياسيًا ورقمًا انتخابيًا أصبح يشكل عبئًا على الذين يتعاملون مع الإسلام بمنطق العداوة والأحقاد التاريخية.
التهجُّم على الإسلام والمسلمين بتقديري يهدف أيضًا لاستفزاز مسلمي الغرب وجرّ بعضهم لاتخاذ مواقف عنفيه لتكون حجة وذريعة تستخدم للمطالبة بسنّ القوانين والتشريعات للتضييق عليهم ومحاصرتهم في دينهم وقيمهم كما حصل بمسألة الحجاب في فرنسا لدفعهم إلى مغادرة بلدانهم الغربية والتفكير في الهجرة منها أو الانسلاخ عن قيمهم وهوياتهم.
الحملات والتصريحات ضد الإسلام وأهله ـ برأيي ـ ستزداد عددًا وتشتد حدة وفحشًا, ومع كل ذلك فعلى المسلمين التزام جانب الحكمة والتعقل وعلى الردود أن تكون هادئة وحازمة؛ فمنطق حرية التعبير يسقط أمام نقاش هادئ بأن تلك الحرية تتهاوى حين الاقتراب من الهولوكست, والاستفسار عن السبب في كون تلك الهجمات تتركز على الإسلام دون غيره من الأديان والتي يعبد أتباعها الحجر والحيوانات والشياطين, وعن أن أحد من أولئك الأقزام لا يجرؤ على الاقتراب من جرائم الصهاينة ناهيك عن الحديث عن تحريض كتبهم \"المقدسة\" على القتل والحرق والاغتصاب سيرفع أكثر من علامة استفهام قد تنجح في إزالة الكثير من الغشاوات عن عقول وبصائر أصحاب الضمائر الحية والمنطق القويم في الغرب وغيره.
علينا ألا نسطِّح الأمور ولا أن نضع الغرب والغربيين في سلة واحدة, فهناك الكثير من المنصفين من الغربيين, والذي يسعى من يقف وراء الحملات المسمومة لدفعهم لمعاداة الإسلام وجعلهم طرفا فيها, علينا أن لا ننجَرّ لمخاصمة كتل بشرية كبيرة ليست طرفًا في الإساءة إلينا وإلى ديننا وعقيدتنا. الهجوم الرخيص والبذيء على النبي صلى الله عليه وسلم يظهر وبجلاء إفلاس ووضاعة أصحابه ومن يدعمهم ويؤازرهم, ونتائجه قد تنقلب عليهم وستدفع الكثيرين ليتساءلوا ويستفسروا عن الإسلام ونبيِّه والتي من الممكن أن تكون سبيلهم للهداية وللصراط المستقيم.
أما إذا أردنا أن نسمح لأفكارنا بالتحليق بعض الشيء, لنربط الأصوات التي ترتفع في فلسطين تحذر من استهداف للمسجد الأقصى والإعلان عن انهيارات أخيرة حدثت فيه جراء الحفريات الصهيونية مع الحملات المتواصلة على مقدسات المسلمين. فهل يكون ترويض مشاعر المسلمين تجاه انتهاك مقدساتهم وحرماتهم تمهيدًا لاعتداء وشيك وصارخ على المسجد الأقصى ؟

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

لبس السواد على أبي الثوار وسيد الاحرار أبي ...
أعمال أيام مطلق الشهر و لياليه و أدعيتهما
هل المهديّ المنتظر هو المسيح عليهما السلام
الفرق بين علوم القرآن والتفسير
وتسلّط‌ ارباب‌ السوء
اليقين والقناعة والصبر والشکر
القصيدة التائية لدعبل الخزاعي
في رحاب أدعية الإمام الحسين (عليه السلام)
أقوال أهل البيت عليهم السلام في شهر رمضان
آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر

 
user comment