عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

محمّد (ص) المثل الأعلى

توماس كارليل

 من أكبر العار القول : إنّ محمّداً كذّاب !

لقد أصبح من أكبر العار ، على أيِّ فرد متمدن من أبناء هذا العصر ، أن يصغي إلى ما يظنّ منه أنّ محمّداً خدّاع مزوّر ، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال ، فإنّ الرسالة التي أدّاها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير مدّة اثني عشر قرناً لنحو مائتي مليون (1) من الناس أمثالنا ، خلقهم الله الذي خلقنا ، أفكان أحدكم يظن أنّ هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه الملايين الفائتة الحصر ، أكذوبة وخدعة ؟!

 أما أنا فلا أستطيع أن أرى هذا الرأي أبداً ، ولو أنّ الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا الرواج ، ويصادفان منهم مثل ذلك التصديق والقبول ، فما الناس إلا بُلّه ومجانين، وما الحياة إلاّ سخف وعبث وأُضلولة ، كان الأولى بها أن لا تُخلق .

فوا أسفاه ! ما أسوأ هذا الزعم وما أضعف أهله وأحقّهم بالرثاء والرحمة !

وبعد ، فعلى مَن أراد أن يبلغ منزلة ما في علوم الكائنات أن لا يصدّق شيئاً البتة من أقوال أولئك ؛ فإنّها نتائج جيل كفر ، وعصر جحودٍ وإلحاد ، وهي دليل على موت الأرواح في حياة الأبدان ، ولعل العالم لم يرَ قط رأياً أكفر من هذا وألأَم .

وهل رأيتم قط ، معشر الإخوان ، أنّ رجلاً كاذباً يستطيع أن يوجد ديناً ؟! إنّ الرجل الكاذب لا يقدر أن يبني بيتاً من الطوب ! فهو إذا لم يكن عليماً بخصائص الجير والجُص والتراب وما شاكل ذلك فما ذلك الذي يبنيه ببيت ، وإنّما هو تل من الأنّقاض ، وكثيب من أخلاط المواد ، نعم ، وليس جديراً أن يبقى على دعائمه اثني عشر قرناً ، يسكنه مئتا مليون من الأنفس ، ولكنّه جدير أن تنهار أركانه فينهدم فكأنّه لم يكن .

ثمّ إذا نظرت إلى كلمات العظيم ، شاعراً كان أو فيلسوفاً ، أو نبياً ، أو فارساً ، أو ملكاً ، ألا تراها ضرباً من الوحي ! والرجل العظيم في نظري مخلوق من فؤاد الدنيا وأحشاء الكون ، فهو جزء من الحقائق الجوهرية للأشياء ، وقد دلّ الله على وجوده بعدة آيات ، أرى أنّ أحدثها وأجدّها هو الرجل العظيم الذي علّمه الله العلم والحكمة ، فوجب علينا أن نصغي إليه قبل كل شيء .

وعلى ذلك فلسنا نعدُّ محمّداً هذا قطّ رجلاً كاذباً متصنِّعاً يتذرّع بالحيل والوسائل إلى بغيه ، أو يطمح إلى درجة ملك أو سلطان ، أو غير ذلك من الحقائر والصغائر ، وما الرسالة التي أدّاها إلاّ حقّ صراح ، وما كلمته إلاّ صوت صادق صادر من العالم المجهول ، كلا ! ما محمّد بالكاذب ، ولا الملفّق ؛ وإنّما هو قطعة من الحياة قد تفطر عنها قلب الطبيعة فإذا هي شهاب قد أضاء العالم أجمع ، ذلك أمر الله ، وذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء ، والله ذو الفضل العظيم ، وهذه حقيقة تدمغ كل باطل ، وتدحض حجّة القوم الكافرين .

العرب وصفة جزيرة العرب :

كانت عرب الجاهلية أمّة كريمة ، تسكن بلاداً كريمة ، وكأنّما خلق الله البلاد وأهلها على تمام وفاق ، فكان ثمّة شبه قريب بين وعورة جبالها ووعورة أخلاقهم ، وبين جفاء منظرها وجفاء طباعهم ، وكان يلطّف من قسوة قلوبهم مزاج من اللين والدماثة ، كما كان يبسط من عبوس وجوه البلاد ، رياضٌ خضراء وقيعان ذات أمواه وأكلاء ، وكان الأعرابي صامتاً لا يتكّلم إلا فيما يعنيه ، إذ كان يسكن أرضاً قفراً يبابا خرساء ، تخالها بحراً من الرمل يصطلي جمرة النهار طوله ، ويكافح بحرِّ وجهه نفحات القرّ ليلَه .

ولا أحسب أناساً شأنهم الانفراد وسط البيد والقِفار ، يحادثون ظواهر الطبيعة ، ويناجون أسرارها إلاّ أن يكونوا أذكياء القلوب ، حداد الخواطر ، خفاف الحركة ثاقبي النظر ، وإذا صح أنّ الفرس هم فرنسيو المشرق ، فالعرب لا شكّ طليانه ، والحقّ أقول لقد كان أولئك العرب قوماً أقوياء النفوس ، كأنّ أخلاقهم سيول دفّاقة ، لها من شدّة حزمهم وقوّة إرادتهم أحصنَ سور ، وأمنع حاجز ، وهذه ـ وأبيكم ـ أم الفضائل ، وذروة الشرف الباذخ ، وقد كان أحدهم يضيفه ألدّ أعدائه فيّكرم مثواه وينحر له ، فإذا أزمع الرحيل خلع عليه وحمله وشيّعه ، ثمّ هو بعد كل ذلك لا يحجم عن أن يقاتله متى عادت به إليه الفرص ، وكان العربي أغلب وقته صامتاً ! فإذا قال ، أفصح .

ويزعمون أنّ العرب من عنصر اليهود ، والحقيقة أنّهم شاركوا اليهود في مرارة الجدّ ، وخالفوهم في حلاوة الشمائل ، ورقة الظرف ، وفي ألمعية القريحة ، وأريحيّة القلب ، وكان لهم قبل زمن محمّد (ع) منافسات في الشعر ، يُجرونها بسوق عكاظ في جنوب البلاد ، حيث كانت تقام أسواق التجارة ، فإذا انتهت الأسواق تناشد الشعراء القصائد ، ابتغاء جائزة تُجعل للأجود قريضاً ، والأحكم قافية ، فكان الأعراب الجفاة ذوو الطباع الوعرة ، يرتاحون لنغمات القصيد ، ويجدون لرنّاتها أية لذة ، فيتهافتون على المنشد كالفَراش ، ويتهالكون .

مولد محمّد ونشأته :

وكان بين هؤلاء العرب التي تلك حالهم ، أن ولد محمّد (ع) عام 570 ميلادية ، وكان من أسرة هاشم من قبيلة قريش ، وقد مات أبوه عقب مولده ، ولما بلغ عمره ستة أعوام توفّيت أمّه ـ وكان لها شهرةً بالجمال والفضل والعقل ـ فقام عليه جدّه وهو شيخ قد ناهز المئة من عمره وكان صالحاً باراً، وكان ابنه عبد الله أحبّ أولاده إليه ، فأبصرت عينه الهرمة في محمّد صورة عبد الله ، فأحبّ اليتيم الصغير بملء قلبه ، وكان يقول : ينبغي أن يحسن القيام على ذلك الصبي الجميل ، الذي قد فاق سائر الأسرة والقبيلة حُسناً وفضلاً ، ولمّا حضرت الشيخَ الوفاةُ والغلام لم يتجاوز العامين، عهد به إلى أبي طالب أكبر أعمامه ، رأس الأسرة بعده ، فربّاه عمّه ـ وكان رجلاً عاقلاً كما يشهد بذلك كل دليل ـ على أحسن نظام عربي .

 صدق محمّد منذ طفولته :

ولُحظ عليه منذ فتائه أنّه كان شاباً مفكّراً ، وقد سمّاه رفقاؤه الأمين ـ رجل الصدق والوفاء ـ الصدق في أفعاله وأقواله وأفكاره ، وقد لاحظوا أنّ ما من كلمة تخرج من فيه إلاّ وفيها حكمة بليغة ، وإنّي لأعرف عنه أنّه كان كثير الصمت ، يسكت حيث لا موجب للكلام ، فإذا نطق ، فما شئت ؛ من لبٍ ، وفضلٍ ، وإخلاص ، وحكمة ، لا يتناول غرضاً فيتركه إلاّ وقد أنار شبهته ، وكشف ظلمته ، وأبان حجّته ، واستثار دفينته ، وهكذا يكون الكلام وإلاّ فلا ، وقد رأيناه طول حياته ، رجلاً راسخ المبدأ ، صارم العزم ، بعيد الهمة ، كريماً ، براً رؤفاً ، تقيّاً فاضلاً حراً ـ رجلاً شديد الجد مخلصاً ، وهو مع ذلك سهل الجانب ، ليّن العريكة ، جم البشر والطلاقة ، حميد العِشرة ، حلو الإيناس ، بل ربّما مازح وداعب .

محمّد بريء من الطمع الدنيوي :

ويزعم المتعصبون من النصارى والملحدون : أنّ محمّداً لم يكن يريد بقيامه إلاّ الشهرة الشخصية ، ومفاخر الجاه والسلطان ، كلاّ ـ وايم الله ـ لقد أكنّ في فؤاد ذلك الرجل الكبير ـ ابن القفار والفلوات ، المتوقد المقلتين ، العظيم النفس ، المملوء رحمة وخيراً ، وحناناً وبرّاً، وحكمة وحُجى ، وإربة ونهى ـ أفكار غير الطمع الدنيوي ، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه .

ابتداء البعثة :

فلمّا كان في الأربعين من عمره وقد خلا إلى نفسه في غارٍ بجبل (حراء) قرب مكّة ، شهر رمضان ، ليفكر في تلك المسائل الكبرى ، إذا هو قد خرج إلى خديجة ذات يوم وكان قد استصحبها ذلك العام وأنزلها قريباً من مكان خلوته ، فقال لها : إنّه بفضل الله قد استجلى غامض السر ، واستثار كامن الأمر ، وأنّه قد أنارت الشبهة ، وانجلى الشك وبرح الخفاء وأن جميع هذه الأصنام محال وليست إلاّ أخشاباً حقيرة ، وأنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فهو الحقّ وكل ما خلاه باطل ، خلقنا ويرزقنا . وما نحن وسائل الخلق والكائنات إلاّ ظل له وستار يحجب النور الأبدي والرونق السرمدي ، الله أكبر ، ولله الحمد .

 

  الوحي وجبريل :

فمن فضائل الإسلام : تضحية النفس في سبيل الله ، وهذا أشرف ما نزل من السماء على بني الأرض ، نعم هو نور الله قد سطع في روح ذلك الرجل ، فأنار ظلماتها ، هو ضياء باهر ، كشف تلك الظلمات التي كانت تؤذن بالخسران والهلاك ، وقد سماه محمّد (ع) وحياً و( جبريل ) ، وأيّنا يستطيع أن يُحدث له اسماً ؟! ألم يجيء في الإنجيل أنّ وحي الله يهبنا الفهم والإدراك ؟ ولا شكّ أنّ العلم والنفاذ إلى صميم الأمور وجواهر الأشياء لسرّ من أغمض الأسرار ، لا يكاد المنطقيون يلمسون منه إلا قشوره ، وقد قال نوفاليس : ( أليس الإيمان هو المعجزة الحقّة الدالة على الله ؟! ) فشعور محمّد إذ اشتعلت روحه بلهيب هذه الحقيقة الساطعة ، بأنّ الحقيقة المذكورة هي أهم ما يجب على الناس علمه لم يكُ إلاّ أمراً بديهياً .

 معنى كلمة محمّد رسول الله :

وكون الله قد أنعم عليه بكشفها له ، ونجّاه من الهلاك والظلمة وكونه قد أصبح مضطراً إلى إظهارها للعالم أجمع ـ هذا كله هو معنى كلمة (محمّد رسول الله) وهذا هو الصدق الجلي والحق المبين .

الرد على القائلين بأنّ الإسلام انتشر بالسيف :

وكانت نية محمّد حتى الآن أن ينشر دينه بالحكمة ، والموعظة الحسنة فقط ، فلمّا وجد أنّ القوم الظالمين لم يكتفوا برفض رسالته السماوية ، وعدم الإصغاء إلى صوت ضميره وصيحة لبّه ، حتى أرادوا أن يسكتوه فلا ينطق بالرسالة ـ عزم ابن الصحراء على أن يدافع عن نفسه ، دفاع رجل ، ثمّ دفاع عربي ، ولسان حاله يقول : أمَا وقد أبت قريش إلا الحرب، فلينظروا أيّ فتيان هيجاء نحن ؟!

 وحقاً رأى ! فإنّ أولئك القوم أغلقوا آذانهم عن كلمة الحقّ ، وشريعة الصدق ، وأبوا إلاّ تمادياً في ضلالهم يستبيحون الحريم ، ويهتكون الحرمات ، ويسلبون وينهبون ، ويقتلون النفس التي حرّم الله قتلها ، ويأتون كل إثم ومنكر، وقد جاءهم محمّد من طريق الرفق والأناة ، فأبوا إلاّ عتواً وطغياناً، فليجعل الأمر إذن إلى الحسام المهنّد ، والوشيج المقوّم ، وإلى كل مسرودة حصداء ، وسابحة جرداء ، وكذلك قضى محمّد بقية عمره ـ وهي عشر سنين أخرى ـ في حرب وجهاد ، لم يسترح غمضة عين ، وكانت النتيجة ما تعلمون ؟

ولقد قيل كثيراً في شأن نشر محمّد دينه بالسيف ، فإذا جعل الناس ذلك دليلاً على كذبه فاشدّ ما أخطأوا وجاروا، فهم يقولون : ما كان الدين لينتشر لولا السيف ، ولكن ما هو الذي أوجد السيف ؟ هو قوة ذلك الدين وأنّه حق ، والرأي الجديد أوّل ما ينشأ يكون في رأس رجل واحد ، فالذي يعتقده هو فرد ، فردٌ ضد العالم أجمع ، فإذا تناول هذا الفرد سيفاً وقام في وجه الدنيا فقلما والله يضيع ، وأرى على العموم أنّ لحق ينشر نفسه بأية طريقة ، حسبما تقتضيه الحال ، أو لم تروا أنّ النصرانية كانت لا تأنف أن تستخدم السيف أحياناً .. ؟! وحسبكم ما فعل شارلمان بقبائل السكسون ، وأنا لا أحفل أكان انتشار الحق بالسيف ، أم باللسان أو بأية آلة أخرى .

القرآن وإعجازه :

أمّا القرآن ، فإنّ فرط إعجاب المسلمين به وقولهم بإعجازه هو أكبر دليل على اختلاف الأذواق في الأمم المختلفة ، هذا وإنّ الترجمة تذهب بأكثر جمال الصنعة ، وسحن الصياغة ، ولذلك لا عجب إذا قلت : إنّ الأوروبي يجد في قراءة القرآن أكبر عناء ، فهو يقرؤه كما يقرأ الجرائد ، لا يزال يقطع في صفحاتها قفاراً من القول المملّ المتعب ، ويحمل على ذهنه هضاباً وجبالاً من الكم ، لكي يعثر في خلال ذلك على كلمة مفيدة ، أمّا العرب فيرونه على عكس ذلك لما بين آياته وبين أذواقهم من الملاءمة ، ولأنّ لا ترجمة ذهبت بحسنه ورونقه ، فلذلك رآه العرب من المعجزات وأعطوه من التبجيل ما لم يعطه أتقى النصارى لإنجيلهم .

 وما برح في كل زمان ومكان قاعدة التشريع والعمل والقانون المتبع في شؤون الحياة ومسائلها ، والوحي المنزّل من السماء هدى للناس وسراجاً منيراً ، يضيء لهم سبل العيش ويهديهم صراطاً مستقيماً ، ومصدر أحكام القضاة ، والدرس الواجب على كل مسلم حفظه ، والاستنارة به في غياهب الحياة ، وفي بلاد المسلمين مساجد يتلى فيها القرآن جميعه كل يوم مرّة ، يتقاسمه ثلاثون قارئاً على التوالي ، وكذلك ما برح هذا الكتاب يرن صوته في آذان الألوف ـ من خلق الله وفي قلوبهم ـ اثني عشر قرناً في كل آن ولحظة ، ويقال إنّ من الفقهاء من قرأه سبعين ألف مرة !!

براءة محمّد من الشهوات وتواضعه وتقشّفه :

وما كان محمّد أخا شهوات ، برغم ما اتُّهم به ظلماً وعدواناً ، وشد ما نجور ونخطئ إذا حسبناه رجلاً شهوياً ، لا همّ له إلا قضاء مآربه من الملاذ . كلا ، فما أبعد ما كان بينه وبين الملاذ أية كانت ، لقد كان زاهداً متقشفاً في مسكنه ، ومأكله ، ومشربه ، وملبسه ، وسائر أموره وأحواله ، وكان طعامه عادة الخبز والماء ، وربما تتابعت الشهور ولم توقد بداره نار وإنّهم ليذكرون ـ ونعم ما يذكرون ـ أنه كان يصلح ويرفو ثوبه بيده ، فهل بعد ذلك مكرمة ومفخرة ؟!

 فحبّذا محمّد من رجل خشن اللباس ، خشن الطعام ، مجتهد في الله قائم النهار ، ساهر الليل دائباً في نشر دين الله ، غير طامح إلى ما يطمح إليه أصاغر الرجال من رتبة أو دولة أو سلطان . غير متطلعٍ إلى ذكر أو شهرة كيفما كانت ، رجل عظيم وربّكم ! وإلاّ فما كان ملاقياً من أولئك العرب الغلاظ توقيراً واحتراماً وإكباراً وإعظاماً ، وما كان يمكنه أن يقودهم ويعاشرهم معظم أوقاته ، ثلاثاً وعشرين حجّة وهم ملتفّون به يقاتلون بين يديه ويجاهدون حوله . لقد كان في هؤلاء العرب جفاءً ، وغلظة ، وبادرة ، وعجرفية ، وكانوا حماة الأنوف ، أباة الضيم ، وُعر المقَادة ، صعاب الشكيمة ، فمن قدر على رياضتهم وتذليل جانبهم حتى رضخوا له واستقادوا ؟! فذلكم وايم الله بطل كبير ، ولولا ما أبصروا فيه من آيات النبل والفضل ، لما خضعوا له ولا أذعنوا ، وكيف وقد كانوا أطوع له من بنانه .

وظنّي أنه لو كان أتيح لهم بدل محمّد قيصر من القياصرة بتاجه وصولجانه لما كان مصيباً من طاعتهم مقدار ما ناله محمّد في ثوبه المرقع بيده ، فكذلك تكون العظمة ، وهكذا تكون الأبطال .

 تأثير الإسلام على العرب وفضله عليهم :

ولقد أخرج الله العربَ بالإسلام  من الظلمات إلى النور , وأحيى به من العرب أمّة هامدة وأرضاها مدّة ، وهل كانت إلاّ فئة من جوالة الأعراب ، خاملة فقيرة تجوب الفلاة ، منذ بدء العالم ، لا يسمع لها صوت ولا تحسّ منها حركة ، فأرسل الله لهم نبياً بكلمة من لدنه ورسالة من قبله ، فإذا الخمول قد استحال شهرة ، والغموض نبهه ، والضعة رفعة ، والضعف قوة ، والشرارة حريقاً ، وسع نوره الأنحاء وعمّ ضوء الأرجاء ، وعقد شعاعه الشمال بالجنوب ، والمشرق بالمغرب ، وما هو إلاّ قرن بعد هذا الحادث حتى أصبح لدولة العرب رجل في الهند ورجل في الأندلس وأشرقت دولة الإسلام حقباً عديدة ودهور مديدة بنور الفضل والنبل ، والمروءة والبأس ، والنجدة ، ورونق الحق والهدى على نصف المعمورة .

 وكذلك الإيمان عظيم وهو مبعث الحياة ، ومنبع القوّة ، وما زال للأمّة رقي في درج الفضل ، وتعريج إلى ذرى المجد ، ما دام مذهبها اليقين ومنهاجها الإيمان ، ألستم ترون في حالة أولئك الأعراب ومحمّدهم وعصرهم ، كأنّما قد وقعت من السماء شرارة على تلك الرمال ، التي كان لا يبصر بها فضل ، ولا يرجى فيها خير ؟! فإذا هي بارود سريع الانفجار وما هي برمل ميت ، وإذا هي قد تأججت واشتعلت ، واتصلت نيرانها بين غرناطة ودلهي .

ولطالما قلت : إنّ الرجل العظيم كالشهاب من السماء ، وسائر الناس في انتظاره كالحطب ، فما هو إلاّ أن يسقط حتى يتأججوا ويلتهبوا !

ــــــــــــــــــــــــ

* اقتباس قسم المقالات في شبكة الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي. المصدر : مجلة الموقف / العدد18 / 1984 م .

 للفيلسوف الانكليزي توماس كارليل كتيب يحمل اسم : محمّد (ص) المثل الأعلى . يرد فيه على تهجّمات بعض الغربيين على الإسلام ونبيّه ، والذين طالما ألصقوا التهم الباطلة برسول الله وبالدين الحنيف .

أهميّة ما كتبه توماس كارليل منذ عام 1352 هجرية / 1934 ميلادية ، تكمن في تجرّده وموضوعيته الواضحة في مؤلَّفه وفي دراسته لسيرة الرسول ، وللفترة المرافقة لنزول الوحي وبدء الدعوة الإسلامية .


source : http://www.alhassanain.com/arabic/show_articles.php?articles_id=1031&link_articles=holy_prophet_and_ahlul_bayt_library/holy_prophet/mohammad_almathal_alaela
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

تشبيه لطيف من صديق حقيقي‏
خلق الأئمة ( ع ) وشيعتهم من علِّيِّين :
فضل شهر رمضان المبارك
الإقطاع في الإسلام
الخوارق و تأثير النفوس
حول قرآن علي (عليه السلام)
عاشوراء في وعْيِ الجمهور ووَعْيِ النُخبة
مواقف في کربلاء
مظاهر من شخصيّة الإمام الرضا (علیه السلام)
الاجتماع في الدعاء و التأمين على دعاء الغير

 
user comment