عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

حجّ الإمام الكاظم(عليه السلام)

حجّ الإمام الكاظم(عليه السلام)

 

وما من شيء يحبّه الله وندب إليه إلاّ فعله الإمام الكاظم(عليه السلام)عن رغبة وإخلاص فمن ذلك أنّه حجّ بيت الله ماشياً على قدميه، والنجائب تقاد بين يديه، وقد حجّ معه أخوه عليّ بن جعفر وجميع عياله أربع مرات، وحدّث عليّ بن جعفر عن الوقت الذي قطعوا به طريقهم فقال: كانت السفرة (الأُولى) ستّاً وعشرين يوماً، و(الثانية) كانت خمساً وعشرين يوماً، و(الثالثة) كانت أربعاً وعشرين يوماً، و(الرابعة) كانت إحدى وعشرين يوماً([1]) .

وكان في أغلب أسفاره إلى بيت لله يتنكب الطريق، وينفرد عن الناس، قد تعلّق قلبه وفكره بالله تعالى، وقد حجّ (عليه السلام) مرّة فلم يصحبه أحد، وجرت له قصه مع شقيق البلخي([2]) أجمع على ذكرها أغلب من ترجم للإمام، وهذا نصّها:

خرج شقيق حاجّاً بيت الله الحرام سنة (149  أو سنة 146 هـ )، فنزل القادسية، ولما استقرّ به المكان أخذ يشرف على الحجاج، وينظر إلى استعدادهم وبينما هو مشغول بالنظر إلى الحجيج إذ وقع بصره ـ كما يقول ـ على شاب حسن الوجه، شديد السمرة، نحيف الجسم، فوق ثيابه ثوب من صوف، قد جلس وحده، منفرداً عن الناس، بعيداً عن شؤونهم، لم يختلط معهم، فدار في خلده، أنّ هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون عبئاً ثقيلاً على الحاجّ حيث لا متاع عنده، ولم يصحب معه ما يحتاج إليه المسافر من المتاع اللازم، فصمّم شقيق على أن يمضي إليه، ويوبّخه ليرتدع عمّا هو فيه، ويثيب إلى الصواب، فلمّا دنا منه انبرى إليه الفتى قبل أن يفتح معه الحديث قائلاً له بنبرات تقطر لطفاً:

«يا شقيق: (اجْتَنِبُواْ كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ )([3]).

ولم يتكلّم بأكثر من هذا. ثمّ إنّه تركه وانصرف عنه، فبهر شقيق وبقي حائر الفكر مذهول اللّب، من أمر الفتى الذي نطق باسمه، وعرف دخائل نفسه، وقد داخله الشيء الكثير من الإكبار له، واطمأنّ بأنه من عباد الله الصالحين،، وقد ندم على ما فرط في أمره، فصمّم على الالتحاق به ليعفوا عنه، ويحلّه من خطيئته، فجدّ في طلبه فلم يدركه، فلما نزلت القوافل بوادي (فضة) نظر شقيق وإذا بصاحبه واقف يصلّي وأعضاؤه تضطرب خوفاً من الله، ودموعه تتبلور على خديه، فصبر حتى فرغ من صلاته، فالتفت إليه الفتى قبل أن يسأله قائلاً له:

«يا شقيق: اتل، (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)([4])» ثمّ إنّه تركه وانصرف عنه، وهام شقيق في تيار من الهواجس والأفكار، وأخذ يقول: يالله! يا للعجب!! إنّه تكلّم بما انطوت عليه نفسي مرّتين.

إنّه من الأبدال. إنّه من المنيبين المهتدين، وأخذ يطيل التفكير في شأنه، وسارت القافلة تطوي البيداء، فلمّا انتهت إلى (الأبواء) خرج شقيق يتجوّل فيها فوقع نظره على الفتى فبادر إليه، وإذا به واقف على بئر يستقي منها، وبيده ركوة قد سقطت في البئر فرمق السماء بطرفه، وجعل يخاطب الله بمنتهى الخضوع والإيمان قائلاً:

أنت شربي إذا ظمئت من *** الماء وقوّتي إذا أردت الطعاما

«إلهي وسيدي، مالي سواك فلا تعدمنيها...»

ولم يزد على ذلك، فارتفع الماء فوراً، إلى رأس البئر والركوة طافية عليه، فمد يده فتناولها ثمّ توضأ منها، وصلّى أربع ركعات، ثمّ مال إلى كثيب من الرمل فتناول منه قبضة وجعلها في الركوة فحرّكها وشرب منه، فسلّم عليه شقيق وقال له:

ـ أطعمني، ممّا رزقك الله.

ـ «يا شقيق: لم تزل نعم الله عليّ ظاهرة وباطنة، فأحسن ظنّك بربّك». ثمّ ناوله الركوة فشرب منها، فإذا فيها سويق وسكر، فما شرب شقيق ـ كما يقول ـ شراباً قطّ ألذّ ولا أطيب منه، وبقي أياماً وهو لا يشتهي الطعام والشراب، ثمّ إنّه مضى عنه، فلم يجتمع به إلاّ بمكة، فرآه إلى جانب (قبة الشراب) في غلس الليل البهيم وهو قائم يصلّي بخشوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك حتى انبثق نور الفجر، ثمّ  أنّه قام إلى (حاشية المطاف) فركع ركعتي الفجر، وصلّى صلاة الصبح مع الناس، ثمّ انعطف نحو البيت، فطاف فيه بعد شروق الشمس، وبعد الفراغ من الطواف صلّى صلاة الطواف، ثمّ خرج من البيت فتبعه شقيق يريد السلام عليه  والتشرف بمقابلته، وإذا بالخدم والموالي قد طافوا حوله أحاطوا به يميناً وشمالاً، وانكبت عليه جماهير الناس تلثم يديه وأطرافه فتعجب شقيق من ذلك وبادر إلى من حوله يسأله عن اسم صاحبه فقيل له: «هذا موسى الكاظم».

فعند ذلك آمن شقيق وتيّقن بأنّ تلك الكرامة جديرة بالإمام([5])ونظّم بعض الشعراء هذه البادرة بقوله:

سل شقيق البلخي عنه بما *** عاين منه وما الذي كان أبصر

قال لمّا حججت عاينت شخصاً *** شاحب اللون ناحل الجسم أسمر

سائراً وحده وليس له زاد *** فما زلت دائماً أتفكر

وتوهمت أنّه يسأل الناس *** ولم أدر أنّه الحجّ الأكبر

ثمّ عاينته ونحن نزول *** دون قيد على الكثيب الأحمر

يضع الرمل في الإناء ويشربه *** فناديته وعقلي محيّر

إسقني شربة فلمّا سقاني *** منه عاينته سويقاً وسكّر

فسألت الحجيج من يك هذا *** قيل هذا الإمام موسى بن جعفر([6])

لقد دلّت قصة شقيق على بعض كرامات الإمام وما اتصف به من الإيمان والعلم .

 


 

حجّ الإمام الرّضا(عليه السلام)

 

من كتاب الدلائل: وعن أمية بن عليّ قال: كنت مع أبي الحسن بمكّة في السنة التي حجّ فيها ثمّ صار الى خراسان، ومعه أبو جعفر وأبوالحسن يودّع البيت، فلمّا قضى طوافه عدل الى المقام فصلّى عنده، فصار أبو جعفر على عنق موفّق يطوف به، فصار أبو جعفر الى الحِجر فجلس فيه فأطال، فقال له موفقّ: قُم، جعلت فداك.

فقال: «ما أُريد أن أبرح من مكاني هذا إلاّ أن يشاء الله»، واستبان في وجهه الغمّ، فأتى موفّق أبا الحسن فقال له: جعلت فداك، قد جلس أبوجعفر في الحِجر وهو يأبى أن يقوم.

فقام أبو الحسن فأتى أبا جعفر، فقال له «قُم يا حبيبي».

فقال: «ما أُريد أن أبرح من مكاني هذا».

قال: «بلى يا حبيبي، قم» .

ثم قال: «كيف  أقوم وقد ودّعت البيت وداعاً لا ترجع إليه»؟

فقال: «قم يا حبيبي». فقام معه([7]) .

 


 

حجّ الإمام الجواد(عليه السلام)

 

1 ـ المناجات المأثورة عن الإمام الجواد(عليه السلام) حول طلب الحجّ

«بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ ارزقني الحجّ الذي فرضته على من استطاع إليه سبيلاً. واجعل لي فيه هادياً وإليه دليلاً، وقرّب لي بعد المسالك.

وأعنّي على تأدية المناسك، وحرّم بإحرامي على النار جسدي، وزد للسفر قوّتي وجَلدي، وارزقني ربّ الوقوف بين يديك، والإفاضة إليك واظفرني بالنجح بوافر الربح.

واصدرني ربّ من موقف الحجّ الأكبر الى مزدلفه المشعر، واجعلها زُلفةً الى رحمتك، وطريقاً الى جنّتك، وقفني موقف المشعر الحرام، ومقام وقوف الإحرام، وأهّلني لتأدية المناسك، ونحر الهدى التوامك بدم يثجّ، وأوداج تمُجّ، وإراقة الدماء المسفوحة، والهدايا المذبوحة، وفَري أوداجها على ما أمرت، والتنفّل بها كما وسمت.

وأحضرني اللهمّ صلاة العيد، راجياً للوعد، خائفاً من الوعيد، حالقاً  شعر رأسي ومقصّراً، ومجتهداً في طاعتك، مشمّراً، رامياً للجمار، بسبع بعد سبع من الأحجار، وأدخلني اللهمّ عرصة بيتك وعَقْوَتك وأولجني محلّ أمنك وكعبتك، ومساكينك وسؤّالك ووفدك ومحاويجك، وجدّ عليّ اللهمّ بوافر الأجر، من الإنكفاء والنّفر، واختم اللهمّ مناسك حجّي، وانقضاء عجّي، بقبول منك لي، ورأفة منك بي يا أرحم الراحمين».

 

2 ـ حجّه(عليه السلام)

كان الإمام أبوجعفر(عليه السلام) كثير الحجّ، وقد روى الحسن بن عليّ الكوفي بعض أعمال حجّه قال: رأيت أبا جعفر(عليه السلام) في سنة خمس عشرة ومائتين([8]) ودّع البيت بعد ارتفاع الشمس، وطاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كلّ شوط، فلمّا كان الشوط السابع استلمه واستلم الحجر ومسح بيده ثمّ مسح وجهه بيده، ثمّ أتى المقام، فصلّى خلفه ركعتين ثمّ خرج إلى دبر الكعبة إلى الملتزم، فالتزم البيت، وكشف الثوب عن بطنه، ثمّ وقف عليه طويلاً يدعو، ثمّ خرج من باب الحنّاطين وتوجّه، قال: فرأيته في سنة (219 هـ ) ودّع البيت ليلاً يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كلّ شوط فلمّا كان في الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة قريباً من الركن اليماني وفوق الحجر المستطيل وكشف الثوب عن بطنه ثمّ أتى الحجر فقبّله ومسحه وخرج إلى المقام فصلّى خلفه ثمّ مضى ولم يعد إلى البيت، وكان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة أشواط وبعضهم ثمانية...([9])

 

 

3 ـ نصوص عن الإمام الجواد(عليه السلام) حول الحج

روى الصدوق بإسناده قال: روي عن أبي عبدالله الخراسانيّ عن أبي جعفر الثاني(عليه السلام) قال قلت له: إنّي حججت وأنا مخالف وحججت حجّتي هذه وقد منَّ الله عزّو جلّ عليَّ بمعرفتكم وعلمت أنّ الذي كنت فيه كان باطلاً فماترى في حجّتي؟ قال: اجعل هذه حجة الإسلام وتلك نافلة([10]) .

قال ابن شعبة: قال المأمون: يا يحيى سَلْ أبا جعفر عن مسألة في الفقه لتنظر كيف فقهه؟ فقال يحيى: يا أبا جعفر أصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيداً؟

فقال أبو جعفر(عليه السلام) : قتله في حلٍّ أم حرم، عالماً أو جاهلاً، عمداً أو خطأً، عبداً أو حرّاً، صغيراً أو كبيراً، مبدءاً أو معيداً، من ذوات الطّير أو غيره.

من صغار الطّير أو كباره، مصرّاً أو نادماً، باللّيل في أوكارها أو بالنّهار وعياناً، محرماً  للحجّ أو للعمرة؟

قال: فانقطع يحيى انقطاعاً لم يخف على أحد من أهل المجلس انقطاعه وتحيّر الناس عجباً من جواب أبي جعفر(عليه السلام) .

ثم قال المأمون لأبي جعفر(عليه السلام): ان رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه الذي فصّلته من وجوه من قتل المحرم لنعلمه ونستفيده.

فقال أبوجعفر(عليه السلام): نعم ان المحرم إذا قتل صيداً فى الحلّ وكان الصيد من ذوات الطير، وكان من كبارها، فعليه شاة، فان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً، وإذا قتل فرخاً في الحلّ فعليه حمل قد فطم من اللبن وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ، فإذا كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة، وإن كان نعامة فعليه بدنة، وإن كان ظبياً فعليه شاة وإن كان قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة.

وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه، وكان إحرامه بالحجّ نحره بمنى، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة، وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء، وفي العمد عليه المأثم وهو موضوع عنه في الخطأ، والكفّارة على الحرّ في نفسه، وعلى السيّد في عبده، والصغير لا كفّارة عليه، وهي على الكبير واجبة والنادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة، والمصرّ يجب عليه العقاب في الآخرة([11]).

وروى الطوسي، بإسناده عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر قال: سألت أبا جعفر الثاني(عليه السلام) في السنة التي حجّ فيها وذلك سنة اثني عشرة ومأتين، فقتل: جعلت فداك بأي شيء دخلت مكة مفرداً أو متمتعاً؟ فقال: متمتعاً.

فقلت: أيما أفضل التمتع بالعمرة الى الحجّ أو من أفرد فَسَاقَ الهدي؟ فقال: كان أبو جعفر(عليه السلام) يقول: التمتع بالعمرة الى الحجّ أفضل من المفرد السائق للهدي، وكان يقول ليس يدخل الحاج شيء أفضل من المتعة([12]).


 

حجّ الإمام الهادي(عليه السلام)

ما روي عن الإمام الهادي(عليه السلام)

روى الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد قال: قال أبو الحسن(عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: (وَلْيَطَّوَّفُواْ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) قال: طواف الفريضة طواف الناس([13]) .

وروى الصدوق فقال: روى عليّ بن مهزيار عن محمّد بن إسماعيل قال: أمرت رجلاً أن يسأل أبا الحسن(عليه السلام) عن الرّجل يأخذ من الرّجل حجّة فلا تكفيه أله أن يأخذ  رجل آخر حجّة أُخرى فيتّسع بها فتجزي عنهما جميعاً أو يتركهما جميعاً، إن لم تكفه إحداهما؟ فذكر أنّه قال: أحبّ إليّ أن تكون خالصة لواحد فان كانت لا تكفيه فلا يأخذها([14]) .

وروى الطوسي، بإسناده عن عبدالله بن جعفر، عن محمد بن سرو قال: كتبت الى أبي الحسن الثالث(عليه السلام): ما تقول في رجل يتمتع بالعمرة الى الحجّ وافى غداة عرفة وخرج الناس من منى الى عرفات أعمرته قائمة، أو ذهبت منه الى أي وقت عمرته قائمة إذا كان متمتعاً بالعمرة الى الحجّ، فلم يواف يوم التروية ولا ليلة التروية فكيف يصنع؟ فوقّع(عليه السلام) : ساعة يدخل مكة إن شاء الله يطوف ويصلّي ركعتين ويسعى ويقصّر ويخرج بحجّته ويمضي الى الموقف ويفيض مع الإمام([15]) .

وعنه، بإسناده عن عليّ بن مهزيار قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام)المقام أفضل بمكّة أو الخروج الى بعض الأمصار؟ فكتب(عليه السلام): المقام عند بيت الله أفضل([16]) .

عنه، بإسناده عن عبدالله بن جعفر الحميري، عن عليّ بن الرّيان بن الصلت، عن أبي الحسن الثالث(عليه السلام) قال: كتبت إليه أسأله عن الجاموس كم يجزي في الأضحية؟ فجاء الجواب: إن كان ذكراً فعن واحد وإن كانت انثى فعن سبعة([17]) .


 

حجّ الإمام العسكري(عليه السلام)

المعروف أنّ المصادرالتاريخية لم تُشِر الى أنّ الإمام العسكري(عليه السلام)قد حجّ كآبائه فإنّه قد انتقل مع أبيه الى سرّ من رأى بأمر من المتوكل العبّاسي وتحت رقابة شديدة وهو في الثانية من عمره المبارك سنة (334 هـ ).

ونشأ في سامراء حتى استلم منصب الإمامة بعد استشهاد أبيه الهادي(عليه السلام) سنة (254 هـ ).

ولكن أُثرت عنه بعض النصوص حول بعض أحكام الحجّ نشير إليها فيما يلي:

1 ـ روى سعد بن عبدالله، عن موسى بن الحسن، عن أبي عليّ أحمد بن محمّد بن مطهّر، قال: «كتبت الى أبي محمّد(عليه السلام)  إنّي دفعت الى ستّة أنفس مائة دينار وخمسين ديناراً ليحجّوا بها، فرجعوا ولم يشخص بعهضم وأتاني بعض فذكر أنّه قد أنفق بعض الدّنانير وبقيت بقيّة وأنّه يردّ عليّ ما بقي، وإنّي قد رمت مطالبة من لم يأتني بما دفعت إليه، فكتب(عليه السلام)  : لا تعرِّض لمن لم يأتك، ولا تأخذ ممّن أتاك شيئاً ممّا يأتيك به، والأجر قد وقع على الله عزّ وجل»([18]) .

2 ـ كتب إبراهيم بن مهزيار الى أبي محمّد(عليه السلام): «اُعلمك يا مولاي أنّ مولاك عليّ بن مهزيار أوصى أن يحجّ عنه من ضيعة ـ صيّر ربعها لك ـ حجّة في كلّ سنة بعشرين ديناراً  وإنّه منذ انقطع طريق البصرة تضاعفت المؤونة على الناس فليس يكتفون بعشرين ديناراً، وكذلك أوصى عدّة من مواليك في حجّتين، فكتب(عليه السلام) : يجعل ثلاث حجج حجّتين إن شاء الله تعالى»([19]) .

3 ـ كتب إليه عليّ بن محمّد الحضيني: أنّ ابن عمّي أوصى أن يحجّ، عنه بخمسة عشر ديناراً في كلّ سنة فليس يكفي فما تأمر في ذلك؟ فكتب(عليه السلام) : تجعل حجّتين في حجّة إن شاء الله، إنّ الله عالم بذلك([20]) .

 


 

حجّ الإمام المهدي(عليه السلام)

 

1 ـ قال عبدالله بن جعفر الحِميري: سألت محمّد بن عثمان العمريّ(رضي الله عنه)فقلت له: رأيت صاحب هذا الأمر(عليه السلام)؟ فقال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول:

«اللّهمّ أَنجز لي ما وعدّتني».

قال محمّد بن عثمان(رضي الله عنه) وأرضاه: ورأيته صلوات الله عليه متعلّقاً بأستار الكعبة في المستجار، وهو يقول: «اللّهمّ انتقم لي من أعدائك»([21]) .

2 ـ قال: أبو محمّد الحسن بن وجناء: كنت ساجداً تحت الميزاب في رابع أربع وخمسين حجّة بعد العمرة وأنا أتضرّع في الدعاء إذ حرّكني محرّك، فقال لي: قُم يا حسن بن وجناء، فرعشت، فقمت. فإذا جارية صفراء نحيفة البدن، أقول إنّها من بنات أربعين فما فوقها، فمشت بين يديّ، أنا لا أسألها عن شيء، حتى أتت دار خديجة(عليها السلام)، وفيها بيت بابه في وسط الحائط، وله درج ساج يرتقي إليه، فصعدت الجارية وجاءني النداء: إصعد يا حسن، فصعدت، فوقفت بالباب. فقال لي صاحب الزمان(عليه السلام) : يا حسن، أتراك خَفيتَ عليَّ؟! والله، ما من وقت في حجّك إلاّ وأنا معك فيه، ثمّ جعل يعدّ عليّ أوقاتي، فوقعت على وجهي. فحسست بيد قد وقعت عليّ، فقمت، فقال لي: يا حسن، الزم بالمدينة دار جعفر بن محمّد(عليهما السلام)، ولا يهمّنك طعامك و لاشرابك، ولا ما تستر به عورتك، ثمّ دفع إليّ دفتراً فيه دعاء الفرج، وصلاة عليه، وقال: بهذا فادعُ، وهكذا فصلّ عليّ، ولا تعطه إلاّ أوليائي، فإنّ الله عزّ وجلّ يوفّقك([22]) .

3 ـ وقال محمّد بن أحمد الأنصاري: كنت حاضراً عند المستجار بمكّة وجماعة زُهاء ثلاثين رجلاً، لم يكن منهم مخلص غير محمّد بن القاسم العلويّ، فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجّة سنة ثلاث وتسعين ومائتين إذ خرج علينا شاب من الطواف، عليه إزاران فاحتجّ محرم بهما وفي يده نعلان.

فلما رأيناه قمنا جميعاً هيبة له، ولم يبق منّا أحد إلاّ قام، فسلّم علينا وجلس متوسطاً ونحن حوله، ثمّ التفت يميناً وشمالاً ثمّ قال: أتدرون ما كان أبو عبدالله(عليه السلام) يقول في دعاء الإلحاح؟

قلنا: وما كان يقول؟

قال: كان يقول:

«اللّهمّ إنّي أسألك باسمك الذي به تقوم السماء، وبه تقوم الأرض، وبه تفرّق بين الحقّ والباطل، وبه تجمع بين المتفرق، وبه تفرّق بين المجتمع، وبه أحصيت عدد الرمال، وزلّة الجبال، وكيل البحار، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تجعل لي من أمري فرجاً».

ثمّ نهض ودخل الطواف فقمنا لقيامه حتى انصرف، وأُنسينا أن نذكر أمره، وأن نقول مَن هو؟ وأي شيء هو؟ إلى الغد في ذلك الوقت، فخرج علينا من الطواف، فقمنا له كقيامنا بالأمس، وجلس في مجلس متوسطاً، فنظر يميناً وشمالاً وقال: أتدرون ما كان يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام) بعد صلاة الفريضة؟ فقلنا: وما كان يقول؟ قال: كان يقول:

«إليك رُفعت الأصوات ودُعيت الدعوات، ولك عَنتِ الوجوه، ولك وضعت الرّقاب، وإليك التحاكم في الأعمال، يا خير من سُئل، ويا خير من أعطى، يا صادقُ يا بارئ، يامَن لا يخلف الميعاد، يا مَن أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، يا مَن قال: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)([23]) يا مَن قال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)([24]) ويا من قال: (قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ ا لْغَفُورُ الرَّحِيمُ)([25]) لبّيك وسعديك،ها أنا ذا بين يديك المسرف، وأنت القائل: (لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) .

ثمّ نظر يميناً وشمالاً بعد هذا الدعاء، فقال: أتدرون ما كان أميرالمؤمنين(عليه السلام) يقول في سجدة الشكر؟ فقلنا: وما كان يقول: قال: كان يقول:

«يا مَن لا يزيده كثرة الدعاء إلاّ سعة وعطاء، يا مَن لا تنفد خزائنه، يا مَن له خزائن السماوات والأرض، يا مَن له خزائن ما دقّ وجلّ، لا تمنعك إساءتي من إحسانك، أنت تفعل بي الذي أنت أهله، (فإنّك) أنت أهل الكرم والجود، والعفو والتجاوز، يا ربّ يا الله لا تفعل بي الذي أنا أهله، فإنّي أهل العقوبة وقد استحققتها، لا حجّة (لي) ولا عذر لي عندك، أبوء لك بذنوبي كلّها واعترف بها كي تعفو عني، وأنت أعلم بها مني، أبوء لك بكلّ ذنب أذنبته، وكلّ خطيئة احتملتها، وكلّ سيئة عملتها، ربّ اغفر وارحم، وتجاوز عمّا تعلم، إنّك أنت الأعزّ الأكرم».

وقام ودخل الطواف، فقمنا لقيامه، وعاد من الغد في ذلك الوقت، فقمنا لإقباله كفعلنا فيما مضى، فجلس متوسطاً ونظر يميناً وشمالاً، فقال: كان عليّ بن الحسين سيّد العابدين(عليه السلام) يقول في سجوده، في هذا الموضع ـ وأشار بيده إلى الحجر تحت الميزاب:

«عبيدك بفنائك مسكينك بفنائك، فقيرك بفنائك، سائلك بفنائك، يسألك ما لا يقدر عليه غيرك».

ثمّ نظر يميناً وشمالاً، ونظر إلى محمّد بن القاسم من بيننا، فقال: يا محمّد ابن القاسم، أنت على خير إن شاء الله تعالى ـ كان محمّد بن القاسم يقول بهذا الأمر ـ ثمّ قال ودخل الطواف، فما بقي منا أحد إلاّ وقد أُلهم ما ذكره من الدعاء وأُنسينا أن نتذاكر أمره إلاّ في آخر يوم.

فقال لنا أبو عليّ المحمودي: يا قوم، أتعرفون هذا؟ هذا والله صاحب زمانكم، فقلنا: وكيف علمت يا أبا عليّ؟ فذكر أنّه مكث سبع سنين يدعو ربّه ويسأله معاينة صاحب الزمان(عليه السلام).

قال: فبينا نحن يوم عشية عرفة وإذا بالرجل بعينه يدعو بدعاء وعيته، فسألته ممّن هو؟ فقال: من الناس، قلت: من أي الناس؟ قال: من عربها، قلت: من أي عربها؟ قال: من أشرفها، قلت: ومَن هم؟ قال: بنو هاشم، قلت: ومن أي بني هاشم؟ قال: من أعلاها ذروة وأسناها قلت: ممّن؟ قال: ممّن فلق الهام وأطعم الطعام وصلّى والناس نيام.

قال: فعلمت إنّه علويّ فأحببته على العلويّة. ثمّ افتقدته من بين يدي فلم أدر كيف مضى، فسألت القوم الذين كانوا حوله: تعرفون هذا العلويّ؟ قالوا: نعم يحجّ معنا في كلّ سنة ماشياً، فقلت: سبحان الله (والله) ما أرى به أثر مشي.

قال: فانصرفت إلى المزدلفة كئيباً حزيناً على فراقه، ونمت من ليلتي تلك، فإذا أنا برسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال: يا أحمد، رأيت طلبتك؟ فقلت: ومن ذاك ياسيدي؟ فقال: الذي رأيته في عشيتك هو صاحب زمانك.

قال: فلمّا سمعنا ذلك منه عاتبناه أن لا يكون أعلمنا ذلك، فذكر أنّه كان ينسى أمره إلى وقت مَن حدّثنا به([26]) .



([1]) بحار الأنوار: 11/261.

([2]) شقيق البلخي من كبار العبّاد والزهّاد في العالم الإسلامي كان في بداية أمره من المرابين فتاب إلى الله توبة نصوحة فتصدق بأمواله البالغة ثلاثمئة ألف درهم، وكانت له ثلاثمائة قرية فتصدق بها حتى أنّه لمّا استشهد في غزوة (كولان) لم يكن يملك كفناً يلف به، وقد لبس ثياب الصوف الخشنة عشرين سنة، وقال: عملت في القرآن عشرين سنة حتى ميزت الدنيا من الآخرة في حرفين، وهو قوله تعالى: (وما اُوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى) وكان يقول: ثلاث خصال هي تاج الزهد: الأُولى أن يميل على الهوى ولا يميل مع الهوى، والثانية ينقطع الزاهد إلى الزهد بقلبه، والثالثة أن يذكر كلّما خلى بنفسه كيف مدخله في قبره وكيف مخرجه، ويذكر الجوع والعطش والعرى وطول القيامة، والحساب والصراط، وطول الحساب، والفضيحة البادية، فإذا ذكر ذلك شغله عن ذكر دار الغرور، فإذا كان ذلك كان من محبّي الزهاد، ومن أحبهم كان معهم، وقال: مَن أراد أن يعرف معرفة بالله فلينظر إلى ما وعده الله، ووعده الناس بأيّهما قلبه أوثق، وقال لبعض أصحابه: اتق الأغنياء فإنّك متى ما عقدت قلبك معهم، وطمعت فيهم فقد اتخذتهم ربّاً من دون الله عزّ وجلّ، جاء ذلك في حلية الأولياء: (ج8 ص59 ـ 71) وقد ذكر صاحب الحلية الشيء الكثير من الكلمات الحِكَمية والوصايا الرفيعة، وجاء في لسان الميزان (ج3 ص151 ـ 152) إن مناقب شقيق كثيرة جداً لا يسعها هذا المختصر، وأنّه استشهد في غزوة (كولان) سنة (194 هـ ).

([3]) الحجرات: 12 .

([4]) طه: 82 .

([5]) أخبار الدول: 112، جوهرة الكلام: 140 ـ 141، مختار صفة الصفوة: 153، جامع كرامات الأولياء: 2/229، نور الأبصار: 135، مثير الغرام، معالم العترة، المناقب، بحار الأنوار، كشف الغمّة، وغيرها.

([6]) مطالب السؤول: 84، بحار الأنوار: 11/55، المناقب.

([7]) إثبات الوصية: 203 .

([8]) وفي نسخة: سنة عشرين ومئتين.

([9]) وسائل الشيعة: 10/232 ح3.

([10]) من لا يحضره الفقيه للصدوق: 2/430 ح 2884.

([11]) تحف العقول: 452 ـ 453.

([12]) الاستبصار للطوسي: 2/155 ح296510.

([13]) الكافي: 4/512.

([14]) الفقيه 2/444.

([15]) التهذيب: 5/171 والاستبصار: 2/247.

([16]) التهذيب: 5/476.

([17]) الاستبصار: 2/267.

([18]) من لا يحضره الفقيه 2: 422 ح2868 .

([19]) من لا يحضره الفقيه 2: 444 ح 2928 .

([20]) المصدر السابق : 445 ح2929.

([21]) الفقيه: 2/520 / 3115، كتاب الغيبة للطوسي: 223، كمال الدين: 440/9 إلى قوله: «... ما وعدتني».

([22]) الثاقب في المناقب: 612/558.

([23]) غافر: 60 .

([24]) البقرة: 186.

([25]) الزمر: 53.

([26]) الغيبة للطوسي: 259/227، دلائل الإمامة: 542/523، نزهة الناظر: 147 نحوه، راجع الحجّ في الكتاب والسنّة.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

في أن الاستقامة إنما هي على الولاية
صُبت علـَـيَ مصـــائبٌ لـ فاطمه زهراعليها ...
التقیة لغز لا نفهمه
الحجّ في نصوص أهل البيت(عليهم السلام)
وصول الامام الحسین(ع) الى کربلاء
دعاء الامام الصادق عليه السلام
الصلوات الكبيرة المروية مفصلا
الشفاعة فعل الله
أخلاق أمير المؤمنين
اللّيلة الاُولى

 
user comment