عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

شارب الخمر وتوبته

شارب الخمر وتوبته:

كان رجل شرّيب جمع قوماً من ندمائه و دفع إلى غلام له أربعة دراهم وأمره أن يشتري شيئا من الفواكه للمجلس، فمرّ الغلام بباب منصور بن عمّار و هو يسأل لفقير شيئا و يقول: من دفع إليه أربعة دراهم دعوت له أربع دعوات، قال: فدفع الغلام الدّراهم إليه فقال منصور: ما الّذي تريد أن أدعو لك فقال: لي سيّد أريد أن أتخلّص منه، فدعا منصور، و قال: الآخر؟ فقال: أن يخلف اللّه عليّ دراهمي.

فدعا، ثمّ قال: الآخر؟ فقال: يتوب اللّه على سيّدي فدعا، ثمّ قال: الآخر؟ فقال:

أن يغفر اللّه لي و لسيّدي و لك و للقوم، فدعا منصور، فرجع الغلام فقال له سيّده:

لم أبطأت فقصّ عليه القصّة فقال: و بم دعا فقال: سألت لنفسي العتق، فقال: اذهب فأنت حرّ، قال: والثاني؟ فقال: أن يخلف اللّه عليّ الدّراهم، فقال: لك أربعة آلاف درهم، والثالث؟ قال: أن يتوب اللّه عليك، فقال: تبت إلى اللّه، والرّابع؟ فقال: أن يغفر اللّه لي و لك و للقوم وللمذكّر، فقال: هذا الواحد ليس إليّ فلمّا بات تلك اللّيلة رأي في المنام كأنّ قائلا يقول له: أنت فعلت ما كان إليك أفترى أنّي لا أفعل ما إليّ قد غفرت لك و للغلام و لمنصور بن عمّار و للقوم الحاضرين أجمعين([1]).

 

النبّاش؛ سارق الأكفان:

جاء أحد اصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يبكي فسأله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن سبب بكائه فقال: يارسول الله، ابكاني ذنوب كثيرة، وخفت من جبار غضبان عليّ، فقال له رسول الله: أأشركت بالله شيئا؟ قال: لا. قال عليه الصلاة والسلام: أقتلت نفسا بغير حق؟ قال: لا. قال عليه الصلاة والسلام: إن الله يغفر ذنوبك، ولو كانت ملء السموات السبع والأرضين السبع،.فقال: يا رسول الله ذنبي أعظم من السموات السبع والجبال الرواسي، قال عليه الصلاة والسلام: أذنبك أعظم أم الكرسي؟ قال: ذبني أعظم.. قال له رسول الله: أذنبك أعظم أم العرش؟ قال: ذنبي أعظم.. فقال له رسول الله: أذنبك أعظم أم الله؟ (يعني غفران الله ورحمته) قال: بل الله أعظم وأجل.. قال له رسول الله: أخبرني عن ذنبك قال: أستحي منك يا رسول الله.. قال له رسول الله: لاتستحي مني، أخبرني عن ذنبك، قال: يا رسول الله إني كنت رجلا نباشا منذ سبع سنين، حتى ماتت بنت من بنات الأنصار، فنبشت قبرها، وأخرجتها من كفنها، وغلبني الشيطان، فرجعت اليها وجامعتها، فأنطق الله البنت فقالت: أما تستحي من الله، يوم يضع كرسيّه للقضاء، ويأخذ حق المظلوم من الظالم، وقد تركتني عريانة في عسكر الموتى، وأوقفتني جنبا بين يدي الله، فوثب رسول الله (اي قام بسرعه) فقال له: يا فاسق، أخرج عني، ما جزاؤك إلا النار، فخرج الشاب باكيا نائيا نحو الصحراء، لم يأكل ولم يشرب شيئا، ثم وضع وجهه على التراب ساجدا ويقول: إلهي أنا عبدك المذنب المخطيء، جئت اليوم الى بابك لتكون شفيعا لي عند حبيبك، فإنك رحمن الى عبيدك، ولم يبق لي رجاء إلا بك، وإلا أرسل نارا من عندك، وأحرقني بها في دنياك قبل أن تحرقني في آخرتك، ثم جاء جبريل عليه السلام الي رسول الله فقال: يا رسول الله، إن الله يقرئك السلام، ويقول: إني قد غفرت له جميع ذنوبه. اطلبه وأزح عنه هذا الهم([2]).

 

المذنب الآمل:

يروى ان في أيام مالك بن دينار كان هنالك رجل قضى جميع عمره في الخراب والشر، ولم يتجه إلى الخير ولم يخطر في باله عمل خير قط. فحذره الصالحون من ذلك، لكنه لم يعبأ بهم، حتى إذا جاءت سكرة الموت، فلما رأى ذلك وأن لا مفر منه، رأى في جريدة وصحيفة أعماله، فلم يشاهد شيئاً يشجعه على الأمل برحمة الله، ونظر إلى عمره الذي قضاه في الشر، فلم ير غصن أمل فيها يستطيع أن يتمسك به، فتأوّه من أعماق قلبه ونظر إلى السماء وقال:

>يا مَنْ لَهُ الدُّنْيا وَالآخِرَةُ ارْحَمْ مَنْ لَيْسَ لَهُ الدُّنْيا وَالآخِرَةُ<.

ففرح أهل المدينة من موته، ورقصوا على جنازته فرحاً، وأخرجوه إلى خارج المدينة، ووضعوا جنازته في إحدى المزابل ورموا القمامة عليها.

فرأى مالك بن دينار في عالم الرؤيا: إن عبداً من عبادي قد مات، وقد رموه في إحدى المزابل خارج المدينة، قم إليه وغسّله ثم كفنّه وادفنه في مقابر الصالحين. فقال مالك: يا إلهي! لقد كان عبدك معروفاً بين خلقك بالشر والسئيات، فبما استحق كرامتك هذه؟

فجاء النداء: عندما جاء الموت إليه، نظر إلى صحيفة أعماله، فلم ير شيئاً يستطيع التشبث به، فرجع إلينا بكل وجوده، ونظر إلينا نظرة عاجز، ومد يده إلى فضلنا، فرحمنا ضعفه، وغفرنا له جميع ذنوبه كيوم ولدته امه، ونجّيناه من العذاب، وادخلناه إلى جنات النعيم الخالدة، فمن ذا طرق بابنا وأرجعناه خائباً؟ ومن ذا أتانا مهمتماً ولم نلبسه ثوب الراحة والعافية؟([3])

 

توبة >وحشي<:

 جاء في مجمع البيان في ذيل هذه الآية:

{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَن يَشَاءُ}([4]).

فرّ وحشي وأصحابه الذين قتلوا حمزة سيد الشهداء (عليه السلام) إلى مكة المكرمة. فندموا مما عملوا مع حمزة (عليه السلام) عم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). فكتبوا رسالة الى النبي الأكرم طالبين العفو والمغفرة وانهم نادمين على ما اقدموا. غير أن هنالك آية من القرآن الكريم تمنعنا من طلبنا هذا:

{وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ}([5]).

ونحن آيسين من رحمة الله؛ لأننا قد أشركنا بالله، وقتلنا النفس التي حرّم الله، وفعلنا الفاحشة.

فنزلت هذه الآية في جواب رسالة >وحشي< وأصحابه:

{إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَات}([6]).

فأمر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) رجلاً من أصحابه بالذهاب إلى مكة المكرمة وإبلاغ هذه الآية لوحشي واصحابه، فلما سمعوا الآية قالوا: هذا شرط شديد، وتكليف صعب. نخاف أن لا نكون ممن يعمل بهذه الآية ويلتزم بها. فأنزل الله هذه الآية:

{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَن يَشَاءُ}([7]).

فلما بعث الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم بهذه الآية؛ قالوا: نخاف أن لا نكون من  قُصد في >لمن يشاء<؟

في الأثناء أنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية:

{قُلْ يَا عِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}([8]).

 

قصة المتخلّفين الثلاثة في القرآن الكريم:

{وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَْرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}([9]).

نقرأ في شأن نزول هذه الآية قصة ثلاث رجال تخلفوا عن الجهاد وبعد ذلك شعروا بالندم الشديد من عملهم القبيح والله الرحمن قبل توبتهم وعفى عن عملهم القبيح.

ان اولئك الثلاث رجال كانوا من المدينة ومن الأنصار واسمائهم هي: كعب بن مالك، فزارة بن الربيع، وهلال بن امية.

والقصة كما يلي، مع اختلاف بسيط في بعض التفاسير:

هناك حرب حدثت للمسلمين بإسم معركة تبوك وكانت معركة صعبة للمسلمين وكما يقول القرآن في آية (119) من سورة التوبة؛ أنها كانت ساعة العسرة للمسلمين. يقول جابر بن عبد الله الأنصاري: لقد واجهنا في هذه المعركة ثلاث صعوبات:

قلة الزاد، قلة الماء والجوع، لنا ولأنعامنا، و مشي أكثر الناس سيراً على  الأقدام. أمر قائد الإسلام؛ المسلمين بالاشتراك في هذه الغزوة بأمر من الله سبحانه وتعالى، وكان المنافقون يعيشون في المدينة واطرافها، ويروّجون تبليغات السوء من اجل ان يضعفوا ارادة المسلمين في الذهاب إلى تلك الغزوة، إذ كانوا يقولون: ما هذا العمل؟ كل شهر وكل اسبوع يجب ان نذهب إلى الجهاد ونهدر اموالنا وانفسنا؟ ما هذا الدين الذي يمنعنا من العيش في الحياة ويسلب منا الراحة؟ فأثرت تبليغاتهم على مجموعة من الناس، ولم يشاركوا في الجهاد دون عذر شرعي، وإذا لم يحارب الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) تلك التبليغات السيئة واولئك الرجال الثلاثة المتخلفين، كان ستبقى سنة سيئة وكل شخص بأتفه عذر يفرّ من الاشتراك في الحرب.

وعندما رجع  الرسول الأعظم  من غزوة تبوك، استقبله الناس الذين كانوا معذورين عن مشاركته في الجهاد، وكان ضمن المشاركين اولئك الثلاث الذين لم يشاركوا في الجهاد، وذلك بسبب جمع الثمار واداء بعض الأعمال المتأخرة، لكنهم في الحقيقة لم يشاركوا في الحرب بسبب الكسل والخمول؛ فعندما رآهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) امر  جميع المسلمين بعدم معاشرتهم واعتزالهم.

فأطاع جميع أهل المدينة امر الرسول، فالبائعين لا يبيعون لهم شيئاً، والناس قد اعتزلوهم، حتى اصدقائهم كانوا يتجنبون معاشرتهم، لدرجة أن أولادهم وازواجهم قد أداروا لهم ظهورهم، فجئن نسائهم إلى المسجد وقلن لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بما أن  الله سبحانه وتعالى أمر بأن نعتزلهم؛ يا رسول الله طلّقنا. لكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: استمرن في عزلتكن عنهم.

ففي الواقع، لقد ضاقت الأرض عليهم بما رحبت وضاقت انفسهم من هذا الاهمال.

نعم، اولئك ارتكبوا ذنباً كبيراً، وهو عدم اطاعة اوامر الله وعدم الاشتراك في الجهاد ضد الكفر.

وحينما رأوا اوضاعهم على هذه الحالة هاجروا من المدينة إلى الصحراء، وبكوا اربعين ليلة وكانت نسائهم تأتي إليهم بما يحتاجونه؛ بأمر من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبعد كل تلك العبادة من البكاء والتضرع امام الله فإنه لم يُعف عنهم، فقال كعب لأصحابه الاثنين: ان الله لم يقبل توبتنا وذلك بسبب صداقتنا والآن كل واحد يذهب لوحده، فلنبتعد عن بعضنا الآخر وكلٌ يتضرع.

وفي النهاية أنزل الله الرحمن الآية (118) من سورة التوبة وأمر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) والناس؛ بأن يعيدوا روابطهم الاجتماعية مع اولئك النفر الثلاث، فانتظرهم الناس امام المسجد. وأدخولهم إلى المدينة بكل احترام، فلما وقعت عين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على كعب؛ حضنه وقال: لا يوجد شيء هو أثمن في عمرك بعد الإسلام من ساعة قبول توبتك.

 

الأمل في القرآن الكريم:

{فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ}([10]).

{وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ}([11]).

{وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}([12]).

{وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}([13]).

{فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً}([14]).

{فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ}([15]).

{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ}([16]).

{إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}([17]).

قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}([18]).

 

الأمل في الروايات:

عَنْ جُنْدَبِ الغِفاري أَنَّ رَسُولَ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)قالَ: إِنَّ رَجُلاً قالَ يَوْماً وَاللّهِ لا يَغْفِر اللّهُ لِفُلان، قالَ اللّهُ عَزَّوَجَلَّ: مَنْ ذَا الَّذي تَألى على أَنْ لا أَعْفُوَ لِفُلان؟ فَإِنّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلان وَأَحْبَطْتُ عَمَلَ الْمُتَألّي بِقَوْلِهِ لا يَغْفِرَ اللّهُ بِفُلان([19]).

ينقل الشيخ المفيد بإسناده عن أبي جعفر الطائي الواعظ عن وهب بن مُنبَّه قال:

قَرأتُ في زَبُورِ داوُد اَسْطُراً مِنْها ما حَفِظْتُ وَمِنْها ما نَسَيْتُ، فَما حَفِظْتُ قَوْلُهُ يا داوُدُ ! اِسْمَعْ مِنِّي ما اَقُولُ مَنْ اَتاني وَهُوَ يُحِبُّني اَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ يا داوُدُ ! اِسْمَعْ مِنّي ما اَقُولُ وَالْحَقُّ مَنْ أتانيِ وَهُوَ مُسْتَحْي  مِنْ الْمَعاصِى الَّتي عَصاني بِها غَفَرْتُها لَهُ وَاَنْسَيْتُها حافِظِيْهِ يا داوُدُ اِسْمَعْ مِنّي ما اَقُولُ، وَالْحَقُّ اَقُولُ مَنْ أتاني بِحَسَنَة واحِدَة اَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ قال داوُدُ : يا رَبِّ وَما هذهِ الْحَسَنَةُ؟ قالَ مَنْ فَرَّجَ عَنْ عَبْد مُسْلِم فَقالَ داوُدُ: اِلهي بِذالِكَ لا يَنْبَغي لِمَنْ عَرَفَكَ اَنْ يَنْقَطِعَ رَجاءَه مِنْكَ([20]).

 

عَنْ أَبي بَصير قالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرَ (عليه السلام) يَقُولُ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ بِأَعْمالِهِمْ فَأَيْنَ عُتَقاءُ اللّهِ مِنَ النّار.

إِنَّ اللّهَ أَوْحى إِلى نَبِيِّهِ (عليه السلام) إِنّي أَجْعَلُ حِسابَ أُمَّتِكَ إِلَيْكَ فَقالَ: لا يا رَبِّ أَنْتَ أَرْحَمُ بِهِمْ مِنّي فَقالَ: إِذَنْ لا أُخْزيكَ فِيهم([21]).

 

عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّد عَنْ آبائِهِ (عليهم السلام) قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) قالَ اللّهُ: إِنّي لاََسْتَحْيي  مِنْ عَبْدي وَأَمَتي يَشيبانِ في الإسْلامِ ثُمَّ أُعَذِّبُهُما([22]).

 

دَخَلَ (صلى الله عليه وآله وسلم) عَلى رَجُل وَهُوَ في النَّزْعِ فَقالَ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قالَ: أَجِدُني أَخافُ ذُنُوبي وَأَرْجُو رَحْمةَ رَبّي  فَقال (صلى الله عليه وآله وسلم): مَا اجْتَمَعا في قَلْبِ عَبْد في هذا الْمَوْطِنِ إِلاّ أَعْطاهُ اللّهُ ما رَجا وَآمَنَهُ مِمّا يَخافُ([23]).

 

قالَ عَلِيٌّ (عليه السلام) لِرَجُل أَخْرَجَهُ الْخَوْفُ إِلَى القُنُوطِ لِكِثْرَةِ ذُنُوبِهِ: يا هذا يَأْسُكَ مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذُنوبِكَ([24]).

 

عَنْ أَبى جَعْفَر (عليه السلام) قالَ: إِنَّ آدَمَ (عليه السلام) قالَ: يا رَبِّ سَلَّطْتَ عَلَيَّ الشَّيْطانَ وَأَجَرَيْتَهُ مِنّي مَجْرَى الدَّمِ فَاجْعَلْ لي شَيْئاً فَقالَ: يا آدَمُ جَعَلْتُ لَكَ أَنَّ مَنْ هَمَّ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بِسَيِّئَة لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَها كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ، وَمَنْ هَمَّ مِنْهُمْ بِحَسَنَة فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ وَإِنْ هُوَ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشَراً قالَ: يا رَبِّ زِدْني قالَ: جَعَلْتُ لَكَ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ سَيِّئَةً ثُمَّ اسْتَغْفَرَ غَفَرْتُ لَهُ قالَ: يا رَبِّ زِدْني قالَ: جَعَلْتُ لَهُمُ التَّوْبَةَ وَبَسَطْتُ إِلَيْهِمْ التَّوْبَةَ حَتّى تَبْلُغَ النَّفَسُ هذِهِ([25]).

 

عَنْ أَبي  عَبدِاللّهِ (عليه السلام) قالَ: مَرَّ عيسَى بنُ مَرْيَمَ (عليه السلام) عَلى قَوْم يَبْكُونَ فَقالَ: عَلَى ما يَبكي هؤُلاءِ فَقيلَ يَبْكُونَ عَلى ذُنُوبِهِمْ قالَ: فَلْيَدْعُوها يُغْفَرْ لَهُمْ([26]).

 

قالَ (صلى الله عليه وآله وسلم): إِنَّ رَجُلاً يَدْخُلُ النّارَ فَيَمْكُثُ فيها أَلْفَ سَنَة يُنادي يا حَنّانُ فَيَقُولُ اللّهُ تعالى جِبْرئيلَ: اِذْهَبْ فَأْتِني بِعَبْدي قالَ: فَيَجيءُ بِهِ فَيُوقِفُهُ عَلى رَبِّهِ فَيَقُولُ اللّهُ: كَيْفَ وَجَدْتَ مَكانَكَ، فَقالَ : شَرُّ مَكان قالَ: فَيَقُولُ رُدُّوهُ إِلى مَكانِهِ، قالَ فَيَمْشي وَيَلْتَفِتْ إِلى وَرائِهِ فَيَقُولُ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلى أَيِّ شَيء تَلْتَفِتْ فَيَقُولُ: لَقَدْ رَجَوْتُ أَنْ لا تُعيدَني إِلَيْها بَعْدَ إِذْ أَخْرَجْتَني مِنْها فَيَقُولُ اللّهُ تَعالى: إِذْهَبُوا بِهِ إِلَى الجَنَّةِ([27]).

 

لمّا قالَ رَسُولُ اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): لَوْ تَعْلَمُونَ ما أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَليلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثيراً وَلَخَرْجْتُمْ إِلَى الصُّعْداتِ تَلْدِمُونَ صُدُورَكُمْ وَتَجْأَرُونَ إِلَى رَبِّكُمْ فَهَبَطَ جِبْريلُ فَقالَ: إِنَّ رَبَّكَ عَزَّوَجَلَّ يَقُولُ: لِمَ تَقْنُطُ عِبادي فَخَرَجَ فَرِحاً وَبَشَّرَهُمْ([28]).

 

عَنْ اَبي جَعْفر (عليه السلام) قالَ: وَجَدْنا في كِتابِ عَليٍّ (عليه السلام) اَنَّ رَسُولَ اللّهِ قالَ وَهُوَ عَلى مِنْبَرِهِ: وَالَّذي لا اِلهَ اِلاّ هُوَ ما اُعْطِيَ مُؤمِنٌ قَطُّ خَيْرَ الدُّنْيا والآخِرَةِ اِلاّ بِحُسْنِ ظَنِّهِ بِاللّهِ وَرَجائِهِ لَهُ وَحُسْنِ خُلْقِهِ والْكَفَّ عَنْ اغْتِيابِ الْمُؤمِنينَ، والَّذي لا إلهَ إلاّ هُوَ لا يُعَذِّبُ اللّهَ مُؤْمِناً بَعْدَ التَّوْبَةِ والاسْتِغْفارِ إلاّ بِسُوءِ طَنِّهِ بِاللّهِ وَتَقْصيرِهِ مِنْ رَجائِهِ وَسُوءِ خُلْقِهِ واغْتِيابِهِ لِلْمُؤمِنينَ، وَالَّذي لا إلهَ إلاّ هُوَ لا يَحْسُنُ ظَنَّ عَبْد مُؤمِن بِاللّهِ إلاّ كانَ اللّهُ عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِهِ الْمُؤمِنِ; لأَنَّ اللّهَ كَريمٌ بِيَدِهِ الْخَيْراتُ يَسْتَحيِ أنْ يَكُونَ عَبْدُهُ الْمُؤمِنُ قَدْ أحْسَنَ بِهِ الظَّنُّ ثُمَّ يُخْلِف ظَنَّهُ وَرَجاءَهُ فَأَحْسَنُوا بِاللّهِ الظَّنَّ وَارْغَبُوا إلَيْهِ([29]).

 

في الْحَديثِ أَنَّ أَعْرابيّاً قالَ: يا رَسُولَ اللّهِ مَنْ يَلي حِسابَ الْخَلْقِ؟ فَقالَ: اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالَى قالَ: هُوَ بِنَفْسِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَتَبَسَّمَ الأَعْرابِيُّ فَقال رَسُولُ اللّهُ (صلى الله عليه وآله وسلم): مِمَّ ضَحِكْتَ يا أَعْرابِيُّ؟ فَقالَ: إِنَّ الْكَريمَ إِذا قَدَرَ عَفا، وَإِذا حاسَبَ سامَحَ فَقالَ النَبِىُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) صَدَقَ الأَعْرابِيُّ أَلا لا كَريمَ أَكْرَمُ مِنَ اللّهِ تَعالى هُوَ أَكْرَمُ الأَكْرَمينَ ثُمَّ قالَ: فَقَّهَ الأَعْرابِيُّ([30]).

 

هذه الروايات؛ هي نموذج من الروايات الكثيرة التي تبين معاملة الله سبحانه وتعالى لعباده بحكم أن >الإسلام يَجُبّ ما قبله<([31]) فيغفر الله ذنوب الكافر السبعين عاماً بعد إيمانه،كما قال سبحانه وتعالى في القرآن الكريم:

{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَْوَّلِينَ}([32]).

وكذلك فور قول الساحرين في زمان فرعون >آمنّا< فإن الله سبحانه وتعالى عفا عن جميع ذنوبهم، وكذلك عندما آمن أصحاب الكهف، فإن الله مع ماضيهم المملوء بالكفر والشقاء، فقد غفر لهم واعطاهم الكرامة والعزة.

فهذا النوع من الآيات والروايات القوية المتينة هي التي تأمل الإنسان بالله سبحانه وتعالى، وهذه الآيات التي لا ريب فيها والإنسان قد حصل له اليقين منها، فلذا فإن أمله قائم على اساس اليقين، فلذلك قال الإمام الصادق (عليه السلام):

>والرجاء فرع اليقين<.

في الحقيقة هذه الجملة جملة عظيمة.

ان الإنسان يرى جميع فضائل وألطاف الله له ولجميع الموجودات، ويرى هذه الآيات والروايات التي هي دليل على لطف الله لعباده، فكيف لا يصل إلى اليقين؟ لم لا يحصل له اليقين؟ فإذا ألتجأ هو أيضاً إلى الله سبحانه وتعالى سوف يلقى الملجأ عنده، ويغرقه في رحمته التي لا ناهية لها.




([1]) المحجة البيضاء: 7/267.

([2]) منهج الصادقين:8/109.

([3]) منهج الصادقين: 8/100.

([4]) ترجمة تفسير مجمع البيان: 5/177.

([5]) الفرقان (25): 68.

([6]) الفرقان (25): 70.

([7]) النساء (4): 48.

([8]) الزمر (39): 53.

([9]) التوبة (9): 118.

([10] ) البقرة (2): 64.

([11]) البقرة (2): 207.

([12]) البقرة (2): 221.

([13]) آل عمران (3): 155.

([14]) النساء (4): 99.

([15]) الأنعام (6): 147.

([16]) الأنفال (8): 38.

([17]) التوبة (9): 120.

([18]) الزمر (39): 53.

([19]) بحار الأنوار: 6/4، باب 19، حديث 3؛ أمالي الشيخ الطوسي: 58، المجلس الثاني.

([20]) وسائل الشيعة: 16/62، باب83 وجوب الندم على الذنوب، حديث21798، أمالي الشيخ الطوسي: 106، المجلس الرابع.

([21]) المحجة البيضاء: 7/259.

([22]) نوادر الراوندي: 7؛ بحار الأنوار: 6/7، باب 19، حديث 14.

([23]) المحجة البيضاء: 7/253.

([24]) المحجة البيضاء: 7/253.

([25]) الكافي: 2/440، باب فيما اعصى الله عزوجل آدم، حديث1، وسائل الشيعة: 16/86، باب93، باب صحة التوبة، بحار الانوار: 6/18 باب 20، حديث 1.

([26]) أمالي الشيخ الصدوق: 495، المجلس الخامس والسبعون، بحار الانوار: 6/20، باب20، حديث7.

([27]) المحجة البيضاء: 7/254.

([28]) المحجة البيضاء: 7/254.

([29]) الكافي: 2/71، باب حسن الظن بالله عز وجل، حديث 1.

([30]) المحجة البيضاء: 7/262.

([31]) مستدرك الوسائل: 7/448، حديث 8625؛ بحار الأنوار: 81/316، باب 18.

([32]) الأنقال (8): 38.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات


 
user comment