عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

لماذا توجه الحسين (ع) بهجرته في البداية الى مكة المكرمة ؟

لماذا توجه الحسين (ع) بهجرته في البداية الى مكة المكرمة ؟


قوله تعالى :

«ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي ان يهديني سواء السبيل»


هذه الآية الكريمة تمثل بها الحسين (ع) عندما دخل إلى مكة مهاجراً من مدينة الرسول (ص) وذلك في الخامس من شعبان سنة 60 من الهجرة ؛ وتوجه الحسين (ع) بنهضته المباركة إلى مكة وحلوله فيها أمر معقول ومشروع للغاية يقره الشرع والعرف السياسي . أما من الناحية الشرعية فانه يجب على الانسان أن يحل بلداً يمكنه فيه القيام بواجباته مع الحفاظ على حياته ما أمكن ، ومكة المكرمة هي البلد الوحيد في ذلك اليوم الذي يتمكن فيه الحسين (ع) الجمع بين هذين الأمرين معاً . لأنه حرم مقدس ومأمن لكل شيء حتى الحيوان والطير والنبات بنص الكتاب العزيز «ومن دخله كان آمناً ...» حتى قاتل النفس المحرمة إذا دخل مكة آمن على حياته من القصاص . نعم يضيق عليه حتى يخرج عنها ثم يقتص منه
وأما من الناحية السياسية فان الحسين (ع) قائم بثورة فكرية اصلاحية وهي بحاجة إلى أعلام ودعوة وأنصار . ولا شك أن مكة يومئذ أنسب بلد للقيام بذلك كله لأنها مختلف الناس وممر المسلمين من جميع الأقطار وكل حدث يحدث في مكة ينعكس صداه فوراً في كافة الأقطار الاسلامية وتسير به الركبان إلى جميع العالم الاسلامي وكل دعوة تنبثق في مكة سرعان ما تصل إلى اسماع المسلمين في كل مكان . وفعلاً استطاع الحسين (ع) بفضل اقامته في

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

86


مكة أن يبلغ أنباء ثورته على الحكم الأموي إلى أكثر الأقطار ويتصل بكثير من الوجوه والزعماء والوفود . ولذا فقد اجتمع له في خلال تلك المدة بين الستة آلاف والعشرة آلاف رجل وهم الذين تفرقوا عنه أثناء الطريق عندما ظهر لهم غدر أهل الكوفة بالحسين (ع) وفي خلال تلك المدة تسلم اثني عشر ألف كتاب دعوة من أهل العراق بالتوجه اليهم . وعلى كل حال كان في اقامة الحسين (ع) في مكة المكرمة دعماً كبيراً لقضيته وإعلاناً واسعاً عن ثورته ولكن الذي حدث بعد ذلك وجعل الحسين يضطر إلى الخروج من مكة بكل سرعة واستعجال . هو أن الأمويين قرروا هتك حرمة مكة وانتهاك كرامتها وصمموا على قتل الحسين فيها ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة . واتخذوا لذلك جميع الاجراءات فبعث يزيد جيشاً يتألف من ثلاثين ألف رجلاً فأحاط بمكة خوفاً من أن يقوم الحسين بثورة مسلحة فيها ضدهم وعزل والي مكة وعين مكانه عمرو بن سعيد الأشدق المعروف بعدائه الشديد للهاشميين وضم اليه امارة الحرمين مكة والمدينة حيث كان قد عزل والي المدينة أيضاً لتهاونه في أمر الحسين ولم يعجل في قتله قبل خروجه من المدينة . وبالاضافة إلى ذلك كله بعث ثلاثين جاسوساً اندسوا مع الحجاج «لغرض قتل الحسين» أينما وجدوه ولو كان معلقاً بأستار الكعبة . ولو تأخر الحسين ، مع ذلك في مكة لمدة قليلة أخرى لقتل غيلة على يد أولئك الجواسيس ولذهب دمه هدراً وعفي أثر الجريمة تماماً ولأنكر قتله نهائياً وبتاتاً ، ولذهبت ثورته المقدسة أدراج الرياح بدون أثر وقبل أن يقوم بتلك التضحيات التي هزت ضمير العالم وزلزلت العرش تحت أقدام آل أبي سفيان . إن الحسين لم يخرج من المدينة أو من مكة هرباً من القتل من حيث هو لأنه كان يعلم أن مصيره القتل على كل حال خرج أو لم يخرج ولكن هرب من القتل قبل الأوان من القتل قبل اداء الواجب أو قل هرب من قتلة عقيمة وهرب أيضاً من شيء آخر . وهو هتك حرمة البيت الحرام بسببه كما صرح بذلك لبعض المعترضين عليه بالخروج فقال عليه السلام إني أحب أن أقتل خارج مكة بباع خير من ذراع لئلا أكون الذي تستباح

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

87


به حرمة هذا البيت وما انتهكت حرمة مكة والبيت الحرام منذ حرمهما الاسلام إلا على يد الأمويين فهم أول من هتكوا الحرمات وسحقوا المقدسات فكره الحسين (ع) أن يكون دمه أول دم يسفك في البيت وأول انسان به تهتك حرمة الحرم . لذا خرج يوم التروية اي يوم الثامن من ذي الحجة حيث لم يتمكن من اتمام الحج فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحل من إحرامه وجعلها عمرة مفردة . قال الفرزدق الشاعر حججت بأمي سنة ستين للهجرة فبينا أن أسوق بعيرها وقد دخلت الحرم وإذا بقطار خارج من مكة فقلت لمن هذا القطار فقيل للحسين بن علي بن أبي طالب (ع) فدنوت منه وسلمت عليه وقلت به يابن رسول الله ما الذي أعجلك عن الحج فقال (ع) يا عبد الله لو لم أعجل لأخذت . وقال لسائل آخر إن بني أمية لا يدعونني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي .
والخلاصة : لقد أصاب (ع) وعمل بمقتضى الحكمة في توجهه أولاً إلى مكة ثم في خروجه منها بعد أن أحدق به خطر القتل . فهو عليه السلام بدخوله إلى مكة وإقامته فيها طيلة أربعة أشهر مهد لثورته المقدسة تمهيداً اعلامياً ودعائياً كاملاً . وبخروجه منها حفظ حياته للقيام بمهام الثورة من حيث العمل والتطبيق . وأخيراً فهذه حياة المصلحين الأحرار حياة تشريد ومطاردة وخوف واضطهاد ولله در الحاج مجيد الحلي (ره) حيث قال :

ايطيـب عيش وبـن فاطمة

نهبت حشاه البيض والسمر

تـالله لا أنسـاه مضطهـداً

حتى يضـم عظامي القبـر

ومشرداً ضـاق الفضـا به

فكـأن لا بلـد ولا مصـر

منـع المناسـك أن يؤديهـا

بمنى فكـان قضائها النحر

إن فاته رمي الجمـار فقـد

أذكى لهيـب فؤاده الجمـر

يسعى لأخوان الصفاء و هم

فوق الصعيد نساءك جزرو

ويطوف حول جسومهم وبه

انتظم المصاب ودمعه نثـر

أفـديـه مستلمـاً بجبهتـه

حجراًً إذا مـا فاته الحجـر

 

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

88

 

كيف وثق الحسين بأهل الكوفة ولماذا خرج اليهم ؟



للشيخ صالح الكوازره :

إذا مـا سقى الله البلاد فلا سقى

معـاهد كوفان بنوء المـرازم

أتت كتبهم فـي طيهن كتائـب

و مـا رقمت إلا بسـم الأراقم

لخير إمام قام في الأمر فانبرت

لـه نكبات أقعـدت كل قائـم

أن أقدم الينا يابن أكرم من مشى

على قدم من عربها و الأعاجم

فكم لك أنصاراً لدينـا وشيعـة

رجالاً كراماً فوق خيل كـرائم

فودع مأمون الرسـالة وامتطى

متون المراسيل الهجان الرواسم

و جشمها نجد العـراق تحفـه

مصاليت حرب من ذوابة هاشم


يتساءل الكثيرون ممن يستمع إلى سيرة الحسين ، ويقول واعجبا كيف وثق الحسين ، بأهل الكوفة واعتمد عليهم في ثورته ولبى طلبهم وهو من أعلم الناس وأعرفهم بغدر أهل الكوفة وتقلبهم . وقد سبق له أن جربهم مع أبيه علي وأخيه الحسن ، هذا بالاضافة إلى نصح جملة من خلص أصحابه وأقاربه له بعدم الركون إلى رسائلهم ورسلهم فانهم قوم غدر وخيانة ؟
ونقول لهؤلاء إن ما فعله الحسين ، كان عين الصواب والصحيح في عرف الشرع والسياسة . أما أنه لم ينجح في عمله هذا فذلك بحث آخر سوف نتعرض له في الفصول الآتية تحت عنوان «هل كانت ثورة الحسين (ع) ناجحة أم لا ؟» أما توجه الحسين (ع) يومئذ وهو في تلك الظروف إلى العراق كان مطابقاً

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

89


للشرع والعرف السياسي الصحيح . نقول كان مطابقاًَ للشرع لأن الشارع الإسلامي يركز أحكامه على الناس حسب ظواهرهم ويعتبر الظواهر هي الحجة والقياس ومناط الأحكام . أما البواطن والخفايا والظنون والأمور الغيبية فلا اعتبار لها في التشريع الاسلامي وإنما أمرها إلى الله والله وحده هو المحاسب عليها يوم الحساب . قال سبحانه وتعالى : «ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا ...» قيل نزلت في مسلم رفع السيف في بعض الغزوات على مشرك ليقتله فقال المشرك أشهد أن لا إله إلا الله ولكن المسلم مع ذلك ضربه بالسيف وقتله . فبلغ الحادث إلى رسول الله فدعا بالمسلم وقال له لم قتلته وأنت سمعته يشهد أن لا إله إلا الله . فقال المسلم يارسول الله أنه قالها خوف السيف لا عن ايمان وعقيدة فقال الرسول (ص) : وما يدريك بذلك فهل فلقت قلبه وعرفت كذبه . وعلى أثر هذه القضية نزلت الآية الكريمة «يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمناًً» الخ( س . النساء آية 3 تفسير المنار ج 5 ) . ونصوص القرآن على حجية الظواهر في الاسلام كثيرة منها قوله تعالى «إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ...» وقوله تعالى «ولا تقفوا ماليس لك به علم ...» وقوله تعالى «واجتنبوا كثيراًَ من الظن إن بعض الظن اثم ولا تجسسوا ...» وأما السنة فأقوال وأفعال . منها قوله (ع) : أمرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله فإذا قالوها حقنوا دمائهم وأموالهم وأعراضهم . وأيضاً أحاديث أخرى مضمونها : من تشهد بشهادتنا وصلى إلى قبلتنا ... فله ما لنا وعليه ما علينا . وأكثر قواعد وأصول الفقه الاسلامي مبنية على الظاهر القائم بالفعل مثل قاعدة : المتهم بريء حتى تثبت ادانته . أو قاعدة لا يجوز القصاص قبل الجناية . وقاعدة اليد وقاعدة الطهارة . وقاعدة الحلية وقاعدة الأباحة وغيرها ... فالخلاصة أن الاسلام دين يعامل الناس على الظاهر منهم لا على ما يمكن أن

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

90


سيبدوا . فإذا تحقق هذا ، نقول أن أهل الكوفة أظهروا الولاء والطاعة للحسين (ع) بشكل من الاخلاص والالحاح والجدية لم يسبق له مثيل وكان اظهارهم لهذا الولاء منذ عصر معاوية وفي حياة الحسن (ع) وبعده وتضاعف طلبهم له عند وفاة معاوية ولما بلغهم نبأ وفاة معاوية وامتناع الحسين (ع) من البيعة ليزيد وجهوا رسلهم ورسائلهم ووفودهم إلى الحسين (ع) وهو بعد في المدينة ولما استقر الحسين في مكة انهالت عليه طلباتهم وكتبهم كالسيل المتدفق حتى تسلم الحسين منهم في يوم واحد ستمائة كتاب وبلغ مجموع كتبهم إلى الحسين (ع) خلال مدة اقامة الحسين (ع) في مكة بلغ مجموعها إلى اثني عشر ألف كتاب وكل كتاب موقع من قبل رجلين والثلاث والأربع . وكلها تكررعبارة «اقدم يابن رسول الله ليس لنا إمام غيرك فلقد اخضر الجناب وأينعت الثمار وإنما تقدم على جند لك مجندة» وكتب له بعضهم قائلاً إن لم تجب دعوتنا وتلبي طلبنا وتتوجه الينا خاصمناك بين يدي الله يوم القيامة .
فأي حجة أعظم وألزم من ذلك وأي عذر للحسين (ع) أمام الله وأمام التاريخ إذا لم يلبي دعوتهم بعد ذلك كله وهل كان يبرر له ذلك أن يقول كنت أظن أو أتوقع منهم الغدر والخلاف . وهذا الامام أمير المؤمنين (ع) يقول في دستوره الخالد إلى واليه على مصر مالك الأشتر : (إن في الناس عيوباً الوالي أحق من سترها فلا تكشفن عما غاب عنك منها فإنما عليك تطهير ما ظهر لك والله يحكم على ما غاب عنك) . ومن قبله رسول الله (ص) فكم كان يرتب آثار المسلمين وأحكامهم على المنافقين الذين يعلم علم اليقين انهم كاذبون في كل ما يظهرون ولكن الاسلام يعامل الناس على الظاهر حتى يتبين الخلاف والعكس . والحسين (ع) سار حسب ما يقتضيه الشرع ولبى دعوة أهل الكوفة لما أتموا الحجة عليه بطلباتهم المتكررة ودعواتهم الحارة المتواترة وقد أضيف إلى تلك الحجة عليه حجة أخرى إلا وهي رسائل سفيره ونائبه الخاص مسلم بن عقيل ، الذي بعثه إلى الكوفة ليستكشف حقيقة الأمر اكثر فأكثر

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

91


ويتعرف على واقع تلك الدعوات عن كثب فكان نتيجة ما قام به مسلم بن عقيل طيلة أكثر من شهرين في الكوفة ان كتب إلى الحسين (ع) مؤكداً له استعداد أهل الكوفة للتضحية بين يديه بالنفس والنفيس وبكل غالٍ وعزيزٍ ويستحثه على القدوم إلى الكوفه فوراً . وكان مما قاله في بعض كتبه إلى الحسين (ع) : أما بعد فاقدم يابن رسول الله فان الرائد لا يكذب أهله ان الناس ينتظرونك وإن الكوفة بأسرها معك ... فهل ترى أيها القارئ الكريم أي عذر للحسين بعد كل هذا إذا تخلف عن اجابتهم وترك التوجه اليهم .
وقد صرح هو (ع) بالمسؤولية التي توجهت اليه تجاه أهل الكوفة لابن عمه عبد الله بن عباس لما ألح عليه بترك المسير إلى العراق . فقال الحسين (ع) يابن عم لقد كثرت علي كتبهم وتوافرت علي رسلهم ووجبت علي واجباتهم ...
وأما من الناحية السياسية والحكمة ، فان الحسين (ع) ثائر في وجه دولة قوية وحكومة مسيطرة . وطبعاًً لا بد له من قوة كبيرة يستند اليها في هكذا ثورة . والعراق يومئذ أنسب قوة وأكبر سند لمثل تلك الثورة التي عزم الحسين على القيام بها وذلك نظراً الى مركز العراق الجغرافي وموقعه الاستراتيجي ومناخه الاقتصادي وغيرها من الملائمات التي تميزه عن باقي الأقطار الأخرى . ومن ثم اختارها أمير المؤمنين (ع) من قبل مركزاً لقيادته وعاصمة لخلافته ومنطلقاً لحركته الإصلاحية الشاقة الواسعة بعد عهد عثمان الذي أغرق المجتمع الاسلامي بالمفاسد والانحرافات . وقد خرج منها علي (ع) بمائة ألف مقاتل أو يزيدون الى حرب صفين . والخلاصة هي أن الكوفة يومئذ أفضل وأنسب منطلق لكل حركة ثورية لولا عيب واحد فيها فوّت كل مزاياها الثورية ألا وهي حالة التقلب والتلون التي امتاز بها أهل العراق عامة وأهل الكوفة خاصة . وقد نقل عن لسان كاهنة اليمن في كلمته التي حدد فيها صفات الشعوب والأقطار . فقال وأما العراق فشقاق ونفاق وثياب رقاق ودم مهراق وجاء في بعض وصايا معاوية لابنه يزيد قال وانظر أهل العراق فان طلبوا

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

92


منك أن تعزل عنهم في كل يوم والياً وتنصب لهم آخر فافعل لأن ذلك أيسر من أن يخرجوا عليك . ويعزو الخبراء هذه الحالة فيهم إلى احساسهم المرهف وذكائهم الفطري المفرط فهم دائما وأبداً كانوا مصدر تعب وازعاج للولاة والحكام والأمراء لا يستقيمون إلا تحت وطأة العنف والارهاب والظلم . فهم كما قيل عنهم (عبيد العصا) على المدى البعيد . وطلاب الحق والعدل على المدى القريب . سريعوا الاقبال وسريعوا الادبار .
وعلى كل حال نتساءل بعد كل هذا ونقول لو لم يتوجه الحسين (ع) إلى العراق رغم دعوتهم الملحة له فإلى أين كان يتوجه بعد أن صارت حياته في مكة معرضة للخطر في أي لحظة ولم يتلق دعوة من اي مكان آخر غير العراق فهل كان يبقى في مكة حتى يقبض عليه ويسلم أسيراً إلى يزيد أو يغتال ويقتل غدراً ويذهب دمه هدراً ...
نعم لك أن تقول لماذا لم يعدل عن الكوفة عندما ظهر له غدرهم به انقلابهم عليه ؟ فنقول أجل :
لقد حاول العدول عنها بل عدل عن التوجه اليها فعلاً لما التقى بطلائع جيش العدو بقيادة الحر بن يزيد الرياحي . وأيقن بأنه ليس له في الكوفة مكان ولا أعوان ولكن الحر منعه من ذلك وصمم على أن ياخذه إلى عبيد الله ابن زياد أسيراً وبعد محاولات عنيفة وتمانع من الطرفين اتفق الحسين (ع) معهم على أن يسلك طريقاً لا يرده إلى مكة والمدينة ولا يدخله إلى الكوفة ليسير على وجهه في ارض الله تعالى إلى حيث ينتهي به السير . وهكذا كان وأخذ الحسين (ع) طريقاً وسطاً وصار يتياسر عن الكوفة إلى الغرب متجهاً نحو المدائن بقصد أن يخرج من منطقة نفوذ بن زياد الذي كان أخبث وأشقى رجل في عمال يزيد وأشدهم عداءاً وبغضا لآل النبي (ص) . فسار الحسين (ع) في الاتجاه الجديد والحر وأصحابه يسايرونه على البعد حتى وصل أرض كربلاء وهي ارض على شاطئ الفرات كانت تسمى نينوى والغاظريات

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

93


ووادي الطفوف فلما وصل ركب الحسين (ع) اليها وصل أيضاً رسول من ابن زياد بكتاب منه إلى الحر الرياحي يذكر فيه اطلاعه على ما حدث بينه وبين الحسين (ع) ويأمره فيه أن يأتي اليه بالحسين (ع) سلماًَ مستسلماً وإلا فليحبسه عن الرجوع أو المسير وليجعجع به في المكان الذي يصل فيه الكتاب اليه ويخبره بأن حامل الكتاب عين عليه . فدنا الحر عند ذلك من الحسين (ع) وأطلعه على الكتاب وقال لا يسعني بعد هذا أن أدعك مستمراً في سيرك فأما أن تنزل هنا أو نقاتلك فعرض عليه بعض أصحابه القتال مع القوم فقال (ع) اني أكره أن أبدئهم بقتال ثم نزل الحسين وأصحابه في جانب ونزل الحر في ألف فارس في جانب آخر من أرض كربلاء وذلك يوم الثاني من شهر المحرم الحرام سنة 61 للهجرة ثم كتب الحر إلى ابن زياد كتاباً يخبره بنزول الحسين (ع) أرض كربلاء فكتب ابن زياد إلى الحسين (ع) كتاباً يقول فيه :
أما بعد ياحسين فقد بلغني نزولك أرض كربلاء وقد كتب إلى أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسد الوثير ولا أشبع من الخمير حتى ألحقك باللطيف الخبير أو تنزل على حكمي وحكم يزيد ...
فلما وصل كتابه إلى الحسين (ع) وقرأه رماه من يده وقال لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق . بسخط الخالق . فقال له الرسول الجواب أبا عبد الله فقال عليه السلام ليس له عندي جواب فقد حقت عليه كلمة العذاب . فعاد الرسول إلى ابن زياد فأخبره فغضب ابن زياد وجمع الناس في الجامع الأعظم وخطبهم وأعلن النفيرالعام وقال برئت الذمة ممن وجدناه بعد ثلاثة أيام لم يخرج إلى حرب الحسين بن علي (ع) ويروى أنه جيء اليه بعد الثلاث برجل فقال لم لم تخرج إلى حرب الحسين (ع) فقال أنا رجل غريب من أهل الشام جئت إلى الكوفة في حاجة وغداً خارج عنها فقال ابن زياد وأنت صادق في قولك ولكن في قتلك تأديب للآخرين ثم أمر به فقتلوه . وهكذا ساق الناس إلى حرب الحسين (ع) على الصعب والذلول حتى اجتمع لحرب الحسين (ع) في

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

94


كربلاء ثلاثون ألف مقاتل أو يزيدون كلهم من أهل الكوفة ليس فيهم شامي ولا حجازي ... وحيث أن أهل العراق لا يوثق بهم لذا أخذ يزيد الاحتياط لنفسه حذراً من انقلاب أهل الكوفة على ابن زياد فجهز جيشاً من ستين ألف رجل وبعثه إلى العراق ونزل بالقرب من كربلاء وأرسل قائده إلى عمر بن سعد يعرض عليه استعداده للاشتراك معهم في حرب الحسين (ع) متى أراد وفي ذلك يقول بعض الأدباء :

ملأ القفار على بن فاطمة

جندو ملأ صدورهم ذحـل

جاءت وقائدها العما وإلى

حرب الحسين يسوقها الجهل

بجحافل بالطـف أولهـا

وأخيـرها بالشـام متصـل

 

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

95

 

هل الذين قتلوا الحسين (ع) كانوا شيعة ؟

 

جاءوا بسبعين ألفاً سل بقيتهم

هل قابلونا وقد جئنا بسبعينا


لقد تعددت الروايات واختلفت الأخبار في عدد أفراد الجيش الذي خرج إلى حرب الحسين (ع) بكربلاء ، والأشهر الأصح منها يتفاوت ويتراوح بين الثلاثين الف والسبعين ألف مقاتل وقد أجمع المؤرخون على أنهم جميعاً كانوا من أهل الكوفة خاصة ليس فيهم شامي و حجازي ولا بصري والمعروف عن أهل الكوفة أنهم شيعة أو يغلب عليهم التشيع لأهل البيت (ع) ومن هنا استنتج بعض الذين كتبوا في الحسين (ع) أن الشيعة هم الذين قتلوا الحسين (ع) بكربلاء ويفسرون أيضاً زيارة الشيعة لمرقد الحسين (ع) بكربلاء وبكاء الشيعة على الحسين (ع) أيام عاشوراء وغيرها من مظاهر الحداد التي يقيمونها اليوم على الحسين (ع) يفسر هؤلاء الكتاب ذلك منهم بأنه ندم وتكفير لما فعله سلفهم وآبائهم من قبل وتعبير منهم عن مدى احساسهم بقبح الجريمة التي ارتكبها الأجداد ... أقول هكذا قال بعض المعاصرين من الذين كتبوا عن الحسين (ع) فهل هذا صحيح ؟ ..
الجواب : كلا . لم يكن في ذلك الجيش الذي اجتمع على حرب الحسين (ع) بكربلاء يوم العاشر من المحرم ولا شيعي واحد . بل كان ذلك الجيش خليطاً مؤلفاً من الخوارج ومن الحزب الأموي ومن المنافقين الذين عانى منهم الإمام علي والإمام الحسن من المحن والأذى وأيضاً كان فيهم كثير من المرتزقة الذين كانوا

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

96


يشكلون جيشاً نظامياً أقامه الولاة للإستعانة بهم على قمع الفتن والحركات الداخلية وكان أكثرهم من الحمر . أي غير العرب لم يعرف لهم نسب ولا حسب ولا مبدأ وبكلمة واحدة ماكان فيهم شيعي قط .
ودليلنا على ذلك هو : أولاً إن الكوفة كانت علوية النزعة ويغلب عليها التشيع في عهد الامام علي (ع) ولكنها لم تبق على ذلك بعده لأن معاوية وولاته عندما استولوا على الكوفة بعد مقتل الامام علي (ع) قتلوا الشيعة فيها وشردوهم حتى لم يبق فيها في عصر زياد ونجله ، شيعي بارز معروف إلا وهو مقتول أو مسجون أو مشرد .
وإن أردت تفصيل ما فعله معاوية بالشيعة في الكوفة وغيرها في عهد خلافته فاقرأ كتب التاريخ والسيرة لتعرف كيف قامت المجازر البشرية ونصبت المشانق وفتحت السجون لابادة الشيعة والتشيع في ذلك العصر المشئوم حتى بلغ الحال أن الرجل كان يتهم بالكفر والالحاد والزندقة فلا خوف عليه ولكن إذا اتهم بالتشيع لعلي (ع) سفك دمه ونهب ماله وهدمت داره .
كتب معاوية بن أبي سفيان بنسخة واحدة إلى جميع عماله وولاته في الأقطار أن انظروا إلى من يتهم بحب علي (ع) فامسحوا اسمه من الديوان (أي من كافة الحقوق المدنية والمالية) ومن قامت عليه البينة أنه من شيعة علي فاقتلوه وانهبوا ماله واهدموا داره .
ولقد حار الخبراء والمتتبعون للتأريخ كيف بقي في العالم شيعة مع تلك الحملات الابادية والاضطهادات والمطاردات التي قامت ضدهم طيلة مئة عام أو أكثر فترة الحكم الأموي وبعده في حين أن بعض الطوائف التي ظهرت في تلك الفترة قد أبيدت وزالت كلياً لما وجه اليها بعض ما وجه إلى الشيعة من الضغط والتنكيل ... أجل أن المقتضى الطبيعي لما لاقاه الشيعة من أعدائهم ابان الحكم الأموي هو أن لا يبقى لهم عين في العالم ولا أثر . ولكن بما أن التشيع هو

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

97


دين الله الكامل ونوره المبين والحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وشريعة قرآنه المنزل على خاتم أنبيائه محمد (ص) وقد تعهد الله سبحانه وتعالى أن يحفظ دينه ويتم نوره ويحفظ قرآنه ويظهر الحق على الباطل ولو كره الكافرون «أما الزبد فيذهب جفاءاً واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض» وها هو التشيع اليوم يعم أقطار الأرض ولا يكاد يخلو منه مكان في العالم . والذين ينتمون اليه اليوم يبلغون مئة مليون أو أكثر من المسلمين ؛ وهذا علي بن أبي طالب الذي كان يشتم ويسب على المنابر الاسلامية طيلة الحكم الأموي ها هو اسمه اليوم على المآذن مقروناً باسم الله وباسم رسوله . يريدون ليطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره ولو كره المشركون .
والخلاصة : لم يبق في عصر الحسين (ع) في الكوفة من الشيعة سوى أقلية قليلة هم بقية حملات الاباده والسيف والتنكيل الأموي وكانوا لا يتجاوزون الأربعة أو الخمسة آلاف رجلاً وهم الذين كان ابن زياد لعنه الله قد ملأ بهم سجون الكوفة ومعتقلاتها قبل قدوم الحسين (ع) إلى العراق وهؤلاء هم كل الشيعة في الكوفة يومئذ وهم الذين كسروا السجون بعد أن ترك ابن زياد العراق والتحق بالشام كسروا السجون وخرجوا ثائرين بدم الحسين (ع) بعد قتله بما يقرب من أربع سنوات وقبل ثورة المختار وتوجهوا نحو الشام والتقوا بجيوش الأمويين على نهر الزاب في شمال العراق وقاتلوا حتى قتلوا . وعرفوا في التاريخ بالتوابين . وهي تسمية غير حقيقية حيث لم تصدر منهم خطيئة بالنسبة إلى الحسين (ع) حتى يكون قتلهم في الثأر له توبة عنها بل هم الآسفون على الأصح حيث أسفوا أن يقتل الحسين (ع) ولم يستطيعوا الدفاع عنه وقالوا : (لا خير في العيش بعده) فاذاً اتهام الشيعة بانهم قتلوا الحسين . لأن أهل الكوفة كانوا في وقت من الأوقات شيعة بمجموعهم أو بأكثريتهم . اتهام باطل لا أساس له وقد عرفت وجه البطلان فيه .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

98


وأما ما نراه اليوم من الأكثرية الشيعية في العراق فانه حدث بعد ذلك وبعد زوال السلطان الأموي الجائر عن العراق والعالم الاسلامي وعلى أثر الحريات التي نالها الشيعة في اكثر فترات الدولة العباسية وببركة العتبات المقدسة ومراقد أهل البيت عليهم السلام المنتشرة في أنحاء كثيرة من العراق . ولا تنسى أن الجامعة العلمية التي أسسها شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي أعلا الله مقامه في النجف الشرف قبل اكثر من ألف عام كان لها الأثر الكبير في نشر التشيع في العراق وفي أنحاء أخرى من البلاد الاسلامية وذلك بما خرجته هذه الجامعة من فحول العلماء ورجال العلم وأعلام الدعوة وكبار الفلاسفة والمجتهدين ومراجع الدين حتى صارت النجف الأشرف مهوى أفئدة طلاب العلم والمعرفة وموطن العلماء العظام وعاصمة العالم الشيعي ولا تزال كذلك إلى اليوم وستبقى كذلك إلى الأبد إن شاء الله رغم كل المحاولات التي تبذل للقضاء على قدسية هذه المدينة العلمية المقدسة .
هذا كله بيان لبطلان هذا الاتهام من الناحية التاريخية وعلى صعيد الواقع القائم آنذاك . وأما إذا نظرنا إلى هذا التهمة من الناحية الفكرية وناقشناها على الصعيد العقائدي فإنا نجد التناقض الصريح في مؤداها . لأن التشيع وقتل الحسين (ع) ضدان لا يجتمعان فقولهم أن الشيعة قتلوا الحسين (ع) نظير القول مثلاً بان المسلمين قتلوا النبي محمد (ص) أو قولنا مثلاً بأن الشيوعيين قتلوا ماركس أو لينين . فهل هذا يمكن عادة ؟ طبعاً كلا . لأن معنى مسلم يعني من يقدس محمداً (ص) ويحترمه ويضحي بكل غالٍ وعزيز دفاعاًً عنه وان الشيوعي يعني ذلك الشخص الذي يقدس ماركس ولينين ويحترمهما الى أبعد الحدود وينقاد لأوامرهما وتعاليمهما فكيف يمكن أن يقدم على قتلهما مع الاحتفاظ بشيوعيته وهل يعقل أن يقدم انسان على قتل رسول الله (ص) وهو في نفس الوقت مسلم ويصدق عليه صفة الاسلام . هذا مستحيل وغير معقول . نعم شخص كان مسلماً ثم ارتد وكفر وقتل محمداًَ (ص) مثلاً هذا يجوز ويعقل .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

99


وهكذا الحال بالنسبة إلى الشيعي لأن التشيع عبارة عن تقديس الحسين (ع) بشكل ليس فوقه تقديس إلا قدسية الله ورسوله والانسان الشيعي هو الذي يؤمن بإمامة الحسين ويعتقد بخلافته عن رسول الله نصاً وعقلاً ويرى الحسين (ع) حجة الله على خلقه ووليه في عباده وانه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وان مخالفته وعصيان أوامره كفر ومروق عن الدين فضلاً عن قتله وسفك دمه . فكيف يجتمع هذا المعنى في نفس انسان مع إقدامه على قتل الحسين (ع) متعمداً وأي تضاد وتهافت وتناقض أقبح من هذا . ولكن ويا للأسف إن الحقد على الشيعة والتعصب ضدهم أعمى البصائر وذهب بالعقول من هؤلاء حتى صاروا لا يتعقلون ما يقولون وأني لأتحدى أي أحد يثبت وجود شخص واحد شيعي بهذا المعنى في صفوف جيش عمر بن سعد الذي حارب الحسين بكربلاء . نعم كان فيهم أناس كانوا سابقاً من الشيعة . أي أنهم حضروا مع الإمام (ع) في معركة الجمل وفي معركة صفين مثل الشمر بن ذي الجوشن الضبابي وشبث بن ربعى وقيس بن الأشعث ومحمد بن الأشعث وغيرهم لعنهم الله ولكنهم ارتدوا بعد ذلك وصاروا خوارج وكفّروا علياً في فتنة رفع المصاحف التي أثارها ابن العاص حسب ما هو معروف وهؤلاء الخوارج هم الذين قاتلهم الإمام علي (ع) في معركة النهروان فقتل من قتل منهم وانهزم من انهزم وألف الخوارج طائفة من طوائف المسلمين بعد ذلك وتآمروا على قتل الإمام وقتلوه في الصلاة وهجموا على ابنه الحسن (ع) يوم ساباط وطعنوه ، وإلى غير ذلك من مظاهر عدائهم لعلي (ع) وأبنائه الطاهرين .
والحاصل : إن التشيع عقيدة وعمل وإن إطاعة الحسين (ع) واحترامه والدفاع عنه من صميم تلك العقيدة وقوام ذلك العمل كالذي فعله أولئك النفر من الشيعة أصحاب الحسين (ع) يوم كربلاء الذين بذلوا أنفسهم وضحوا بأبنائهم وعوائلهم وكل ما يملكون دفاعاً عن الحسين وآله (ع) .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

100


فسلام عليهم بما صبروا ونعم عقبى الدار . ورحم الله السيد رضا الهندي حيث قال فيهم :

و قفوا يـدرءون سمـر العوالـي

عنه و النبـل وقفـة الأشبـاح

فوقوه بيض الضبا بالنحور البيض

و النبـل بـالوجـوه الصبـاح

فئـة ان تعـاور الـنقـع لـيـلاً

أطلعوا في سمـاه شهب الرماح

وإذا غنـت السيـوف وطـافـت

أكؤس الموت و إنتشى كل صاح

باعدوا بيـن قربهـم و المواظـي

و جـسـوم الأعـداء والأرواح

أدركـوا بالحسيـن أكبـر عيـد

فغدوا فـي منى الطفوف اضاح


وبعد هذا كله نعود فنقول : وأما بكاء الشيعة على الحسين وزيارتهم لقبره الشريف وغيرهما فليس هو بدافع الندم ولا لغرض تكفير جرمة الآباء كما زعم الخصم . بل هو بدوافع ولأغراض سنأتي على ذكرها قريباً إن شاء الله تعالى .

 
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

عصر ظهور المذاهب الاسلامية
واقع ﺍﻏﺘﻴﺎﻝ ﻋﺎﺋﺸﺔ
أمير المؤمنين شهيد المحراب
كربلاء ؛ حديث الحق والباطل
الشيعة وإحياؤهم ليوم عاشوراء
في تقدم الشيعة في علم الصرف ، وفيه صحائف -2
تأملات وعبر من حياة أيوب (ع)
تاريخ الثورة -6
من مناظرات الامام الصادق(عليه السلام)
من خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله ...

 
user comment