عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

اختلاف المباني المهدوية مع نظرية المهدوية

اختلاف المباني المهدوية مع نظرية المهدوية:

ورد مصطلح (doctrine) في المعاجم اللغوية وتعني النظرية، الاعتقاد والتصديق، المبدأ، المذهب وغيرها من المعاني في العلوم المختلفة[1].

والمهم في هذا البحث في معرفة مصطلح (doctrin) بمعنى النظرية، هو ليس ضم المهدوية إلى سائر الاعتقادات، بل يتم من خلال النظرة المهدوية استخراج أساليب وحلول عملية وأصول ومباني عامة يمكن تطبيقها في مجالات التنظير، وقد اصطلح عليها <بالنظرية المهدوية>.

فهي تعني أن تعلّم التجربة المهدوية هو بمثابة مسير عملي في التنظير، وتطبيق الأصول والمباني المهدوية في هذا التنظير. وينبغي أن يعتمد التنظير على محاور وركائز محددة واطار عام، وأن تكون النظرية المهدوية مُلهِمة ومُمِدَّة للنظريات الأخرى، واستخدامها في إثبات بقاء وتوجيه النظريات من خلال تطبيقات العلوم الإنسانية التي يقوم بها المفكرون الملتزمون[2].

إن كافة المفاهيم الدينية لا تقدر أن تبدّل إلى نظرية، لأن كل هذه المفاهيم والتعاليم الدينية ليس لها مقام وأهمية كمبدأ المهدوية، أو اعتبارها أساساً وركيزة مهمة من ركائز الدين ودعائمه. فمثلاً هناك أبحاث كلامية في الثقافة الإسلامية تبدّلت إلى نظريات بسبب اختلاف الفرق المذهبية ونظرتها بشأنها، أما المهدوية لدى كافة الفرق المذهبية في الإسلام فإن لها أهمية ومقام النظرية، وهي عامّة، كما هو شأن نبوة النبي محمد. وربما تكون هناك أبحاث في مذهب ما أو فرقة خاصة.

وهو اعتقاد عام وأساسي لمبحث الامامة في الفكر الشيعي، فإن لها أهمية ومقام (النظرية) أيضاً، أما لدى سائر الفرق المذهبية فليس له أهمية وقيمة (النظرية). وعلى هذا، يمكن القول: بأن بعض الابحاث الاعتقادية لدى بعض الفرق والمذاهب الإسلامية ليس له قدرة (النظرية) وقوتها، لأنها ليست من جملة الأبحاث الخلافية التي لها أهمية عامة كالجزيرة الخضراء، ووجود زوجة وذرية للإمام المهدي# والعلائم غير الحتمية في عصر الظهور وأمثالها من الابحاث المهدوية التي لا ترتقي إلى أهمية (النظرية) ومنزلتها، لأن الجميع لا يعتقد بها، ولا يتفق كافة العلماء الإسلاميين بشأنها.

إن مجموع التعاليم، الخطابات والتصريحات، التوقيعات الصادرة عنه×، والمباني الكلامية النابعة عن الاعتقاد بامامة المهدي# في عصر الغيبة كلّها تشكل الثقافة المهدوية ويقال لها: <الاعتقاد المهدوي>، ولكن لو صار هذا الاعتقاد مسلكاً ونهجاً للمنظّرين، فعليهم أن يقبلوا بأن هذا أصل بديهي لا اعتراض عليه، عام وأصيل، وإن اتخذ لنفسه طابعاً عملياً، وهذا ما يصطلح عليه <بالنظرية>[3].

إن الفاعلية والحيوية والقوة العملية التي تمتلكها النظرية المهدوية في التنظير في مختلف المجالات البشرية يمكن اعتبارها عناصر وركائز هامة ومؤثّرة مكّنت الباحثين والمفكرين الإسلاميين في استخراج وتأسيس مجموعة أصول دينية ومهدوية في مجالات تخصصية تعني بالمجالات الفردية والاجتماعية من خلال التدبّر والغوص في أعماق الثقافة المهدوية، وعرض التعاليم والاساليب النظرية التي تجعل للنظرية المهدوية أيضاً تواجداً وحضوراً مهماً وفاعلاً فيها. وما يعرضه المفكرون والباحثون في مجال التنظير لمختلف المجالات من خلال اعتمادهم التعاليم والمفاهيم الدينية والمنهجية المهدوية هو تطوير وتنمية لها، لتكون أكثر نشاطاً وحيوية، ونمواً وازدهاراً، وستساهم النظرية المهدوية وحداثتها بقوة فاعلية في تحقيق النظريات وتطوير الفكر في مجال العلوم الإنسانية وخاصة فلسفة التاريخ، السياسة، التربية والتعليم، العرفان، علم الاجتماع، علم النفس، علم الانسان، وبيان مستقبل البشرية والعالم، ونظائرها. ولا يتحقق هذا الأمر إلا من خلال المثابرة وتحمّل الصعوبات والمشاق.

وينبغي القول هنا: بأن للدين لغة عرفية وعامة، فلم يكن الأنبياء كالفلاسفة الميتافيزيقيين في أسلوب حديثهم مع الناس، ليكون خطابهم غير مستساغ، وصعب مستصعب، أو يضعوا الحواجز والفواصل بين الحقيقة والعمل، بل كانوا^ يتحدثون مع الناس بمستوى فهمهم وعقولهم، فلو حقق المفكرون والباحثون في النصوص الدينية وغاصوا في أعماقها كما يغوص البحّار في لجج البحار ليصل إلى لئالئ ثمينة، لوصلوا هم أيضاً إلى مباني ثابتة وراسخة من خلال اختصاصهم واستعدادهم في هذا المجال، ولكن هذه المباني هي كالأحجار والصخور العظيمة في الجبال الشاهقة، وكاللئالئ الثمينة في أعماق البحار هي بحاجة إلى مثابرة وجد واجتهاد لاستخراجها. وفي الحقيقة، تكون رغبتنا وحاجتنا إلى نظريات وأيدلوجيات وبرامج معينة في الحياة هي التي تفرض علينا البحث عن ركائز وأسس ومبادئ دينية، واستنباط واكتشاف أصول وقواعد مذهبية، ثم استخدامها للتنظير في مختلف المجالات.

وهناك فرق بين الدين والنظرية الدينية، فمع صياغة الفرضيات في النظرية الدينية تظهر فرضيات ذهنية مسبقة وآفاق وتوجهات فكرية، أما المبادئ والأسس العامة للدين فيستفاد منها بنفس شكلها الأول.

وهناك جهود ومساعي في استخدام مصطلح (النظرية) لمفهوم ومبادئ استعمالات المهدوية، حيث يمكن التنظير في مجالات عديدة ومختلفة. وهي تبيّن في الواقع وجود الحقيقة في باطن الدين، ورتبة الاستفادة منه في النظريات والسياسات العالمية.

وهناك اختلاف وتفاوت ضئيل على الأقل بينهما وهو: استخراج الجوهرة من قلب الحدث، فكما أننا نحاول فهم المصادر الدينية، ونعمل من خلال هذا الفهم معرفة مفردات وأقوال الأئمة^، فكذلك في التنظير. ويتطلب هذا عملاً منفصلاً وسعيا حثيثا، وجهوداً متواصلة، وكلا هاذين العملين هو نوع من التديّن، وقد أوصى بهما أئمة الدين^. قال أميرالمؤمنين×: هذا القرآن إنما هو خطّ مستور بين الدفتين، لا ينطق بلسان، ولا بدّ له من ترجمان[4].

ففي الفهم التحليلي والاسلوب الواضح المبسّط الذي يتضمّن محتوى ومعنى عميقا وشاملا هو: أن فهم واستخراج الأصول والمباني الدينية لغرض الاستخدام لعمليات التنظير في مختلف مجالات الحياة هو من مصاديق هذا الترجمان والنطق باللسان كما ورد ذلك في كلام أمير المؤمنين×.

وعلى هذا، يبدو أنه عند ذلك يمكن التعبير (بالنظرية) من خلال الاعتقاد بالمهدوية في المصادر الدينية، والاعتقاد بأنها نظرية هادفة، وليس مبدأ ونهج، لأنه كما ذكرنا: أن هناك عنصراً ومبدءاً مضافاً إلى مفهوم (النظرية) يرفع التعاليم الدينية عن مستوى الاعتقاد المذهبي المحض وهناك خلاف ونزاع مرفوض وعملي لذلك المبدأ والنهج المتميز والموقع الأساسي والبديهي يمكن جعله في عملية التنظير. فهذا الاعتقاد بالمهدوية يسمى (نظرية) لأنه أسلوب عملي في المجالات البشرية، ويعبّر عن النهج المهدوي في هذه الحالة فقط (بالنظرية). والغرض من اختيار مصطلح <النظرية> للمهدوية، ليس معناه اختيار المصطلح الوحيد المرادف لمصطلح المنهج والمبدأ، بل المراد به المبدأ والمنهج الذي له سياسات عامة ونظرة عملية في المجالات الفردية والاجتماعية. وكذا المراد بالمهدوية هو الثقافة المهدوية، ويعم هذا المصطلح كافة العناصر المهدوية ومن جملتها: خطاب وكلام المعصوم×، والتوقيعات الصادرة عنه×، وتاريخ حضور الامام المهدي# منذ بداية القرن الثالث الهجري إلى وقتنا الحاضر، والفرضيات المسبقة الكلامية حول المهدوية، وكافة المفاهيم والمناهج المستوردة عن طريق الإمامة والولاية المهدوية إلى الثقافة الشيعية والإسلامية، لأن بعض الفرضيات المسبقة الكلامية كحضور الإمام المهدي# وولايته، توجب على علماء الدين وضع أبحاثهم ونظرياتهم الفقهية والكلامية في مسير الأبحاث المهدوية واتجاهاتها.

وقد التفت الفقهاء في بحوثهم حول النظريات السياسية إلى أن الولاية في عصر غيبة الإمام المعصوم× هي مختصة بالإمام أو من تعيّن من قبله×، ولا يختص هذا المنصب لأي فرد كان في عصر الغيبة.

وعلى هذا، فالتنظير بخصوص المهدوية، ليس الهدف وحده هو الاصغاء والاستماع إلى حديثه× فحسب، بل أوسع من ذلك، والمقصود به هو التنظير حول مقام ومنصب الامامة والمهدوية. ولا يتحدد هذا وحده كما ذكرنا بحدود حديثه×، بل يعم كافة العناصر الموجودة حول الشخصية المهدوية.



1-Richard Comstock, the encyclopedia of religion, aditad by mircea eliade, Macmillan publishing company, new york, 1987, vol4,pp. 384-385.

[2] ـ اعتقد بعض العلماء والمفكرين أن العلوم التجريبية تختلف عن العلوم الإنسانية، فهي تضم مبادئ وأصول وأساليب محدّدة، وهي مبنية على الاختبار ووقوع الخطأ فيها. والتنظير فيها يختلف عن التنظير في العلوم الانسانية. ومن خلال هذا الاعتقاد والتصور سيكون بحث التنظير في مجال العلوم الإنسانية خارجاص عن بحثنا في هذه المقالة.

لأننا نقصد بالتنظير هنا هو في مجال العلوم الإنسانية، وهناك بعض المنظّرين لا يرون فرقاً بين نظريات العلوم التجريبية مع نظريات العلوم الإنسانية، وأن التنظير في أي مكان يتضمن ديناميكية ونظام متساوي.

[3] ـ الدكتور السيد رضي الموسوي الجيلاني، النظرية المهدوية، مؤسسة الإمام المهدي الموعود الثقافية، طهران، سنة 1348، ص58ـ59.

[4] ـ علي بن أبي طالب، نهج البلاغة، الخطبة 125.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

حب علي (ع) و بغضه
أربعينية الإمام الحسين عليه السلام
مقتل الحسين عند رهبان اليهود والنصارى وفي كتبهم ...
الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
زيارة أم البنين عليها السلام
ما حدث في مولد الرسول الأعظم (ص)
في خصائص صفاته واخلاقه وعباداته يوم عاشوراء
الإمام الصادق (عليه السلام) يشهر سيف العلم!
قرّاء القرآن و كيفية قراءته
منكروا المهدي من أهل السنة وعلة إنكارهم

 
user comment