عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

تنزيه آدم عليه السلام

تنزيه آدم عليه السلام

تنزيه آدم عن الغواية :

( مسألة ) فمما تعلقوا به قوله تعالى في قصة آدم ( ع ) : ( وعصى آدم ربه فغوى )   . قالوا وهذا تصريح بوقوع المعصية التي لاتكون إلا قبيحة ، وأكده بقوله ( فغوى ) ، وهذا تصريح بوقوع المعصية ، والغي ضد الرشد .
( الجواب ) : يقال لهم أما المعصية فهى مخالفة الامر ، والامر من الحكيم تعالى قد يكون بالواجب وبالمندوب معا ، فلا يمتنع على هذا أن يكون آدم عليه السلام مندوبا إلى ترك التناول من الشجرة ، ويكون بمواقعتها تاركا نفلا وفضلا وغير فاعل قبيحا ، وليس يمتنع أن يسمى تارك النفل عاصيا كما يسمى بذلك تارك الواجب . فإن تسمية من خالف ماأمر به سواه كان واجبا أو نفلا بأنه عاص ظاهرة ، ولهذا يقولون أمرت فلانا بكذا وكذا من الخير فعصاني وخالفني ، وإن لم يكن ماأمره به واجبا ، وأما قوله ( فغوى ) ، فمعناه انه خاب ، لانا نعلم انه لو فعل ما ندب اليه من ترك التناول من الشجرة لاستحق الثواب العظيم . فاذا خالف الامر ولم يصر إلى ما ندب إليه ، فقد خاب لامحالة ، من حيث انه لم يصر إلى الثواب الذى كان يستحق بالامتناع ، ولا شبهة في أن لفظ غوى يحتمل الخيبة . قال الشاعر :
فمن يلق خيرايحمد الناس أمره * ومن يغو لا يعدم على الغي لائما فإن قيل : كيف يجوز أن يكون ترك الندب معصية ؟ أو ليس هذا يوجب ان توصف الانبياء ( ع ) بأنهم عصاة في كل حال ، وأنهم لا ينفكون من المعصية لانهم لا يكادون ينفكون من ترك الندب ؟
قلنا : وصف تارك الندب بانه عاص توسع وتجوز والمجاز لا يقاس عليه ولا يعدى به عن موضعه . ولو قيل انه حقيقة في فاعل القبيح وتارك الاولى والافضل ، ولم يجز إطلاقه أيضا في الانبياء ( ع ) إلا مع التقييد لان استعماله قد كثر في القبائح ، فإطلاقه بغير تقييد موهم ، لكنا نقول : ان أردت بوصفهم بأنهم عصاة أنهم فعلوا القبايح فلا يجوز ذلك ، وان أردت انهم تركوا ما لو فعلوه استحقوا الثواب وكان أولى فهم كذلك .
فإن قيل : فأي معنى لقوله تعالى : ( ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى )   وأي معنى لقوله تعالى : ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هوالتواب الرحيم )   فكيف تقبل توبة من لم يذنب ؟ ام كيف يتوب من لم يفعل القبيح ؟
قلنا : أما التوبة في اللغة : الرجوع ، ويستعمل في واحد منا وفى القديم تعالى . والثانى ان التوبة عندنا وعلى أصولنا فغيرموجبة لا سقاط العقاب ، وإنما يسقط الله تعالى العقاب عندها تفضلا ، والذى توجبه التوبة وتؤثره هو استحقاق الثواب ، فقبولها على هذا الوجه انما هو ضمان الثواب عليها . فمعنى قوله تعالى : ( تاب عليه ) انه قبل توبته وضمن له ثوابها ، ولابد لمن ذهب إلى ان معصية آدم عليه السلام صغيرة من هذا الجواب ، لانه إذا قيل له كيف تقبل توبته وتغفر له معصيته ؟ قد وقعت في الاصل مكفرة لا يستحق عليها شيئا من العقاب ، لم يكن له بد من الرجوع إلى ما ذكرناه ، والتوبة قد تحسن ان تقع ممن لا يعهد من نفسه قبيحا على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والرجوع اليه ، ويكون وجه حسنها في هذا الموضع إستحقاق الثواب بها أو كونها لفظا ، كما يحسن أن تقع ممن يقطع على انه غير مستحق للعقاب ، وأن التوبة لا تؤثر في اسقاط شئ يستحقه من العقاب ، ولهذا جوزوا التوبة من الصغائر وإن لم تكن مؤثرة في اسقاط ذم ولا عقاب .
فان قيل : الظاهر من القرآن بخلاف ما ذكرتموه ، لانه اخبر ان آدم عليه السلام منهي عن أكل الشجرة بقوله : ( ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين )   وبقوله : ( ألم انهكما عن تلكما الشجرة )   ؟ وهذا يوجب بأنه ( ع ) عصى بأن فعل منهيا عنه ولم يعص بان ترك مأمورا به .
قلنا : أما النهي والامر معا فليسا يختصان عندنا بصيغة ليس فيها احتمال ولا اشتراك ، وقد يؤمر عندنا بلفظ النهي وينهى بلفظ الامر ، فإنما يكون النهي نهيا بكراهة المنهي عنه . فاذا قال تعالى : ولا تقربا هذه الشجرة ، ولم يكره قربها ، لم يكن في الحقيقة ناهيا ، كما أنه تعالى لما قال : ( اعملوا ما شئتم وإذا حللتم فاصطادوا ) ، ولم يرد ذلك ، لم يكن أمرا . فإذا كان قد صح قوله ( ولا تقربا هذه الشجرة ) إرادة لترك التناول ، فيجب ان يكون هذا القول أمرا ، وإنما سماه منهيا عنه ، ويسمى أمره له بأنه نهي من حيث كان فيه معنى النهي ، لان النهي ترغيبا في الامتناع من الفعل ، وتزهيدا في الفعل نفسه . ولما كان الامر ترغيبا في الفعل المأمور به وتزهيدا في تركه ، جاز ان يسمى نهيا . وقد يتداخل هذان الوصفان في الشاهد فيقول احدنا قد أمرت فلانا بأن لا يلقى الامير ، وإنما يريد أنه نهاه عن لقائه ، ويقول نهيتك عن هجر زيد وإنما معناه امرتك بمواصلته ، فإن قيل ألا جعلتم النهي منقسما إلى منهي قبيح ومنهي غير قبيح ، بل يكون تركه أفضل من فعله ، كما جعلتم الامر منقسما إلى واجب وغير واجب .
قلنا الفرق بين الامرين ظاهر ، لان انقسام المأمور به في الشاهد إلى واجب وغير واجب غير مدفوع ، ولا خاف ، وليس يمكن أحد أن يدفع ان في الافعال الحسنة التي يستحق بها المدح والثواب ما له صفة الوجوب ، وفيها ما لا يكون كذلك . فاذا كان الواجب مشاركا للندب في تناول الارادة له واستحقاق الثواب والمدح به ، فليس يفارقه إلا بكراهة الترك . لان الواجب تركه مكروه والنفل ليس كذلك . فلو جعلنا الكراهة تتعلق بالقبيح وغير القبيح من الحكيم تعالى ، وكذلك النهي . كما جعلنا الامر منه يتعلق بالواجب وغير الواجب ، لارتفع الفرق بين الواجب والندب مع ثبوت الفصل بينهما في العقول .
فان قيل : فما معنى حكايته تعالى عنهما قولهما : ( ربنا ظلمنا انفسنا ) وقوله تعالى : ( فتكونا من الظالمين ) .
قلنا : معناه أنا نقصنا انفسنا وبخسناها ما كنا نستحقه من الثواب بفعل ما أريد منا من الطاعة ، وحرمناها الفايدة الجليلة من التعظيم من ذلك الثواب ، وإن لم يكن مستحقا قبل ان يفعل الطاعة التي يستحق بها ، فهو في حكم المستحق ، فيجوز ان يوصف بذلك من فوت نفسه بأنه ظالم لها ، كما يوصف من فوت نفسه المنافع المستحقة . وهذا معنى قوله تعالى : ( فتكونا من الظالمين ) .
فإن قيل فاذا لم تقع من آدم عليه السلام على قولكم معصية ، فلم أخرج من الجنة على سبيل العقوبة وسلب لباسه على هذا الوجه ؟ ولولا أن الاخراج من الجنة وسلب اللباس على سبيل الجزاء على الذنب ، كما قال الله تعالى : ( فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما )   وقال تعالى في موضع آخر : ( فأخرجهما مما كانا فيه )   ؟ .
قلنا : نفس الاخراج من الجنة لا يكون عقابا ، لان سلب اللذات والمنافع ليس بعقوبة ، وإنما العقوبة هي الضرب والالم الواقعان على سبيل الاستخفاف والاهانة . وكذلك نزع اللباس وابداء السوأة . فلو كانت هذه الامور مما يجوز ان تكون عقابا ويجوز ان يكون غيره لصرفناها عن باب العقاب إلى غيره ، بدلالة ان العقاب لايجوز ان يستحقه الانبياء عليهم السلام . فاذا فعلنا ذلك فيما يجوز أن يكون واقعا على سبيل العقوبة ، فهو اولى فيما لا يجوز أن يكون كذلك ،
فان قيل فما وجه ذلك ان لم تكن عقوبة ؟ .
قلنا : لا يمتنع ان يكون الله تعالى علم ان المصلحة تقتضي تبقية آدم عليه السلام في الجنة وتكليفه فيها متى لم يتناول من الشجرة ، فمتى تناول منها تغيرت الحال في المصلحة وصار اخراجه عنها وتكليفه في دار غيرها هو المصلحة . وكذلك القول في سلب اللباس حتى يكون نزعه بعد التناول من الشجرة هو المصلحة كما كانت المصلحة في تبقيته قبل ذلك ، وإنما وصف إبليس بأنه مخرج لهما من الجنة من حيث وسوس اليهما وزين عندهما الفعل الذي يكون عنده الاخراج ، وإن لم يكن على سبيل الجزاء عليه لكنه يتعلق به تعلق الشرط في مصلحته ، وكذلك وصف بأنه مبدئ لسوأتهما من حيث اغواهما ، حتى اقدما على ما سبق في علم الله تعالى بأن اللباس معه ينزع عنهما ، ولابد لمن ذهب إلى ان معصية آدم عليه السلام صغيرة لا يستحق بها العقاب من مثل هذا التأويل ، وكيف يجوز ان يعاقب الله تعالى نبيه بالاخراج من الجنة أو غيره من العقاب ، والعقاب لابد من ان يكون مقرونا بالاستخفاف والاهانة ، وكيف يكون من تعبدنا الله فيه بنهاية التعظيم والتبجيل مستحقا منا ومنه تعالى الاستخفاف والاهانة : وأي نفس تسكن إلى مستخف بقدره مهان موبخ مبكت ؟ وما يجيز مثل ذلك على الانبياء ( ع ) إلا من لا يعرف حقوقهم ولا يعلم ما تقضيه منازلهم .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

بعض اقوال علماء اهل السنة والجماعة في يزيد ابن ...
مساءلة منكر ونكير
أصحاب الخمس هم أصحاب الفيء
اسلوب التفسير بالرأي
الشهادة الثالثة وجوب ام استحباب
هذا هو الرِّفْق في الإسلام
الحياة البرزخية
الخروج من القبر
هل أن التوسل مشروع ؟
نظرة قرآنية حول مفهوم الموت

 
user comment