عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

النبوة

تمهيد

الإيمان بالنبي هو الركن الثاني من أركان الإسلام. وهو ركن لا خلاف فيه بين الفرق الإسلامية، إنما الخلاف يكمن في نظرة كل فرقة إلى النبي كشخصية تؤدي دورها في محيط الرسالة..

وسوف نعرض هنا لمجمل الخلاف حول هذا الأمر ثم نستعرض موقف كل من السنة والشيعة.

يقول فخر الرازي: إن الاختلاف في هذه المسألة واقع في أربعة مواضع.

الأول: ما يتعلق بالاعتقادية. واجتمعت الأمة على أن الأنبياء معصومون عن الكفر والبدعة إلا الفضلية من الخوارج فإنهم يجوزون الكفر على الأنبياء.

وذلك لأن عندهم يجوز صدور الذنوب عنهم. والروافض فإنهم يجوزون عليهم إظهار كلمة الكفر على سبيل التقية..

الثاني: ما يتعلق بجميع الشرائع والأحكام من الله تعالى، وأجمعوا على أنه لا يجوز عليهم التحريف والخيانة في هذا الباب لا بالعمد ولا بالسهو. وإلا لم يبق الاعتماد على شئ من الشرائع..

الثالث: ما يتعلق بالفتوى. وأجمعوا على أنه لا يجوز تعمد الخطأ. فأما على سبيل السهو فقد اختلفوا فيه.

الرابع: ما يتعلق بأفعالهم وأحوالهم. وقد اختلفوا فيه على خمسة مذاهب.

1 - الحشوية: وهو أنه يجوز عليهم الإقدام على الكبائر والصغائر..

2 - إنه لا يجوز منهم تعمد الكبيرة البتة. وأما تعمد الصغيرة فهو جائز.

بشرط أن لا تكون منفرة. وأما إن كانت منفرة فذلك لا يجوز عليهم..

 

 


3 - إنه لا يجوز عليهم تعمد الكبيرة والصغيرة. ولكن يجوز صدور الذنب منهم على سبيل الخطأ في التأويل..

4 - إنه لا يجوز عليهم الصغيرة ولا الكبيرة لا بالعمد ولا بالسهو ولا بالتأويل الخطأ.

أما السهو والنسيان فجائز ثم إنهم يعاتبون على ذلك بالسهو والنسيان. كما أن علومهم أكمل، فكان الواجب عليهم المبالغة في التيقظ..

5 - إنه لا يجوز عليهم الكبيرة ولا الصغيرة لا بالعمد ولا بالتأويل ولا بالسهو ولا بالنسيان.. واختلفوا أيضا في وقت وجوب العصمة:

فقال بعضهم: إنها من أول الولادة إلى آخر العمر..

وقال الأكثرون: هذه العصمة إنما تجب في زمان النبوة. أما قبلها.. فهي غير واجبة وهو قول أكثر أصحابنا.. (1).

وما يجب التركيز عليه هنا من بين هذه الأقوال هو ما يتعلق بالسنة والشيعة منه.

____________

(1) عصمة الأنبياء، ط. بيروت. وانظر تفسير قوله تعالى: (لا ينال عهدي الظالمين) في تفسير الرازي..

 

 


النبوة عند أهل السنة

يعتقد أهل السنة أن إرسال الرسل إنما هو بمحض فضل من الله تعالى وواجب في حقهم الأمانة أي حفظ ظواهرهم وبواطنهم من التلبس بمنهي عنه.

أما المحرم فلك يقع منهم إجماعا ومأواهم المعصية فمؤول..

وواجب في حقهم الصدق والفطانة والتبليغ ويستحيل في حقهم ضد هذه الصفات.. أما السهو فممتنع عليهم في الأخبار البلاغية وغير البلاغية.

وجائز عليهم في الأفعال البلاغية أما النسيان فهو ممتنع في البلاغيات قبل تبليغها قولية كانت أو فعلية. أما بعد التبليغ فيجوز نسيان ما ذكر الله تعالى أما نسيان الشيطان فمستحيل عليهم. ويجوز على ظواهرهم ما يجوز على البشر مما لا يؤدي إلى نقص وأما بواطنهم فمنزهة عن ذلك متعلقة بربهم.. (1).

ويقول ابن حزم: والسهو منهم قد ثبت بيقين وأيضا فإن ندب الله تعالى لنا إلى التأسي بهم لا يمنع من وقوع السهو منهم لأن التأسي بالسهو لا يمكن إلا بسهو منا.. إننا مأمورون إذا سهونا أن نفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله إذا سها.. (2).

ويعتبر ابن تيمية أن إنكار السهو من الغلو في عصمة الأنبياء وأن هذا القول لم يوافق عليه أحد من أهل السنة.. (3) وقال الأشاعرة: يجوز على الأنبياء الكبائر والصغائر سهوا. إلا الكفر والكذب وعلى هذا طوائف أخرى من أهل السنة.

____________

(1) شرح البيجوري على الجوهرة..

(2) الفصل في الملل والنحل، ج 4 / 2..

(3) ابن تيمية ليس سلفيا..

 

 


وهذا التصور الذي يطرحه أهل السنة بالنسبة لقضية العصمة إنما هو مرتبط بفترة ما بعد البعثة. أما قترة ما قبل البعثة فقد جوزوا عليهم الكبائر والصغائر عمدا وسهوا.. (1).

وقال القاضي عياض: وأما عصمتهم من هذا الفن قبل النبوة فللناس فيه خلاف. والصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بالله وصفاته والتشكك في شئ من ذلك.

وقال القشيري: والذي صار إليه المعظم أن الله ما بعث نبيا إلا كان مؤمنا به قبل البعثة.. وإجماع أهل السنة على جواز وقوع النسيان من الرسول صلى الله عليه وآله لكنهم اختلفوا فيما يكون النسيان. هل ينسى في التبليغ عن الله ما يتعلق بالأحكام والأفعال..؟

قال القاضي عياض: عامة العلماء والأئمة النظار كما هو ظاهر القرآن والحديث.

لكن شرط الأئمة أن الله تعالى ينبه على ذلك ولا يقره عليه وقال البعض:

من شرط التنبيه اتصاله بالحادثة على الفور.

وقال آخرون: يجوز في ذلك التراخي ما لم ينخرم العمر وينقطع تبليغه.. (2)..

يقول ابن تيمية:.. والعصمة فيما يبلغونه عن الله ثابتة فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين.. وأما العصمة في غير ما يتعلق بتبليغ لرسالة فللناس فيه نزاع هل هو ثابت بالعقل أو بالسمع؟ ومتنازعون في أن العصمة من الكبائر والصغائر أو من بعضها. أم هل العصمة إنما في الإقرار عليها لا في فعلها؟ أم لا يجب القول بالعصمة إلا في التبليغ فقط؟ وهل تجب العصمة من الكفر

____________

(1) أنظر عظمة الأنبياء وكتب العقائد..

(2) (الجامع لأحكام القرآن ج 7 / تفسير قوله تعالى: (وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين).

 

 


والذنوب قبل المبعث أم لا؟ والكلام في هذا مبسوط في غير هذا الموضع.

والقول الذي عليه جمهور الناس وهو الموافق للآثار المنقولة عن السلف إثبات العصمة من الإقرار على الذنوب مطلقا. والرد على من يقول إنه يجوز إقرارهم عليها. وحجج القائلين بالعصمة إذا حررت إنما تدل على هذا القول. وحجج النفاة لا تدل على وقوع الذنب أقر عليه الأنبياء فإن القائلين بالعصمة احتجوا بأن التأسي مشروع وذلك لا يجوز إلا من تجويز كون الأفعال ذنوبا. ومعلوم أن التأسي بهم إنما هو مشروع فيما أقروا عليه دون ما نهوا عنه. كما أن الأمر والنهي إنما تجب طاعتهم فيما لم ينسخ منه، فأما ما نسخ من الأمر والنهي فلا يجوز جعله مأمورا به ولا منهيا عنه، فضلا عن وجوب اتباعه والطاعة فيه.

وكذلك ما احتجوا به من أن الذنوب تنافي الكمال أو أنها ممن عظمت عليه النعمة أقبح أو أنها توجب التنفير أو نحو ذلك من الحجج العقلية فهذا إنما يكون مع البقاء على ذلك وعدم الرجوع. وإلا فالتوبة النصوح التي يقبلها الله يرفع بها صاحبها إلى أعظم مما كان عليه. كما قال بعض السلف كان داود عليه السلام بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة..

وقال: لو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه.. (1).

وشن ابن تيمية كعادته هجوما شديدا على المتأولين الذين يؤولون النصوص المتعلقة بالعصمة فيقول: والرادون لذلك - يقصد رأيه وما ينسب للسلف - تأولوا ذلك بمثل تأويلات الجهمية والقدرية والدهرية لنصوص الأسماء والصفات ونصوص القدر ونصوص المعاد. وهي من جنس تأويلات القرامطة والباطنية التي يعلم بالاضطرار أنها باطلة وأنها من باب تحريف الكلم عن مواضعه.. (2).

____________

(1) فتاوى ابن تيمية: ج 2 / 282 وما بعدها..

(2) المرجع السابق.. وتأمل هجومه على المتأولين. كأن ابن تيمية يغيظه الدفاع عن الرسل ورفع مكانتهم..

 

 


ويرفض ابن تيمية فكرة العصمة قبل البعثة ويرد على أصحاب هذا الاتجاه قائلا:.. وبهذا يظهر جواب شبهة من يقول: إن الله لا يبعث نبيا إلا من كان مؤمنا قبل النبوة فإن هؤلاء توهموا أن الذنوب تكون نقصا وإن تاب التائب منها وهذا منشأ غلطهم فمن ظن أن صاحب الذنوب مع التوبة النصوح يكون ناقصا فهو غالط غلطا عظيما فإن الذم والعقاب الذي يلحق أهل الذنوب لا يلحق التائب منها شئ أصلا لكن إن قدم التوبة لم يلحقه شئ وإن أخر التوبة فقد يلحقه ما بين الذنوب والتوبة من الذم والعقاب ما يناسب حاله والأنبياء كانوا لا يؤخرون التوبة بل يسارعون إليها ويسابقون إليها لا يؤخرون ولا يصبرون على الذنب بل هم معصومون من ذلك، ومن أخر ذلك زمنا قليلا كفر الله ذلك بما يبتليه به كما فعل بذي النون هذا على المشهور أن إلقاءه كان بعد النبوة. وأما من قال إن إلقاءه كان قبل النبوة فلا يحتاج إلى هذا والتائب من الكفر والذنوب قد يكون أفضل ممن لم يقع في الكفر والذنوب.. بل من عرف الشر وذاقه فقد تكون معرفته بالخير ومحبته له ومعرفته بالشر وبغضه له أكمل ممن لم يعرف الخير والشر ويذوقهما كما ذاقهما. بل من لم يعرف إلا الخير فقد يأتيه الشر فلا يعرف أنه شر. فإما أن يقع فيه. وإما أن لا ينكره كما أنكره الذي عرفه.. (1).

يقول الأستاذ منصور عويس: وهكذا منطق ابن تيمية العجيب في شأن الأنبياء عليهم السلام وكأنهم بشر عاديون ونسي أن الأنبياء لا يليق أن يطبق على شخصياتهم أمثال تلك الأقيسة التي جاء بها. ولا يصح أن يتحدث في أمرهم بتلك البساطة وهذا الأسلوب. لأنهم صفوة عباد الله الذين اصطفاهم الله واختارهم. فمع إيماننا ببشريتهم نؤمن بما أضفاه الله عليهم من اصطفاء. إننا نؤمن بسمو اجتباء الله لهم واختياره إياهم (2).

____________

(1) المرجع السابق..

(2) ابن تيمية ليس سلفيا..

 

 


·  أهل السنة والقرآن:

إن الحديث عن النبوة يفرض علينا الحديث عن القرآن الذي جاء به النبي صلى الله عليه وآله ما هي ملامحه، وكيف ينظر أهل السنة إلى كتاب الله..؟

يروي البخاري كيف بدأ الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله..؟

.. إن الحارث بن هشام سأل رسول الله فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي..؟

فقال الرسول: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت لما قال.. وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول..

وقالت عائشة: أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم.. ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو في غار حراء..

وكان يتعبد الليالي ثم يعود إلى خديجة ويتزود ثم يرجع ويكرر ذلك حتى جاءه الحق وهو في الغار..

ورجع الرسول إلى خديجة يرجف فؤاده قائلا: زملوني.. زملوني..

وزملوه حتى ذهب عنه الروع..

وأخبر خديجة بالأمر فأخذته إلى ورقة بن نوفل النصراني.. وقال ورقة هذا الناموس الذي نزل على موسى..

وتنبأ بإخراج الرسول من مكة ومعاداة قومه له..

وقابل الرسول هذه النبوات بالدهشة..

ثم ظهر الوحي مرة أخرى بعد انقطاع ينادي الرسول من السماء..

ورفع الرسول بصره فوجد الملك الذي جاءه بحراء جالسا على كرسي بين السماء والأرض فرعب منه ورجع إلى خديجة قائلا: زملوني..

وأنزل الله تعالى: (يا أيها المدثر * قم فأنذر).

 

 


ثم حمى الوحي وتتابع..

وكان الرسول يعالج من التنزيل شدة..

كان الوحي يلقاه في كل ليلة في رمضان..

هذه قصة الوحي كما وردت في البخاري وهي تعكس لنا صورة تحمل الكثير من الملاحظات حول الوحي وحول شخصية الرسول وحول دور ورقة..

الملاحظة الأولى: هذا الوحي الذي يأتي تارة كصلصلة الجرس ويكون شديدا على الرسول. وتارة يأني صورة رجل فيعي الرسول كلامه..

في الصورة الأولى لا يعي الرسول منه شيئا إلا بعد معاناة..

وفي الثانية يعي منه كل شئ..

في الأولى يكون عنيفا..

وفي الثانية يكون لينا..

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يأتي الوحي بهذه الصورة المتناقضة إن الإجابة على هذا السؤال تقودنا للخوض في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج.. تقودنا للخوض في مسألة الروايات ومدى تأثيرها في العقيدة وكيف أن العقيدة أصبحت تصاغ وتتشكل حسب الروايات وليس حسب نصوص القرآن القطعية..

تقودنا للخوض في قضية الاسرائيليات ومدى الاختراق اليهودي لعقائد المسلمين. وهي قصية شائكة وليست محور بحثنا هذا. فقط ما أردنا بيانه هو أن هذه الملاحظات ليست إلا دعوة لإعمال العقل في هذه النصوص.

الملاحظة الثانية: هذه الرؤى المنامية التي كانت أول صورة من صور الوحي يراها الرسول كيف تتواءم مع خروجه إلى الخلاء وخلوته في غار حراء..؟

إذا كان ما يراه في المنام وحيا. فمعنى هذا أن خروجه وخلوته صورة من صور العبث. وهي توحي بأنه لم يكن يثق فيما يرى ويضطر إلى الخروج والخلوة بحثا عن الحقيقة. فهل كان الرسول عابثا. وهل كان شاكا..؟

 

 


ثم كيف لرسول يتحرك لإبلاغ أمته رسالة ربه عن طريق الرؤى والمنام..؟

وهو لم يخبر حتى ماذا رأى في المنامات من أمر الوحي..

أليست قضية المنامات هذه ثغرة للخصوم والمناوئين لدعوته كي ينفذوا منها لضرب الدعوة والتشكيك فيها..؟

الملاحظة الثالثة: ذهاب الرسول المتكرر إلى غار حراء. ما هي دوافعه..؟

هل كان الرسول يأمل أن يختاره الله ويهيئ نفسه لهذا الدور؟

ومن أين أتاه الأمل؟

ولماذا اختار غار حراء ليكون ميدان تحقيق رغبته..؟

وإذا كان الأمر كذلك لماذا فر الرسول مرعوبا من الوحي..؟

هل اعتبره مفاجأة له..؟

أم لم يكن يتوقعه من الأصل..؟

وما معنى أن يفر نبي من أمام الوحي هارعا نحو زوجته مرتين..؟

والاجابة على هذه التساؤلات تضع الرسول بين أمرين: إما أن يكون هذا الرسول مهزوزا ضعيفا ليس على مستوى الرسالة.

وإما أن يكون جاهلا أقحم نفسه فيما لا شأن له به وكلا الأمرين يدفعان إلى التشكيك بالوحي وبالرسول..

وكان لا بد من هذه الوقفة مع قضية الوحي قبل استعراض رؤية أهل السنة للقرآن.

يقول القرطبي في تفسيره: كان القرآن في مدة النبي صلى الله عليه وآله متفرقا في صدور الرجال. وقد كتب الناس منه في صحف وفي جريد وفي لخاف وظرر وغير ذلك.. (1).

____________

(1) الجامع لأحكام القرآن..

 

 


فلما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة في زمن أبي بكر.. وقتل منهم في ذلك اليوم فيما قيل سبعمائة. أشار ابن الخطاب على أبي بكر بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراء كأبي وابن مسعود وزيد. فندبا زيد بن ثابت إلى ذلك، فجمعه غير مرتب السور بعد تعب شديد.. (1).

وروى البخاري عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر يوم مقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال أن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس. وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن. فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه. وإني لأرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر: فقلت لعمر: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله..؟ فقال هو والله خير. فلم يزل يراجعني حتى شرح الله لذلك صدري. ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد: وعنده عمر جالس لا يتكلم. فقال لي أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك.

كنت تكتب الوحي لرسول الله. فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله. فقال أبو بكر هو والله خير. فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبو بكر وعمر. فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدر الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري ولم أجدهما مع غيره. (لقد جاءكم رسول من أنفسكم..) إلى آخرها. فكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر..

وقال الترمذي: فوجدت آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت..

وفي البخاري عن زيد بن ثابت قال: لما نسخنا الصحف في المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله يقرؤها. لم أجدها إلا مع خزيمة الأنصاري (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه).. وروى الترمذي نفس الكلام.

____________

(1) المرجع السابق. وانظر تاريخ القرآن للزنجاني..

 

 


يقول القرطبي عن الجمع الثاني للقرآن الذي قام به عثمان. أرسل إلى أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك.. وكان سبب ذلك أن القوم اختلفوا وعظم اختلافهم وتشبثهم وأظهر بعضهم إكفار بعض والبراءة منه وتلاعنوا.. (1).

وكان أن قام عبد الله بن الزبير وزيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بنسخ القرآن في المصاحف ورد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سوى ذلك من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن تحرق. وكان هذا من عثمان بعد أن جمع المهاجرين والأنصار وجلة أهل الإسلام وشاورهم في ذلك فاتفقوا على جمعه بما صح وثبت في القراءات المشهورة عن النبي وإطراح ما سواها..

ونقل القرطبي عددا من الروايات التي تشير إلى أن هناك خلافات وقعت بين الصحابة حول مسألة جمع القرآن..

ومن هذه الروايات رواية تقول إن ابن مسعود كره لزيد نسخ المصاحف.

وقال يا معشر المسلمين: أعزل عن نسخ المصاحف ويتولاه رجل - يريد زيد بن ثابت - والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر.. (2).

ونقل الترمذي أن ابن مسعود خطب في أهل العراق يقول: يا أهل العراق اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها. فإن الله عز وجل يقول: ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة.. فالقوا الله بالمصاحف.. (3).

ودافع أبو بكر الأنباري عن موقف أبو بكر وعمر تجاه زيد وتقديمه على ابن مسعود في جمع القرآن.. (4).

____________

(1) الجامع لأحكام القرآن..

(2) المرجع السابق، وانظر رفض ابن مسعود الاعتراف بمصحف عثمان في البخاري. كتاب فضل القرآن.

(3) أنظر الترمذي، وكتب تاريخ القرآن.

(4) أنظر تاريخ القرآن لعبد الصبور شاهين والزنجاني وغيرهما..

 

 


وقال يزيد بن هارون: المعوذتان بمنزلة البقرة وآل عمران. من زعم أنهما ليستا من القرآن فهو كافر بالقرآن العظيم. فقيل له: فقول ابن مسعود فيهما..؟

فقال: لا خلاف بين المسلمين في أن عبد الله بن مسعود مات وهو لا يحفظ القرآن كله.. (1).

وقال أنس بن مالك جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب. ومعاذ بن جبل. وزيد بن ثابت.

وأبو زيد.. (2).

ويبدو من خلال استقراء تاريخ القرآن أن هناك طعونا كثيرة وجهت لمصحف عثمان من الصحابة والسلف. فمن المعروف أن الإمام عليا كان له مصحف يبدأ بسورة العلق وكان لابن عباس مصحف فيه كلمات لا توجد في مصحف عثمان وكذلك أبي بن كعب.. (3).

وروى مسلم: بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن. فقال أنتم أخيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم. وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني قد حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب.. (4).

وقال عمر: لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبتها: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة.. (5).

____________

(1) أنظر المراجع السابقة..

(2) المراجع السابقة.

(3) المرجع السابقة.

(4) مسلم: ج 3 / 100 باب الزكاة.. وانظر موطأ مالك ومسند أحمد.

(5) أنظر مستدرك الحاكم، والاتقان في علوم القرآن للسيوطي والمراجع السابقة.

 

 


وروى الحاكم وابن جرير: أن عمر قال لما نزلت - آية الرجم - أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت اكتبها. فكأنه كره ذلك. وقال عمر ألا ترى أن الشيخ إذا زنى ولم يحصن جلد وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم.. (1).

وعن أ بي بن كعب قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن. قال: فقرأ (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب فقرأ فيها (لو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه لسأل ثانيا. فلو سأل ثانيا فأعطيه لسأل ثالثا. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. وأن ذلك الدين القيم عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيرا فلن يكفره).. (2).

وفي مسند أحمد عن أبي واقد الليثي قال كنا نأتي النبي صلى الله عليه وآله إذا أنزل عليه فيحدثنا. فقال لنا ذات يوم إن الله عز وجل قال: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون له ثان. ولو كان له واديان لأحب أن يكون لهما ثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ثم يتوب الله على من تاب..) (3).

وروى الطبراني والبيهقي أن من القرآن سورتين. الأولى منهما: (بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك..).

والثانية منهما: (بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك بالكفار ملحق..) (4).

____________

(1) المراجع السابقة..

(2) أنظر مسند أحمد والمراجع السابقة..

(3) المراجع السابقة..

(4) المراجع السابقة..

 

 


ويروي ابن عباس أن عمر قال وهو على المنبر: إن الله بعث محمدا بالحق. وأنزل عليه الكتاب. كان مما أنزل الله آية الرجم. فقرأناها وعقلناها ووعيناها فلذا رجم رسول الله صلى الله عليه وآله ورجمنا بعده. فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال.. ثم إنا كنا نقرأ من كتاب الله: (إن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم. أو كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم..) (1).

ومثل هذه الرويات كثير تكتظ بها كتب القوم..

·  أهل السنة والحديث:

ما هو موقف أهل السنة من الروايات النبوية.. وكيف يتناولونها..؟

إن أهل السنة يعتبرون أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله هي المصدر الثاني من مصادر الفقه والتشريع، ويعرفون الحديث بأنه الرواية الواردة عن الرسول، والتي تتناول كل ما صدر عنهم بشكل عام فيما يخص عصر النبي حتى ولو كان منسوخا فيما لا يخص التشريع..

ويعرفون السنة بأنها ما ورد عن النبي من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية..

فالحديث هو الجانب النظري من أقوال الرسول..

والسنة في الجانب العملي منها.. (2).

من هنا فإن الأساس الذي ترتكز عليه الرواية هو الصحابي، والصحابة عندهم متفاوتون في الرواية عن الرسول صلى الله عليه وآله، ومرجع هذا التفاوت يعود إلى

____________

(1) أنظر البخاري: ج 8 / 26. ومسلم: ج 5 / 116. وللتوسع في هذا الأمر انظر المراجع السابقة والبيان في تفسير القرآن للخوئي، وآلاء الرحمن في تفسير القرآن للبلاغي ومجمع البيان للطبرسي لترى كيف جنى القوم على القرآن برواياتهم..

(2) يعرف أهل السنة السنة بأنها ما ورد عن الرسول من قول أو فعل أو تقرير أو صفة وما عدا قول الرسول فهو سنة عملية..

 

 


الفترة التي عاصر فيها هذا الصحابي رسول الله ومدى تفرغه لمجالسته بالإضافة إلى قوة حفظه..

وعلى هذا الأساس اعتبر أبو هريرة وعائشة من ا لمكثرين في الرواية عن الرسول لملاصقتهم به وتفرغهم له.

يروي أبو هريرة عن نفسه: وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق (البيع) بالأسواق. وإن إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم . وكنت امرءا مسكينا ألزم رسول الله صلى الله عليه وآله على ملء بطني. فأحضر حين يغيبون.

وأوعى حين ينسون.. (1).

ويروي أيضا: وكنت أكثر مجالسة لرسول الله صلى عليه وآله أحضر إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا.. (2).

أما عائشة فلأنها كانت زوجة النبي وأحب نسائه إليه كما يروون.. (3).

ومن المعروف أن السنة دونت في فترة متأخرة، والسبب في ذلك يعود إلى أن الرسول نهى عن كتابة شئ غير القرآن.. (4).

إلا أن أهل السنة يروون ما يفيد الإذن بالكتابة من الرسول، وذلك في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص قوله: كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله أريد حفظه فنهتني قريش. وقالوا: أتكتب كل شئ تسمعه ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا..؟

فأمسكت عن الكتابة، فذكرت لرسول الله، فأومأ بإصبعه إلى فيه. فقال:

" اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق " (5).

____________

(1) البخاري: ج 3: 135 بهامش فتح الباري..

(2) مسند أحمد: ج 14 / 122.

(3) أنظر كتب علوم الحديث وكتب السنن وتلقيح فهوم الأثر..

(4) يروي مسلم وأحمد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا تكتبوا عني. ومن كتب عني غير القرآن فليمحه. وحدثوا عني ولا حرج.. وقد دونت السنة في عهد عمر بن عبد العزيز حين أمر الزهري بجمع الأحاديث..

(5) رواه أبو داوود: ج 4 / 60.. وفي معالم السنن: يشبه أن يكون النهي متقدما وآخر

=>

 

ولما كان النهي ثابتا والأمر ثابتا فقد عمل أهل السنة على التوفيق بين النصين المذكورين بأسلوب التأويل والتبرير الذي دأبوا عليه واعتبروا أن الإذن بالكتابة ناسخ لما قبله من النهي عن الكتابة.. (1).

ولنا ملاحظات حول الرواية الواردة على لسان ابن عمرو هي ما يلي:

إن قوله " فنهتني قريش " يشير إلى أن الناهين هم طائفة المهاجرين.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا لم تنهه الأنصار أيضا..؟ ولماذا أخذ بقول قريش فقط..؟ وهل كانت هناك طائفية في المدينة، كل طائفة لها موقف ووجهة مختلفة في قضايا الدين..؟

وإذا كانت قريش هي القائلة: " ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا ".. فهل كانت الأنصار تقول بغير ذلك..؟

وهل يعني قول قريش هذا ترسيخ اعتقاد أهل السنة في عصمة النبي ورؤيتهم العامة في شخصيته..؟

وهل يشير هذا إلى أن عقيدة أهل السنة تقوم على أساس رؤية قريش دون رؤية الأنصار..؟ (2).

ثم ماذا يفيد قول الرسول صلى الله عليه وآله لابن عمرو وهو يشير إلى فيه: " اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق ". هل يعني تحدي قريش التي تشكك في أقوال الرسول، وأنه من الممكن أن يتكلم في الغضب كلاما غير كلامه في

____________

<=

الأمرين الإباحة. ويقولون إن الرسول صلى الله عليه وآله صرح بالكتابة لأناس معينين. فمن هم هؤلاء..؟

(1) أنظر معالم السنن للخطابي: ج 4 / 184.

(2) هناك دلائل تاريخية تفيد أن حزب قريش كانت له وجهة وموقف تجاه الرسول صلى الله عليه وآله ورواياته تختلف عن وجهة وموقف الأنصار خاصة فيما يتعلق بقضية الإمامة وآل البيت. وقد برز هذا الموقف بعد وفاة الرسول واجتماع السقيفة. ومن الملاحظ أن أغلب شيعة الإمام علي عليه السلام في عهد الرسول من الأنصار والمهاجرين من غير قريش. انظر لنا السيف والسياسة.

 

 


الرضا..؟ وهل يعني هذا أن الرسول له شخصية في الغضب وشخصية في الرضا..؟

ألا يتناقض هذا مع قوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى..) النجم / 3 - 4.

قال عبد الله بن الزبير. قلت للزبير: إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله كما يحدث فلان وفلان. قال: أما إني لم أفارقه. ولكني سمعته يقول:

" من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار " (1).

وروى أنس بن مالك.. قال: إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار " (2).

وهذا الموقف من الرواية عن الرسول ليكن ينحصر في الزبير ومالك، إنما موقف كثير من الصحابة.. (3).

ومثل هذا الروايات إنما تشير إلى أن حملة الكذب على الرسول كانت تقوم بنشاطها في حياته وهي قد نشطت بعد مماته. فلا يعقل أن يحذر الرسول من شئ غير ممكن الوقوع. وهذا الكذب بالطبع لا بد من أن يبدأ على لسان قوم ممن احتكوا بالرسول. فلا يدعي أحد أنه سمع رسول الله يقول.. دون أن يكون المتلقي منه يعلم أنه قد عاصره..

وبصورة واضحة محددة فإن الرسول صلى الله عليه وآله كان يحذر من الكذب لعلمه أن هناك من يكذبون عليه من أصحابه، وهم سوف يستمرون في الكذب عليه بعد وفاته، وأن التابعين سوف يتلقون هذا الكذب بالقبول لكونه صادرا عن أناس ثقات عاصروا الرسول.. (4).

____________

(1) البخاري: ج 1 / 200 بهامش فتح الباري وأبو داوود: ج 4 / 63.

(2) المرجع السابق..

(3) روي عن أبي قتادة الأنصاري نفس الرواية، وهو يتبنى نفس الموقف، وكذلك المقداد وطلحة وابن عوف. وتأمل عدد الرويات على لسان أبي بكر في البخاري مثلا..

(4) قضية الكذب كانت واردة في عصر الصحابة، وهناك الكثير من الرويات التي تشير إلى ذلك، إلا

=>

 

 


وهذا يفسر لنا موقف عمر بن الخطاب الذي كان كثير الاعتداء على الصحابة الذين يروون على لسان الرسول، وكان يطلب منهم شهورا يشهدون لهم على صحة ما يقولون. وكذلك فعل أبو بكر من قبله وعائشة.. (1).

إلا أن أهل السنة لا يرون تمييزا بين صحابي وآخر.. ومن ثم فهم لا يجيزون تجريح الصحابي ويقولون: من ثبتت صحبته ثبتت عدالته. فجميع الصحابة عندهم عدول لا استثناء.. (2).

وهذا يقودنا إلى قضية جديدة تتعلق بموضوعنا وهي قضية المتن والسند.

أما المتن فيقصد به نص الحديث الوارد على لسان الرسول.. وأما السند فيقصد به سلسلة الرواة الذين أسندوه للصحابي الذي رواه عن الرسول.

وفيما يتعلق بالمتن فإنهم لا يجيزون نقده ولا إعمال العقل فيه حتى ولو كان يخالف القرآن. فإنه يوفق بين نص الحديث ونص القرآن من غير نفي أو إنكار لنص الحديث ما دامت طرقه صحيحة عندهم، حتى أنهم يقولون بجواز نسخ القرآن بالحديث.. (3).

____________

<=

أن أهل السنة يؤولون الكذب الوارد فيها على أنه الخطأ.

وهل الكذب ليس بخطأ. انظر لسان العرب مادة " كذب " ويروي مسلم. ج 3 / 1441 قول النبي صلى الله عليه وآله:

كذب من قال ذلك. أي أخطأ م قال ذلك من الصحابة. انظر شرح النووي وقصة غزوة خيبر.

وكذلك قول ابن عباس: كذب نوف حين ادعى أن صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل. انظر البخاري: ج 9 / 240.

(1) تأمل قول عمر للأشعري حين سمعه يروي حديثا لم يعرفه: فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا. انظر مسلم: ج 3 / 1696. وموطأ مالك: ج 2 / 964. وكان عمر قد هدد أبا هريرة لكثرة رواياته، وكذلك عائشة. انظر أضواء على ألسنة المحمدية وأبو هريرة شيخ المضيرة لأبي رية..

(2) أنظر فصل الرجال من هذا الكتاب.. وهذا التعريف يتناقض مع أحاديث الحوض المروية في البخاري والتي تشير إلى ردة الصحابة من بعد الرسول..

(3) أنظر كتب علوم القرآن، وكتاب تفسير السنية. ويذكر أن نقد المتن عند أهل السنة إنما ينحصر في دائرة الموضوعات الواضحة والتي تدخل ضمن الأحاديث الموضوعة. لكنهم لا يتجهون بالنقد إلى

=>

 

 


أما السند فيدخل جميع الرواة تحت طائلة الجرح والتعديل عدا الصحابي. أي يمكن الخوض في سيرة وتاريخ وسلوك ومواقف راوي الحديث من أجل الوصول إلى تعديله وقبول روايته أو تجريحه ورفض روايته..

وهذا أمر جعلوا له علما قائما بذاته أسموه علم الجرح والتعديل وهدفه الوصول إلى صدق وأمانة الرواي حتى تقبل روايته.. (1).

ويعرف أهل السنة عدالة الرواي بأحد أمرين:

الأول: أن يشتهر حال الراوي بالعدالة والتقوى بين الناس حتى لا يغيب ذلك عن جمهور الأمة.. ومن ذلك رواه تاج الدين السبكي في كتابه (من ثبتت إمامته وعدالته. وكثر مادحوه ومزكوه. وندر جارحوه. وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب لمذهبي أو غيره، فإنا لا نلتفت إلى الجرح فيه، ونعمل فيه بالعدالة).

الثاني: تزكية النقاد العارفين.. فإذا شهد للراوي عدد من العلماء أو واحد على الأقل بأنه عدل فإن ينتقل من دائرة الجهالة إلى دائرة العدالة.. (2).

وقال ابن أبي حاتم: ووجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى. وإذا قيل للواحد: إنه ثقة أو متقن ثبت فهو ممن يحتج بحديثه. وإذا قيل له: إنه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه.

وهي المنزلة الثانية. وإذا قيل شيخ، فهو بالمنزلة الثالثة، يكتب حديثه وينظر فيه، إلا أنه دون الثانية، وإذا قيل صالح الحديث فإنه يكتب حديثه للاعتبار.

____________

<=

الأحاديث التي تثبت صحتها بطرقهم رغم تناقضها مع القرآن والعقل..

(1) أنظر تقريب التهذيب لابن حجر، وقاعدة في الجرح والتعديل للسبكي، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم.

(2) قاعدة في الجرح والتعديل. وعلى هذا الأساس اعتمد أهل السنة رواية من اشتركوا في مذبحة كربلاء كعمر بن سعد. واعتمدوا شاعر الخوارج عمران بن حطان الذي مدح قاتل الإمام علي.

والجرائم الأخلاقية فجرحوا على أساس الأخلاق ولم يجرحوا على أساس السياسة..

 

 


وإذا أجابوا في الرجل بلين الحديث، فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه اعتبارا.

وإذا قالوا ليس بقوي، فهو بمنزلة الأول كتبه إلا أنه دونه. وإذا قالوا ضعيف الحديث فهو دون الثاني. لا يطرح حديثه بل يعتبر به. وإذا قالوا: متروك الحديث أو ذاهب الحديث أو كذاب فهو ساقط الحديث لا يكتب حديثه وهي المنزلة الثالثة.. (1).

وقال ابن حجر ما يشبه ذلك في كتابه " تقريب التهذيب "، حيث قسم مراتب الجرح والتعديل إلى اثنتي عشرة مرتبة.. (2).

وقد انقسم فقهاء السنة حول نص الحديث.. هل هو لفظ رسول الله صلى الله عليه وآله أو هو معنى اللفظ، وذهب البعض إلى اشتراط تحري لفظ المحدث أن يؤدي الحديث كما سمعه بالمحافظة على حروفه وكلماته دون تغيير، ولا إبدال كلمة من موضع كلمة..

وذهب آخرون إلى جواز الرواية بالمعنى دون التقيد بالكلمات التي سمعها بل يبدل كلمة بكلمة في معناها. ويأتي بما في الحديث من حكم وأمر ونهي.. (3).

ويبدو أن الفتن والصدامات التي وقعت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله بين الصحابة، خاصة ما وقع بين عائشة والإمام علي وبين الإمام ومعاوية، هذه الفتن قد ألقت بظلالها على الأحاديث، وبدأت تبرز عملية الدس والكذب على الرسول..

والظاهر أن هذا الدس والكذب كان على الجانب الآخر المواجه للإمام، فلا خلاف أن موقف الإمام هو الموقف الشرعي وأن الحق بجانبه. وهذه حقيقة يعترف بها أهل السنة بصعوبة، فهم على الرغم من اعترافهم بالإمام علي، وأنه رابع الخلفاء الراشدين، هم يعترفون بمعاوية ويساوونه بالإمام.. (4).

____________

(1) الفكر المنهجي عند المحدثين، د. همام سعيد. كتاب الأمة ط. قطر..

(2) الجرح والتعديل..

(3) أنظر تقريب التهذيب: ج 1 / 4. وكيف تحفظ السنة طوال هذه القرون باللفظ، إنها بهذه الصورة تتساوى بالقرآن..

(4) أنظر العواصم من القواصم. والفصل في الملل والنحل..

 

 


وهذا الموقف المتأرجح من قبل أهل السنة تجاه الإمام علي يعود سببه إلى الأحاديث التي رويت في عائشة ومعاوية والمنسوبة إلى رسول الله.. (1).

وحتى يبرر أهل السنة موقفهم هذا تحصنوا بالنصوص القرآنية التي تزكي الصحابة ورفضوا الاعتراف بأن الفتن أثرت في الأحاديث..

يروي مسلم عن مجاهد قوله: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله فجعل ابن عباس يأذن لحديثه، ولا ينظر إليه. فقال: يا ابن عباس، ما لي أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله ولا تسمع؟ فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول قال رسول الله ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا. فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا بما نعرف.. (2).

وقال ابن سيرين: لم يكونوا يسألون عن الإسناد. فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم. فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم. وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم (3).

ورواية ابن عباس والتابعي ابن سيرين وغيرهما من الرويات التي تنطق بنفس المعنى إنما تؤكد ظهور ونمو حركة الوضع والكذب على الرسول لصالح أطراف مهزوزة شرعيا وتحتاج إلى مساندة النصوص (4).

ومثل هذا الاتجاه المهزوز شرعا ما كان لينجح في دعم موقفه بهذه النصوص المخترعة ومن دعم حركة الوضع دون أن تكون في يده أداة نفوذ وقوة وسلطان. فهو اتجاه يريد أن يسود وأن يهيمن ولا بد من إضفاء الشرعية عليه..

____________

(1) قال إسحاق بن راهويه أستاذ البخاري: لم تصح في معاوية منقبة. انظر باب ذكر معاوية بالبخاري، وتعليق ابن حجر في فتح الباري ج 7، وانظر ما روي في فضائل عائشة في مسلم..

(2) مسلم: ج 1 / 13.

(3) مسلم: المقدمة، ص 15.

(4) أنظر لنا فقه الهزيمة فصل السنة.

 

 


وهذه سنة أصحاب النفوذ والسلطان في كل زمان ومكان، لا بد من أن يتحصنوا بالدين. وإذ كان الدين لا يتجاوب معهم ولا يمنحهم الشرعية اخترعوا بقوة نفوذهم وسلطانهم دينا آخر على طريقتهم وتحصنوا به. وبمرور الزمن يتوارى الدين الصحيح تدريجيا ويصبح الذين الزائف هو السائد..

من هنا برزت السياسة وأصبحت لها بصماتها الواضحة على حركة تدوين الحديث وتأسيس علومه. ومهما حاول أهل السنة سترها فإنها تطل ما بين الحين والآخر من خلال أحاديث كثيرة ومن خلال علم الحديث ذاته ومن خلال كتب السنن..

فالبخاري روى لكثير من الرجال المتهمين، ولم يرو لأبناء الرسول من آل البيت الذين الذين رووا عن الإمام جعفر الصادق.. (1).

ومسلم صنع بابا أسماه فضائل أبو سفيان، وهو لا يحوي أية فضيلة له، ولم يرو سواه في هذا الباب.. (2).

وعلم الجرح والتعديل استثنى الصحابة، وبنى على أساس أخلاقي في شخصية الراوي، ولم يهتم بجوانبها الأخرى خاصة الجانب السياسي منها، فهو قد ركز على مسألة الصدق والأمانة وتغاضى عن علاقة الراوي بحكام زمانه مثلا. كما تغاضوا عن جرائمه في حق المسلمين بحجة أنه فعلها متأولا.. (3).

____________

(1) أنظر هدى الساري مقدمة شرح البخاري لابن حجر، وبها إحصائيات بكم الأحاديث التي رواها الصحابة وأمهات المؤمنين. وتقف السياسة وراء هذا الموقف الذي دفع بجامعي الأحاديث إلى البحث عن رواة في مشارق الأرض ومغاربها بينهم وبين الرسول عشرات الأشخاص ويتركون أبناء الرسول صلى الله عليه وآله.

(2) تأمل حديث أبو سفيان، وكيف أنه يطلب الفضل لنفسه من الرسول، فهو يطلب منه أن يقاتل المشركين كما كان يقاتل المسلمين. ومن المعروف أن أبا سفيان لم يشهر سيفا في حياة الرسول ولا بعد مماته. ويطلب جعل ولده معاوية كاتبا للوحي وهو أمر لم يصح. ويطلب من الرسول أن يتزوج ابتنه أم حبيبة، ومن المعروف أن الرسول تزوج أم حبيبة قبل الهجرة. تأمل..

(3) أنظر علاقة الزهري جامع السنة بعبد الملك بن مروان في كتب تاريخ السنة. وانظر لنا فقه الهزيمة فصل السنة. وكتابنا النص والسياسة وأضواء على السنة المحمدية للشيخ أبي رية.

 

 


ومن أمثلة ذلك أن البخاري روى لعمر بن سعد بن أبي وقاص وهو أحد الذين أسهموا في مذبحة آل البيت في كربلاء. كما روى لعمران بن حطان شاعر الخوارج الذي مدح قاتل الإمام علي عبد الرحمن بن ملجم. وروى للحكم بن العاص المختلف على صحبته قاتل طلحة بن عبيد الله يوم الجمل.. (1).

وأهل السنة عرفوا الصحابي تعريفا سياسيا بعيدا كل البعد عن اللغة وعن الشرع. فهم اعتبروا كل من لقي رسول الله ولو ساعة أو رآه أو ولد في عصره صحابيا، وبهذا دخل ضمن هذا التعريف كم كبير من الناس لم يعايشوا عصر الرسالة وصاحبها.

وهذا التعريف يخالف اللغة والعرف، وعلى الرغم من ذلك اعتمده الفقهاء وأجمعوا عليه، ثم أضفوا على الجميع العدالة، ووضعوهم في مرتبة خاصة مميزة وتناولوا الحديث من جميعهم بلا تمييز أو استثناء.. (2).

وإذا كان القرآن قد زكى الصحابة، فهو لم يزكهم على وجه العموم، إنما زكى طوائف منهم وذم طوائف أخرى. لكن القوم أضفوا العدالة والملائكية على الجميع لأسباب سياسية حتى يعطى الجميع صلاحية التحديث باسم الرسول.

وحتى يجد الخط الأموي بقيادة معاوية شرعية يستمدها من خلال صحابة الرسول.. (3).

ولو كان تعريف الصحابة يقتصر على القرآن واللغة لما وجد معاوية وأنصاره من يقف إلى جوارهم إذ أن الصحابي الحقيقي الذي حدده القرآن وحددته اللغة لم يقف في صف معاوية وليس من السهل أن يحتوى من قبل الخط الأموي.

____________

(1) أنظر السابقة وهدى الساري دفاع ابن عن البخاري.

(2) أنظر فصل الرجال من هذا الكتاب.

(3) أنظر لنا السيف والسياسة..

 

 


من هنا لجأ الأموي إلى الاعتقاد على هذا الكم المشبوه المدعى صحبة رسول الله. والذي انبرى يروي باسم الرسول ليضفي المشروعية على هذا الخط.

وجاء القوم من بعد ذلك فاعتمدوا هؤلاء الناس كصحابة، واعتمدوا رواياتهم، واعتبروا أن المساس بهم خروجا عن العقيدة.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

علماء السنة يجيزون لعن يزيد بن معاوية
آية اليوم يئس الذين ومسألة الإمام
العقل والروح مسيرة إحيائية واحدة
اليوم الآخر في القرآن الكريم
الرعية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك ...
بغض بعض الصحابة لعلي(عليه السلام)
هل ان عيسی عليه السلام ابن الله جل وعلا
كيف يجزى الانسان بثار عمله في الدنيا
المعاد (1)
الامام علي (ع ) يرفض المبايعة على سيرة الشيخين :

 
user comment