عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

الجهل الغربي في معرفة الرسول (ص) له امتداداته التاريخية

إذا ما أردنا استقراء الذهنية الغربية وتحديداً النخبوية منها، لناحية نظرتها إلى الإسلام والرسول محمد (ص)، لوجدنا أن أزمة الرسوم الدانماركية كان لها \"الفضل\" في نزع الأقنعة وإزالة القشور، بشكل مباشر وجلي، ويمكن استخراج العبر والاستنتاجات الكاملة منه.

التاريخ يحكم الحاضر

إن ما نراه اليوم ونقرأه في الإعلام الغربي لناحية الجهل في معرفة الرسول (ص) وسماته وصفاته وأخلاقه وكنه رسالته، لهو في حقيقته التاريخية امتداد لممارسات معرفية غربية قديمة ارتبطت في معظم فترات القرون الوسطى وحتى مطلع عصر النهضة في أوروبا بتصوير الإسلام ببشاعة والرسول محمد (ص) بتشويه وتحريف.
ولم يكن هناك وراء تلك البشاعة وذاك التشويه في التصوير أو التزوير، غير دوافع سياسية ومخاوف مردها أن الأحداث الواقعية في العالم الحقيقي من حول الغرب ـ آنذاك ـ جعلت من الإسلام قوة جبارة تهدد أساطيلها المواقع الأوروبية المتقدمة على امتداد القرون، وحتى بعد أن تعرض العالم الإسلامي للتدهور وبدأت أوروبا عصر الرقي والنهضة، لم تبارح أوروبا ذكريات الخوف من القوة الإسلامية التي كانت.
وحتى مع احتلال القوى الاستعمارية الغربية لمعظم بلدان العالم الإسلامي ظلت آلية العداء الكامن من غلاة الغربيين للإسلام تنمو، وأخذت هذه الآلية أشكالاً أكثر تعقيداً تمثلت منذ أواخر القرن الثامن عشر، على الأقل، وحتى يومنا في الفكر الاستشراقي الذي اتسم بالتبسيط المخلّ بصورة جذرية بعالم الإسلام وشخصية نبي الإسلام محمد بن عبد الله (ص)، فقد كان مرهوناً لإطار استقطابي يقسم العالم إلى قسمين، أحدهما هو \"الشرق\" والآخر هو \"الغرب\"، وكان طبيعياً أن ينتمي الإسلام إلى العالم \"المختلف\" أي الشرق، ومن ثم ينال النصيب الأكبر من الاختزال، وينظرون إليه كما لو كان وحدة متجانسة جامدة يتعقبونها بمشاعر بالغة الخصوصية من العداء والخوف معاً. هذا الاختزال سبق أن رصده وفنّده إدوارد سعيد في كتابه عن الاستشراق، الذي أشار فيه إلى الخيط الممتد في نسيج التفكير الغربي الذي لم يبرأ منه كثير من المفكرين والكتّاب والإعلاميين الغربيين، فعندما يتناول الروائيون والصحفيون وواضعو السياسات والخبراء موضوع الإسلام يستخدمون مصطلح \"الإسلام\" ليشمل لديهم جميع جوانب العالم الإسلامي الشامل والمتنوع، ويختزلونها جميعاً في جوهر خاص يضمر الشر ولا يعرف التفكير.
من هنا ربما نستطيع أن \"نفهم\" لماذا تم احتضان الكاتب الهندي البريطاني سلمان رشدي وآياته الشيطانية، فالغرب هنا قد وقع على \"كنز\" من التلفيق والتزوير والتحوير لحياة رسول الإسلام (ص)، وهل هناك أفضل من صاحب الرسالة ليكون بؤرة التصويب والقدح والذم؟
أيضاً اشتغل الإعلام الغربي \"المنظّم\" على رصد التظاهرات والتحركات والفتاوى التي واكبت الاحتجاج على رواية رشدي، فجرى التركيز على مسألة غياب حرية الرأي والديموقراطية في العالم الإسلامي، وهو ما حصل أيضاً بعد الرسوم المسيئة للرسول في الدانمارك، حيث وجد أصحاب نظرية \"صراع الحضارات\" و\"الشرق والغرب\" ضالتهم في التظاهرات التي اجتاحت العالم بأسره.

الرسول هو الإسلام

إن الحديث عن الإسلام هو بشكل أو بآخر حديث عن الرسول محمد (ص) والعكس صحيح أيضاً، فمهما تنوعت المصادر والاجتهادات والشبهات يبقى خاتم الأنبياء النقطة المركزية التي تدور عجلة التاريخ الإسلامي والإنساني بفلكها، من هنا لا يحتاج الإعلامي أو المفكر إلى تسمية الرسول محمد (ص) عند كل مفترق، فيعمد إلى اجتراح عناوين مثيرة مثل: القنبلة الإسلامية قادمة، الحرب الإسلامية ضد الحداثة، الحروب الصليبية ما زالت مستمرة.
لاحظ جون اسبوسيتو مدير مركز التفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورج تاون بالولايات المتحدة الأميركية أن هكذا عناوين تجذب الاهتمام وتشوه الحقائق حول العالم الإسلامي وعلاقاته المتنوعة مع الغرب، من ناحية، ومن ناحية أخرى، كرّست تلك العناوين درجة الجهل المذهل بالعرب والإسلام.. لدرجة أن عديداً من الناس في دول الغرب لديهم مسلّمة بديهية، وهي أن العرب والمسلمين ما هم إلا بدو، أو أثرياء نفط يسكنون الصحراء، وأن المسلم والعربي ميالان إلى الانفعال والقتال، وغالباً ما يتم مساواة الإسلام بالحرب المقدسة والكراهية والتعصب، والعنف، وعدم التسامح، واضطهاد النساء.

\"أزمة الرسوم\" عود على بدء

جاءت الرسوم المسيئة للرسول في ظل غوغائية محدثة لا تعرف عن التاريخ الإسلامي، إلا بعض أسماء ورموز، وهذه الرسوم جزء من هذه الغوغائية والابتسار، بل جاءت لتخدم الإطار العام الذي يقرأ فيه الإسلام بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر).
إن طبيعة الرسومات ذاتها تظهر استخفافاً ورأياً مبطناً بالرمز الذي تعرضت له، ويُلاحظ أن الخطوط مستمدة ومُلقمة من وجوه الإسلام الآسيوي الذي ذاع صيته منذ مدتين قريبة وبعيدة.
وفي هذا الإطار يتأكد الطابع غير المسؤول والقليل الحيلة والخبرة للرسام، فهو حتى لم يستطع تفعيل مخيلته ليتخيل شكل النبي الذي اتفقت المصادر الأجنبية والعربية قبل وبعد الدعوة على دماثة خلقه وأخلاقه التي اشتهر بها.
فلو كان للرسام أدنى معرفة بالشخصية التي تعرض لها لكان على الأقل عالجها، فنياً، بما يتناسب مع شكلها التاريخي، هذا دون أن يُفرض عليه تقديس الشخصية، بل فقط معرفتها تاريخياً.
من ناحية أخرى وعلى قاعدة \"رب ضارة نافعة\"، فلِمَ لا تتم الإفادة مما حدث في الدانمارك وغيرها، للعمل على ترسيخ دستور أخلاقي جديد في التعامل مع المقدسات الدينية، لأنها الأكثر استباحة الآن، ولأن استباحتها ليست ضد سلطة أو نظام أو حتى مؤسسات، وإنما ضد مشاعر إنسانية بحتة، لها حقها الأكيد في الحماية والاحترام. فالذين تحركوا في الشوارع في العواصم الأوروبية والعربية والآسيوية وغيرها، لم تحركهم سلطات ولم تحشدهم أحزاب، وإنما حركتهم مشاعر فياضة جرحها بقسوة استهزاء غير مسؤول بمقدساتهم.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

لهفي عليك.. يا أبا عبدالله
القرآن و القواعد
التعامل مع القرآن بين الواقع والمفروض
علاج الامراض النفسیة بذکر الله
هدم قبور البقيع ..............القصة الكاملة
الحرب العالمية في عصر الظهور
الإمام الحسن العسكري (ع) والتمهيد لولادة وغيبة ...
إنّ الحسين (عليه السلام) مصباح الهدى وسفينة ...
الإمام موسى الكاظم عليه السلام والثورات العلوية
زيارة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام)

 
user comment