عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

اُصول التعامل السياسي مع الأجنبي

اُصول التعامل السياسي مع الأجنبي:

إنّ أوّل خصوصية تعتبر واحدة من أهم خصوصيات التعامل السياسي للمنافقين على الرغم من نهي القرآن الشديد عنها: هي تعزيز الروابط مع الأجنبي.

قبل الدخول في هذا البحث ودراسة وتحليل الآيات التي تحدد صداقة المنافقين مع الأجنبي، من الضروري أن نقوم بعرض اُصول التعامل السياسي مع الأجنبي من وجهة نظر الإسلام، وبعد إيضاح نظرة الإسلام إلى التعامل مع الأجنبي والارتباط بهم سنقوم بنقد حصيلة عمل المنافقين.

الأصل الأوّل: معرفة الأعداء

وكما اُشير من قبل، فإنّ معرفة الأعداء تُعدّ من أهمّ الواجبات الملقاة على عاتق کلّ المؤمنين والمسؤولين على النظام.

ووصية القرآن المتواصلة والمتكررة بأن: اعرفوا أعداءكم، أدركوا أهدافهم ورغباتهم حتى تستطيعوا أن تواجهوهم بكفاءة، وتمنعوهم من التسلط عليكم. أشار القرآن الكريم في آيات كثيرة إلیٰ وصف الاجانب والاجنبي، حيث عرّف بطموحاتهم ورغباتهم كي تجتمع لدى المؤمنين المعايير اللازمة والكافية لمعرفة العدوّ. إنّ مواصفات العدوّ واهدافه التي يعدّدها القرآن لا تختصَّ بزمان أو ظرفٍ معيَّن، بل إنّها محدِّدة لصورة العدوِّ في كل زمانٍ وفي كل من الظروف.

وهنا نشير وباختصارٍ إلى سبعة خصائص للأعداء، من وجهة نظر القرآن الکريم:  

أ ــ الرغبة في الرجعية

رغبة الأعداء هي رجعية المؤمنين، والتي تعني الرجوع إلىٰٰ ثقافة الجاهلية وعصر الكفر والشرك. فاُولئك همّهم أن ينتزعوا الدين والقيم الإسلامية من المؤمنين {وَدُّوا لَو تَكْفُرونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً([1]) {وَلاَ يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُم حَتّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُم إنِ استَطاعُوا.}([2])

فمن وجهة نظر القرآن، ثمة كفار وعدد من أهل الكتاب أيضا من الذين هم في عداء مع المؤمنين، يدأبون على إرجاع المسلمين إلىٰ قيم الجاهلية والكفر{يَا أيُّها الّذِينَ آمَنُوا إنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ،}([3])  {ودَّ كَثيرٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ لَوْ يَرُدٌّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ.} ([4])

ب ــ الرغبة في العدول عن اُصول القيم

والرغبة الاُخرى للأعداء هي أن يضطروا النظام الإسلامي والمؤمنين إلى التزلزل والعدول عن القيم. وبتعبير آخر: يتعاملون مع المؤمنين على أساس المراهنة على الاُسس والقيم {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}([5])

على السياسيين الإلهيّين في النظام الإسلامي أن يلتزموا بواجبهم الديني، فيكون على رأس قائمة أعمالهم حفظ الاُسس والقضايا الإلهية. أمّا بالنسبة للسياسيين الماديين فما يكون رهن اهتمامهم هو الحكومة والسلطة فقط، بل سياستهم ليس لها من معنى سوى اجراء المصالحة والمساومة على الاُسس. وهي نفس السياسة التي كان معاوية يتبنّاها، وكان عليّ× رافضاً لها وبشدة، وكان يعتبرها شيطنةً وخداعاً. فكان الإمام يمتنع عن توظيف مثل تلك السيّاسة. ولقد قال بشأن الحكم على نهج معاوية، فضلا عن الرد على من كان يرى في معاوية بأنه أدهىٰ منه: «وَاللهِ مَا مُعَاوِيَةَ بِأدْهىٰٰ مِنِّي، وَلكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ، وَلَوْلاَ كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أدْهَى النَّاسِ.» ([6])

وبالرغم من توصية عدد له حتى البعض من أصدقائه والمقربين منه بالعدول عن الاُسس والقيم الإسلامية، إلّا أنّ الإمام عليّ× وفي هذه المدة القصيرة لخلافته لم يقبل بذلك. كما هو الحال مع رسول الله، فإنّه ولمرّاتٍ عديدةٍ دُعِيَ إلىٰ إجراء المساومة على الاُصول، لكنّه رفضها وبشكل قاطع. ([7])

ينقل بعض المفسرين عن ابن عباس: أنّ جمعاً من اليهود جاءوا عند الرسول، وذلك وفقاً لتنسيقٍ مُسبقٍ لغرض حرف الرسول عن الدين والقيم الإسلامية، فقالوا: نحن علماء وأشراف اليهود، وإذا نؤمن بك فمن المسلّم أنّه سوف يتّبعنا سائر اليهود أيضاً، بيننا وبين جماعةٍ اُخرى يوجد نزاع، فإن حكمت في هذا النزاع لصالحنا فسنؤمن بك جميعاً.

إنّ العدالة هي من اُصول قيم الإسلام، فما كان الرسول ليقبل بهذا الشرط المتضمن لتجاوز العدالة، ورفض مقترحاتهم. ولقد نزلت الآية التالية في شأن هذه الحادثة: {وأنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أنْزَلَ اللهُ إلَيْكَ.} ([8])

و في الآيات 73 و74 من سورة الإسراء تحددت شدّة وسوستهم لحرف الرسول عن بعض الاُسس والقيم الإسلامية، فيقول الله للرسول: لو لم تكن معصوماً، ولم يكن دعم الوحي، وقدرتك مثل قدرة سائر الناس، لكُنتَ تُغرَم بهم قال تعالیٰ: {وَإنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإلاّ لاَتَّخَذُوكَ خَلِيلاً وَلَوْلاَ أنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاَ}([9])

ج ــ مناعون للخير

صفة اُخرى لمعرفة الأعداء اُشير إليها في القرآن، وهي عدم حبّهم للخير. طبيعتهم العدائية تدفعهم دائماً إلىٰ التآمر على المذهب والنظام، وهم لا يقومون بعمل الخير للمؤمنين، وليس هذا فحسب بل إنّهم لا يتمنون رؤية المؤمنين يعمّهم الرفاه والأمان والراحة والنصر کما في قوله تعالیٰ: {مَا يَوَدُّ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ أهْلِ الكِتَابِ وَلاَ المُشْرِكِينَ أنْ يُنَزَّلْ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}([10])

فليس أنّهم لا يريدون الخير أن يصل إليكم وحسب، بل إنّ رؤيتهم لمصائبكم تُفرحهم، ورؤيتهم لمسرّاتكم تحزنهم قال تعالیٰ: {إنْ تَمْسَِسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا}([11])

د ــ البغض والحقد

الخصوصية الاُخریٰ لأعداء المسلمين: هي أنّ كلّ وجودهم مملوء بغضاً وحقداً على المسلمين، فلا يقتصر هذا الحقدُ على قلوبَهم وحسب، بل إنّه يمكن مشاهدة هذا العداء عبر كلامهم وتصريحاتهم. وبسببٍ حقدهم هذا، فإنّ غاية سعيهم هو توجيه الضربة إلی الإسلام والمسلمين، وهذا لا يخفونه کما قال تعالیٰ: {لاَ يَألُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أفْواهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أكْبَرُ… وإذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنّا وَإذا خَلَوا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ}([12])

تعمّد المباغتة

إنّ هدف وسلاح نجاح باقي الأعداء لأجل الموفقية هو أصل المباغتة، إنّهم يريدون عبر تهيئة أسباب الذهول عن مواطن القوة، إضعاف المؤمنين والتسلّط عليهم. يسعون عبر إيجاد الغفلة عن الإمكانيات الاقتصادية والعسكرية، والاتحاد، والإيمان والاعتقادات الدينية، والماضي والظروف الصعبة لهم (وخلاصة الأمر، فإنّهم وعبر زرع الغفلة عن كل مواطن قوة المسلمين) كي يُهيّؤوا السبب لنصرهم:

{وَدَّ الّّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أسْلِحَتِكُمْ وَأمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً}([13]).

لا ينبغي حصر السلاح والمتاع في الآية أعلاه بالمعدات العسكرية الخاصة والبضائع الاقتصادية، بل إنّ أيّ شيءٍ له دور في الدفاع وإضعاف عامل النصر لدى العدو، وأيّ وسيلةٍ ذات قيمةٍ في هذا المجال سيترتب عليه حكم السلاح والمتاع. إنّ هدف الأعداء هو إيجاد الغفلة عن مواطن القوة والوحدة، لأجل تهيئة أرضية التسلّط.

يكتب الإمام علي# في عهده إلى مالك الأشتر: «ألْحَذَرُ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإنَّ الْعَدُوَّ رُبَّما قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ وَاتَّهِمْ فِي ذلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ»([14]).

و ــ المواجهة العنيفة مع المؤمنين

إنّ الخصوصيةُ الاخرى لأعداء الدين والاُمة من وجهة نظر القرآن هي: أنّهم ومن خلال التظاهر بالصداقة والثبات على المواثيق يطمحون إلىٰ خداع المؤمنين، يتحدثون عن الميثاق ورعاية العقود، إلّا أنّ الاعتماد علىٰ العدوّ ومواثيقه عمل غير منطقي. طالما أنّهم في موقف ضعيف، فإنّهم يتحدثون عن الأخلاق والقيم الانسانية، لكنّهم حالما يصلون إلیٰ السلطة فإنّهم ينحرون كلّ القيم الإنسانية على مذبح أطماعهم الرئاسية. فالمواثيق والقيم الأخلاقية هي أدوات في أيديهم من أجل الوصول إلى منافعهم. وفي الوقت الذي يبلغون فيه مقصودهم فإنّهم لا يتحدثون بعدها عن الميثاق والقيمة الخلقية:

{كَيْفَ وَإنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُوا فِيكُُمْ إلاًّ وَلاَ ذِمَّةُ يُرْضُونَكُمْ بِأفْواهِهِمْ وَتَأبى قُلُوبُهُمْ وَأكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ}([15]).

ز ــ الخيانة والعداء المستمر

الخصوصيةُ الاخرى للأعداء هي استمرار طبيعتهم العدوانية والخيانية الميّالة الى إثارة القلاقل، فإنّهم طالما لم يصلوا إلیٰأهدافهم فإنّهم لا يتخلّون عن إثارتهم للفتنة: {لاَ يَزالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ}([16]).

وعلى هذا الأساس لا ينبغي اتخاذ السكوت المرحلي للعدو أو تظاهره بالصداقة دليلاً على انتهاء الخصومات، بل إنّ هذا العمل هو تغيير في سياسة العدو لا غير. كم مرة يتم فيها الكشف عن خياناتٍ من قبل الأعداء؟ وهذا دليل واضح على أنّهم لا يتخلّون عن العدوان أبداً، إلّا في حال وصولهم إلیٰ أهدافهم{وَلاَ تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ}([17]).

   إنّ الأصل الأوّل للتعامل السياسي مع الأعداء من وجهة نَظر الإسلام هو معرفة المناوئ الّذي تم التطرق من خلاله إلى عددٍ من صفاته. إنّ أيّ شخصٍ تتوافر فيه واحدة أو عدد من تلک الخصوصيات أعلاه فهو عدوّ من وجهة نظر القرآن . وينبغي رعاية الأصول التی يقرّها الإسلام عند إقامة أي علاقةٍ معه.



[1]. النساء: الآية 89.

[2]. البقرة: الآية 217.

[3]. آل عمران: الآية 149.

[4]. البقرة: الآية 109.

[5]. القلم: الآية 9.

[6]. نهج البلاغة: الخطبة 200.

[7]. يراجع في ذلك رسالة الخواص وعبر عاشوراء، تأليف الاُستاذ السيد أحمد الخاتمي.

[8]. المائدة: الآية 49.

[9]. الإسراء: الآية 73 – 74.

[10]. آل عمران: الآية 120.

[11]. آل عمران: الآية 120.

[12]. آل عمران: الآيتان 118 و 119.

[13]. النساء: الآية 102.

[14]. نهج البلاغة: الرسالة 53.

[15]. التوبة: الآية 8.

[16]. البقرة: الآية 217.

[17]. المائدة: الآية 13.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أربعينية الإمام الحسين عليه السلام
مقتل الحسين عند رهبان اليهود والنصارى وفي كتبهم ...
الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
زيارة أم البنين عليها السلام
ما حدث في مولد الرسول الأعظم (ص)
في خصائص صفاته واخلاقه وعباداته يوم عاشوراء
الإمام الصادق (عليه السلام) يشهر سيف العلم!
قرّاء القرآن و كيفية قراءته
منكروا المهدي من أهل السنة وعلة إنكارهم
مفاتيح الجنان(300_400)

 
user comment