عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

تاريخ الثورة -5

عليه صاحباه وعمر نفسه يشهد لأبي بكر بأنّه كان مداوراً سياسياً بارعاً في يوم السقيفة في حديث طويل له يصفه فيه بأنّه أحسد قريش(1).
ونجد فيما يروي عن الخليفتين في أيام رسول الله (ص) ما يدل على هوى سياسي في نفسيتهما وانهما كانا يفكران في شيء على أقل تقدير فقد ورد في طرق العامة ان رسول الله (ص) قال : ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فقال أبو بكر أنا هو يا رسول الله قال : لا ، قال عمر : أنا هو يارسول الله ، قال : لا ولكن خاصف النعل يعني علياً.
والمقاتلة على التأويل انما تكون بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والمقاتل لابد أن يكون أمير الناس فتلهف كل من أبي بكر وعمر على أن يكون المقاتل على التأويل مع ان القتال على التنزيل كان متيسراً لهما في ايام رسول الله (ص) ولم يشاركا فيه بنصيب قد يدل على ذلك الجانب الذي نحاول ان نستكشفه في شخصيتهما.
بل اريد ان اذهب أكثر من هذا فألاحظ ان اناساً متعددين كانوا يعملون في صالح أبي بكر وعمر(2) وفي مقدمتهما عائشة وحفصة اللتان اسرعتا باستدعاء والديهما عندما طلب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حبيبه في لحظاته الأخيرة التي كانت تجمع دلائل الظروف على
____________
(1) راجع شرح النهج ج1 ص 125.
(2)
وقد سئل النبي صلى الله عليه وآله عندما هدد طائفة من قريش برجل قرشي امتحن الله قلبه للايمان يضرب رقابهم على الدين ان ذلك الرجل هل هو ابو بكر فقال لا فقيل فعمر قال لا الخ ، راجع مسند أحمد ج 3 ص 33 والرواية تهمل اسم السائل الذي توهم ان الشخص الذي وصفه النبي صلى الله عليه وآله هو أبو بكر أو عمر واذا لم يكن أبو بكر وعمر معروفين بشجاعة وبسالة في المشاهد الحربية على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فلابد أن أمرا آخر دعى السائل الى ان يسأل ذينك السؤالين والبقية اتركها لك.


( 58 )


انها الظرف الطبيعي للوصية ولابد انهما هما اللتان عنتهما الرواية التي تقول ان بعض نساء النبي ارسلن رسولا الى اسامة لتأخيره عن السفر(1) فاذا علمنا هذا وعلمنا ان هذا لم يكن باذن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والا لما أمره بالاسراع بالرحيل لما قدم عليه بعد ذلك وان سفره مع من معه كان يعيق عن تحقق النتائج التي انتجها يوم السقيفة خرجت لدينا قضية مرتبة الحلقات على اسلوب طبيعي يعزر ما ذهبنا اليه من رأي.
ومذهب الشيعة في تفسير ما قام به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من تجنيد جيش اسامة معروف وهو انه احس بأن اتفاقاً ما بين جملة من أصحابه على أمر معين ، وقد يجعل هذا الاتفاق منهم جبهة معارضة لعلي.
ونحن ان شككنا في هذا فلا نشك في أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد جعل أبا بكر وعلياً في كفتي الميزان مراراً امام المسلمين جميعاً ليروا بأعينهم انهما لا يستويان في الميزان العادل والا فهل ترى اعفاء أبي بكر من قراءة التوبة على الكافرين بعد ان كلف بذلك امراً طبيعياً ولماذا انتظر الوحي وصول الصديق الى منتصف الطريق لينزل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويأمره باسترجاعه وارسال علي للقيام بالمهة أفكان عبثاً أو غفلة أو امراً ثالثاً وهو ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أحس بأن المنافس المتحفز لمعارضة ابن عمه ووصيه هو أبو بكر فشاء وشاء له ربه تعالى أن يرسل ابا بكر ثم يرجعه بعد ان يتسامع الناس جميعاً بارساله ليرسل علياً الذي هو كنفسه ليوضح للمسلمين مدى الفرق بين الشخصين وقيمة هذا المنافس الذي لم يأتمنه الله على تبليغ سورة الى جماعة فكيف بالخلافة والسلطنة المطلقة.
____________
(1) راجع الجزء الاول من شرح النهج ص 53.


( 59 )


اذن فنخرج من هذا العرض الذي فرض علينا الموضوع ان نختصره بنتيجتين : الاولى : ان الخليفة كان يفكر في الخلافة ويهواها وقد أقبل عليها بشغف ولهفة.
الثانية ان الصديق والفاروق وأبا عبيدة كانوا يشكلون حزباً سياسياً مهما لا نستطيع ان نضع له صورة واضحة الخطوط ، ولكنا نستطيع ان نؤكد وجوده بدلائل متعددة ، ولا ارى في ذلك ما ينقص من شأنهم أو يحط من مقامهم ، ولا بأس عليهم ان يفكروا في أمور الخلافة ويتفقوا فيها على سياسة موحدة اذا لم يكن لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نص في الموضوع ولا يبرؤهم اذا كان النص ثابتاً بعدهم عن الهوى السياسي وارتجال فكرة الخلافة في ساعة السقيفة من المسؤولية أمام الله وفي حكم الضمير.

* * *


لست الآن بصدد تحليل الموقف الذي اشتبك فيه الأنصار مع أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وشرح ما يدل عليه من نفسية المجتمع الاسلامي ومزاجه السياسي وتطبيق قصة السقيفة على الاصول العميقة في الطبيعة العربية ، فان ذلك كله خارج عن الحدود القريبة للموضوع وانما أريد ان ألاحظ ان الحزب الثلاثي الذي قدر له ان يلي الامور يومئذ كان له معارضون على ثلاثة اقسام :
الاُول : ـ الانصار الذين نازعوا الخليفة وصاحبيه في سقيفة بني ساعدة ووقعت بينهم المحاورة السابقة التي انتهت بفوز قريش بسبب تركز فكرة الوراثة الدينية في الذهنية العربية وانشقاق الانصار على انفسهم لتمكن النزعة القبلية من نفوسهم.


( 60 )


الثاني : ـ الأمويون الذين كانوا يريدون أن يأخذوا من الحكم بنصيب ويسترجعوا شيئاً من مجدهم السياسي في الجاهلية وعلى رأسهم أبو سفيان.
الثالث : ـ الهاشميون واخصاؤهم كعمار وسلمان وأبي ذر والمقداد رضوان الله عليهم وجماعات من الناس الذين كانوا يرون البيت الهاشمي هو الوارث الطبيعي لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بحكم الفطرة ومناهج السياسة التي كانوا يألفونها.
واشتبك أبو بكر وصاحباه في النزاع مع القسم الاول في سقيفة بني ساعدة وركزوا في ذلك الموقف دفاعهم عما زعموا من حقوق على نقطة كانت ذات وجاهة في نظر كثير من الناس فان قريشاً ما دامت عشيرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وخاصته فهي أولى به من سائر المسلمين وأحق بخلافته وسلطانه.
وقد انتفع أبو بكر وحزبه باجتماع الانصار في السقيفة من ناحيتين :
(
الاولى ) ان الانصار سجلوا على انفسهم بذلك مذهباً لا يسمح لهم بأن يقفوا بعد ذلك الى صف علي ويخدموا قضيته بالمعنى الصحيح كما سنوضحه قريباً.
(
الثانية ) ان أبا بكر الذي خدمته الظروف فاقامت منه المدافع الوحيد عن حقوق المهاجرين في مجتمع الانصار لم يكن ليتهيأ له ظرف أوفق بمصالحه من ظرف السقيفة اذ خلا الموقف من أقطاب المهاجرين الذين لم يكن لتنتهي المسألة في محضرهم الى نتيجتها التي سجلتها السقيفة في ذلك اليوم.
وخرج أبو بكر من السقيفة خليفة وقد بايعه جمع من المسلمين الذين اخذوا بوجهة نظره في مسألة الخلافة او عز عليهم ان يتولاها سعد بن عبادة.


( 61 )


ولم يعبأ الحاكمون بمعارضة الامويين وتهديد أبي سفيان وما أعلنه من كلمات الثورة بعد رجوعه من سفره الذي بعثه فيه رسول الله (ص) لجباية الاموال لعلمهم بطبيعة النفس الاموية وشهواتها السياسية والمادية فكان من السهل كسب الامويين الى جانب الحكم القائم كما صنع أبو بكر فأباح لنفسه أو أباح له عمر بتعبير أصح كما تدل الرواية(1) أن يدفع لأبي سفيان جميع ما في يده من أموال المسلمين وزكواتهم(2) ثم جعل للأمويين بعد ذلك حظاً من العمل الحكومي في عدة من المرافق الهامة.
وهكذا نجح الحزب الحاكم في نقطتين ولكن هذا النجاح جره الى تناقض سياسي واضح لأن ظروف السقيفة كانت تدعو الحاكمين الى أن يجعلوا للقرابة من رسول الله (ص) حساباً في مسألة الخلافة ويقروا مذهب الوراثة للزعامة الدينية غير ان الحال تبدلت بعد موقف السقيفة والمعارضة اتخذت لها لوناً جديداً وواضحاً كل الوضوح يتلخص في أن قريشاً اذا كانت أولى برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من سائر العرب لأنه منها فبنو هاشم أحق بالأمر من بقية قريش.
وهذا ما أعلنه علي حين قال : اذا احتج عليهم المهاجرون بالقرب من رسول الله (ص) كانت الحجة لنا على المهاجرين بذلك قائمة فان فلجت حجتهم كانت لنا دونهم والا فالانصار على دعوتهم ، واوضحه العباس لابي بكر في حديث له معه اذ قال له : وأما قولك نحن شجرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فانكم جيرانها ونحن أغصانها.
____________
(1) راجع شرح النهج الجزء الاول ص 130.
(2)
قد نستطيع ان نجيب على ضوء هذه القصة عما عرض لنا من سؤال في بداية هذا الفصل عن موقف الخليفتين لو قدر لهما أن يقفا موقف علي الذي كان يفرض عليه ان يغري كثيراً من أمثال أبي سفيان بالمال والجاه.


( 62 )


وقد كان علي الذي تزعم معارضة الهاشميين مصدر رعب شديد في نفوس الحاكمين لأن ظروفه الخاصة كانت تمده بقوة على لونين من العمل الايجابي ضد الحكومة القائمة : ـ
(
احدهما ) ضم الاحزاب المادية الى جانبه كالأمويين والمغيرة بن شعبة وأمثالهم ممن كانوا قد بدأوا يعرضون أصواتهم للبيع ويفاوضون الجهات المختلفة في اشترائها بأضخم الأثمان كما نعرف ذلك من كلمات أبي سفيان التي واجه بها خلافة السقيفة يوم وصوله الى المدينة وحديثه مع علي وتحريضه له على الثورة وميله الى جانب الخليفة وسكوته عن المعارضة حينما تنازل له الخليفة عن أموال المسلمين التي كان قد جباها في سفره وموقف عتاب بن أسيد الذي سنشير الى سره في هذا الفصل.
واذن فقد كان الهوى المادي مستولياً على جماعة من الناس يومئذ.
ومن الواضح ان علياً كان يتمكن من اشباع رغبتهم بما خلفه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الخمس وغلات أراضيه في المدينة وفدك التي كانت ذات نتاج عظيم كما عرفنا في الفصل السابق.
والطور الآخر من المقاومة التي كان علي مزوداً بامكانياتها ما لمح اليه بقوله : احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة ، وأعني بذلك أن الفكرة العامة يومئذ التي اجمعت على تقديس أهل البيت والاعتراف لهم بالامتياز العظيم بقربهم من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كانت سنداً قوياً للمعارضة.
وقد رأى الحزب الحاكم ان موقفه المادي حرج جداً لأنّ اطراف المملكة التي تجبى منها الأموال لا تخضع للحكم الجديد الا إذا استقرت دعائمه في العاصمة والمدينة بعد لم تخضع له خضوعاً اجماعياً.
ولئن كان أبو سفيان أو غير أبي سفيان قد باع صوته للحكومة فمن الممكن أن يفسخ المعاملة اذا عرض عليه شخص آخر اتفاقاً أكثر منها


( 63 )


ربحاً وهذا ما كان يستطيع علي أن يقوم به في كل حين فيجب والحالة هذه أن تنتزع من علي الذي لم يكن مستعداً للمقابلة في تلك الساعة الأموال التي صارت مصادر من مصادر الخطر على مصالح الحزب الحاكم ليضمن بقاء الأنصار على نصرتهم وعدم قدرة المعارضين على انشاء حزب من أصحاب المطامع والأهواء يومذاك.
ولا يجوز ان نستبعد هذا التقدير لسياسة الفئة المسيطرة ما دام منطبقاً على طبيعة السياسة التي لابد من انتاجها. وما دمنا نعلم ان الصديق اشترى صوت الحزب الأموي بالمال فتنازل لأبي سفيان عن جميع من كان عنده من أموال المسلمين وبالجاه أيضاً اذ ولى ابن أبي سفيان فقد جاء ان أبا بكر لما استخلف قال أبو سفيان مالنا ولأبي فصيل انما هي بنو عبدمناف فقيل له انه قد ولى ابنك قال : وصلته رحم(1).
فلا غرابة في ان ينتزع من أهل البيت اموالهم المهمة ليركز بذلك حكومته أو أن يخشى من علي (ع) ان يصرف حاصلات فدك وغير فدك على الدعوة الى نفسه.
وكيف نستغرب ذلك من رجل كالصديق وهو الذي قد اتخذ المال وسيلة من وسائل الاغراء واكتساب الأصوات حتى اتهمته بذلك معاصرة له من مؤمنات ذلك الزمان فقد ورد ان الناس لما اجتمعوا على أبي بكر قسم قسماً بين نساء المهاجرين والأنصار فبعث الى امرأة من بني عدي بن النجار قسمها مع زيد بن ثابت فقالت : ما هذا ؟ قال : قسم قسمه أبو بكر للنساء قالت : اتراشوني عن ديني والله لا اقبل منه شيئاً فردته عليه(2).
____________
(1) راجع تاريخ الطبري ج3 ص202.
(2)
شرح النهج ج1 ص133.


( 64 )


وأنا لا أدري من اين جاء الى الخليفة ( رضي الله تعالى عنه ) هذا المال ما دامت الزكوات التي جمعها الساعي قد صارت من نصيب بطنه وحدها ان لم يكن من بقية الاموال التي خلفها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكان اهل البيت يطالبون بها.
وسواء اصح هذا التقدير او لا فان المعنى الذي نحاول فهمه من هذه الرواية هو أن بعض معاصري الصديق احس بما نحس به على ضوء معلوماتنا التاريخية عن تلك الأيام.
ولا ننس ان نلاحظ ان الظروف الاقتصادية العامة كانت تدعو الى الارتفاع بمالية الدولة والاهتمام باكثارها استعداداً للطوارىء المترقبة فلعل هذا حدى بالحاكمين الى انتزاع فدك كما يتبين ذلك بوضوح من حديث لعمر مع أبي بكر يمنعه فيه عن تسليم فدك الى الزهراء ويعلل ذلك بان الدولة في حاجة الى المال لا نفاقه في توطيد الحكم وتأديب العصاة والقضاء على الحركات الانفصالية التي قد يقوم بها المرتدون.
ويظهر من هذا رأي للخليفتين في الملكية الفردية هو ان للخليفة الحق في مصادرة اموال الناس لانفاقها في امور المملكة وشؤون الدولة العامة بلاتعويض ولا استئذان فليس للفرد ملكية مستقرة لامواله وعقاره في حال احتياج السلطات الى شيء منها وقد ذهب الى هذا الرأي كثير من الخلفاء الذين انتهى اليهم الامر بعد أبي بكر وعمر فامتلأ تأريخهم بالمصادرات التي كانوا يقومون بها غير ان أبا بكر لم يطبق هذا الرأي الا في املاك بنت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خاصة.
وقد تردد الحزب الحاكم في معالجة الاسلوب الثاني من المعارضة بين اثنتين : ـ
«
احداهما » : أن لا يقر للقرابة بشأن في الموضوع ومعنى هذا انه ينزع عن خلافة أبي بكر ثوبها الشرعي الذي البسها اياه.


( 65 )

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

في تقدم الشيعة في علم الصرف ، وفيه صحائف -2
تأملات وعبر من حياة أيوب (ع)
تاريخ الثورة -6
من مناظرات الامام الصادق(عليه السلام)
من خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله ...
الكعبة‌
صموئيل النبي (ع)
خطبة الإمام الحسين ( عليه السلام ) الأولى يوم ...
حقيقة معنى الانتقال من الأمويين الى العباسيين
خالد بن الوليد و الطوق في الجيد

 
user comment