عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

لماذا هاجر الحسين (ع) من المدينة ؟

لماذا هاجر الحسين (ع) من المدينة ؟


قوله عز من قائل :
«
إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمين أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً ... إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوّاً غفوراً ..»
الهجرة لغة عبارة عن ترك بلد الاقامة إلى غيره والانتقال من الوطن لآخر . وهي تارة تكون واجبة واخرى تكون مباحة وربما تكون محرمة حسب اختلاف الغاية من الهجرة والنتائج المترتبة عليها من باب أن المقدمة تتبع لديها في الحكم الشرعي فإذا كانت الهجرة لغرض طلب علم ضروري أو أداء واجب أو التخلص من ارتكاب محرم فالهجرة حينئذ واجبة وتركها يوجب اللوم والعقاب كما في الآية الكريمة السابقة . حيث نزلت في لوم جماعة من المسلمين الذين تخلفوا عن رسول الله (ص) في مكة ولم يهاجروا إلى المدينة فكانوا مضطهدين في مكة من قبل قريش في أنفسهم ودينهم بعيدين عن معرفة الأحكام والآيات التي كانت تنزل على رسول الله (ص) جاهلين بشرايع الإسلام وتفاصيله فكانوا بذلك مقصرين ومعاقبين حسب صريح الآية الكريمة السابقة وهذا الحكم ساري المفعول بالنسبة إلى كل مسلم يعيش في بلد يضطهد فيه ولا يسعه القيام بواجباته ومسئولياته ولا يحصل فيه على حقوقه المشروعة فإن الواجب عليه أن يهاجر إلى حيث العلم والأمان والحرية الدينية وإلا فهو من الأعراب


المذمومين في الكتاب والسنة . لأن الأعرابي في المصطلح الشرعي هو كل من يعيش في بلد جاهلاً لايمكنه فيه التعلم والعمل الصالح وقيامه بمسئولياته الشخصية والاجتماعية ... قال تعالى «وقالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم ... الأعراب أشد كفراً ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله» . وفي الحديث الشريف ستة أصناف من الناس يدخلون النار بست خصال . الأمراء بالجور والعلماء بالحسد والتجار بالخيانة والدهاقين بالكبر وأهل الرساتيق بالعصبية والاعراب بالجهل ...
والجهل لا يرفع المسئولية عن الانسان إلا إذا كان قاصراً عن المعرفة أي عاجزاً عنها حقيقة وواقعاً كالذين استثنوا في الآية الكريمة بقوله تعالى «إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا . فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوّاً غفوراً ...»


الواجب والحرام من أقسام الهجرة :

 


وإذا كانت الهجرة لعكس الغرض السابق أي لأجل القيام بعمل محرم من ظلم أو غصب أو ما شاكل ذلك أو ان يعلم بأن هجرته إلى ذلك البلد تفوت عليه واجباً ويضيق عليه هناك في عقيدته ودينه فالهجرة حينئذ تكون محرمة بل مجرد السفر الموقت لأمثال هذه الغايات الفاسدة يكون حراما مثل السفر للصيد لهوا أو في ركاب ظالم وما أشبه ذلك وهو معبر عنه في عرف الفقهاء بسفر المعصية وإذا كانت الهجرة لأمر راجح مثل التجارة المباحة والتوسع في طلب العلم وزيارة المشاهد المقدسة والحج المندوب . فالهجرة مستحبة والسفر في هذه الغايات أيضا مستحب . وإذا كانت لأمر مرجوح شرعاً تكون الهجرة مكروهة كالانتقال من المدينة إلى القرية ومن البلد إلى البادية حيث لا تتوفر فيها وسائل السعادة والراحة وفي النهي عن هكذا هجرة يوصي أمير المؤمنين (ع) ولده الحسن (ع) في وصيته الكبيرة قائلا يابني (واسكن الأمصار العظام)


أي المدن الواسعة الكبيرة لأنها أجمع للوازم الحياة السعيدة ووسائل الراحة . وقد أكد الإمام الصادق (ع) ذلك في الخبر الوارد عنه حيث يقول فيه لا يستغني أهل كل بلد عن ثلاث : فقيه ورع ، وطبيب حاذق ، وحاكم عادل وإن عدموا ذلك فهم همج رعاع . أي لا يشعرون بالكرامة الانسانية ولا يتمتعون بلذة الحياة . فالفقيه للتوجيه والتعليم والحاكم للتنفيذ وإقامة النظام والطبيب للوقاية والعلاج من الأمراض وهذه النواحي الثلاثة هي دعائم الحياة السعيدة والسعادة الاجتماعية : والعلم والصحة والأمان ...


هجرة الأنبياء ورجال الاصلاح :

 


فالخلاصة أن الهجرة من المواضيع التي تخضع لكافة الأحكام الإسلامية الخمس الوجوب والحرمة والندب والكراهة والإباحة حسب ما ينتج منها من نتائج . وبعد هذا العرض الموجز للهجرة ككل نأتي إلى هجرة الأنبياء (ص) لأننا نجد الهجرة تكاد أن تكون ظاهرة ملازمة لحياتهم الرسالية فقل أن نجد نبيا لم يهاجر من بلد إلى بلد ولم ينتقل من محيط إلى آخر فهذا خليل الرحمن ابراهيم (ع) بعث في العراق ثم هاجر إلى مصر ثم انتقل إلى الشام وفلسطين واستقر بها إلى أن مات ثم من بعده يعقوب وأولاده ثم موسى الكليم هاجر من مصر إلى مدين ثم عاد اليها ثم هاجر نحو الشام . وهذا عيسى (ع) بن مريم كان لا يستقر في بلد حتى لقب بالمسيح وأخيراً خاتم الأنبياء محمد (ص) هاجر من مكة أولا إلى الطائف ثم هاجر إلى المدينة واستقر بها إلى أن قبض . ثم هاجر وصيه وخليفته علي عليه السلام من المدينة إلى الكوفة .
فالهجرة إذاً ظاهرة مألوفة في حياة الأنبياء والمرسلين والمصلحين فلماذا هاجر هؤلاء ومن أي قسم من أقسام الهجرة كانت هجرتهم ؟ . طبعاً وبدون شك أن هجرة الأنبياء كانت واجبة ومفروضة عليهم من الله سبحانه تمشيا منهم مع متطلبات رسالته . حيث كانوا لايجدون القدرة الكافية في أوطانهم على تبليغ


رسالاتهم نظراً للعراقيل والعقبات التي وضعها المعارضون في طريقهم ولما كان يتهددهم من خطر القتل على أيدي أعدائهم قبل أداء وتبليغ دعوتهم لذا كان لازما عليهم أن يتركوا الأوطان إلى بلاد أخرى يستطيعون فيها القيام بمسئولياتهم .


سيرة الحسين امتداد لسيرة الأنبياء :

 


والحسين (ع) وإن لم يكن نبيا إلا أنه قام بمهام الأنبياء وصبر كما صبر أولو العزم من الرسل مسئوليته امتداد لمسئولية جده وأبيه حيث أنيطت به مسئولية اداء رسالة الإسلام وصيانتها من كل زيف وتحريف كما صرح هو (ع) على تحمله لهذه المسئولية بقوله في عهده لأخيه محمد بن الحنفية ... وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد (ص) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي ... فهو إذاً شعر بأنه مسئول عن أن يسير بسيرة جده المصطفى وأبية علي المرتضى .
فهاجر عليه السلام من المدينة فرارا من كيد آل أبي سفيان ومؤامراتهم ضده تماما كما هاجر جده محمد (ص) قبله بستين عاما من مكة فرارا من كيد أبي سفيان وحزبه . السبب في الهجرتين واحد والغاية واحدة . فالنبي (ص) هاجر خوفا من القتل المحتم الذي كان ملاقيه لو لم يهاجر وذلك على يد أربعين رجلا من قريش بتدبير من أبي سفيان وحزبه الذين عزموا على قتل محمد (ص) تلك الليلة المعبر عنها بليلة الهجرة بقصد قتل الرسالة الإسلامية في مهدها ومنع انتشارها .


التشابه بين هجرة الحسين (ع) وهجرة جده محمد (ص) :

 


كذلك الحسين (ع) هاجر من المدينة ليلا خوفا من أن يقتل على يد أعوان وعمال يزيد الذي أرسل أوامره المشددة إلى واليه على المدينة بأمره بقتل الحسين (ع) فوراً وبدون تردد وإرسال رأسه اليه إن هو لم يبايع . وذلك ايضا لخنق صوت المعارضة في مهدها ومنعها من الانتشار .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

 

76


وكما أن هجرة محمد (ص) أنتجت توسعا كبيرا في الرسالة المحمدية في انحاء الجزيرة العربية وبلغ صداها إلى أنحاء أخرى من العالم وبعدها ببضع سنوات فقط انهارت زعامة أبي سفيان تماما بفتح مكة ...
كذلك كانت هجرة الحسين (ع) فإنها كسرت الحصار الذي ضربه آل أبي سفيان حول المعارضة الحسينية فعلا صوتها وبلغ صداها إلى أنحاء العالم الإسلامي وما مضت عليها إلا بضع سنوات حتى انهار سلطان آل أبي سفيان وتقوضت أركان الدولة السفيانة انهيارا كليا بموت معاوية الثاني بعد ثلاثة أشهر من موت يزيد ثم قامت على أنقاضها دولة مروانية بقيادة مروان بن الحكم . وكل ذلك بعد هجرة الحسين (ع) بأقل من خمس سنوات .
حقاً ما أقرب الشبه وأشد التطابق والتقارب بين الهجرتين في العوامل والثمرات ... بل وحتى في الحالات النفسية ، فليلة الهجرة كانت أشد ليلة على النبي (ص) مرت في حياته من حيث الهموم والأفكار والقلق النفسي حتى أنزل الله تعالى عليه سكينته وهو في الغار حسب صريح الآية الكريمة (س توبة 40) : «... إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ...» وكذلك الحسين (ع) حيث يصف الواصفون أن ليلة هجرته من المدينة كانت اشد الليالي عليه في حياته لما كان يعانيه تلك الليلة من الحيرة والقلق والتفكير في المستقبل والمصير . لذا كان عليه السلام يتردد على حرم جده رسول الله (ص) يناجي ربه ويشكو إلى جده ما يعانيه ويقول في مناجاته مع الله سبحانه بعد أن صلى ركعات في الحرم ثم رفع طرفه نحو السماء وقال ... اللهم إن هذا قبر نبيك محمد (ص) وأنا ابن بنت نبيك وقد حضرني من الأمر ما قد علمت اللهم إني أحب المعروف وأنكر المنكر وأسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق القبر ومن فيه الا اخترت لي ما هو لك رضى ولرسوله رضى ... ثم بكى عليه السلام ... ووضع رأسه على قبر جده وقال يا رسول الله أنا الحسين بن

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

 

77


فاطمة فرخك وابن فرختك وسبطك الذي خلفتني في أمتك فاشهد عليهم يا نبي الله انهم قد خذلوني وضيعوني ولم يحفظوني وهذه شكواي اليك حتى ألقاك ... قالوا وغفت عينا الحسين ورأسه على قبر النبي (ص) فرأى جده رسول الله في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله وبين يده فضم الحسين إلى صدره وقبله ما بين عينيه وقال له حبيبي ياحسين كأني أراك عن قريب مرملا بدمائك مذبوحا بأرض كرب وبلاء بين عصابة من أمتي وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى وظمآن لا تروى وهم بعد ذلك يرجون شفاعتي لا انالهم الله شفاعتي يوم القيامة .
حبيبي ياحسين إن أباك وأمك وأخاك قدموا علي وهم مشتاقون اليك . فبكى الحسين (ع) في منامه وقال ياجداه خذني معك وأدخلني في قبرك فلا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا ...

ضمني عندك ياجداه فـي هذا الضريـح

 

علني ياجدي من بلوى زماني أستريح

ضاق بي ياجد من رحب الفضا كل فسيح

 

فعسى طود الأسى ينـدك بين الدكتين


فقال له الرسول (ص) يابني لا بد لك من الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة لتنال ما قد كتبه الله لك من الأجر والثواب العظيم . فانتبه الحسين (ع) وقص رؤياه على أهل بيته فاشتد حزنهم وكثر بكاؤهم حتى ورد عن سكينة بنت الحسين (ع) قالت لم يكن في شرق الارض وغربها أهل بيت أشد خوفا وهما وغما منا آل بيت رسول الله (ص) . ولله در السيد حيدر الحلي حيث قال :

من أيـن تخجل أوجه أمويـة

 

سكبـت بلذات الفجور حيائهـا

ما بل أوجهها الحيا و لو انهـا

 

قطع الصفا بـل الحيا ملسائهـا

قهرت بني الزهراء في سلطانها

 

واستأصلـت بصفاحها أمرائهـا

ملكت عليها الأمر حتى حرمت

 

في الأرض مطرح جنبها وثوائها

ضاقت بها الدنيا فحيث توجهت

 

رأت الحتـوف أمامها وورائهـا

فاستوطنت ظهر الحمام وحولت

 

للعز عن ظهـر الهوان وطائهـا

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

عصر ظهور المذاهب الاسلامية
واقع ﺍﻏﺘﻴﺎﻝ ﻋﺎﺋﺸﺔ
أمير المؤمنين شهيد المحراب
كربلاء ؛ حديث الحق والباطل
الشيعة وإحياؤهم ليوم عاشوراء
في تقدم الشيعة في علم الصرف ، وفيه صحائف -2
تأملات وعبر من حياة أيوب (ع)
تاريخ الثورة -6
من مناظرات الامام الصادق(عليه السلام)
من خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله ...

 
user comment