عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

تطبيقات للابتداع

البـاب الثـالث

تطبيقات للابتداع .
الفصل الاول : نموذجان بارزان للابتداع .
الفصل الثاني : حديث سنة الخلفا الراشدين .

الفصل الاول

نموذجان بارزان للابتداع .
1 ـ صلاة التراويح .
ا ـ اطلاق لفظ البدعة على التراويح .
ب ـ النبي (ص ) ينهى عن صلاة النوافل جماعة .
ح ـ التراويح امر مبتدع من وجهة نظر الكثير من علما العامة .
د ـ امير المؤمنين (ع ) ينهى عن صلاة التراويح .
ه ـ التضارب الفاضح في عدد ركعات التراويح .
مداخلات .
2 ـ الندا الثاني يوم الجمعة .
.

نموذجان بارزان للابتداع

1 ـ صلاة التراويح :
.
ورد فـي امـهـات الـكتب الحديثية لدى ابنا العامة بما في ذلك ( البخاري ) و ( الموطا )( واللفظ للبخاري ) :
(( وعـن ابـن شهاب , عن عروة بن الزبير , عن عبد الرحمن بن عبد القاري انه قال :خرجت مع عـمـر بن الخطاب (رض ) ليلة في رمضان الى المسجد , فاذا الناس اوزاع متفرقون , يصلي الرجل لـنـفـسه , ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط , فقال عمر : اني ارى لو جمعت هؤلا على قارئ واحد لكان امثل .
ثم عزم فجمعهم على ابي بن كعب , ثم خرجت معه ليلة اخرى , والناس يصلون بصلاة قارئهم , قال عـمر : نعم البدعة هذه , والتي ينامون عنها افضل من التي يقومون ـ يريد آخر الليل ـ وكان الناس يقومون اوله ))
((711)) .
وفي ( الموطا ) ان عمر قال : (( نعمت البدعة هذه )).
ولنا قرائن عديدة تشير الى ان ( التراويح ) من محدثات الامور في الشريعة الاسلامية , ولا يوجد بينها وبين الدين اي ارتباط , ومن هذه القرائن ما يلي :

1 ـ اطلاق لفظ ( البدعة ) على ( التراويح ) :

يـشكل اطلاق لفظ ( البدعة ) في الحديث المتقدم على هذه الصلاة قرينة واضحة على عدم وجود اي ارتباط بين هذه الصلاة وبين الدين .
فمن الواضح ان مفهوم ( البدعة ) قد اخذ بعده الاصطلاحي في مرتكزات الاصحاب , نتيجة لتناول الـنـصوص النبوية له بكثرة وتكرار , وتاكيدها على ذمه وانتقاده , ودعوتها الى ضرورة مواجهته ومكافحته واستئصاله .
فلفظ ( البدعة ) الوارد في هذا الحديث اما ان يراد به المعنى الاصطلاحي , اوالمعنى اللغوي , فان اريد منه المعنى الاصطلاحي , فهذا يعني الحادث الذي لا اصل له في الدين , وهو ثابت بالاتفاق .
وان اريد منه المعنى اللغوي فهو يعني الامر الحادث من دون مثال سابق , كما نقلناذلك آنفا عن الكتب الـلـغوية , وهذا يعني ان هذه الصلاة المخترعة ليست مسبوقة بمثال ,وليس لها اصل , فيثبت انها ( بدعة ).
ومـمـا يؤيد عدم وجود الارتباط بين هذه الصلاة وبين الدين , وكونها تشريعاابتدائيا قول عمر في نفس الحديث :
(( اني ارى لو جمعت هؤلا على قارئ واحد لكان امثل )).
فـحـسـب الـمـدالـيل اللغوية التي نمتلكها لانفهم من القول (( اني ارى )) الا التشريع الابتدائي , والاجتهاد الشخصي في مقابل الوحي المنزل .
ونـحـن لـم نعهد على طيلة المسيرة الرسالية من النبي الاكرم (ص ) انه كان يقول (( اني ارى )) ويشرع امرا من قبل نفسه , ولم يكن يتبع الا ما يوحى اليه , ولا ينطق عن الهوى ,ان هو الا وحي يـوحـى , ولا يـحـيـد عن الحكم الالهي قيد شعرة , وكيف يكون ذلك وقدقال اللّه تعالى عنه وهو صاحب الرسالة وربيب الوحي :
( ولو تقول علينا بعض الاقاويل # لاخذنا منه باليمين # ثم لقطعنا منه الوتين )
((712)) .
2 ـ النبي (ص ) ينهى عن صلاة النوافل جماعة ويحث على اخفائهافي البيوت :
ان من الامور التي تؤيد منافاة صلاة ( التراويح ) لمبادئ الشريعة وتعاليمها , وان رسـول اللّه (ص ) لــم يـصـلـها , هو الطائفة الكبيرة من الاحاديث النبوية التي دلت على حـث المسلـمين عـلى صـلاة الـنـوافل عموما في البيوت , لان هذا الامر اقرب للاخلاص , وادعى للقبول , بل وورد النهي من قبل رسول اللّه (ص ) عن صلاة النوافل جماعة لما راى بعض الاصحاب يصلون خلفه , ووجههم الى اخفا النوافل , وعدم تشريع الجماعة فيها.
وقـد وردت روايات كثيرة في كتب العامة تدل على استحباب اخفا النوافل والاتيان بها في البيوت , وافـتـى بـهـذا الامر علما العامة في مصنفاتهم فقد ورد في ( الترغيب والترهيب ) عن عبداللّه بن مسعود انه قال :
(( سـالت رسول اللّه (ص ) : ايما افضل : الصلاة في بيتي , او الصلاة في المسجد ؟ قال ,الا ترى الى بيتي ما اقربه من المسجد , فلان اصلي في بيتي احب الي من ان اصلي في المسجد , الا ان تكون صلاة مكتوبة رواه احمد وابن ماجة وابن خزيمه في صحيحة ))
((713)) .
وجا فيه ايضا :
(( وعـن ابي موسى (رض ) قال : خرج نفر من اهل العراق الى عمر , فلما قدموا عليه يسالون عن صلاة الرجل في بيته , فقال عمر : سالت رسول اللّه (ص ) , فقال : اما صلاة الرجل في بيته فنور , فنوروا بيوتكم رواه ابن خزيمة في صحيحة ))
((714)) .
وفي ( كنز العمال ) :
(( سئل عمر عن الصلاة في المسجد فقال : قال رسول اللّه (ص ) : الفريضة في المسجد , والتطوع في البيت ))
((715)) .
من هنا راى بعض علما العامة افضلية قيام المر في رمضان ببيته على صلاة ( التراويح ) المدعاة فقد , (( قـال مـالـك وابو يوسف وبعض الشافعية ان فعلها ( الصلاة ليلافي رمضان ) فرادى في البيت افضل لحديث : خير صلاة المر في بيته الا الصلاة المكتوبة ))
((716)) .
وقال ( ابن قدامة ) في ( المغني ) :
( والـتـطوع في البيت افضل لقول رسول اللّه (ص ) : (( عليكم بالصلاة في بيوتكم فان خير صلاة المر في بيته الا المكتوبة )) رواه مسلم , وعن زيد بن ثابت ان النبي (ص ) قال : (( صلاة المر في بيته افضل من صلاته في مسجدي هذا الا المكتوبة )) رواه ابو داود )
((717)) .
ولا يـمـكـن الادعـا بـان هذه الروايات مطلقة فتخصص بما دل على استحباب صلاة ( التراويح ) الـمدعاة , لانه لا يوجد اي سند شرعي , ودليل صحيح على كون النبي الاكرم (ص ) قد صلى هذه النافلة في حياته الشريفة , غير ما يدعى بهذا الشان من النزرالقليل المفتعل من الاحاديث التي يتشبث بها البعض , اذ الغريق يتشبث بكل حشيش بل وقد صرح امامان كبيران من ائمة العامة بان النبي (ص ) قد نهى القوم عن هذه الصلاة وعنفهم على فعلها , وامرهم ان يصلوا النوافل في بيوتهم على طبق تلك القاعدة العامة .
جا في ( المغني ) :
(( وقـال مـالـك والـشـافعي : قيام رمضان لمن قوي في البيت احب الينا لما روى زيدبن ثابت قال :
احـتـجـر رسـول اللّه (ص ) حجيرة بخصفة او حصير , فخرج رسول اللّه (ص )فيها فتتبع اليه رجال , وجاؤوا يصلون بصلاته , قال : ثم جاؤوا ليلة فحضروا , وابطارسول اللّه (ص ) عنهم , فلم يخرج اليهم , فرفعوا اصواتهم , وحصبوا الباب , فخرج اليهم رسول اللّه (ص ) مغضبا فقال :
( مـا زال بـكم صنيعكم حتى ظننت انه سيكتب عليكم , فعليكم بالصلاة في بيوتكم , فان خير صلاة المر في بيته الا الصلاة المكتوبة ) رواه مسلم ))
((718)) .
ومما يدل على ان رسول اللّه (ص ) لم يقم بالناس في نافلة شهر رمضان ما روي في ( كنز العمال ) :
(( عـن ابي بن كعب ان عمر بن الخطاب امره ان يصلي بالليل في رمضان , فقال : ان الناس يصومون الـنهار , ولا يحسنون ان يقراوا , فلو قرات عليهم بالليل , فقال : يا اميرالمؤمنين هذا شي لم يكن , فقال : قد علمت , ولكنه حسن
((719)) .
وروى ( الزيغلي ) في ( نصب الراية ) عن نافع :
(( ان ابن عمر كان لا يصلي خلف الامام في شهر رمضان ))
((720)) .
وجا في ( الاعتصام ) :
(( وخـرج سـعيد بن منصور واسماعيل القاضي عن ابي امامة الباهلي (رض ) انه قال : احدثتم قيام شهر رمضان ولم يكتب عليكم , انما كتب عليكم الصيام ))
((721)) .
وجا في ( صحيح البخاري ) في باب ( فضل من قام رمضان ) :
(( عن ابي هريرة (رض ) ان رسول اللّه (ص ) قال : من قام رمضان ايمانا واحتساباغفر له ما تقدم من ذنبه .
قـال ابـن شهاب : فتوفي رسول اللّه (ص ) والناس على ذلك , ثم كان الامر على ذلك في خلافة ابي بكر , وصدرا من خلافة عمر رضي اللّه عنهما ))
((722)) .
فقال ( العسقلاني ) في ( فتح الباري ) ضمن شرح الحديث ما نصه :
(( قـال ابن شهاب فتوفي رسول اللّه (ص ) والناس , في رواية الكشميهني : والامر( على ذلك ) :
اي على ترك الجماعة في التراويح )).
واضاف الى ذلك القول :
(( ولاحـمد من رواية ابن ابي ذئب عن الزهري في هذا الحديث ( ولم يكن رسول اللّه (ص ) جمع الـنـاس عـلى القيام ) , وقد ادرج بعضهم قول ابن ابي شهاب في نفس الخبر ,اخرجه الترمذي عن طريق معمر بن ابي شهاب ))
((723)) .
فـهـذا تـصريح واضح من ( ابن حجر العسقلاني ) بان رسول اللّه (ص ) لم يصل هذه الصلاة , ولم يجمع الناس لها.
ثم يضعف ( ابن حجر ) بعد ذلك الحديث المنتحل الذي يروى فيه ان رسول اللّه (ص ) قد استحسن هذه الصلاة حين رآها الاول : ان فـيه مسلم بن خالد وهو ضعيف , والثاني : ان الحديث يذكر ان النبي (ص ) قد جمع الناس على ابي بن كعب , بينما المعروف ان عمر هو الذي صنع ذلك ,حيث يقول :
(( وامـا ما رواه ابن وهب عن ابي هريرة ( خرج رسول اللّه (ص ) , واذا الناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد , فقال : ما هذا ؟ فقيل : ناس يصلي بهم ابي بن كعب ,فقال : اصابوا ونعم ما صنعوا ) , ذكره ابن عبد البر , وفيه مسلم بن خالد وهو ضعيف ,والمحفوظ ان عمر هو الذي جمع الناس على ابي بن كعب ))
((724)) .
ولكي نطلع على حال ( مسلم بن خالد ) الذي روى ان رسول اللّه (ص ) قداستحسن صلاة التراويح واقرها , يكفينا ان نطلع على ما ذكره ( المزي ) في ( تهذيب الكمال ) , حيث يقول حوله :
(( وقال علي بن المديني : ليس بشي .
وقال البخاري : منكر الحديث .
وقال النسائي : ليس بالقوي .
وقـال ابـو حـاتـم : لـيـس بـذاك القوي , منكر الحديث , يكتب حديثه ولا يحتج به ,تعرف وتنكر ))
((725)) .
وذكر ( النووي ) في شرحه على ( صحيح مسلم ) ما نصه :
(( قـولـه ( فتوفي رسول اللّه (ص ) والامر على ذلك , ثم كان الامر على ذلك في خلافة ابي بكر وصـدرا مـن خـلافة عمر ) معناه : استمر الامر هذه المدة على ان كل واحد يقوم رمضان في بيته منفردا , حتى انقضى صدر من خلافة عمر , ثم جمعهم عمر على ابي بن كعب , فصلى بهم جماعة , واستمر العمل على فعلها جماعة ))
((726)) .
وقال ( القسطلاني ) في ( ارشاد الساري ) :
(( [ قال ابن شهاب ] الزهري [ فتوفي رسول اللّه (ص ) والامر على ذلك ] اي :على ترك الجماعة فـي التراويح , ولغير الكشميهني كما في الفتح : والناس على ذلك [ ثم كان الامر على ذلك ] ايضا [ في خلافة ابي بكر ] الصديق [ وصدرا من خلافة عمر ] رضي اللّه عنهما ))
((727)) .
وقل في موضع آخر :
(( [ قال عمر ] : لما رآهم [ نعم البدعة هذه ] , سماها بدعة لانه (ص ) لم يسن لهم الاجتماع لها , ولا كانت في زمن الصديق , ولا اول الليل , ولا كل ليلة , ولا هذاالعدد ))
((728)) .
وجـا فـي ( الفقه الاسلامي وادلته ) للدكتور الزحيلي عن ( ابن عباس ) انه قال متحدثا عن صلاة رسول اللّه (ص ) في شهر رمضان وفي غيره من الشهور :
(( كان يصلي في شهر رمضان , في غير جماعة , عشرين ركعة والوتر ))
((729)) .
فـقـيـد ( فـي غير جماعة ) في هذا الحديث مؤشر على ان النبي الاكرم (ص ) لم يشرع صلاة ( التراويح ) ولم يات بها.
وتـتحدث ( عائشة ) عن صلاة رسول اللّه (ص ) في شهر رمضان , فلا نرى في حديثها اية اشارة الـى ( الـتـراويـح ) مـن قريب او من بعيد , ولو كان النبي الاكرم (ص ) قدصلى هذه النافلة , في الـمسجد او في اي مكان آخر لما كان يخفى علينا خبر هذه الصلاة ,ولجا نقله في كتب الحديث في غـايـة الـوضوح , ولكن لان رسول اللّه (ص ) لم يشرع هذه الصلاة جا العكس على ذلك , فقد روى البخاري في صحيحه قائلا :
(( حـدثـنـا اسماعيل قال حدثني مالك عن سعيد المغبري عن ابي سلمة بن عبدالرحمن انه ( سال عـائشـة رضـي اللّه عنها : كيف كانت صلاة رسول اللّه (ص ) في رمضان ؟فقالت : ما كان يزيد في رمـضـان ولا فـي غيره على احدى عشرة ركعة , يصلي اربعا فلاتسال عن حسنهن وطولهن , ثم يصلي اربعا فلا تسال عن حسنهن وطولهن , ثم يصلي ثلاثا.
فقلت : يا رسول اللّه اتنام قبل ان توتر ؟ قال : يا عائشة ان عيني تنامان , ولا ينام قلبي ))
((730)) .
فاين هو موضع صلاة ( التراويح ) من كل ذلك , واين الاصل المدعى لها في الدين .
قال تعالى : ( ولا تقولوا لما تصف السنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على اللّه الكذب ان الذين يفترون على اللّه الكذب لا يفلحون )
((731)) .
قال ابو عبداللّه الصادق (ع ) :
(( صوم شهر رمضان فريضة , والقيام في جماعة في ليلته بدعة , وما صلاهارسول اللّه (ص ) في لـيـالـيه بجماعة , ولو كان خيرا ما تركه , وقد صلى في بعض ليالي شهر رمضان وحده , فقام قوم خلفه , فلما احس بهم , دخل بيته , فعل ذلك ثلاث ليال ,فلما اصبح بعد ثلاث , صعد المنبر , فحمد اللّه واثنى عليه ثم قال :
ايـها الناس لا تصلوا النافلة ليلا في شهر رمضان , ولا في غيره في جماعة فانهابدعة , ولا تصلوا ضـحـى فانها بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة سبيلها الى النار ,ثم نزل وهو يقول : قليل من سنة خير من كثير في بدعة ))
((732)) .
وقال الامام موسى الكاظم (ع ) :
(( قيام شهر رمضان بدعة , وصيامه مفروض , قال الراوي : فقلت : كيف اصلي في شهر رمضان ؟ فـقـال : عشر ركعات والوتر والركعتان قبل الفجر , كذلك كان يصلي رسول اللّه (ص ) , ولو كان خيرا لم يتركه ))
((733)) .

3 ـ ( التراويح ) : امر مبتدع في وجهة نظر الكثير من علما العامة :

ورد في كثير من اقوال علما العامة ان عمر هو اول من شرع صلاة التراويح ,وجمع الناس عليها , وهذا يعني انها لم تكن موجودة في عهد رسول اللّه (ص ) , وانما هي ( بدعة ) محدثة , وسوف ننقل للقارئ الكريم طائفة من هذه الاقوال :
(( قـال الـعـلامـة ابـو الوليد محمد بن الشحنة حيث ذكر وفاة عمر في حوادث سنة ( 23 ) من تاريخه ـ روضة المناظر :
هـو اول من نهى عن بيع امهات الاولاد , وجمع الناس على اربع تكبيرات في صلاة الجنائز , واول من جمع الناس على امام يصلي بهم التراويح الخ .
ولما ذكر السيوطي في كتابه ـ تاريخ الخلفا ـ اوليات عمر نقلا عن العسكري قال :
هو اول من سمي امير المؤمنين , واول من سن قيام شهر رمضان ـ بالتراويح ـواول من حرم المتعة , واول من جمع الناس في صلاة الجنائز على اربع تكبيرات الخ .
وقال محمد بن سعد ـ حيث ترجم عمر في الجز الثالث من الطبقات :
وهـو اول مـن سـن قـيام شهر رمضان ـ بالتراويح ـ وجمع الناس على ذلك , وكتب به الى البلدان , وذلـك فـي شـهـر رمضان سنة اربع عشرة , وجعل للناس بالمدينة قارئين ,قارئا يصلي التراويح بالرجال , وقارئا يصلي بالنسا الخ .
وقال ابن عبد البر في ترجمة عمر من الاستيعاب :
وهو الذي نور شهر الصوم بصلاة الاشفاع فيه ))
((734)) .
( فماذا بعد الحق الا الضلال فانى تصرفون )
((735)) .

4 ـ امير المؤمنين (ع ) ينهى عن صلاة ( التراويح ) :

مـن الـمـتـفق عليه ان امير المؤمنين عليا(ع ) هو اعلم الصحابة وافقههم واقضاهم بنص من رسول اللّه (ص ) على ذلك , وقد روى علما العامة في كتبهم بهذا الصدد الكثيرمن الاحاديث التي تدل على هذا المعنى .
فمن ذلك انه (ص ) قال :
(( اعلم امتي بالسنة والقضا بعدي علي بن ابي طالب ))
((736)) .
وقال (ص ) :
(( اعلم امتي من بعدي علي بن ابي طالب ))
((737)) .
وقال (ص ) لعلي (ع ) :
(( انت تبين لامتي ما اختلفوا فيه بعدي ))
((738)) .
وعن انس قال :
(( قيل يا رسول اللّه , عمن ناخذ العلم بعدك ؟ فقال (ص ) عن علي ))
((739)) .
وقال (ص ) :
(( علي وعا علمي , ووصيي , وبابي الذي اوتى منه ))
((740)) .
وكـان جـميع الصحابة يقرون لعلي (ع ) بالاعلمية , ويرجعون اليه عندما تشكل عليهم امور الدين , ويـقبلون حكمه من دون توقف لمعرفتهم بانه باب مدينة علم النبي (ص ) , ووارث حكمته , وقد قال فيه ابو الفضل بن العباس بن عتبة بن ابي لهب :
ما كنت احسب ان الامر منصرف ـــــعن هاشم ثم منها عن ابي حسن .
اليس اول من صلى لقبلتكم ـــــواعلم الناس بالقران والسنن .
وقد ثبت تاريخيا ان امير المؤمنين (ع ) قد نهى عن صلاة ( التراويح ) , وزجرالناس عندما رآهم يؤدونها , فقد روي انـه :
(( لـما اجتمع الناس على امير المؤمنين (ع ) بالكوفة سالوه ان ينصب لهم اماما يصلي بهم نافلة شهر رمـضان , فزجرهم , وعرفهم ان ذلك خلاف السنة , فتركوه , واجتمعوا ,وقدموا بعضهم , فبعث الـيـهـم الـحـسـن (ع ) , فدخل عليهم المسجد ومعه الدرة , فلما راوه تبادروا الابواب وصاحوا :
واعمراه ))
((741)) .
ولنقرا معاناة امير المؤمنين (ع ) , ومشاعره التي تجيش بالالم واللوعة , من خلال ما ورد عنه بهذا الشان :
(( قـد عـملت الولاة قبلي اعمالا خالفوا فيها رسول اللّه (ص ) متعمدين لخلافه ,ولو حملت الناس على تركها لتفرقوا عني .
واللّه لـقد امرت الناس ان لا يجتمعوا في شهر رمضان الا في فريضة , واعلمتهم ان اجتماعهم في الـنوافل ( بدعة ) , فتنادى بعض اهل عسكري ممن يقاتل معي : يا اهل الاسلام غيرت سنة عمر يـنهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا , ولقد خفت ان يثوروا ناحية جانب عسكري , مالقيت من هذه الامة من الفرقة , وطاعة ائمة الضلال ,والدعاة الى النار ؟ ))
((742)) .
فامير المؤمنين (ع ) ينص هنا على كون الجماعة في نافلة شهر رمضان ( بدعة ) ,وان الجماعة لا تـشـرع الا فـي الفريضة , ونص في صدر هذا الحديث ايضا على ان هذه الامور قد اصبحت بمثابة الـسـنـة الـثـابتة في نظر عوام الناس على الرغم من انها لم تشرع من قبل صاحب الرسالة (ص ) , وانـه (ع ) كان يعانى من تمسك الناس بهذه البدع , وتركهم لسنة رسول اللّه (ص ), ولكنه (ع ) يؤثر الـسكوت , ويفضل الغض عن ذلك , خوفا من وقوع الفتنة بين المسلمين , وحفظا لمصلحة الاسلام العليا.

5 ـ التضارب الفاضح في عدد ركعات ( التراويح ) :

عـلى الرغم من الاصرار الكبير لدى البعض للتمسك بمشروعية ( التراويح ) ,والقول بانها كانت قـائمة في زمن النبي الاكرم (ص ) الا انه تركها مخافة ان تفترض على الامة , الا ان هؤلا لم يتفقوا على صيغة محددة وواضحة لكيفية هذه الصلاة , وعددركعاتها , فجات اقوالهم متضاربة ومتعارضة بـشـكـل فاضح , الامر الذي لم يعهده المسلمون في اية فريضة اسلامية اخرى , فان من الممكن ان تتعدد الاقوال والارا في بعض المسائل الفرعية من الدين , اما ان يقع مثل هذا النحو من التضارب في اصـل العبادات التي يدعى انها منتسبة الى التشريع وصادرة عنه , فهذا ما لا يصح بحال من الاحوال , وخـصـوصا في عبادة مثل الصلاة التي هي امر توقيفي لا يؤخذ في هيئته وطريقته الا عن مصدر تشريعي موثوق الصدور, فلننظر الى هذا التضارب العجيب .
يقول ( ابن حجر ) في ( فتح الباري ) :
(( لم يقع في هذه الرواية عدد الركعات التي كان يصلي بها ابي بن كعب , وقداختلف في ذلك , ففي ( الـموطا ) عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد انهااحدى عشرة , ورواه سعيد بن منصور من وجه آخر , وزاد فيه ( وكانوا يقرؤن بالمائتين ,ويقومون على العصى من طول القيام ).
ورواه مـحـمـد بن نصر المروزي من طريق محمد بن اسحق , عن محمد بن يوسف ,فقال : ثلاث عشرة .
ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن محمد بن يوسف فقال : احدى وعشرين .
وروى مـالك من طريق يزيد بن حضيفة , عن السائب بن يزيد : عشرين ركعة ,وهذا محمول على غير الوتر.
وعن يزيد بن رومان قال : ( كان الناس يقومون في زمان عمر بثلاث وعشرين ).
وروى مـحمد بن نصر من طريق عطا قال : ( ادركتهم في رمضان يصلون عشرين ركعة , وثلاث ركعات الوتر ).
والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الاحوال , ويحتمل ان ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراة وتخفيفها , فحيث يطيل القراة تقل الركعات وبالعكس .
وبـذلـك جـزم الداودي وغيره , والعدد الاول موافق لحديث عائشة المذكور بعدهذا الحديث في الباب , والثاني قريب منه , والاختلاف فيما زاد عن العشرين راجع الى الاختلاف في الوتر , وكانه كان تارة يوتر بواحدة , وتارة بثلاث .
وروى محمد بن نصر من طريق داود بن قيس قال : ( ادركت الناس في امارة ابان بن عثمان , وعمر بـن عـبـد العزيز ـ يعني بالمدينة ـ يقومون بست وثلاثين ركعة , ويوترون بثلاث , وقال مالك هو الامر القديم عندنا ).
وعن الزعفراني عن الشافعي ( رايت الناس يقومون بالمدينة بتسع وثلاثين وبمكة بثلاث وعشرين , وليس في شي من ذلك ضيق ).
وعـنـه قال : ان اطالوا القيام واقلوا السجود فحسن , وان اكثروا السجود واخفواالقراة فحسن , والاول احب الي .
وقال الترمذي : اكثر ما قيل فيه انها تصلى احدى واربعين ركعة يعني بالوتر ـ كذاقال .
وقـد نقل ابن عبد البر , عن الاسود بن يزيد : تصلى اربعين , ويوتر بتسع , وقيل :ثمان وثلاثين , ذكـره محمد بن نصر عن ابن ايمن عن مالك , وهذا يمكن رده الى الاول بانضمام ثلاث الوتر , لكن صـرح في روايته بانه يوتر بواحدة فتكون اربعين الا واحدة ,قال مالك : وعلى هذا العمل منذ بضع ومائة سنة .
وعن مالك : ست واربعين وثلاث الوتر , وهذا هو المشهور عنه , وقد رواه ابن وهب , عن العمري , عن نافع , قال : لم ادرك الناس الا وهم يصلون تسعا وثلاثين يوترون منها بثلاث .
وعن زرارة بن اوفى انه كان يصلي بهم بالبصرة اربعا وثلاثين ويوتر.
وعن سعيد بن جبير : اربعا وعشرين .
وقيل ست عشر غير الوتر.
وروي عـن ابـي مـجـلز عن محمد بن نصر , واخرج من طريق محمد بن اسحق حدثني محمد بن يوسف , عن جده السائب بن يزيد قال : كنا نصلي زمن عمر في رمضان ثلاث عشرة .
قـال ابن اسحق : وهذا اثبت ما سمعت في ذلك , وهو موافق لحديث عائشة في صلاة النبي (ص ) من
فانظر ايها القارئ الكريم اين يؤدي الابتعاد عن الشرع المبين , والى اي طريق يوصل .
فهل يمكن للشريعة الاسلامية ان تقع في مثل هذا التضارب والتهاتر ؟.
وهل يمكن ان تضطرب تعاليمها الى هذا المستوى الغريب من التشويش ؟ ان الاسـلام لاسـمـى مـن ان تـعـلق به هذه الترهات والاقاويل , واقدس من ان تنسب اليه مثل هذه السفاسف والاباطيل .
مداخلات :
ومن الغريب حقا ماقام به صاحب كتاب ( المغني ) من محاولات متعسفة لتبريرهذه ( البدعة ) حيث يقول :
(( واذا كان فيه الدعا الى الصلاة , والتشدد في حفظ القرآن , فما الذي يمنع ان يعمل به على وجه انه مسنون ؟ ))
((744)) .
فـهـل ان الامـر الـمختلف فيه امر ذوقي يمكن بشانه الارجاع الى حكم العقل البشري القاصر عن ادراك المصالح والمفاسد بابعادها وتفاصيلها الغائبة عنه ؟ على نبذ هذا النمط من الاستدلال الذي يعتمد على العقل والذوق , والردع عن ذلك , باعتبار ان دين اللّه لا يصاب بالعقول .
وهل هذا الا تحكيم للراي الذي يتقاطع مع تعاليم الشرع المبين , ويخالف فلسفة التشريع من الاساس ؟.
وهل يمكن لنا من خلال ادراك مصلحة معينة في فعل معين من ان نشرع ذلك العمل , ونعده مندوبا ؟ ثـم مـا ادرانا ان الدعا الى الصلاة , والتشدد في حفظ القرآن الكريم , يتوقف على الالتزام بمثل هذا العمل , واضفا صفة الشرعية عليه ؟.
ولو كان الامر كذلك فلماذا لم يكن اصل الائتمام بالنافلة مشروعا ومندوبا ؟ ولماذاهذا التخصيص بنافلة شهر رمضان دون بقية النوافل الاخرى ؟ اليس في بقية النوافل دعا الى الصلاة , وتشدد في حفظ القرآن الكريم ؟.
يقول اللّه عزوجل : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى اللّه ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم ومن يعص اللّه ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا )
((745)) .
وقال رسول اللّه (ص ) في الحديث المتفق عليه :
(( من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))
((746)) .
ان هذا الاستدلال لا يعدو ان يكون محاولة يائسة , وخارقة لجميع الاسس التي اتفق عليها المسلمون بمختلف المذاهب والمشارب .
يقول الدكتور ( يوسف القرضاوي ) بشان التوقيف في العبادات :
(( قال شيخ الاسلام ابن تيمية : ( ان تصرفات العباد من الاقوال والافعال نوعان :عبادات يصلح بها ديـنـهم , وعادات يحتاجون اليها في دنياهم , فباستقرا اصول الشريعة نعلم ان العبادات التي اوجبها اللّه , او احـبـهـا , لا يـثبت الامر بها الا بالشرع , واما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون اليه , والاصل فيه عدم الحظر , فلا يحظر منه الا ما حظره اللّه سبحانه وتعالى , وذلك لان الامـر والنهي هما شرع اللّه , والعبادة لابد ان تكون مامورا بها , فما لم يثبت انه مامور به كيف يحكم عليه بانه محظور ).
ولـهـذا كان احمد وغيره من فقها اهل الحديث يقولون : ان الاصل في العبادات التوقيف , فلا يشرع مـنـها الا ما شرعه اللّه , والا دخلنا في معنى قوله تعالى : ( ام لهم شركا شرعوا لهم من الدين ما لم ياذن به اللّه
((747)) ) ((748)) .
فـهـل غـابت كل هذه الادلة عن بال صاحب ( المغني ) فادعى ذلك غفلة , او علم بذلك الا انه كابر متعسفا ؟ عـلـى ان الاكثر غرابة من ادعا صاحب ( المغني ) المذكور حول ( التراويح ) , هوالمغالطة التي حاول من خلالها ( ابن ابي الحديد المعتزلي ) تبرير هذه ( البدعة ) ,والانتصار الى محدثها , حيث يقول :
(( الـيـس يـجـوز لـلانسان ان يخترع من النوافل صلوات مخصوصة بكيفيات مخصوصة واعداد ركعات مخصوصة , ولا يكون ذلك مكروها ولا حراما , نحو ان يصلي ثلاثين ركعة بتسليمة واحدة , ويقرا في كل ركعة منها سورة من قصار المفصل ولا سبق اليه المسلمون من قبل ثم اضاف مبررا لـ ( التراويح ) دخولها في دائرة الجواز بزعمه :
(( فان قال : هذا يسوغ , فانه داخل تحت عموم ما ورد في فضل صلاة النافلة , قيل له : والتراويح جائزة ومسنونة لانـها داخلة تحت عموم ما ورد في فضل صلاة الجماعة ))
((749)) .
ولنا على كلام ( المعتزلي ) هذا ملاحظتان :
اولا : ان الـعمل العبادي الذي نعته ( ابن ابي الحديد ) بالجواز , وادعى انه ليس بمكروه ولا حرام بـاتـفـاق الـجميع , لا يخلو من نقاش , اذ ان هناك خلافا مستفيضا بين الفقها في انه هل يجوز الاتيان بالنوافل على اية هيئة كانت , او ان صلاة النافلة لابد ان تراعى فيها الشروط التوقيفية التي ذكرتها الـشـريـعـة الاسـلامية لها , فالراي الذي عليه اتباع مدرسة اهل البيت (ع ) هو عدم جواز الاتيان بـالـنـافـلـة الـتـطـوعـيـة الا بصورتهاالتوقيفية التي رويت عن النبي الاكرم (ص ) , واهل بيته الطاهرين (ع ) , وهي ان تكون ركعتين ركعتين .
قال السيد ( محمد كاظم اليزدي ) في ( العروة الوثقى ) :
(( يجب الاتيان بالنوافل ركعتين ركعتين ))
((750)) .
فـصلاة النافلة وان كان اصلها عملا تطوعيا مندوبا , وداخلا في صميم التشريع ,الا ان الاتيان بها بـقـصـد التقرب الى اللّه جل ثناؤه لابد ان تلحظ فيه المقومات الدخيلة في اصل ماهيتها , فمثلا من شـروط ايقاع النافلة ان تكون مع فاتحة الكتاب , وان يكون المصلي على طهور , فقد ورد انه ( لا صـلاة الا بـفاتحة الكتاب ) , و ( لا صلاة الا بطهور ) ,ولا يمكن تعدي هذه الشروط , والاتيان بـصـلاة الـنـافلة من دون فاتحة الكتاب , او من دون طهور مثلا , وهكذا الامر بالنسبة الى تحديد ركـعات النافلة , اذ لا يمكن على راي مدرسة اهل البيت (ع ) ان يؤتى بها باية هيئة او كيفية كانت , وانما يجب التقيد بالاتيان بها ركعتين ركعتين .
نـعـم هناك افعال مرنة ضمن اطار صلاة النافلة نفسها , يمكن للمكلف ان يتحرك في ظلها باختياره , كـالـتـحكم في طبيعة ( السورة ) التي يقراها بعد فاتحة الكتاب , او نوع الدعا الذي يدعو به , او كمية الذكر الذي ياتي به او غير ذلك من الامور التي او كل التصرف فيها الى نفس المكلف , شريطة ان تبقى محتفظة بسمة الشرعية , ومندرجة تحت العموميات الثابت ورودها عن الشريعة المقدسة .
يـبقى امر يجدر التنبيه عليه , وهو ان الخروج من كيفية الركعتين في النافلة لا يتم الا عن طريق الدليل الشرعي , اذ الاصل هو الركعتان الا ما خرج بالدليل , ومثال ماخرج بالدليل ركعة الوتر التي تختم بها صلاة الليل .
وامـا ابنا العامة , فقد اختلفوا في ذلك ايضا , وان كان اكثرهم على الجواز , الا ان بعضهم نص على ان الزيادة على الركعتين امر مكروه , وبعضهم قصر الزيادة على الاربع وهكذا.
قال الامام ( القدوري الحنفي ) :
(( ونوافل النهار ان شا صلى ركعتين بتسليمة واحدة , وان شا اربعا , وتكره الزيادة على ذلك , فاما نـافـلـة الـليل فقال ابو حنيفة : ان صلى ثمان ركعات بتسليمة واحدة جاز , وتكره الزيادة على ذلك ))
((751)) .
وقال ( ابو يوسف ومحمد ) :
(( لا يزيد بالليل على ركعتين بتسليمة واحدة ))
((752)) .
وقال في ( المهذب ) :
(( والسنة ان يسلم من كل ركعتين , لما روي عن ابن عمر(رض ) ان النبي (ص )قال : ( صلاة الليل مـثـنـى مثنى , فاذا رايت ان الصبح تداركك فاوتر بواحدة ) , وان جمع ركعات بتسليمة جاز , لما روت عـائشة رضي اللّه عنها ان رسول اللّه (ص ) ( كان يصلي ثلاث عشرة ركعة , ويوتر من ذلك بخمس , يجلس في الاخرة ويسلم , وانه اوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ) , وان تطوع بركعة جاز لما روي ان عمر(رض ) ( مر بالمسجدفصلى ركعة فتبعه رجل , فقال يا امير المؤمنين انما صليت ركعة , فقال : انما هي تطوع فمن شا زاد ومن شا نقص )).
وعقب على ذلك ( النووي ) بالقول :
(( في مذاهب العلما في ذلك : قد ذكرنا انه يجوز عندنا ان يجمع ركعات كثيرة من النوافل المطلقة بـتـسـلـيمة , وان الافضل في صلاة الليل والنهار ان يسلم من كل ركعتين ,وبهذا قال مالك واحمد وداود وابـن الـمنذر , وحكي عن الحسن البصري وسعيد بن جبير ,وقال ابو حنيفة : التسليم من ركـعـتـيـن او اربع في صلاة النهار , سوا في الفضيله , ولا يزيدعلى ذلك , وصلاة الليل ركعتان واربـع وسـت وثـمان بتسليمة , ولا يزيد على ثمان , وكان ابن عمر يصلي بالنهار اربعا , واختاره اسحق ))
((753)) .
فـكـيـف يمكن ان يدعى بعد كل هذه الاقوال والارا ان احدا لم يقل بكراهة اوحرمة صلاة ثلاثين ركعة بتسليمة واحدة , كما قال ذلك المعتزلي بشكل قاطع , وارسله ارسال المسلمات .
وهـذا كـلـه طـبـعـا فـيما لو جا المكلف بالعمل على سبيل القربة المطلقة ولم ينسبه الى الشريعة الاسـلامـيـة الـمـقـدسـة , وامـا اذا تـمـت نسبة هذا العمل العبادي المخترع بكيفيته المذكورة والـمخصوصة هذه الى الشريعة , وادعي انه مستفاد منها , وانه جز من تعاليمها ,فلا شك ولا ريب في كونه عملا محرما , بل هو من ابرز مصاديق قوله (ص ) :
(( من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد )).
وقـد مـرت الاشارة الى موضوع ( قصد التشريع ) فيما تقدم , وذكرنا الضابطة التي يتم بموجبها دخول العمل من هذه الناحية في الدين او خروجه عنه .
قال الشيخ ( يوسف البحراني ) في ( الحدائق الناضرة ) :
(( لا ريـب فـي ان الصلاة خير موضوع , الا انه متى اعتقد المكلف في ذلك امرا زائداعلى ما دلت عـلـيه هذه الادلة من عدد مخصوص , وزمان مخصوص , او كيفية خاصة ,ونحو ذلك , مما لم يقم عليه دليل في الشريعة , فانه يكون محرما , وتكون عبادته بدعة ,والبدعية ليست من حيث الصلاة , وانـمـا هي من حيث هذا التوظيف الذي اعتقده في هذاالوقت , والعدد , والكيفية , من غير ان يرد عليه دليل ))
((754)) .
ومـن الـواضح لدينا انه حينما سنت هذه الصلاة , وامر المسلمون بها , وعين لهم امام خاص يقيمها , واستحسن ذلك بعد ذلك , فانه لم يعمد الى هذا العمل بما هو عمل عام ,ياتي به الشخص بنية القربة المطلقه , وامتثال عموميات الادلة التي تحث المسلمين على صلاة النوافل , او صلاة الجماعة ـ على الـرغم من اننا لا نسلم حتى هذا المقدار لماذكرناه آنفا ـ وانما الملاحظ انه قد اريد لهذا العمل ان يـكون عملا دوريا وثابتا , وبهذا فهومقصود بكيفيته الخاصة , ومنسوب الى التشريع بما يحمل من مـواصـفـات وخـصـوصـيـات معينة , وهذا يعني قصد التشريع المنافي والمبطل لاندراجه تحت العموميات المشار اليهافي كلام ( ابن ابي الحديد ) , لو توافقنا معه جدلا بشانها.
وقـد حصل هذا الامر فعلا , وجي بهذه النافلة تحت عنوان الندب الشرعي ,واخذ بعض المسلمين يـتعاهدون هذا العمل دهرا بعد دهر على انه سنة ثابتة من صميم التشريع , ولذا راينا فيما سبق ان الـمـصـلين الذين نهاهم امير المؤمنين (ع ) عن اداهذه الصلاة واوضح لهم انها ( بدعة ) , ومخالفة لـحـكم اللّه تعالى , وسنة رسوله الكريم (ص ) , اعترضوا عليه ونادوا , واعمراه , ومن بعد ذلك اصروا على مزاولتها ,والاقامة عليها.
ثـانيا : ان ما يمكن ان تشمله عموميات ما ورد في فضل صلاة الجماعة , والدعوة الى اقامتها على ما ذكـره ( الـمعتزلي ) هو خصوص الامر القابل للاتصاف بهذا العنوان ,والذي يمكن بشانه ذلك , لا الامر المنهي عنه والخارج عن دائرة الصلوات بشكل عام ( اما لورود الدليل على عدم صحة الاتيان بـه , او لـعـدم الـدليل عليه ) , او الخارج عن دائرة الصلوات التي تسن فيها صلاة الجماعة , على احسن التقديرين .
وقـد ورد عـن الـشـريعة الاسلامية ثبوت بعض الصلوات المستحبة التي يجوز ان تصلى جماعة بالاصالة او بالعارض , ولم نر فيما بين هذه الصلوات صلاة يقال لها( التراويح ) , على ان هناك نهيا عاما يشمل الصلاة جماعة في النافلة غير ما ذكر بخصوصه من استثنا.
قال السيد ( محمد كاظم اليزدي ) في ( العروة الوثقى ) :

(( لا تـشرع الجماعة في شي من النوافل الاصلية وان وجبت بالعارض بنذر اونحوه , حتى صلاة الـغـديـر عـلـى الاقوى , الا في صلاة الاستسقا , نعم لا باس بها فيماصارنفلا بالعارض , كصلاة الـعـيدين , مع عدم اجتماع شرائط الوجوب , والصلاة المعادة جماعة , والفريضة المتبرع بها عن الغير , والماتي بها من جهة الاحتياط الاستحبابي )) ((755)) .
الندا الثاني يوم الجمعة :
من امثلة ( الابتداع ) الاخرى التي لا اصل لها في الدين , ولم تامر بها الشريعة الاسلامية المقدسة هـو الندا الثاني يوم الجمعة , فقد روى علما العامة ومحدثوهم في مصادرهم المعتبرة ان هذا الاذان لم يكن موجودا على عهد رسول اللّه (ص ) , وان ( عثمان بن عفان ) هو الذي استحدثه من تلقا نفسه من دون سابق مثال , ولا شك في ان هذاالمقدار كاف لانطباق تعريف ( الابتداع ) عليه .
جا في صحيح البخاري :
(( كـان الندا يوم الجمعة اوله اذا جلس الامام على المنبر على عهد النبي (ص ) ,وابي بكر وعمر رضـي اللّه عـنـهـمـا , فـلـمـا كـان عـثـمان (رض ) , وكثر , الناس زاد الندا الثالث على الزورا ))
((756)) .
وورد في ( سنن ابن ماجة ) :
(( ما كان لرسول اللّه (ص ) الا مؤذن واحد , اذا خرج اذن , واذا نزل اقام , وابو بكروعمر كذلك , فلما كان عثمان , وكثر الناس , زاد الندا الثالث على دار في السوق يقال لهاالزورا ))
((757)) .
وورد في ( سنن النسائي ) :
(( انـمـا امـر بالتاذين الثالث عثمان حين كثر اهل المدينة , ولم يكن لرسول اللّه (ص )غير مؤذن واحد , وكان التاذين يوم الجمعة حين يجلس الامام ))
((758)) .
وفيه ايضا :
(( كان بلال يؤذن اذا جلس رسول اللّه (ص ) على المنبر يوم الجمعة , فاذا نزل اقام ,ثم كان كذلك في زمن ابي بكر وعمر رضي اللّه عنهما ))
((759)) .
وفي ( مجمع البيان ) للعلامة ( الطبرسي ) :
(( عـن الـسائب بن يزيد قال : كان لرسول اللّه (ص ) مؤذن واحد بلال , فكان اذاجلس على المنبر اذن عـلـى باب المسجد , فاذا نزل اقام الصلاة , وكان ابو بكر وعمركذلك , حتى اذا كان عثمان , وكـثر الناس , وتباعدت المنازل , زاد اذانا , فامر بالتاذين الاول على سطح دار له بالسوق يقال لها :
الـزورا , وكـان يـؤذن لـه عـليها , فاذا جلس عثمان على المنبر اذن مؤذنه , فاذا نزل اقام للصلاة ))
((760)) .
فـفـي هـذه الـنصوص دلالة صريحة على ان هذا الندا انما كان محض ابتداع , ولم يكن له اي اثر في حياة رسول اللّه (ص ) , ولم يرد به الامر من قبل الشريعة , لا بالدليل العام ,ولا بالدليل الخاص , فهو وارد الى الدين ـ اذن ـ من خارج حياطه وحدوده , وبهذا فقدادخل في الدين ما ليس منه , وهذا حد ( الابتداع ) كما هو واضح .
ويؤيد هذا المعنى ما نقله العامة في كتبهم عن ( ابن عمر ) انه قال صريحا :
(( الاذان الاول يوم الجمعة بدعة ))
((761)) .
وممن نص على عدم وجود هذا الاذان في عهد رسول رسول اللّه (ص ) ( ابن تيمية ) حيث يقول في فتاواه :
(( امـا الـنـبـي (ص ) فـانه لم يكن يصلي قبل الجمعة بعد الاذان شيئا , ولا نقل هذا عنه احد , فان الـنـبـي (ص ) كان لا يؤذن على عهده الا اذا قعد على المنبر , ويؤذن بلال , ثم يخطب النبي (ص ) الخطبتين , ثم يقيم بلال , فيصلي بالناس ))
((762)) .
ومـن الملاحظ ان هذا الندا المبتدع تارة يسمى بـ ( الاذان الثالث ) ,واخرى بـ ( الاذان الثاني ) , وثالثة بـ ( الاذان الاول ) , وكل هذه المصطحات تشير اليه ,وتعبر عنه من لحاظ معين , فقد سمي ثالثا باعتبار اضافته الى الاذان والاقامة المعهودين في الصلاة من باب اطلاق اسم الاذان على الاقامة تـغليبا , وسمي ثانيا باعتبار الاذان الحقيقي لا الاقامة , فهو ثان بالنسبة الى الاذان الحقيقي , وسمي اولا باعتبار انـه يؤذن به قبل الاذان والاقامة .
ومـن خلال النظر في النصوص المتقدمة يظهر ان المدافعين عن هذه ( البدعة )حالوا ان يوجهوها بـالـكـثـرة الـسـكانية الحاصلة في المدينة في عهد عثمان على ما يدعى ,لانـهم لم يجدوا مبررا مـشروعا لها غير ذلك على حد زعمهم , وهذا وحده كاف للدلالة على عدم ارتباط هذا الندا بالدين كما هو واضح .
ولكن الطريف ان هؤلا المدافعين قد اخفقوا حتى في هذا التبرير والتوجيه المزعوم , ولم يحسنوا تمرير المغالطة التي موهوابها هذا الامر , واضفوا عليه طابع الشرعية الزائف .
على ان الذي ينبغي ان يلتفت اليه قارئنا الكريم هو ان هذا التبرير سوا اصح ام لم يصح فهو لا يشفع فـي اخـراج هـذا الامـر الحادث عن دائرة ( الابتداع ) , لانه شرع في مقابل السنة الالهية الثابتة بالنصوص الصريحة التي لا تقبل التلاعب والتغيير باي حال كان .
فـسـوا برر هؤلا تشريع الندا المحدث بالكثرة السكانية او بغيرها من التبريرات , فان الندا الثاني يبقى مطبوعا بالابتداع من دون ترديد.
امـا لـمـاذا اخـفق هؤلا في توجيه هذه ( البدعة ) , والقول بانـها شرعت لتلافي الكثرة السكانية الحاصلة في المدنية آنذاك , فللامور التالية :
اولا : اننا لو سلمنا ان الكثرة كانت حاصلة في اهل المدينة آنذاك وان الضرورة كانت تدعو لاستيفا كـثـرة الـمسلمين هذه بالندا , وتغطية عددهم المتزايد , فان هذاالامر يدعو لان يناقض الحديث نفسه , ويقع في التهافت والاضطراب , اذ ان النداالجديد كان يؤتى به على موضع يقال له ( الزورا ) , وقـد فـسـرت ( الزورا ) بمعان ومواضع متعددة , لا تبتعد في جميع معاينها المذكورة بمسافة كبيرة عن المسجد النبوي ,وهذا مما لا يفي بالغرض المذكور من دون ريب , اذ ينبغي ان يكون هذا الـندا بفرض صحه الفلسفة من تشريعه ( وان كان هذا الامر لا يصح الا من قبل صاحب الشريعة ) فـي مـوضـع بـعيد عن المسجد ليسمع من لا يسمع الاذان الشرعي , لا ان يكون الاذانان في دائرة سمعية واحدة فقد ذكر ( الحموي ) في ( معجم البلدان ) :
(( ان الـزورا : موضع عند سوق المدينة قرب المسجد وقيل بل الزوراسوق المدينة نفسه , ومنه حديث ابن عباس (رض ) , انه سمع صياح اهل الزورا ))
((763)) .
وجا في كل من ( القاموس ) و ( تاج العروس ) ان الزورا بالمدينة قرب المسجد
((764)) .
وجا في ( فتح الباري ) :
(( وجزم ابن بطال بانه ـ اي الزورا ـ حجر كبير عند باب المسجد , وفيه نظر لمافي رواية ابن اسـحـق عن الزهري عند ابن خزيمة وابن ماجة بلفظ ( زاد الندا الثالث على دار في السوق يقال لها الزورا ) , وفي روايته عند الطبراني : ( فامر بالندا الاول على دار له يقال لها الزورا , فكان يؤذن لـه عليها , فاذا جلس على المنبر اذن مؤذنه الاول ,فاذا نزل اقام الصلاة ) , وفي رواية له من هذا الوجه ( فاذن بالزورا قبل خروجه ليعلم الناس ان الجمعة قد حضرت ) , ونحوه في مرسل مكحول المتقدم .
وفـي ( صحيح مسلم ) من حديث انس : (( ان نبي اللّه واصحابه كانوا بالزورا ,والزورا بالمدينة عند السوق ))
((765)) .
فـانت ترى ـ ايها القارئ الكريم ـ من خلال هذه الاقوال ان ( الزورا ) التي كانت موضعا يؤتى الندا الـجديد بالقرب منه , ليست ببعيدة في جميع معاينها المتقدمة عن باب المسجد النبوي الذي يؤذن من عنده لصلاة الجمعة بالاذان الشرعي المسنون .
فلماذا اذن ضم الندا الى الندا , والخروج عن تعاليم الشريعة السمحا ؟ ثـانيا : لو سلمنا ان هناك كثرة سكانية قد حصلت لاهل المدينة آنذاك , ولوافترضنا ان ( الزورا ) كانت موضعا بعيدا عن المسجد النبوي , وان هناك ضرورة قائمة لاعلام البقية المتبقية من المسلمين بـشروع صلاة الجمعة , فان هذا الامر لا يشفع ايضا في قبول تبرير هذه ( البدعة ) بما ذكر ولا بغيره من الوان الانتحالات والاعذار , اذ ان من الممكن ان يتعدد المؤذنون , ويلبوا هذه الحاجة من دون ان يتكرر الندا , ويعمد الى التشريع في مقابل السنة الثانية .
وتعدد المؤذنين لصلاة واحدة امر جائز ومسنون , وقد افتى به علما العامة في كتبهم , ورووا له ما صح من الاخبار.
قال في ( الشرح الكبير ) :
(( ولا تـسـتـحب الزيادة على مؤذنين كما روي ان النبي (ص ) كان له بلال وابن ام مكتوم , الا ان تدعو الحاجة فيجوز , فانه قد روي عن عثمان (رض ) انه اتخذ اربعة مؤذنين , واذا كانوا اكثر من واحـد , وكـان الـواحـد يسمع الناس , فالمستحب ان يؤذن واحد بعدواحد , كما روي عن موذني الـنبي (ص ) , فاذا كان الاعلام لا يحصل بواحد اذنواعلى حسب الحاجة , اما ان يوذن كل واحد في ناحية , او دفعة واحدة في موضع واحد))
((766)) .
وقال في ( المغني ) :
(( وان كان الاعلام لا يحصل بواحد اذنوا على حسب ما يحتاج اليه , اما ان يؤذن كل واحد في منارة , او ناحية , او دفعة واحدة في موضع واحد.
قال احمد : ان اذن عدة في منارة فلا باس , وان خافوا من تاذين واحد بعد الاخرفوات اول الوقت , اذنوا جميعا دفعة واحدة ))
((767)) .
وقال العلامة ( الاميني ) في ( الغدير ) :
(( ولا اجـد خـلافـا فـي جـواز تـعدد المؤذنين , بل رتبوا عليه احكاما مثل قولهم : هل الحكاية الـمـسـتحبة او الواجبة كما قيل تتعدد بتعدد المؤذنين ام لا ؟ وقولهم : اذا اذن المؤذن الاول , هل لـلامـام ان يبطئ بالصلاة ليفرغ من بعده , او له ان يخرج ويقطع من بعد اذانه ؟وقولهم : اذا تعدد المؤذنون لهم ان يؤذن واحد بعد واحد , او يؤذن كلهم في اول الوقت ))
((768)) .
ثـالثا : ان هناك تجمعات كبيرة وهائلة حصلت في مقاطع زمنية متعددة من تاريخ ‌نبي الاسلام (ص ) , فـي الغزوات وغيرها , ومن ابرزها التجمع الذي حصل في غدير خم عند النص على خلافة امير الـمؤمنين علي (ع ) , وقبل ذلك في اثنا ادا مناسك الحج ولكننا نرى انـه على الرغم من كثرة الناس الذين رافقوا رسول اللّه (ص ) , لم يعهدبانه (ص ) , قد امر بتشريع اذانين قط , الامر الذي يدل على ان قضية الاذان للصلاة قضية لا ترتبط بكثرة الناس ولا بغيرها من الاسباب .
قال العلامة ( الاميني ) في ( الغدير ) :
(( وعـنـد خـروجه (ص ) اصاب الناس بالمدينة جدري ( بضم الجيم وفتح الدال وبفتحهما ) , او حـصبة منعت كثيرا من الناس من الحج معه (ص ) , ومع ذلك كان معه جموع لا يعلمها الا اللّه تعالى , وقـد يقال : خرج معه تسعون الف , ويقال مائة الف واربعة عشر الفا , وقيل مائة الف وعشرون الفا , وقـيـل مـائة الف واربعة وعشرون الفا , ويقال اكثر من ذلك , وهذه عدة من خرج معه , واما الذين حـجوا معه فاكثر من ذلك ,كالمقيمين بمكة , والذين اتوا من اليمن مع علي ( امير المؤمنين ) وابي موسى ))
((769)) .
رابـعـا : قـد قـيل بان العلة تخصص وتعمم على حد سوا , فاذا كانت الكثرة السكانية المدعاة سببا لاخـتـلاق نـدا ثـان يـجـمع الناس الى الصلاة , ويعلمهم بدخول وقتها , فلماذا لا يكون ذلك بشان الـفـرائض الـيومية , ولماذا هذا التخصيص بصلاة الجمعة دون الغير , علما بان التجمع للفرائض الـيومية لم يكن باقل من التجمع لصلاة الجمعة ,لعدم وجود كثرة في مساجد المدينة آنذاك ليتفرق الناس فيها ؟ خـامـسا : لو سلمنا جدلا ان هناك كثرة في المدينة قد دعت الى ندا ثان لصلاة الجمعة , فما بال بقية المناطق والبلدان الاسلامية الاخرى التي اتخذت هذا الامر سنة ,وتعاملت معه من باب الالزام ؟ وكيف نبرر مشروعية هذا الندا ( الذي هو مختلق من الاصل ) لمنطقة صغيرة لاتضم الا مجموعة قليلة من الناس يمكن ان يتحقق بها النصاب الكامل لادا هذه الصلاة ؟ انظر ـ ايها القارئ الكريم ـ الى ما يقوله ( ابن حجر ) حرفيا في ( فتح الباري ) :(( والذي يظهر ان الناس اخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد اذ ذاك لكونه خليفة مطاع الامر ))
((770)) .
وعلى اية حال فانه سوا اصح وجود كثرة في نفوس المسلمين آنذاك ام لم يصح ,فان القول بان الندا الـثاني ( بدعة ) لا محيص عنه , لانـه ادخل في الدين من خارج حدوده وتعاليمه المشروعة , ولو ان بطون الكتب والاسفار ملئت بالتبريرات لهذا الامرلما كان هناك ادنى شفاعة لقبول جواز تشريعه بشكل مطلق .
ان الامـور الـعبادية في الشريعة المقدسه ـ بما فيها الاذان ـ امور توقيفية لا يصح الاخذ بها الا من قـبـل الشارع المقدس , ولا تصح الزيادة او النقيصه فيها باي حال من الاحوال , وذلك لانها شرعت بـنـحـو يـسد حاجة الانسان مهما تقدم به الزمن , وتغيرت ظروف الحياه من حوله , وهذا هو احد اسرار اعجاز الشريعة الاسلامية ودوامها , كماتقدمت الاشارة اليه في صدر هذه الدراسة .
فمثلا ورد في الشريعة وجوب قصر الصلاة الرباعية في السفر الى ركعتين , وعينت المسافة التي يتم في حدودها قصر الصلاة , وكان ملحوظا لدى الشريعة ان هذه المسافة التي يقطعها الانسان في ذلك الوقت بوسائل النقل المتاحة قد تستغرق يوما كاملا اوينقص او يزيد عن ذلك بمقدار, وان نفس هـذه الـمسافة سوف يقطعها الانسان المتمدن خلال دقائق معدودة , عند تقدم الزمن وانفتاح مجالات الـمـعرفة وآفاق العلم امامه , الا اننا مع ذلك نرى ان الشريعة الاسلامية قد جعلت هذا الحكم امرا عباديا ثابتا , لا يقبل التغيير والتبديل , ولم تسمح بان تمد اليه يد التعديل مهما كان موقعها ومركزها , بـاعـتـبـاران هـذا الامـر امـر عبادي توقيفي يلبي حاجة ثابتة في نفس الانسان , لا تربطها اية علاقة بالامور المستجدة والمتطورة من حوله .
وهكذا الامر بالنسبة الى الاذان , فقد تم تشريع اذان واحد باجماع المسلمين قاطبة , وقد لاحظت الـشـريعة المقدسة من خلال هذا الامر حاجة الانسان الثابتة التي لاتتاثر بالظروف المحيطة به , وان هـذا الـتـشريع يفي بتلبية هذه الحاجة , مهما تطورت حياة الانسان , وتقدم العلم به , واختلفت طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه , ولذا فان اي تغييرفي هذا الامر سوف يدخل في حيز ( الابتداع ) مـن دون تـردد , ويـكون من ابرز مصاديقه وموارده , فسوا اكثر الناس ام لم يكثروا , فان الاذان الـمشروع واحد , كما ثبت عن طريق الدليل الشرعي القاطع , وسيبقى واحدا الى آخر لحظة في الحياة .
ثم ان هذا الندا المبتدع , ونتيجة لاختراقه غطا الحصانة الشرعية , واصرارالبعض على قبوله , ومحاولة تبرير تشريعه قد صار مدعاة للتخبط وتضارب الاقوال والافعال , ونشؤ البدع الاضافية , والتجرا على اللّه ورسوله , والتلاعب بتعاليم الاسلام المقدسة , وفق الميول والرغبات والاهوا.
قال في ( شرح التاج الجامع للاصول ) بخصوص هذا الندا :
(( وعندي انه يتاكد عمله , فان الناس في الارياف ليس معهم ساعات , وربمايكونون في اعمالهم في ضواحي البلاد والحقول , ويعتمدون في الذهاب للجمعة على سماع التذكير من المؤذن قبل الزوال , واعتادوا ذلك )).
ثم يضيف :
(( ولـو قـيـل بوجوبه لم يبعد , لتوقف الواجب , وهو الذهاب للجمعة عليه , ولقوله تعالى : ( ومن احـسن قولا ممن دعا الى اللّه وعمل صالحا )
((771)) , ولحديث : من دل على خير فله مثل اجر . فما هو رايك بهذه الطريقة من الاستدلال ـ ايها القارئ المنصف ـ وهل تعتقد ان مثل هذا الامر لو تم في بقية التعاليم السماوية , وجرى في احكام اللّه المنزلة , انـه سوف يبقي للتشريع قدسيته وحرمته ؟ وتـعال معنا ـ ايها القارئ ـ لنطالع معا ما قاله شارح ( سنن الترمذي ) لنرى مافتح على ديننا من جرا هذه التشريعات من باب , وما ابتلي به من مصاب يقول ( احمد محمد شاكر ) :
(( ولـفـظ ( الثالث ) اوجب شبهة عجيبة , فقد نقل القاضي ابو بكر العربي ( ج : 2 ,ص : 305 ) انـه كان بالمغرب يوذن ثلاثة من المؤذنين , بجهل المفتين , فانهم لما سمعوا انهاثلاثة لم يفهموا ان الاقامة هي الندا الثالث , فجمعوها وجعلوها ثلاثة غفلة وجهلابالسنة )) ويضيف الى ذلك :
(( فـي روايـة عند ابي داود في هذا الحديث ( كان يؤذن بين يدي رسول اللّه (ص ) اذاجلس على المنبر يوم الجمعة على باب المسجد ) , فظن العوام , بل كثير من اهل العلم ان هذا الاذان يكون امام الـخـطـيـب مواجهة , فجعلوا مقام المؤذن في مواجهة الخطيب ,على كرسي او غيره , وصار هذا الاذان تـقليدا صرفا , لا فائدة له في دعوة الناس الى الصلاة , واعلامهم حضورها , كما هو الاصل في الاذان والشان فيه , وحرصوا على ذلك حتى لينكرون على من يفعل غيره .
واتـباع السنه ان يكون على المنارة او عند باب المسجد , ليكون اعلاما لمن لم يحضر , وحرصوا عـلـى ابـقـا الاذان قـبل خروج الامام , وقد زالت الحاجة اليه , لان المدينة لم يكن بها الا المسجد الـنبوي , وكان الناس كلهم يجتمعون فيه , وكثروا عن ان يسمعوا الاذان عند باب المسجد , فزاد عثمان الاذان الاول , ليعلم من بالسوق ومن حوله حضور الصلاة )).
ثم يرى الشارح بان لا ضرورة الان الى هذا الندا باعتبار كثرة المؤذنين وكثرة المنائر (( امـا الان وقـد كـثرت المساجد , وبنيت فيها المنارات , وصار الناس يعرفون وقت الصلاة باذان المؤذن على المنارة : فانا نرى ان يكتفى بهذا الاذان , وان يكون عندخروج الامام , اتباعا للسنة , او يؤمر المؤذنون عند خروج الامام ان يؤذنوا على ابواب المساجد ))
((773)) .
وقال الشافعي :
(( واحـب ان يكون الاذان يوم الجمعة حين يدخل الامام المسجد , ويجلس على موضعه الذي يخطب عليه خشب او جريد او منبر او شي مرفوع له , او الارض ,فاذا فعل اخذ المؤذن في الاذان , فاذا فرغ قام فخطب لا يزيد عليه )).
واضاف :
(( وايهما كان فالامر الذي على عهد رسول اللّه (ص ) احب الي ))
((774)) .
فاحدهم يضع والاخر يرفع , وكان الدين الحنيف ليس فيه اصل يقتفى او سنة تتبع ومـمـا وقع فيه المدافعون عن هذا الندا من تهافت , ما ذكروه من نسبة ابتداع هذاالندا الى هشام بن عبد الملك , وانه نقل الاذان الى المنارة , واتفقوا على نعت عمل هشام هذا بالابتداع , ولم تطاوعهم السنتهم على القول بان ( عثمان ) هو المبتدع لهذا الندا.
جا في ( الاعتصام ) ما نصه :
(( قال ابن رشد : الاذان بين يدي الامام في الجمعة مكروه لانـه محدث , قال :واول من احدثه هشام بن عبد الملك :
وانـمـا كـان رسـول اللّه (ص ) اذا زالت الشمس وخرج رقى المنبر , فاذا رآه المؤذنون ـوكانوا ثـلاثة ـ قاموا فاذنوا في المشرفة واحدا بعد واحد , كما يؤذن في غير الجمعة , فاذافرغوا اخذ رسـول اللّه (ص ) فـي خطبته , ثم تلاه ابو بكر وعمر رضي اللّه عنهما , فزادعثمان (رض ) لما كـثـر الناس اذانا بالزورا عند زوال الشمس , يؤذن للناس فيه بذلك ان الصلاة قد حضرت , وترك الاذان بالمشرفة بعد جلوسه على المنبر على ما كان عليه ,فاستمر الامر على ذلك الى زمان هشام , فنقل الاذان الذي كان بالزورا الى المشرفة ,ونقل الاذان الذي كان بالمشرفة بين يديه , وامرهم ان يـؤذنـوا صـفـا , وتـلاه عـلـى ذلـك مـن بعده من الخلفا الى زماننا هذا , قال ابن رشد : وهو بدعة ))
((775)) .
فاذا كان نقل ( هشام بن عبد الملك ) للاذان الذي كان بالزورا الى المشرفة , ونقل الاذان الذي كان بـالـمـشـرفـة الى ما بين يديه ( بدعة ) على ما صرح به , فما ظنك باصل احداث هذا الندا على ( الزورا ) الذي دل الدليل القاطع وحسب اعتراف الجميع بعدم وجوده في زمن رسول اللّه (ص ) ؟

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

علماء السنة يجيزون لعن يزيد بن معاوية
آية اليوم يئس الذين ومسألة الإمام
العقل والروح مسيرة إحيائية واحدة
اليوم الآخر في القرآن الكريم
الرعية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك ...
بغض بعض الصحابة لعلي(عليه السلام)
هل ان عيسی عليه السلام ابن الله جل وعلا
كيف يجزى الانسان بثار عمله في الدنيا
المعاد (1)
الامام علي (ع ) يرفض المبايعة على سيرة الشيخين :

 
user comment