علي(ع) وكشف المنهج الباراغماتي:
ليس هناك ادقّ واوضح صورة، وحجّة لا يشوبها التاويل من قولعلي(ع) وهو يصف بشقشقيّته المنهج الباراغماتي لدور الخلفاء الثلاثةفي اغتصاب حقّه من الخلافة فيقول(ع): «اما والله لقد تقمّصها فلان، واءنّه ليعلمانّ محلي منها محلّ القطب من الرّحي...» واللطيف في التفسير ما ذهب اءليهالشيخ محمد جواد مغنية: (ما هذا؟ هل هو حرقة وتلهف علي الخلافة،كما يتراءي للاغبياء؟ حاشا لمن قال: «اءنّ دنياكم عندي لاهون من ورقة في فمجرادة تقضمها». وكلنا يعلم ان علياً يفعل ما يقول، ولا يقول ما لا يفعل،واءذن فما هو السرّ لهذه الشكوي وهذا التظلّم؟ السرّ واضح، لا اءبهام فيه ـوالقول للشيخ مغنية ـ اءنّه نفس الشيء الذي اشعر به انا وانت، وكلّ اءنسانحين ينتهب ثوبه عن بدنه ناهب او غاصب، نقول هذا مع الاءيمان والعلمبانّ علياً احرص علي مصالح الناس من الناس انفسهم، وانّه لا يرضي ولايغضب اءلاّ لله وحده... هذا، اءلي انها نفثة مصدور هدرت ثم قرّت.)
ثم يستمر الاءمام علي(ع) في توضيح ا´لية المنهج الباراغماتي فيتناقل الخلافة: «.. اري تراثي نهباً حتي مضي الاوّل لسبيله فادلي بها اءلي فلان بعده
شتان مايومي علي كُورهاويومُ حيّان اخي جابر
فيا عجباً! بينا هو يستقيلها في حياته اءذ عقدها لا´خر بعد وفاته لشدّ ما تشطّراضرعيها، فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسّها ويكثر العثار فيهاوالاعتذار منها، فصاحبها (لاحظ، حالة المجتمع الاءسلامي ا´نذاك) كراكبالصّعبة اءن اشنق لها خَرَم، واءن اسلس لها تقحّم فمني الناس لعمر الله بخبطٍ وشماسوتلوّنٍ واعتراض، فصبرت علي طول المدّة وشدّة المحنة...».
فهذا ابلغ صورة لهذا المنهج الذي قاله(ع) حول تجمع ما يسميبالشوري واختيار عثمان؛ وهو يصف التحالفات المُسبقة وا´لية الانتخابونوعية الحضور نسبُهم القرابي مع بعضهم فيقول(ع):
«حتي اءذا مضي لسبيله، جعلها في جماعةٍ، زعم انّي احدهم، فيالله وللشوري متياعترض الرّيبُ فيَّ مع الاوّل منهم حتّي صرت اُقرن اءلي هذه النّظائر، لكنّي اسففتُ اءذاسفوا وطِرتُ اءذا طاروا، فصغي رجلُ منهم لضغنه ومال الا´خر لصهره مع هَنِ وَهَنٍ اءليان قام ثالث القوم نافجاً حضينه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو ابيه يخضمون مالَ اللهخضمة الاءبل نبتة الربيع اءلي ان انتكث فَتْله، واجهز عليه عمله وكبت به بطنتُهُ».
ومن خطبة اُخري له(ع)، يصف فيها معاوية وسياسته العدائية تجاهالمنهج القيميّ: «اما اءنّه سيظهر عليكم بعدي رجلٌ رحب البلعوم مندحق البطن ياكلّما يجد ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه ولن تقتلوه، الا واءنّه سيامركم بسبّي والبراءة منّي،فامّا السبّ فسبّوني فاءنّه لي زكاةٌ ولكم نجاة. واما البراءة فلا تتبراوا منّي فاءنّي وُلِدتعلي الفطرة، وسبقت اءلي الاءيمان والهجرة».
ومن خطبةٍ له ايضاً(ع) وهو يكشف فيها ماهو اخطر من الحكّامالظّلمة، اُولئك هم الزّهاد الدجّالون الذين يتظاهرون بالزهد رياءً ونفاقاً،حتّي اءذا تقرّبوا من الطغاة كانوا لهم اعواناً وانصاراً، فيقول علي(ع) فيوصفهم: «ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الا´خرة، ولا يطلب الا´خرة بعمل الدنيا، قدطامن من شخصه، وقارب من خطوه، وشمّر من ثوبه، وزخرف من نفسه للامانة،واتّخذ ستر الله ذريعةً اءلي المعصية».
الحسين(ع) وكشف المنهج الباراغماتي:
الحسين يواجه معاوية
عندما اراد معاوية تنصيب يزيد، اُشير عليه بالذهاب اءلي المدينة،وعرض الامر علي ا´ل البيت: حتي يستطيع ان يكسب لحكم ابنه(يزيد) الشرعية، عمل معاوية ذلك وبينما هو يعرض الامر ويضفيالالقاب والكُني الفخمة علي ابنه، واءذا بالاءمام الحسين(ع) يلقي خطبتهموعظاً ومتحديّاً لمعاوية:
«اما بعد يا معاوية، فلن يؤدّي المادح واءن اطنب في صفة الرسول(ص) وقدفهمت ما لبّست به الخلف بعد رسول الله(ص) من اءيجاز الصفة، والتنكب عن استبلاغالنعت، وهيهات هيهات يا معاوية! فضح الصبح فحمة الدجي'، وبهرت الشمس انوارالسرج، ولقد فضّلت حتي افرطت، واستاثرت حتي اجحفت، ومنعت حتّي بخلت،وجُرت حتي تجاوزت، ما بذلت لذي حقّ من اسم حقّه من نصيب حتي اخذ الشيطانحظّه الاوفر ونصيبه الاكمل».
ثم يؤكّد الاءمام(ع): «وفهمت ما ذكرته عن يزيد عن اكتماله، وسياسته لاُمّةمحمّد(ص)، تريد ان توهم الناس في يزيد كانّك تصف محجوباً او تنعت غائباً، اوتخبرعمّا كان ممّا احتويته بعلم خاص، وقد دلّ يزيد من نفسه علي موقع رايه، فخذليزيد فيما اخذ به من استفرائه الكلاب المهارشة عن التحارش، والحمام السبقلاترابهنّ، والقيان ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده ناصراً».
ثم يستخدم الاءمام الاُسلوب الوعظي لمعاوية قائلاً:
«ودع عنك ما تحاول، فما اغناك ان تلقي الله بوزر هذا الخلق باكثر ممّا انتلاقيه! فوالله ما برحت تقدح باطلاً في جورٍ وحنقاً في ظلمٍ حتي ملات الاسقية، ومابينك وبين الموت اءلاّ غمضة، فتقدم علي عملٍ محفوظ في يوم مشهود، ولات حينمناص، ورايتك عرّضت بنا بعد هذا الامر، ومنعتنا عن ابنائنا تراثاً ولعمر الله لقد اورثناالرسول(ص) ولادة، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسول(ص) فاذعنللحجّة بذلك وردّه الاءيمان اءلي النصف. فركبتم الاعاليل وفعلتم الافاعيل، وقلتم كانويكون حتي اتاك الامر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك، فهناك فاعتبروا يااُولي الابصار.
رسالة الاءمام(ع):
من رسالة الاءمام الحسين(ع) ردّاً علي رسالة معاوية، يحمّله فيهامسؤوليات جميع ما حصل للبلاد والعباد من فقدان الامن وسفك الدماءونهب الثروات وتعريض البلاد في الازمات، وتعدّ هذه الرسالة من اروعالوثائق التاريخية التي سجلت سياسة عهد معاوية.
فيقول (ع) في بدء رسالته:
«امّا بعد، بلغني كتابك تذكر فيه انّه انتهت اءليك عنّي اُمور انت عنها راغب وانابغيرها عندك جدير، واءنّ الحسنات لا يهدي لها المشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بينالجمع، وكذب الغاوون، ما اردت لك حرباً ولا عليك خلافاً، واءنّي لاخشي' الله في تركذلك منك، ومن الاءعذار فيه اءليك واءلي' اوليائك القاسطين حزب الظلمة» (لاحظالتقريع والفضح في اُسلوب الاءمام، فاراد ان يشعره بفداحة الاءثم الذياقترفه، من ظلمٍ واضطهاد، وتجويع وتحريف للدين، واختلاس اموالالاُمّة، ثمّ يستطرد الاءمام(ع) مُذكّراً اءيّاه:
«الست القاتل حجر بن عدي اخا كندة واصحابه، المصلّين العابدين الذين كانواينكرون الظلم، ويستعظمون البدع، ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولايخافون في الله لومة لائم؟ قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما اعطيتهم الايمان المغلّظةوالمواثيق المؤكّدة، جراةً علي الله واستخفافاً بعهده.
اولست قاتل عمرو بن الحمق الخزاعي صاحب رسول الله(ص) العبد الصالحالذي ابلته العباده فنحل جسمه واصفرّ لونه؟ فقتلته بعد ما امّنته واعطيته ما لو فهمتهالعصم لنزلت من رؤوس الجبال.
اولست بمدّعي زياد بن سمية المولود علي فراش عبيد ثقيف، فزعمت انه ابنابيك؟ وقد قال رسول الله(ص): «الولد للفراش وللعاهر الحجر» فتركت سنّةرسولالله(ص) تعمّداً، وتبعت هواك بغير هديً من الله، ثم سلّطته علي اهل الاءسلاميقتلهم ويقطع ايديهم وارجلهم ويسملُ اعينهم ويصلبهم علي جذوع النخل، كانّكلست من هذه الاُمّة وليسوا منك.
اولست قاتل الحضرمي الذي كتب فيه اءليك زياد انّه علي دين علي«كرّم اللهوجهه فكتبت اءليه ان اقتل كلّ من كان علي دين عليّ؟ فقتلهم ومثّل بهم بامرك، ودينعليّ هو دين ابن عمّه(ص) الذي اجلسك مجلسك الذي انت فيه، ولولا ذلك لكانشرفك وشرف ا´بائك تجشّم الرحلتين رحلة الشتاء ورحلة الصيف.
وقلت فيما قلت: اُنظر لنفسك ودينك ولاُمّة محمد(ص) واتّق شقّ عصا هذه الاُمّةوان تردّهم اءلي فتنةٍ، واءني لا اعلم فتنةً اعظم علي هذه الاُمّة من ولايتك عليها، ولااعظم لنفسي ولديني ولاُمّة محمد(ص) افضل من ان اُجاهرك؛ فاءن فعلت فاءنه قربة اءليالله، واءن تركته فاءنّي استغفر الله لديني واساله توفيقه لاءرشاد امري.
وقلت فيما قلت: اءنّي اءن انكرتك تنكرني، واءن اكدك تكدني، فكدني ما بدا لك،فاءنّي ارجو ان لا يضرّني كيدك، وان لا يكون علي احدٍ اضرّ منه علي نفسك، لانّك قدركبت جهلك وتحرّصت علي نقض عهدك، ولعمري ما وفيت بشرطٍ، ولقد نقضتعهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والايمان والعهود والمواثيق، فقتلتهممن غير ان يكونوا قاتلوا او قُتلوا، ولم تفعل ذلك بهم اءلاّ لذكرهم فضلنا وتعظيمهمحقّنا، مخافة امرٍ لعلّك اءن لم تقتلهم مُتّ قبل ان يفعلوا، او ماتوا قبل ان يدركوا.
ثم ينتهي الاءمام(ع) بنصحه لمعاوية لعلّه يستفيق من سباته الظالموحكمه الجائر:
فابشر يا معاوية بالقصاص، واستيقن بالحساب، واعلم انّ لله تعالي كتاباً لا يغادرصغيرةً ولا كبيرة اءلاّ احصاها، وليس الله بناس لاخذك بالظنّة، وقتلك اولياءه عليالتُّهم، ونفيك اءياهم من دورهم اءلي دار الغربة، واخذك الناس ببيعة ابنك الغلامالحدث، يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب، ما اراك اءلاّ قد خسرت نفسك، وبترتدينك، وغَشَشْتَ رعيّتك، وسمعت مقالة السفيه الجاهل، واخفت الورع التقيّ».